الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفى الأمير سيف الدين طقتمر «1» بن عبد الله الصلاحىّ نائب حمص بها. وكان من أعيان أمراء مصر. وقد مرّ ذكره أيضا فى تراجم أولاد الملك الناصر محمد ابن قلاوون.
وتوفى الشيخ شمس الدين محمد «2» بن محمد بن محمد [بن نمير] بن السراج بن نمير بن السراج فى شعبان؛ وكان كاتبا فاضلا مقرئا، وعنده مشاركة فى فنون.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. والله أعلم.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 748]
السنة الثانية من ولاية الملك المظفّر حاجّى على مصر، وهى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، على أنه قتل فى شهر رمضان منها، وحكم فى باقيها أخوه السلطان الملك الناصر حسن.
فيها توفى الأمير شمس الدين آق سنقر بن عبد الله الناصرى مقتولا بقلعة الجبل، وقد تقدّم ذكر قتله أن الملك المظفّر حاجّيّا أمر بالقبض على آق سنقر وعلى الحجازى بالقصر، ثم قتلا من ساعتهما تهبيرا بالسيوف فى يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وكان آق سنقر هذا اختصّ به أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون وزوّجه إحدى بناته وجعله أمير شكار، ثم أمير آخور، ثم نائب غزّة، وأعيد بعد موت الناصر فى أيام الملك الصالح إسماعيل ثانيا واستقرّ أمير آخور على عادته، ثم ولى نيابة طرابلس مدّة، ثم أحضر إلى مصر فى أيام الملك الكامل
شعبان، وعظم قدره، ودبّر الدولة فى أيام الملك المظفّر حاجىّ. ثم ثقل عليه وعلى حواشيه فوشوا به وبملكتمر حتى قبض عليهما وقتلهما فى يوم واحد.
وكان آق سنقر أميرا جليلا كريما شجاعا عارفا مدبّرا. وإليه ينسب جامع «1» آق سنقر
بخط التّبانة «1» خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير «2» .
وتوفّى الأمير سيف الدين بيدمر «3» البدرى مقتولا بغزة فى أوّل جمادى الآخرة، وهو أيضا أحد المماليك الناصرية وترقى إلى أن ولى نيابة حلب. وقد تقدّم ذكر مقتله فى ترجمة الملك المظفر حاجى. وإليه تنسب المدرسة «4» البيدمرية قريبا من مشهد الحسين رضى الله عنه.
وتوفّى قاضى القضاة «1» عماد الدين علىّ بن محيى الدين أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد الطّرسوسىّ الحنفى الدمشقى قاضى قضاة دمشق بها، عن تسع وسبعين سنة تقريبا، بعد ما ترك القضاء لولده وانقطع بداره للعبادة، إلى أن مات فى يوم الاثنين ثامن عشرين ذى الحجة. وكان منشؤه بدمشق، وقرأ الخلاف على الشيخ بهاء الدين «2» بن النحّاس، والفرائض على أبى العلاء «3» ، وتفقّه على جماعة من علماء عصره، وبرع فى عدّة علوم وأفتى ودرّس بعدّة مدارس. وكان كثيرة التلاوة سريع القراءة، قيل إنه كان يقرأ القرآن فى التروايح كاملا فى أقلّ من ثلاث ساعات بحضور جماعة من القرّاء. وتولّى قضاء دمشق بعد قاضى القضاة صدر «4» الدين على الحنفىّ فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة وحمدت سيرته. وكان أوّلا ينوب عنه فى الحكم. رحمه الله تعالى.
وتوفّى قاضى قضاة المالكية وشيخ الشيوخ بدمشق شرف الدين محمد بن أبى بكر ابن ظافر بن عبد الوهاب الهمدانىّ «1» فى ثالث المحرّم عن ثلاث وسبعين سنة. وكان فقيها عالما صوفيّا.
وتوفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرّخ صاحب التصانيف المفيدة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز [بن عبد الله «2» التّركمانىّ الأصل الفارقىّ] الذهبىّ الشافعىّ- رحمه الله تعالى- أحد الحفّاظ المشهورة فى ثالث ذى القعدة.
ومولده فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائه، وسمع الكثير ورحل البلاد، وكتب وألّف وصنّف وأرّخ وصحّح وبرع فى الحديث وعلومه، وحصّل الأصول وانتقى، وقرأ القراءات السبع على جماعة من مشايخ القراءات. استوعبنا مشايخه ومصنّفاته فى تاريخنا «المنهل الصافى» مستوفاة. ومن مصنفاته:«تاريخ الإسلام» وهو أجل كتاب نقلت عنه فى هذا التاريخ. وقال الشيخ صلاح الدين الصفدىّ- بعد ما أثنى عليه- قال: «وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه، ولم أجد عنده جمودة المحدّثين، ولا كودنة «3» النّقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات، وأعجبنى منه ما يعنيه فى تصانيفه، ثم إنه لا يتعدّى حديثا يورده حتى يبيّن ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن فى روايته، وهذا لم أر غيره يراعى هذه الفائدة» . وأنشدنى من لفظه لنفسه مضمّنا، وهو تخيّل جيّد إلى الغاية:[وافر]
إذا قرأ الحديث علىّ شخص
…
وأخلى موضعا لوفاة مثلى
فما جازى بإحسان لأنّى
…
أريد حياته ويريد قتلى
وتوفى الأمير الوزير نجم الدين محمود [بن على «1» ] بن شروين المعروف بوزير بغداد مقتولا بغزّة مع الأمير بيدمر البدرىّ فى جمادى الآخرة. وكان قدم من بغداد إلى القاهرة فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون، فلمّا سلّم على السلطان وقبّل الأرض ثم قبّل يده حطّ فى يد السلطان حجر «2» بلخش، زنته أربعون درهما، قوّم بمائتى ألف درهم، فأمّره السلطان وأعطاه تقدمة ألف بديار مصر. ثم ولى الوزر غير مرّة إلى أن أخرجه الملك المظفّر حاجّىّ إلى غزّة، وقتله بها هو وبيدمر البدرىّ وطغيتمر الدوادار، وكان- رحمه الله عاقلا سيوسا كريما محسنا مدبّرا، محمود الاسم والسيرة فى ولاياته، وهو ممّن ولى الوزر شرقا وغربا، وهو صاحب الخانقاه بالقرافة بجوار تربة كافور الهندىّ.
وتوفى الشيخ الإمام البارع المفتّن قوام الدين مسعود بن محمد «3» بن محمد بن سهل الكرمانى الحنفى بدمشق، وقد جاوز الثمانين سنة. وكان إماما بارعا فى الفقه والنحو
والأصلين واللغة، وله شعر وتصانيف، وسماه الحافظ عبد القادر فى الطبقات مسعود بن إبراهيم.
وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله الحجازىّ الناصرىّ قتيلا فى تاسع عشر شهر ربيع الآخر مع الأمير آق سنقر المقدّم ذكره. وكان أصل الحجازى من مماليك شمس الدين «1» أحمد بن يحيى بن محمد بن عمر الشّهرزورىّ البغدادى، فبذل فيه الملك الناصر محمد زيادة على مائة ألف درهم، حتى ابتاعه له منه المجد السلامىّ بمكة لمّا حجّ الشهرزورىّ، وقدم به على الناصر، فلم ير بمصر أحسن منه ولا أظرف فعرف بالحجازى، وحظى عند الملك الناصر، حتى جعله من أكابر الأمراء وزوّجه بإحدى بناته «2» . وكان فيه كلّ الخصال الحسنة، غير أنه كان مسرفا على نفسه منهمكا فى اللذّات، مدمنا على شرب الخمر، فكان مرتّبه منه فى كل يوم خمسين رطلا.
ولم يسمع منه فى سكره وصحوه كلمة فحش، ولا توسّط بسوء أبدا، هذا مع سماحة النفس والتواضع والشجاعة والكرم المفرط، والتجمّل فى ملبسه ومركبه وحواشيه.
وقد تقدّم كيفية قتله فى ترجمة الملك المظفّر هذا.
وتوفى الأمير طغيتمر بن «3» عبد الله النجمى الدوادار، صاحب الخانقاة «4» النجمية خارج باب المحروق من القاهرة مقتولا بغزّة مع بيدمر البدرىّ ووزير بغداد المقدّم
ذكرهما. وكان طغتمر من أجل أمراء مصر، وكان عارفا عاقلا كاتبا وعنده فضيلة ومشاركة. وكان مليح الشكل.
وتوفى الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوىّ الناصرىّ نائب الشام مقتولا بقلعة قاقون، تقدّم ذكر قتله فى ترجمة الملك المظفّر هذا. وكان يلبغا هذا أحد من شغف به أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمّر له الدار «1» العظيمة التى موضعها الآن مدرسة «2» السلطان حسن تجاه القلعة. ثم جعله أمير مائة ومقدّم ألف بالديار المصرية. ثم ولى بعد موت الملك الناصر حماة وحلب والشام. وعمّر بالشام الجامع المعروف بجامع يلبغا بسوق الخيل، ولم يكمّله، فكمّل بعد موته. وكان حسن الشكالة، شجاعا كريما، بلغ إنعامه فى كلّ سنة على مماليكه فقط مائة وعشرين فرسا وثمانين حياصة ذهب. وعاش أبوه بعده، وكان تركىّ الجنس، وتقلب فى هذه السعادة، ومات وسنه نيّف «3» على عشرين سنة.
وتوفى الأمير أرغون بن عبد الله العلائىّ قتيلا بالإسكندرية، وكان أرغون أحد المماليك الناصرية، رقّاه الملك الناصر محمد فى خدمته، وزوّجه أمّ ولديه:
الصالح «4» إسماعيل والكامل شعبان، وعمله لا لا لأولاده، فدبّر الدولة فى أيام ربيبه
الملك الصالح إسماعيل أحسن تدبير. ثم قام بتدبير ربيبه أيضا الملك الكامل شعبان، حتى قتل شعبان لسوء سيرته وأرغون ملازمه، فقبض على أرغون المذكور بعد الهزيمة وسجن بالإسكندرية إلى أن قتله الملك المظفّر حاجّىّ فيمن قتل، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى وقته. وأرغون هذا هو صاحب الخانقاه بالقرافة.
وكان عاقلا عارفا مدبرا سيوسا كريما، ينعم فى كل سنة بمائتين وثلاثين فرسا، ومبلغ أربعين ألف دينار. قال الشيخ صلاح الدين الصّفدى: وعظمت حرمته لما دبّر المملكة وكثرت أرزاقه وأملاكه، وصار أكبر «1» من النوّاب بالديار المصرية، وهو باق على وظيفته رأس نوبة الجمدارية، وجنديته إلى آخر وقت.
قلت: وهذا الذي ذكره صلاح الدين من العجب، كونه يكون مدبّر مملكتى الصالح والكامل، وهو غير أمير. انتهى.
وتوفّى جماعة من الأمراء بسيف السلطان الملك المظفّر حاجّىّ، منهم: الأمير أيتمش عبد الغنىّ والأمير تمر الموساوى الساقى والأمير قرابغا والأمير صمغار، الجميع بسجن الإسكندريّة، وهم من المماليك الناصرية محمد بن قلاوون، وقتل أيضا بقلعة الجبل الأمير غرلو فى خامس «2» عشرين جمادى الاخرة، وقد تقدّم التعريف بحاله عند قتله فى ترجمة الملك المظفّر حاجّىّ. وكان جركسىّ الجنس، ولهذا كان جمع الجراكسة على الملك المظفر حاجّىّ، لأنهم من جنسه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.