الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل طريقة الأشاعرة في إثبات المعجزات
ولمّا أرادوا1 إثبات معجزات الأنبياء عليهم السلام، وأنّ الله سبحانه لا يُظهرها على يد كاذب، مع تجويزهم عليه فعل كلّ شيء2، [فتقوا فتقاً] 3، فقالوا: لو جاز ذلك، لزم أن لا يقدر على تصديق من ادعى النبوة. وما لزم منه نفي القدرة كان ممتنعا. فهذا هو المشهور عن الأشعري، وعليه اعتمد القاضي أبو بكر، [وابن فورك] 4، والقاضي أبو يعلى، [وغيرهم]56.
1 أي الأشاعرة. وانظر: الإرشاد للجويني؛ فقد ذكر أنّ المعتزلة "قالوا: إذا جوّزتم أن يُضلّ الربّ عباده، ويُغويهم، ويُرديهم، فما يؤمنكم من إظهار المعجزات على أيدي الكذّابين". الإرشاد للجويني ص 326.
2 انظر: المواقف في علم الكلام للإيجي ص 331. وانظر: شرح الأصفهانية لشيخ الإسلام 2616-624.
3 رسمت في ((خ)) : فبقوا مما. وفي ((م)) ، و ((ط)) : فعوا معا.
وقد ذكر شيخ الإسلام كلمة مماثلة في موضع آخر من هذا الكتاب ص 488، هي: فتقوا فتقاً. فترجح لديّ أنّها المرادة، والله أعلم.
4 ما بين المعقوفتين ملحق في هامش ((خ)) .
5 في ((خ)) : (وغيرهم وغيرهم) مكررة.
6 فعندهم أنّ الخوارق لا تظهر على يد مدعي النبوة إذا كان كاذباً، حتى يتميز المتنبي من غير النبيّ. أمّا إذا لم يدّع النبوة، فلا مانع من ظهور الخوارق.
انظر: البيان للباقلاني ص 48، 94، 95، 105. والإرشاد للجويني ص 319، 326، 327. ونهاية الإقدام للشهرستاني ص 434. والمواقف في علم الكلام للإيجي ص241-242. وتفسير الرازي 3214-215. وشرح المقاصد للتفتازاني 518. وانظر من كتب ابن تيمية: الجواب الصحيح 6394، 398. ودرء تعارض العقل والنقل 940.
وهو مبني على مقدمات.:
أحدها: أن النبوة لا تثبت إلا بما ذكروه من المعجزات1، وأن الرب لا يقدر على إعلام الخلق بأن هذا نبيّ إلا بهذا الطريق، وأنه لا يجوز أن يعلموا ذلك ضرورة، وأن إعلام الخلق بأن هذا نبيّ بهذا الطريق ممكنٌ.
فلو قيل لهم: لا نُسلِّم أنّ هذا ممكنٌ على قولكم، فإنّكم إذا جوّزتم عليه فعلَ كلّ شيء، وإرادة كلّ شيء، لم يكن فرقٌ بين أن يُظهرها على يد صادق، أو كاذب، ولم يكن إرسال رسول [يصدقه] 2 بالمعجزات ممكناً على أصلكم، ولم يكن لكم حجة على جواز إرسال الرسول وتصديقه بالمعجزات؛ إذ كان لا طريق عندهم إلا خلق المعجز. وهذا إنّما يكون دليلاً إذا علم أنّه إنّما خلقه لتصديق الرسول. وأنتم عندكم لا يفعل شيئاً لشيء، ويجوز عليه فعل كل شيء.3.
1 انظر: كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر للباقلاني ص 37-38. والإنصاف له ص 93. والإرشاد للجويني ص 331. وأعلام النبوة للماوردي ص 62. وشرح المقاصد للتفتازاني 519؛ فقد ذكروا أنّ الدلالة على ثبوت النبوة لا تكون إلا بالمعجزة الخارقة للعادة فقط.
وانظر ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه المقولة في: شرح الأصفهانية 2471، 491. والجواب الصحيح 6504. ودرء تعارض العقل والنقل 940.
2 في ((خ)) : بصدقه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
3 أي أنّكم أيها الأشاعرة عندكم أنّ الله لا يفعل لحكمة. فكيف يستقيم مع أصلكم، أن يخلق الله المعجزة لتصديق الرسول؟ أليس هذا فعلاً لحكمة؟!.
وانظر: الجواب الصحيح 6393-400. وشرح الأصفهانية 2616.
وسلك طائفة منهم طريقاً آخر؛ وهي طريقة أبي المعالي1، وأتباعه؛ وهو أنّ العلم بتصديقه لمن أظهر على يديه المعجز علمٌ ضروريٌ.
وضربوا له مثلاً بالملك2.
وهذا صحيح إذا مُنعت أصولهم؛ فإنّ هذه تُعلِم إذا كان المعلم بصدق رسوله ممّن يفعل شيئاً لحكمةٍ. فأمّا من لا يفعل شيئاً لشيءٍ، فكيف يُعلم أنّه خلق هذه المعجزة لتدلّ على صدقه لا لشيءٍ آخر؟ ولم لا يجوز أن يخلقها لا لشيءٍ على أصلهم3.
وقالوا أيضاً ما ذكره الأشعري: المعجز: علم الصدق، ودليله؛ فيستحيل وجوده بدون الصدق، فيمتنع وجوده على يد الكاذب4.
1 الجويني.
2 انظر: الإرشاد للجويني ص 313، 325-330. ولمع الاعتقاد له ص 71. وشرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ص 571. والمواقف للإيجي ص 341. وشرح المقاصد للتفتازاني 514. وتفسير القرطبي 151.
وانظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله على هذا المثل، وتعليقه عليه في: شرح الأصفهانية 2623-624. والجواب الصحيح 6397-399. ودرء تعارض العقل والنقل 944.
3 وشيخ الإسلام رحمه الله يُبيّن أنّ هذا من تناقضات أبي المعالي الجويني؛ حيث إنّه أثبت أنّ المعجزة معلومة بالاضطرار، وضرب مثال الملك الذي يفعل لحكمة.
وأبو المعالي ممن يُنكر الحكمة في أفعال الله، فلا يستقيم له هذا المثال؛ لأنّه مناقضٌ لأصولهم التي أصّلوها.
ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لكن يُقال لهم: الملك يفعل فعلاً لمقصود، فأمكن أن يُقال إنّه قام ليُصدّق رسوله. وأنتم عندكم أنّ الله لا يفعل شيئاً لشيء، فلم يبق المثل مطابقاً. ولهذا صاروا مضطربين في هذا الموضع". الجواب الصحيح 6397.
4 انظر: رسالة إلى أهل الثغر للأشعري ص 141، 183-184.
وانظر كذلك: كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر للباقلاني ص 37-38.
وقال الجويني: "وقد قال شيخنا رحمه الله: المعجزة فعلٌ لله تعالى، يقصد بمثله التصديق". الإرشاد له ص 309، 327. وانظر: شرح المقاصد 512. وأصول الدين للبغدادي ص 178.
وانظر كلام شيخ الإسلام عن هذا القول في: الجواب الصحيح 6399.
وهذا كلامٌ صحيحٌ، لكن كونه: علم الصدق، مناقضٌ لأصولهم؛ فإنّه إنّما يكون علم الصادق إذا كان الربّ منزّهاً عن أن يفعله على يد الكاذب، أو علم بالاضطرار أنّه إنّما فعله لتصديق الصادق، أو أنّه لا يفعله على يد الكاذب.
وإذا عُلم بالاضطرار تنزّهه عن بعض الأفعال بطل أصلهم1.
1 وكذلك يُوضّح شيخ الإسلام رحمه الله تناقضهم في قولهم: إنّ المعجزة دليلٌ على صدق النبيّ، ولا يُمكن أن يخلقها الله على يد كاذب؛ لأنّ من أصولهم أنّ الله لا يقبح منه شيء؛ فكلّ فعل ممكن لا يُنزّه عنه.
انظر مذهبهم في ذلك في: البيان للباقلاني ص 47-48، 91، 94، 96. والتمهيد له ص 385. والإنصاف له ص 62، 67. والإرشاد للجويني ص 238، 273. وأصول الدين للبغدادي ص 170، 174. وانظر أيضاً منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2419.
وهذا القول الله لا يقبح منه شيء من أصول الأشاعرة:
يقول الجويني: "إنه ما من أمر يخرق العوائد إلا وهو مقدور للرب تعالى ابتداء، ولا يمتنع وقوع شيء لتقبيح عقل". الإرشاد للجويني ص 319.
ويقول أيضاً: "ولا يمتنع عقلاً أن يفعل الربّ تعالى عند ارتياد الساحر ما سيستأثر بالاقتدار عليه؛ فإنّ كلّ ما هو مقدور للعبد، فهو واقع بقدرة الله تعالى". الإرشاد ص 322.
ويقول المازري: "ومذهب الأشعريّ أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك يقصد خوارق السحرة، وهو الصحيح عقلاً لأنه لا فاعل إلا الله". نقل عنه النووي في شرحه على صحيح مسلم 1475.
ويقول القرطبي: "قال علماؤنا: وينكر أن يظهر على يد الساحر خرق العادات مما ليس في مقدور البشر
…
ولا يكون الساحر مستقلاً به، وإنما يخلق الشبع عند الأكل، والريّ عند شرب الماء..". الجامع لأحكام القرآن 246-47.
ويظهر تناقض الأشاعرة جليّاً في دعواهم أنّ جنس المعجز يقع على يد الكاذب، وأنّه يمتنع وقوعه على يديه إذا ادّعى النبوّة. انظر: الإرشاد للجويني ص 322، 328. وشرح المقاصد للتفتازاني 518.