الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(الْبَرْمَكِي وَزِير الرشيد)
الْفضل بن يحيى بن خَالِد بن برمك أَبُو الْعَبَّاس الْبَرْمَكِي أَخُو جَعْفَر الْبَرْمَكِي وَقد تقدم ذكره كَانَ الْفضل كمن أَكْثَرهم كرماً أكْرم من أَخِيه جَعْفَر وَلَكِن جَعْفَر أبلغ فِي الرسائل وَالْكِتَابَة مِنْهُ)
ولاه الرشيد الوزارة قبل أَخِيه جَعْفَر فَقَالَ يَوْمًا لِأَبِيهِ يحيى يَا أَبَت إِنِّي أُرِيد الْخَاتم الَّذِي لأخي الْفضل لأخي جَعْفَر وَكَانَت أم الْفضل قد أرضعت الرشيد وَاسْمهَا زبيدة من مولدات الْمَدِينَة والخيزران أم الرشيد قد أرضعت الْفضل فَكَانَا أَخَوَيْنِ من الرضَاعَة وَفِي ذَلِك قَالَ مَرْوَان بن أبي حَفْصَة يمدح الْفضل
(كفى لَك فضلا أَن أفضل حرةٍ
…
غذتك بثديٍ والخليفة وَاحِد)
(لقد زنت يحيى فِي الْمشَاهد كلهَا
…
كَمَا زَان يحيى خَالِدا فِي الْمشَاهد)
وَقَالَ الرشيد ليحيى وَقد احتشمت من الْكِتَابَة إِلَى الْفضل فِي ذَلِك فاكفينه
فَكتب وَالِده إِلَيْهِ قد أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ بتحويل الْخَاتم من يمنك إِلَى شمالك فَكتب الْفضل قد سَمِعت مقَالَة الْمُؤمنِينَ فِي أخي وأبلغت وَمَا انْتَقَلت عني نعْمَة صَارَت إِلَيْهِ وَلَا غربت عني نعْمَة طلعت عَلَيْهِ فال جَعْفَر لله أخي فَمَا أنفس نَفسه وَأقوى منَّة الْعقل فِيهِ وأوسع فِي البلاغة ذرعه
وَكَانَ الرشيد قد جعل وَلَده مُحَمَّدًا فِي حجر الْفضل والمأمون فِي حجر جَعْفَر
ثمَّ إِن الرشيد قلد الْفضل عمل خُرَاسَان فَتوجه إِلَيْهَا وَأقَام بهَا مُدَّة فوصل كتاب صَاحب الْبَرِيد بخراسان إِلَى الرشيد وَيحيى جَالس بَين يَدَيْهِ ومضمونه أَن الْفضل بن يحيى متشاغل بالصيد وإدمان اللَّذَّات عَن النّظر فِي أُمُور الرّعية عَن هَذَا فَكتب إِلَيْهِ يحيى على ظهر كتاب صَاحب الْبَرِيد حفظك الله يَا بني وأمتع بك قد انْتهى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنْت عَلَيْهِ من التشاغل بالصيد والمداومة اللَّذَّات عَن النّظر فِي أُمُور الرّعية مَا أنكرهُ فعاود مَا هُوَ أزين بك فَإِنَّهُ من عَاد إِلَى مَا يزينه أَو يشينه لم يعرفهُ أهل دهره إِلَّا بِهِ
وَكتب فِي أَسْفَله
(انصب نَهَارا فِي طلاب العلى
…
واصبر على فقد لِقَاء الحبيب)
(حَتَّى إِذا اللَّيْل أَتَى مُقبلا
…
واستترت فِيهِ وُجُوه الْعُيُوب)
(فكابد اللَّيْل بِمَا تشْتَهي
…
فَإِنَّمَا اللَّيْل نَهَار الأريب)
(كم من فَتى تحسبه ناسكاً
…
يسْتَقْبل اللَّيْل بأمرٍٍ عَجِيب)
(غطى عَلَيْهِ اللَّيْل أستاره
…
فَبَاتَ فِي لهوٍ وعيشٍ خصيب)
(وَلَذَّة الأحمق مكشوفةٌ
…
يسْعَى بهَا كل عَدو رَقِيب)
)
والرشيد ينظر إِلَى مَا يكْتب فَلَمَّا فرغ قَالَ أبلغت يَا أَبَت فلمال ورد الْكتاب على الْفضل لم يُفَارق السجد نَهَارا إِلَى أَن انْصَرف من عمله
وَكَانَ الْفضل لما ورد إِلَى خُرَاسَان دخل إِلَى بَلخ وَهِي وطنهم وَبهَا النوبهار وَهُوَ بَيت النَّار الَّتِي كَانَت الْمَجُوس تعبدها وَكَانَ جدهم خَالِد خَادِم ذَلِك الْبَيْت فَأَرَادَ الْفضل هدم ذَلِك الْبَيْت فَلم يقدر عَلَيْهِ لإحكام بنائِهِ فهدم مِنْهُ نَاحيَة وَبنى فِيهَا مَسْجِدا
وَلما وصل إِلَى خُرَاسَان أَزَال سيرة الْجور وَبنى الْمَسَاجِد والحياض والربط وأحرق مراكز البغايا وَزَاد الْجند وَوصل الزوار والقواد وَالْكتاب فِي سنة سبع بِعشْرَة آلَاف ألف دِرْهَم واستخلف على عمله وشخص آخر السّنة إِلَى الْعرَاق فَتَلقاهُ الرشيد وَجمع لَهَا النَّاس وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأمر الرشيد الشُّعَرَاء بمدحه والخطباء بِذكر فَضله فَكثر المادحون لَهُ فَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي
(لَو كَانَ بيني وَبَين الْفضل معفرةٌ
…
فضل بن يحيى لأعداني على الزَّمن)
(هُوَ الْفَتى الْمَاجِد الميمون طَائِره
…
وَالْمُشْتَرِي الْحَمد بالغالي من الثّمن)
وَكَانَ أَبُو الهول الْحِمْيَرِي قد هجا الْفضل فَرَآهُ رَاغِبًا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وَيلك بِأَيّ وجهٍ تَلقانِي فَقَالَ بِالْوَجْهِ الَّذِي ألْقى بِهِ رَبِّي عز وجل وذنوبي إِلَيْهِ أَكثر من ذُنُوبِي إِلَيْك فَضَحِك وَوَصله
وَمن كَلَام الْفضل مَا سرُور الْمَوْعُود بالفائدة كسروري بالإنجاز
ويحكى أَنه دخل عَلَيْهِ حَاجِبه يَوْمًا وَقَالَ إِن بِالْبَابِ رجلا يزْعم أَن لَهُ سَببا يمت إِلَيْك بِهِ فَقَالَ أدخلهُ فَدخل شَاب حسن رث الْهَيْئَة فَسلم فَأَوْمأ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ بعد سَاعَة مَا حَاجَتك فَقَالَ أعلمتك بهَا رثاثة حَالي قَالَ نعم فَمَا الَّذِي تمت بِهِ قَالَ ولادَة تقرب من ولادتك وَجوَار يدنو من جوارك وَاسم مُشْتَقّ من اسْمك فَقَالَ أما الْجوَار فَيمكن وَقد يُوَافق الِاسْم الِاسْم وَلَكِن من أعلمك بِالْولادَةِ قَالَ أَخْبَرتنِي أُمِّي أَنَّهَا لما ولدتني قيل لَهَا ولد هَذِه اللَّيْلَة ليحيى بن خَالِد غُلَام وَقد سَمَّاهُ الْفضل فسمتني فضيلاً إكباراً لاسمك أَن تلحقني بِهِ وصغرته لقُصُور قدري عَن قدرك فَتَبَسَّمَ الْفضل وَقَالَ كم
أَتَى عَلَيْك من السنين قَالَ خمس وَثَلَاثُونَ سنة قَالَ صدقت هَذَا الْقدر أعد قَالَ فَمَا فعلت أمك قَالَ مَاتَت قَاتل فَمَا مَنعك من اللحاق بِنَا قَدِيما قَالَ لم أَرض نَفسِي للقائك لِأَنَّهَا كَانَت فِي عامية مَعهَا حَدَاثَة تقعد بِي عَن لحاق الْمُلُوك وعلق هَذَا بقلبي مُنْذُ أَعْوَام فشغلت نَفسِي بِمَا يصلح للقائك حَتَّى رضيت)
عَن نَفسِي قَالَ فَمَا تصلح لَهُ قَالَ للكبير من الْأَمر وَالصَّغِير قَالَ يَا غُلَام أعْطه لكل سنة مَضَت من سنيه ألف دِرْهَم وأعطه عشرَة آلَاف دِرْهَم يتجمل بهَا إِلَى وَقت اسْتِعْمَاله وَأَعْطَاهُ مركوباً سرياً
وَكَانَ الرشيد قد غضب على العتابي فشفع لَهُ الْفضل فَرضِي عَنهُ فَقَالَ
(مَا زلت فِي غَمَرَات الْمَوْت مطرحاً
…
يضيق عني وسيع الرَّأْي من حيلي)
(فَلم تزل دائباً تسْعَى بلطفك لي
…
حَتَّى اختلست حَياتِي من يَدي أَجلي)
وَقَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء
(مَا لَقينَا من جود فضل بن يحيى
…
ترك النَّاس كلهم شعراء)
وعابوه كَونه مُفردا فَقَالَ أَبُو العذافر ورد القمي علم المفحمين أَن ينظموا الْأَشْعَار وَمنا الباخلين السخاء وَفِي الْفضل يَقُول مَرْوَان بن أبي حَفْصَة
(ألم تَرَ أَن الْجُود من كف آدم
…
تحدر حَتَّى صَار فِي رَاحَة الْفضل)
(إِذا مَا أَبُو الْعَبَّاس غامت سماؤه
…
فيا لَك من هطلٍ وَيَا لَك من ويل)
وَفِيه يَقُول أَيْضا
(إِذا أمّ طفلٍ راعها جوع طفلها
…
غذته بِذكر الْفضل فاستطعم الطِّفْل)
(لحي بك الْإِسْلَام إِنَّك عزه
…
وَإنَّك من قومٍ صَغِيرهمْ كهل)
فوصله بِمِائَة ألف دِرْهَم ووهب لَهُ طيفور جَارِيَته كاسية حَالية وشيئاً كثيرا من الْعرُوض فَقيل حصل لَهُ سَبْعمِائة ألف دِرْهَم وَلأبي نواس فِيهِ مدائح كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله
(طرحتم من الترحال أمرا فغمنا
…
فَلَو قد رحلتم صبخ الْمَوْت بَعْضنَا)
وَركب مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام دين فَصَارَ إِلَى الْفضل وَمَعَهُ حق فِيهِ جَوْهَر فَقَالَ لَهُ قصرت غلاتنا وأغفل أمرنَا خليفتنا وتزايدت مؤننا ولزمنا دين احتجنا لأدائه إِلَى ألف ألف دِرْهَم وكرهت بذل وَجْهي للتجار وإذالة عرضي بَينهم فاطلب من شِئْت مِنْهُم ومره بذلك فَإِن معي رهنا ثِقَة بذلك فَدَعَا الْفضل بِالْحَقِّ وَرَأى مَا فِيهِ وختمه بِخَاتم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ثمَّ قَالَ لَهُ نجح الْحَاجة أَن تقيم فِي منزلنا عندنَا الْيَوْم فَقَالَ إِن فِي الْمقَام عَليّ مشقة فَقَالَ لَهُ وَمَا يشق عَلَيْك من ذَلِك إِن رَأَيْت أَن تلبس شَيْئا من ثيابنا دَعَوْت بِهِ وَإِلَّا أمرت بإحضار ثِيَاب من)
مَنْزِلك فَأَقَامَ ونهض الْفضل فَدَعَا بوكيله وَأمره بِحمْل المَال وتسليمه إِلَى خَادِم مُحَمَّد وَتَسْلِيم الْحق الَّذِي فِيهِ الْجَوْهَر إِلَى الْغُلَام بِخَاتمِهِ وَأخذ خطه بِقَبض المَال
وَأقَام مُحَمَّد عِنْده إِلَى الْمغرب وَلَيْسَ عِنْده شَيْء من الْخَيْر وَانْصَرف إِلَى منزله فَرَأى المَال وأحضره الْخَادِم الْحق فغدا على الْفضل ليشكره فَوَجَدَهُ قد سبقه بالركوب إِلَى دَار الرشيد فَانْصَرف إِلَى منزله فَوجدَ الْفضل قد وَجه إِلَيْهِ بِأَلف ألف دِرْهَم أخر فغدا عَلَيْهِ ليشكره فَأعلمهُ أَنه أنهى أمره إِلَى الرشيد فَأمره بالتقدير لَهُ وَلم يزل بِمَا كَسبه لَهُ إِلَى أَن تقرر الْأَمر لَهُ على ألف ألف دِرْهَم وَأَنه ذكر أَنه لم يصلك بِمِثْلِهَا قطّ وَلَا زادك على عشْرين ألف دِينَار فشركته وَسَأَلته أَن يصك بهَا صكاً بِخَطِّهِ ويجعلني الرَّسُول فَقَالَ مُحَمَّد صدق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لم يصلني قطّ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذكر وَهَذَا إِنَّمَا تهَيَّأ بك وعَلى يدك وَمَا أقدر على شَيْء أَقْْضِي بِهِ حَقك وَلَا عَن شكر مَا أودي مَعْرُوفك غير أَن عَليّ وَعلي أيماناً مُؤَكدَة إِن وقفت بِبَاب أحد سواك وَلَا سَأَلت غَيْرك حَاجَة أبدا وَلَو استففن التُّرَاب فَكَانَ لَا يركب إِلَى غير دَار الْخَلِيفَة وَيعود إِلَى منزله
وَعُوتِبَ بعد تقضي أَيَّام البرامكة فِي إتْيَان الْفضل بن الرّبيع فَقَالَ وَالله لَو عمرت ألف عَام ثمَّ مصصت الثماد مَا وقفت بِبَاب أحد بعد الْفضل بن يحيى وَلَا سَأَلته حَاجَة أبدا وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ
وَكَانَت ولادَة الْفضل لسبع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقيل سنة ثَمَان
ووفته بالسجن سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة فِي الْمحرم غَدَاة جُمُعَة بالرقة وَقيل فِي شهر رَمَضَان
وَقَالَ لما بلغت الرشيد وَفَاته قَالَ أَمْرِي قريب من أمره وَكَذَا كَانَ فَإِن الرشيد توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة وَقيل فِي جُمَادَى الأولى
وَكَانَ الرشيد لما قتل أَخَاهُ جعفراً قبض على أَبِيه يحيى وأخيه الْفضل وَكَانَا عِنْده ثمَّ توجه الرشيد إِلَى الرقة وهما مَعَه وَجَمِيع البرامكة فِي التَّوْكِيل غير يحيى
فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهَا وَجه الرشيد إِلَى يحيى أقِم بالرقة أَو حَيْثُ شِئْت فَوجه إِلَيْهِ إِنِّي أحب أَن أكون مَعَ وَلَدي فَوجه إِلَيْهِ أترضى بِالْحَبْسِ فَقَالَ نعم فحبس مَعَه ووسع عَلَيْهِمَا ثمَّ كَانَا حينا يُوسع عَلَيْهِمَا وحيناً يضيق ثمَّ إِن الرشيد سير مَسْرُورا الْخَادِم إِلَى السجْن فَقَالَ للمتوكل أخرج الْفضل فَأخْرجهُ فَقَالَ لَهُ إِن أَمِير
الْمُؤمنِينَ يَقُول لَك إِنِّي أَمرتك أَن تصدقني عَن)
أَمْوَالكُم فَزَعَمت أَنَّك قد فعلت وَقد صَحَّ عِنْدِي أَنَّك قد بقيت لَك مَالا كثيرا وَقد أَمرنِي إِن لم تطلعني على المَال أَن أضربك مِائَتي سَوط وَأرى لَك أَن لَا تُؤثر مَالك على نَفسك
فَقَالَ وَالله مَا كذبت قطّ فِيمَا أخْبرت وَلَو خيرت بَين الْخُرُوج من ملك الدُّنْيَا وَأَن أضْرب سَوْطًا وَاحِدًا لاخترت الْخُرُوج من الدُّنْيَا وأمير الْمُؤمنِينَ يعلم بذلك وَأَنت تعلم أَنا كُنَّا نصون أعراضنا بِأَمْوَالِنَا
فَأخْرج مسرور أسواطاً كَانَت مَعَه فِي منديل فَضَربهُ مِائَتي سَوط وَتَوَلَّى ضربه الخدم فضربوه اشد الضَّرْب وهم لَا يحسنون الضَّرْب فكادوا يتلفونه
وَكَانَ هُنَاكَ رجل بَصِير بالعلاج فطلبوه لمعالجته فَقَالَ يكون قد ضربوه خمسين سَوْطًا فَقيل لَهُ بل مِائَتي سَوط فَقَالَ مَا هَذَا إِلَّا أثر خمسين سَوْطًا لَا غير وَلَكِن يحْتَاج أَن ينَام على ظَهره على بَارِية وأدوس صَدره فجزع الْفضل من ذَلِك ثمَّ أجَاب إِلَيْهِ فألقه على ظَهره وداسه ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ وجذبه عَن البارية فَتعلق بهَا من لحم ظَهره شَيْء كثير ثمَّ اقبل يعالجه إِلَى أَن نظر يَوْمًا إِلَى ظَهره فَخر المعالج سَاجِدا فَقيل لَهُ مَا بالك قَالَ قد برِئ وَنبت فِي ظَهره لحم حَيّ ثمَّ قَالَ أَلَسْت قد قلت هَذَا قد ضرب خمسين سَوْطًا أما وَالله لَو ضرب ألف سَوط مَا كَانَ أَثَره بأشد من هَذَا وَإِنَّمَا قلت ذَلِك لتقوى نَفسه فيعينني على علاجه
ثمَّ إِن الْفضل اقْترض من بعض أَصْحَابه عشرَة آلَاف دِرْهَم وسيرها إِلَيْهِ فَردهَا عَلَيْهِ فَاعْتقد أَنه استقلها فاقترض عَلَيْهَا عشرَة أطلاف دِرْهَم أُخْرَى وسرها فَأبى أَن يَأْخُذهَا وَقَالَ مَا كنت لآخذ على معالجة رجل من الْكِرَام أُجْرَة وَالله لَو كَانَت عشْرين ألف دِينَار مَا قلتهَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْفضل قَالَ وَالله إِن الَّذِي فعله هَذَا أبلغ من الَّذِي فَعَلْنَاهُ فِي جَمِيع أيامنا من المكارم وَكَانَ قد بلغه أَن ذَلِك المعالج فِي شدَّة وضائقة
وَقيل إِن الْفضل مر بِعَمْرو بن جميل وَهُوَ يطعم النَّاس فَقَالَ يَنْبَغِي أَن نعين هَذَا على مروءته فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف ألف دِرْهَم وَكَانَت عطاياه من هَذِه النِّسْبَة
وَكَانَ باراً بِأَبِيهِ وَكَانَ يحيى لَا يَسْتَطِيع أَن يشرب المَاء الْبَارِد فِي السجْن وَكَانَ الْفضل يدع آنِية المَاء فِي عبه دَائِما ليسخن المَاء لأجل وَالِده
وَلما نقل الْفضل بعد وَفَاة أَبِيه يحيى من محبس إِلَى محبس وجد فِي ثني مُصَلَّاهُ رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب)
(إِن العزاء على مَا فَاتَ صَاحبه
…
فِي راحةٍ من عناء النَّفس والتعب)