الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حرف اللَّام)
(لاجين)
3 -
(الْملك الْمَنْصُور)
لاجين السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين المنصوري مَمْلُوك الْمَنْصُور قلاوون أمره أستاذه عِنْدَمَا تسلطن وَبَعثه نَائِبا على قلعة دمشق فَلَمَّا تسلطن سنقر الْأَشْقَر بِدِمَشْق وَدخل القلعة قبض عَلَيْهِ
فَلَمَّا انْكَسَرَ سنقر الْأَشْقَر أخرجه الْأَمِير علم الدّين الْحلَبِي
ثمَّ رتب فِي نِيَابَة السلطنة بمرسوم السُّلْطَان وَدخل عُفيَ خدمته إِلَى دَار السَّعَادَة فَعمل بالنيابة أحد عشر سنة
ثمَّ عَزله الْأَشْرَف بالشجاعي وَكَانَ جيد السِّيرَة محبباً إِلَى الدماشقة فِيهِ عقل زايد وَسُكُون وشجاعة مَشْهُورَة وَدين وَإِسْلَام
وَكَانَ شَابًّا أشقر فِي لحيته طول يسير وخفة وَجهه رَقِيق معرق وَعَلِيهِ هَيْبَة وهيئة تَامَّة فِي قده رشاقة
خنق بَين يَدي الْملك الْأَشْرَف خَلِيل ثمَّ خلي فَإِذا فِيهِ روح ورق لَهُ السُّلْطَان وَأطْلقهُ ورده إِلَى رتبته
وَيُقَال أَنه إِنَّمَا قَامَ على الْأَشْرَف لِأَنَّهُ تعرض لبيته بنت طقصو فعز ذَلِك عَلَيْهِ
وَلما قتل الْأَشْرَف هُوَ وبيدرا اختفى وتنقل فِي الْبيُوت وقاسى الْأَهْوَال من الْجُوع والعطش وَالْخَوْف ثمَّ أجاره كتبغا وَأحسن إِلَيْهِ وَدخل بِهِ إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وَقرر مَعَه أَن يخلع عَلَيْهِ وَيحسن إِلَيْهِ فَفعل بِهِ ذَلِك وَأَعْطَاهُ خبْزًا
فَلَمَّا ملك كتبغا جعله نَائِب السلطنة فَوَثَبَ عَلَيْهِ كَمَا تقدم فِي تَرْجَمَة كتبغا وَقتل غلاميه الْأَزْرَق وبتخاص وتغافل عَنهُ لما عَلَيْهِ من الأيادي
وهرب كتبغا كَمَا تقدم وسَاق لاجين الخزائن والعساكر بَين يَدَيْهِ من الْغَوْر وَمَا دخل غَزَّة إِلَّا وَهُوَ سُلْطَان وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان وتملك أول صفر سنة وَجلسَ على سَرِير الْملك وَبعث قبجق نَائِبا بِدِمَشْق لِأَنَّهُ خوشداشاه وَجعل قراسنقر نَائِبه بِمصْر إِلَى أَن تمكن وَقبض عَلَيْهِ وَأقَام مَكَانَهُ فِي النِّيَابَة مَمْلُوكه منكوتمر فَحسن لَهُ الْقَبْض على الْأُمَرَاء فاسمك البيسري)
وقارسنقر وايبك الْحَمَوِيّ وَسَقَى جمَاعَة وَلذَلِك هرب قبجق وبكتمر والكي وبزلار إِلَى التتار وَلم يخرج إِلَى الشَّام مُدَّة ملكه
وَلما كَانَ فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة ركب فِي موكبه وَهُوَ صَائِم وَعمل عَلَيْهِ جمَاعَة من الأشرفية دخلُوا عَلَيْهِ بعد الْعشَاء الْآخِرَة وَهُوَ مكب على اللّعب بالشطرنج وَمَا عِنْده إِلَّا القَاضِي حسام الدّين الْحَنَفِيّ
وَعبد الله الْأَمِير وبريد البدوي وإمامه محب الدّين ابْن الْعَسَّال
فَأول من ضربه بِالسَّيْفِ كرجي مقدم البرجية وَتوجه طغجي وكرجي إِلَى دَار منكوتمر ودقا عَلَيْهِ الْبَاب وَقَالا السُّلْطَان يطلبك فنكرهما وَقَالَ قد قتلتماه فَقَالَ كرجي نعم يَا مأبون بيتنا لنقتلك فَاسْتَجَارَ بطغجي فأجاره وَحلف لَهُ فَخرج إِلَيْهِمَا فذهبا بِهِ إِلَى الْجب وأنزلاه فاغتنم كرجي الْغَفْلَة وَحضر إِلَى الْجب وَأخرج منكوتمر من الْجب وذبحه وَقَالَ نَحن مَا قتلنَا أستاذه إِلَّا من أَجله فَمَا فِي بَقَائِهِ فَائِدَة
ونهبوا دياره فِي الْحَال وَاتَّفَقُوا على إِعَادَة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد من الكرك إِلَى الْملك وَأَن يكون طغجي نَائِبا وحلفوا لَهُ على ذَلِك
وارسلوا سلار لإحضاره وَهُوَ أَمِير صَغِير
وَعمل طغجي النِّيَابَة أَرْبَعَة أَيَّام فَلَمَّا حضر أَمِير سلَاح من غَزْوَة الشَّام وَقتل طغجي وكرجي عِنْدَمَا التقياه وَبَقِي يعلم على الْكتب ثَمَانِيَة أُمَرَاء سلار والجاشنكير وبكتمر أَمِير جندار وجمال الدّين ى قوش الفرم والحسام استاد الدَّار وكزد وأيبك الحزندار والأمير عبد الله
وَقتل لاجين وَهُوَ فِي عشر الْخمسين أَو جاوزها بِقَلِيل وَقيل إِن السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون قَالَ لوَلَده الْملك الْأَشْرَف خَلِيل إِذا صَار الْأَمر إِلَيْهِم فَلَا تعَارض طرنطاي وَلَا تشوش عَلَيْهِ فَمَا يخونك
وَأما لاجين فَلَا تكَلمه وَإِن أمسكته فَلَا تبقه فخالفه الشّرف فِي أَمر الْمَذْكُورين
وَكَانَ حسام الدّين لاجين من أَعقل النَّاس وأنصفهم وَهُوَ الَّذِي خرج الْخُلَفَاء من الْحَبْس وابطل الثَّلج الَّذِي ينْقل فِي الْبَحْر من الشَّام إِلَى مصر وَقَالَ أَنا كنت فِي الشَّام وَأعلم مَا يقاسي النَّاس فِي وسقه وَكَانَ ذكيا نبيها)
حكى لي القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله قَالَ حكى لي وَالِدي أَنه وصل إِلَيْهِ بعض الْأَيَّام بريد من مصر وعَلى يُبْدِهِ كتاب من طرنطاي وَمِمَّا فِيهِ بِخَطِّهِ أَن الخروف نطح كبشه اقلبه فَقَالَ لي مَا هَذَا يَا محيي الدّين قلت لَا أعلم فَقَالَ هَذَا الْكَلَام مَعْنَاهُ أَن بيدرا قد وثب على عَمه الشجاعي وَكَذَا كَانَ فَإِن الشجاعي كَانَ زوج أم بيدرا فَعمل عَلَيْهِ عِنْد الْمَنْصُور وأمسكه وعزله وصادره وَهَذَا فِي غَايَة الْفَهم من مثل هَذِه الْإِشَارَة
وَحكى لي الْأَمِير شرف الدّين أَمِير حُسَيْن بن جندر قَالَ قَالَ لي حسام الدّين يَا حُسَيْن رَأَيْت البارحة فِي النّوم أَخَاك مظفر الدّين وَهُوَ يَقُول لي وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب ينقلبونفما كَانَ بعد ذَلِك ثَلَاث لَيَال حَتَّى قتل
وَلما قتل الشّرف هرب هُوَ وقراسنقر وجاءا إِلَى جَامع ابْن طولون وطلعا فِي المئذنة واستترا فِيهَا وَقَالَ لاجين إِن نجانا الله من هَذِه الشدَّة وصرت شَيْئا عمرت هَذَا الْجَامِع وَكَذَا جرى فَإِنَّهُ عمره وأوقف عَلَيْهِ
أوقافاً كَثِيرَة وَعمل فِيهِ وظائف من الحَدِيث وَالتَّفْسِير والطب وَغَيره
وَحكى لي عَنهُ الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن غَانِم رحمه الله مَكَارِم كَثِيرَة ولطفاً زايداً وإحساناً جماً ومودة يرعاها لمن يعرفهُ وَكَذَلِكَ حكى لي عَنهُ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سدي النَّاس لما دخل عَلَيْهِ لم يَدعه يبوس الأَرْض ووقال أهل الْعلم ينزهون عَن هَذَا
وَأَجْلسهُ عِنْده أَظُنهُ على المقعد ورتبه موقعاً فباشر ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ استعفى فأعفاه وَجعل الْمَعْلُوم لَهُ راتباً فتناوله إِلَى أَن مَاتَ
وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود يَوْمًا بَين يَدَيْهِ يكْتب فَوَقع يء من الحبر على ثِيَابه فَأعلمهُ السُّلْطَان بذلك قَالَ لي فنظمت فِي الْحَال بَين يَدَيْهِ
(ثِيَاب مملوكك يَا سَيِّدي
…
قد بيضت خَالِي بتسويدها)
(مَا وَقع الحبر عَلَيْهَا بلَى
…
وَقع لي مِنْك بتجديدها)
قَالَ فَأمر لي بتفصيلتين ومبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم فَقلت يَا خوند مماليكك الْجَمَاعَة رفاقي يبْقى ذَلِك فِي قلبهم فَأمر لكل مِنْهُم بِمثل ذَلِك ثمَّ صَارَت راتباً لنا فِي كل سنة عَلَيْهِ
وأنشدني إجَازَة قصيدة بهَا وَهِي
(أطاعك الدَّهْر فَأمر فَهُوَ ممتثل
…
واحكم فَأَنت الَّذِي تزهى بِهِ الدول)
)
(واشرف فَلَو ملكت شمس النَّهَار علا
…
ملتها لم يزدْ فِي سعدها الْحمل)
(وانهض بعزمك فَهُوَ الْجَيْش يقدمهُ
…
من بأسك المنذران الرعب والوجل)
(وسر بِهِ وَحده لَا بالجيوش وَإِن
…
لم يحوها الأرحبان السهل والجبل)
(تلقى الْفتُوح وَقد جاءتك وافدةً
…
يحثها المزعجان الشوق والأمل)
(قد أرهف الْملك الْمَنْصُور مِنْك على
…
جَيش الأعادي حسماً حَده الْأَجَل)
(تهوى أسنته بيض النحور فَمن
…
آثارها الْحمر فِي أجيادها قبل)
(تدمى سطاه وتندى كَفه كرماً
…
كالغيث يهمي وَفِيه الْبَرْق يشتعل)
(سل يَوْم حمص جيوش الْمغل عَنهُ وَقد
…
ضَاقَ الفضاء بهم واستدت السبل)
(والهام تسْجد والأجسام راكعةً
…
وَالْمَوْت يقبل والأرواح ترتحل)
(وَالْبيض تغمد فِي الْأَبْطَال عَارِية
…
وتنثني وَعَلَيْهَا مِنْهُم حلل)
(وَالْخَيْل تحفى وتخفى فِي العجاج فَإِن
…
بَدَت غَدَتْ وهيب الهامات تنتعل)
(يُخْبِرك جمعهم وَالْفضل مَا شهِدت
…
بِهِ العدى أَنه لَيْث الشرى البطل)
(وَأَنه خَاضَ فِي هيجائها وجلا
…
غمارها واصطلاها وَهِي تشتعل)
(وصدهم وهم كالبحر غذ صدموا
…
ببأسه وَحمى الْإِسْلَام إِذْ حملُوا)
(فمزقتهم سطاه ذَا يسير وَذَا
…
عانٍ أَسِير وَذَا فِي الترب منجدل)
(كَأَن أسهمه وَالْمَوْت يبعثها
…
بَين المنايا وأرواح العدى رسل)
(كَأَن هاربهم وَالْخَوْف يَطْلُبهُ
…
يَبْدُو لَدَيْهِ مِثَال مِنْهُ أَو مثل)
(فَإِن تنبه يَوْمًا راعه وَإِذا
…
أغفى جلته عَلَيْهِ فِي الْكرَى الْمقل)
(وَعَاد والنصر مَعْقُود برايته
…
والمغل مَا بَين أَيدي خيله خول)
(قد جمع الله فِيهِ كل مفترق
…
فِي غَيره فَهُوَ دون النَّاس مكتمل)
(فَعَن ندى يَده حدث وَلَا حرج
…
اليم تمّ وَعم الْعَارِض الهطل)
(اسْتغْفر الله ايْنَ الْغَيْث مُنْفَصِلا
…
من بره وَهُوَ طول الدَّهْر مُتَّصِل)
(عَطاء من لَيْسَ يثني فيض رَاحَته
…
عَن الندى سأم يَوْمًا وَلَا ملل)
(من حاتمٌ عد عَنهُ واطرح فِيهِ
…
فِي الْجُود لَا بسواه يضْرب الْمثل)
(ايْنَ الَّذِي بره الآلاف يتبعهَا
…
كرائم الْخَيل مِمَّن بره الْإِبِل)
)
(لَو مثل الْجُود مسرحاً قَالَ حاتمهم
…
لَا نَاقَة لي فِي هَذَا وَلَا جمل)
(أحَاط بِالنَّاسِ سور من كفَالَته
…
ظلّ لَهُم وعَلى أعدائه ظلل)
(أضحوا بِهِ فِي مهاد الأَرْض يكلأهم
…
من رأفة بهم يقظان إِن غفلوا)
(يحنو عَلَيْهِم وَيَعْفُو عَن مسيئهم
…
حلماً ويصفح عَنْهُم إِن هم جهلوا)
(وَأَعْدل النَّاس أَيَّامًا فَلَا شطط
…
فِي الحكم مِنْهُ وَلَا حيف وَلَا ملل)
(أطَاع خالقه فِي مَا تقلده
…
فَمَا عَن الدّين بالدنيا لَهُ شغل)
(إِن رام صيدا فَمَا الْكِنْدِيّ مفتخراً
…
بِالْخَيْلِ فِي الصَّيْد إِلَّا مطرق خجل)
(لكل طرف يفوت الطّرف منظره
…
لَا يَأْخُذ الصَّيْد إِلَّا وَهُوَ منفتل)
(فِي فتيةٍ من حماة التّرْك لَيْسَ لَهُم
…
إِلَّا التَّعَلُّم من إقدامه أمل)
(إِن يقتلُوا الصَّيْد فِي أَيدي الْجَوَارِح بل
…
جوارح اللحظ إِن يرموا بهَا قتلوا)
(عزا وصوناً لمن دَان الْأَنَام لَهُ
…
حَتَّى السِّهَام إِلَى أغراضه ذلل)
أَو حاول اللّعب الْمَعْهُود بالكرة الَّتِي بهَا تستعين الْبيض والأسل