الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عربان العائذ وثعلبة وعرب الشام «1» وعرب الصعيد عن الطاعة، واشتدّ فسادهم لاختلاف كلمة مدبّرى المملكة.
وكان فى أيامه الفناء العظيم المقدّم ذكره، الذي لم يعهد فى الإسلام مثله. وتوالى فى أيامه شراقى البلاد وتلاف «2» الجسور، وقيام ابن واصل الأحدب ببلاد الصعيد، فاختلّت أرض مصر وبلاد الشام بسبب ذلك خللا فاحشا، كل ذلك من اضطراب المملكة واختلاف الكلمة، وظلم الأمير منجك وعسفه.
وأمّا الملك الناصر حسن المذكور كان فى نفسه مفرط الذكاء عاقلا، وفيه رفق بالرعيّة، ضابطا لما يدخل إليه وما يصرّفه كلّ يوم، متديّنا شهما، لو وجد ناصرا أو معينا، لكان أجلّ الملوك، يأتى بيان ذلك فى سلطنته الثانية، إن شاء الله تعالى.
وأما سلطنته هذه المرّة فلم يكن له من السلطنة إلا مجرّد الاسم فقط، وذلك لصغر سنه وعدم من يؤيّده. انتهى.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 749]
السنة الأولى من سلطنة الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد ابن قلاوون الأولى على مصر وهى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، على أنه حكم من الخالية من رابع عشر شهر رمضان.
فيها أعنى (سنة تسع وأربعين) كان الوباء العظيم المقدّم ذكره فى هذه الترجمه، وعمّ الدنيا حتى دخل إلى مكّة المشرّفة، ثم عمّ شرق الأرض وغربها، فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى.
فممّن مات فيه من الأعيان الشيخ المحدّث برهان الدين إبراهيم بن لاچين بن عبد الله الرشيدىّ الشافعىّ فى يوم الثلاثاء تاسع «1» عشرين شوّال. ومولده فى سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وكان أخذ القراءات عن التقىّ الصائغ «2» ، وسمع من الأبرقوهىّ «3» وأخذ الفقه عن العلم «4» العراقىّ، وبرع فى الفقه والأصول والنحو وغيره، ودرّس وأقرأ وخطب بجامع «5» أمير حسين خارج القاهرة سنين.
وتوفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مسعد بن أحمد بن ممدود السّنهورىّ المادح الضرير. وكانت له قدرة زائدة على النظم؛ ومدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعدّة قصائد. وشعره كثير إلى الغاية، لا سيما قصائده النبوية وهى مشهورة فى حفظ المدّاح «6» .
وتوفّى القاضى الإمام البارع الكاتب المؤرّخ المفتنّ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل الله بن المجلّى بن دعجان القرشىّ العدوىّ العمرىّ الدّمشقى الشافعىّ فى تاسع ذى الحجة بدمشق. ومولده فى ثالث شوّال سنة سبعمائة «7» . وكان إماما بارعا وكاتبا فقيها نظم كثيرا من القصائد والأراجيز
والمقطّعات، ودو بيت. وأنشأ كثيرا من التقاليد والمناشير والتواقيع، وكتب فى الإنشاء لمّا ولى والده كتابة سرّ دمشق، ثمّ لمّا ولى والده كتابة السرّ بمصر أيضا، صار ولده أحمد هذا هو الذي يقرأ البريد على الملك الناصر محمد بن قلاوون، وينفّذ المهمّات واستمرّ كذلك فى ولاية والده الأولى والثانية، حتى تغيّر السلطان عليه وصرفه فى سنة ثمان وثلاثين، وأقام أخاه علاء الدين عليّا، وكلاهما كانا يكتبان بحضرة والدهما ووجوده، نيابة عنه لكبر سنّه؛ وتوجه شهاب الدين إلى دمشق، حتى مات بها فى التاريخ المذكور. وكان بارعا فى فنون، وله مصنّفات كثيرة، منها تاريخه:
«مسالك الأبصار «1» ، فى ممالك الأمصار» فى أكثر من عشرين مجلدا. وكتاب «فواصل «2» السّمر، فى فضائل آل عمر» فى أربع مجلدات. «والدعوة المستجابة» ، «وصبابة المشتاق» فى مجلّد، فى مدح النّبىّ صلّى الله وسلم و [دمعة «3» الباكى]«ويقظة السّاهى «4» » و «نفحة الرّوض» .
قال الشيخ صلاح الدين خليل الصّفدىّ: وأنشدنى القاضى شهاب الدين ابن فضل الله لنفسه، ونحن على العاصى هذين البيتين:[البسيط]
لقد نزلنا على العاصى بمنزلة
…
زانت محاسن شطّيه حدائقها
تبكى نواعيرها العبرى بأدمعها
…
لكونه بعد لقياها يفارقها
قال: فأنشدته لنفسى: [الطويل]
وناعورة فى جانب النّهر قد غدت
…
تعبّر عن شوق الشّجىّ وتعرب
فيرقص عطف الغصن تيها لأنّها
…
تغنّى «5» له طول الزمان ويشرب
وتوفّى الأمير سيف الدين أطلمش «1» الجمدار؛ كان أوّلا من أمراء مصر، ثم حجوبية دمشق إلى أن مات، وكان مشكور السّيرة.
وتوفّى الأمير سيف الدين بلك بن عبد الله المظفّرىّ الجمدار، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية فى يوم الخميس رابع عشرين شوّال. وكان من أعيان الأمراء، وقد تقدّم ذكره فيما مرّ.
وتوفّى الأمير سيف الدين برلغى بن عبد الله الصغير، قريب السلطان الملك الناصر «2» محمد بن قلاوون، قدم إلى القاهرة صحبة القازانيّة سنة أربع وسبعمائة، فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة بديار مصر، وتزوّج بابنة الأمير بيبرس الجاشنكير قبل سلطنته، وعمل له مهمّا عظيما، أشعل فيه ثلاثة آلاف شمعة، ثم قبض عليه الملك الناصر بعد زوال دولة الملك المظفّر، وامتحن بسبب صهره، وحبسه الملك الناصر عشرين «3» سنة، ثمّ أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة الف، فدام على ذلك إلى أن مات. وبرلغى هذا يلتبس ببرلغى الأشرفى، كلاهما كان عضدا للملك المظفّر بيبرس الجاشنكير وكانا فى عصر واحد.
وتوفّى الأمير سيف الدين بلبان بن عبد الله الحسينىّ «1» المنصورىّ أمير جاندار، وقد أناف على ثمانين سنة، فإنه كان من مماليك الملك المنصور قلاوون.
وتوفى الأمير سيف الدين بكتوت بن عبد الله القرمانىّ المنصورىّ، أحد المماليك المنصوريّة قلاوون أيضا، وكان أحد البرجيّة. ثمّ ولى شدّ الدواوين بدمشق وحبسه الملك الناصر محمد بن قلاوون مدّة، لأنه كان من أصحاب المظفّر بيبرس، ثمّ أطلقه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بمصر. وكانت به حدبة فاحشة وولع، ويتتبّع المطالب والكيمياء، وضاع عمره فى البطّال.
وتوفّى الأمير سيف الدين تمربغا بن عبد الله العقيلىّ نائب الكرك فى جمادى الآخرة، وكان عاقلا شجاعا مشكور السيرة.
وتوفّى الشيخ الإمام «2» كمال الدين جعفر [بن ثعلب «3» بن جعفر] بن علىّ الأدفوىّ الفقيه الأديب الشافعىّ. كان فقيها بارعا أديبا مصنفا؛ ومن مصنفاته تاريخ الصعيد المسمّى «بالطالع السعيد فى تاريخ الصعيد «4» » وله مصنّفات أخر وشعر كثير.
وتوفى الأمير سيف الدين طشتمر بن عبد الله الناصرىّ، أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، المعروف بطلليه فى شوّال بالقاهرة، وقيل له: طلليه، لأنه كان إذا تكلّم قال فى آخر كلامه: طلليه. وهو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصّكيته، وصار من بعده من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وله تربة «5» بالصحراء معروفة به، وكان شجاعا مقداما.
وتوفّيت خوند طغاى أمّ آنوك زوجة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتركت مالا كثيرا جدّا، من ذلك ألف جارية، وثمانون طواشيا أعتقت الجميع وهى صاحبة التّربة «1» بالصحراء معروفة بها. وهى التى تولّت تربية السلطان الملك الناصر حسن بعد موت أمّه من أيام الملك الناصر محمد. وكانت من أعظم نساء وقتها وأحشمهنّ «2» وأسعدهنّ.
وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البارع صفىّ الدين عبد العزيز بن سرايا بن على بن [أبى «3» ] القاسم بن أحمد بن نصر بن أبى العزّ بن سرايا بن باقى «4» بن عبد الله السّنبسىّ «5» الحلّىّ الشاعر المشهور فى سلخ «6» ذى الحجة. ومولده فى خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة، وقدم القاهرة مرتين، ومدح الملك المؤيّد صاحب حماة، ومدح ملوك ماردين بنى أرتق، وله فيهم غرر القصائد، وتقدّم فى نظم الشعر.
ومدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالقصيدة المعروفة. ب «البديعيّة» وله «ديوان شعر كبير» ، وشعره سار شرقا وغربا. وهو أحد فحول الشعراء. وفيه يقول الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة:[الكامل]
يا سائلى عن رتبة الحلّىّ فى
…
نظم القريض راضيا بى أحكم
للشعر حلّيان ذلك راجح
…
ذهب الزمان به وهذا قيّم
ومن شعر الصفىّ الحلّىّ: [السريع]
أستطلع الأخبار من نحوكم
…
وأسأل الأرواح حمل السّلام
وكلّما جاء غلام لكم
…
أقول يا بشراى هذا غلام
ومن شعره قصيدته «1» التى أوّلها: [الكامل]
كيف الضلال وصبح وجهك مشرق
…
وشذاك فى الأكوان مسك يعبق
يا من إذا سفرت محاسن وجهه
…
ظلّت به حدق الخلائق تحدق
أوضحت عذرى فى هواك بواصح
…
ماء الحيا بأديمه يترقرق
فإذا العذول رأى جمالك قال لى
…
عجبا لقلبك كيف لا يتمزّق
يا آسرا قلب المحبّ فدمعه
…
والنوم منه مطلق ومطلّق
أغنيتنى بالفكر فيك عن الكرى
…
يا آسرى فأنا الغنىّ المملق
ومنها أيضا:
لم أنس ليلة زارنى ورقيبه
…
يبدى الرّضا وهو المغيظ المحنق
حتى إذا عبث الكرى بجفونه
…
كان الوسادة ساعدى والمرفق
عاتقته وضممته فكأنه
…
من ساعدىّ ممنطق «2» ومطوّق
حتى «3» بدا فلق الصباح فراعه
…
إنّ الصّباح هو العدو الأزرق
وقد استوعبنا من شعره وأحواله قطعة جيّدة فى تاريخنا «المنهل الصافى» .
رحمه الله تعالى إن كان مسيئا.
وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد عبد الله المنوفىّ الفقيه المالكىّ، فى يوم الأحد ثامن شهر رمضان ودفن بالصحراء، وقبره «4» بها معروف يقصد للزيارة والتبرّك.
وتوفّى الإمام العلّامة شيخ الشيوخ بدمشق علاء الدين علىّ بن محمود بن حميد القونوىّ الحنفىّ فى رابع شهر رمضان، وكان إماما فقيها بارعا صوفيا صالحا.
رحمه الله.
وتوفّى الشيخ الإمام البارع المفتنّ الأديب الفقيه، زين الدين عمر بن المظفّر بن عمر بن محمد بن أبى الفوارس بن علىّ المعرّىّ الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن الوردىّ «1» ناظم «الحاوى فى الفقه» رحمه الله؛ وقد جاوز الستين سنة بحلب، فى سابع عشرين ذى الحجّة. وقد استوعبنا من شعره ومشايخه نبذة كبيرة فى «المنهل الصافى» إذ هو كتاب تراجم، محلّه الإطناب فى مثل هؤلاء. ومن شعره ما قاله فى مقرئ «2» . [الكامل] :
ووعدت أمس بأن تزور فلم تزر
…
فغدوت «1» مسلوب «2» الفؤاد مشتتا
لى مهجة «3» فى النازعات وعبرة
…
فى المرسلات وفكرة فى هل اتى
وله عفا الله عنه: [الوافر]
تجادلنا: أماء الزّهر أذكى
…
ام الخلّاف أم ورد القطاف
وعقبى ذلك الجدل اصطلحنا
…
وقد حصل الوفاق على الخلاف
وتوفّى الأمير الطّواشى عنبر السّحرتىّ لالاة السلطان الملك الكامل شعبان، ومقدّم المماليك السلطانيّة منفيّا فى القدس، بعد أن امتحن وصودر. وكان رأى من العزّ والجاه والحرمة، فى أيام الكامل شعبان ما لا مزيد عليه، حسب ما ذكرنا منه نبذة فى ترجمة الملك الكامل المذكور.
وتوفّى الأمير سيف الدين كوكاى بن عبد الله المنصور السّلاح دار، أحد أعيان الأمراء الألوف بالديار المصريّة، وكان من أجلّ الأمراء وأسعدهم، خلّف أكثر من أربعمائة ألف دينار عينا. وهو صاحب التّربة «4» والمئذنة التى بالصحراء، على رأس الهدفة، تجاه تربة «5» الملك الظاهر برقوق. وكان شجاعا مقداما. طالت ايامه فى السعادة.
وتوفى الأمير سيف الدين قطز بن عبد الله الأمير آخور، ثم نائب صفد بدمشق، وهو أحد أمرائها، فى يوم الثلاثاء رابع ذى القعدة. وكان من أعيان أمراء مصر، ولى عدّة ولايات جليلة.
وتوفّى الأمير سيف الدّين نكباى بن عبد الله البريدىّ المنصورىّ. كان أحد مماليك الملك المنصور قلاوون، ولى قطيا والاسكندرية، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، واستقرّ مهمندارا. وإليه تنسب دار «1» نكباى خارج مدينة مصر على النيل، وعنى بعمارتها فلم يتمتع بها.
وتوفّى الأمير شرف الدين محمود [بن أوحد «2» ] بن خطير أخو الأمير مسعود.
وأظنه صاحب الجامع «3» بالحسينية خارج القاهرة.
وتوفّى الشيخ المحدّث الواعظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ميلق الشاذلىّ.
كان يجلس ويذكّر الناس ويعظ، وكان لوعظه تأثير فى النفوس.
وتوفّى الشيخ المعتقد زين الدين أبو بكر بن النّشاشيبى «4» . كان له قدم وللناس فيه محبّة واعتقاد. رحمه الله.
وتوفّى الرئيس شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عمر الأسيوطىّ ناظر بيت المال، كان مغدودا من أعيان الديار المصرية، وله ثروة. وإليه ينسب جامع «5» الأسيوطىّ بخطّ جزيرة الفيل.