المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مَرَّات وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة يَأْكُل من كسب يَده وَختم عَلَيْهِ - الوافي بالوفيات - جـ ٢٩

[الصفدي]

الفصل: مَرَّات وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة يَأْكُل من كسب يَده وَختم عَلَيْهِ

مَرَّات وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة يَأْكُل من كسب يَده وَختم عَلَيْهِ الْقُرْآن جمَاعَة وَكَانَ صَوته طيبا وَسمع ابْن البطي وشهدة الكاتبة وَعبد الله بن هبة الله النَّرْسِي وَغَيرهم

قَالَ ابْن النجار وَجَرت لَهُ حَرَكَة لَا تلِيق بِأَهْل الصدْق وَالْعقل وَالدّين وَكذبه أَصْحَاب الحَدِيث ثمَّ إِنَّه تَابَ وأشهدهم عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ قَالَ وَكَانَ شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد بن الْأَخْضَر يُعْطِيهِ أُصُوله فَيكْتب عَلَيْهَا السماع مِنْهُ فِي حلقته بالجامع وَيقْرَأ عَلَيْهِ كثيرا مَعَ كَونه أنكر عَلَيْهِ مَا فعله وسمعته كثيرا يسفه رَأْيه فِي ذَلِك ولعمري لم تبد مِنْهُ حَرَكَة بعْدهَا وَلَا رَأينَا مِنْهُ إِلَّا الْخَيْر

83 -

أَبُو يَعْقُوب المصِّيصِي الْحَافِظ يُوسُف بن سعيد بن مُسلم الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب المصِّيصِي روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة حَافظ وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

84 -

الْمُهَذّب السامري وَزِير الأمجد يُوسُف بن أبي سعيد الْمُهَذّب السامري الطَّبِيب قَرَأَ على الْمُهَذّب النقاش وبرع فِي الطِّبّ وخدم الْملك الأمجد صَاحب بعلبك وحظي لَدَيْهِ ونال الْأَمْوَال ثمَّ وزر لَهُ واستحوذ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ فِيهِ فتيَان الشاغوري // (من المنسرح) //

(أصبح فِي السامري مُعْتَقدًا

مُعْتَقد السامري فِي الْعجل)

وَلم يزل أمره مُسْتَقِيمًا حَتَّى كثرت الشكاوى عَلَيْهِ من أَقَاربه فِي بعلبك فَإِنَّهُم قصدوه من دمشق واستخدمهم فِي الْجِهَات فنكبه الأمجد ونكبهم واستصفى أَمْوَالهم وسجنه ثمَّ أطلقهُ فجَاء إِلَى دمشق وَمَات بهَا وَهُوَ عَم أَمِين الدولة وَكَانَ هَلَاكه فِي سنة أَربع وَعشْرين وست مائَة

‌ابْن سُلَيْمَان

85 -

الرباحي يُوسُف بن سُلَيْمَان بن مَرْوَان أَبُو عمر الْأنْصَارِيّ الأندلسي الْمَعْرُوف بالرباحي كَانَ فَقِيها إِمَامًا ورعا زاهدا نحويا عروضيا شَاعِرًا نسابة يسْرد الصّيام ويديم الْقيام لَهُ مُصَنف فِي الرَّد على القبري توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره

ص: 89

86 -

ابْن الطبني يُوسُف بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن وهب بن حبيب بن مطر المري الْمَعْرُوف بِابْن الطبني هُوَ أَبُو عمر كَانَ رجلا صَالحا ورعا صحب مُحَمَّد بن أبي خَالِد وروى عَنهُ وَكَانَ رُبمَا شاوره الْحُكَّام مَعَ نظرائه توفّي سنة تسع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة

87 -

الأعلم الشنتمري يُوسُف بن سُلَيْمَان بن عِيسَى أَبُو الْحجَّاج الأندلسي الشنتمري بالشين الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَبعدهَا تَاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَمِيم بعْدهَا رَاء الأعلم النَّحْوِيّ كَانَ وَاسع الْحِفْظ جيد الضَّبْط كثير الْعِنَايَة بِهَذَا الشَّأْن كَانَت الرحلة إِلَيْهِ فِي وقته أَخذ عَن أبي عَليّ الغساني وَطَائِفَة كَثِيرَة وكف بَصَره فِي آخر عمره وَكَانَ مشقوق الشّفة الْعليا شقا كَبِيرا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بإشبيلية سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَت وِلَادَته سنة عشر وَأَرْبع مائَة وَشرح الْجمل فِي النَّحْو لأبي الْقَاسِم الزجاجي وَشرح أَبْيَات الْجمل فِي كتاب مُفْرد وساعد شَيْخه الإفليلي على شرح ديوَان أبي الطّيب وَقيل إِنَّه شرح الحماسة شرحا مطولا ورتب الحماسة كل بَاب مِنْهَا على حُرُوف المعجم

88 -

جمال الدّين الصُّوفِي يُوسُف بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الأديب الشَّاعِر الْخَطِيب الصُّوفِي الشَّافِعِي جمال الدّين سَأَلته عَن مولده فَقَالَ لي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة بنابلس نَشأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ بهَا الْأَدَب على الشَّيْخ تَاج الدّين اليمني والنحو على الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي وَغَيره وَقَرَأَ الْفِقْه على وَحج سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة ثمَّ حج فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة عقيب موت وَلَده سُلَيْمَان فَإِنَّهُ حصل لَهُ وجد عَظِيم وألم كثير على فَقده فَمَا رأى لنَفسِهِ دَوَاء غير الْحَج

وَهُوَ شَاعِر مجيد فِي المقاطيع يجيد نظمها وَمَعْنَاهَا وَله بديهة مطاوعة وارتجال متسرع لذيذ المفاكهة جميل الود حسن الْملقى وَهُوَ الْآن خطيب البدرية الَّتِي فِي مقرى كَانَ القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله قد جدد رسوم هَذَا الْمَكَان وعمره فِي أَيَّام الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا وَقرر بِهِ خطْبَة وَجعله خَطِيبه وَأول يَوْم خطب فِيهِ كَانَ يَوْمًا مشهودا اجْتمع لَهُ الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء ووجوه النَّاس والأعيان وَعمل القَاضِي شهَاب الدّين فِي ذَلِك النَّهَار طَعَاما كثيرا للنَّاس وخلع فِيهِ الْخلْع السّنيَّة وخطب الشَّيْخ جمال الدّين

ص: 90

الْمَذْكُور خطْبَة جَيِّدَة فصيحة الْأَلْفَاظ بديعة الْمعَانِي وَهُوَ الْآن يخْطب من إنشائه وَلم يزَل إِلَى أَن توفّي رحمهُ الله تَعَالَى فِي ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين بالطاعون انْقَطع لَهُ يَوْمَيْنِ لَا غير

أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ فِي فرس أدهم // (من الْبَسِيط) //

(وأدهم اللَّوْن فَاتَ الْبَرْق وانتظره

فغارت الرّيح حَتَّى غيت أَثَره)

(فواضع رجله حَيْثُ انْتَهَت يَده

وَوَاضِع يَده أَنى رمى بَصَره)

(سهم ترَاهُ يحاكي السهْم مُنْطَلقًا

وَمَا لَهُ غَرَض مستوقف خَبره)

(يعفر الْوَحْش فِي الْبَيْدَاء فارسه

وينثني وادعا لم يستثر عبره)

(إِذا توقل قطب الدّين صهوته

أَبْصرت لَيْلًا بهيما حَامِلا قمره)

وأنشدني أَيْضا من لَفظه لنَفسِهِ // (من الْخَفِيف) //

(قد مَضَت لَيْلَة الْوِصَال بِحَال

قصرت عَن مُحَصل الْأَزْمَان)

(أخبرتنا أَن الزَّمَان جَمِيعًا

قد تقضى فِي لَيْلَة الهجران)

وأنشدني لَهُ أَيْضا // (من الطَّوِيل) //

(يعيبون من أَهْوى بكسرة جفْنه

وَعِنْدِي بِهَذَا الْعَيْب قد تمّ حسنه)

(فَقلت وَمَا قصدي سوى سيف لحظه

إِذا دَامَ فتك السَّيْف يكسر جفْنه)

وأنشدني أَيْضا مَا قَالَه فِي دولاب فِي بُسْتَان الصاحب شمس الدّين // (من الوافر) //

(ودولاب يحن بجس عود

على وتر يساس بِغَيْر جس)

(فَلَمَّا أَن بَدَت مِنْهُ نُجُوم

حكى فلكا يَدُور بِسَعْد شمس)

وأنشدني لنَفسِهِ فِي مليح ينظر فِي مرْآة // (من الْكَامِل) //

(سقيا لمرآة الحبيب فَإِن ا

أمست لطلعته البهية مطلعا)

(واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها

فأرتني القمرين فِي وَقت مَعًا)

وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ وَبدر الدّين الْعزي يَدعِي ذَلِك // (من الطَّوِيل) //

(ونوار خشخاش بكرنا نزوره

وَقد دهش الرَّائِي بِحسن صفوفه)

(تغنى بِهِ الشحرور من فرط شجوه

فنقط بالياقوت ملْء دفوفه)

وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا وَبدر الدّين الْغَزِّي يدعيهما // (من الطَّوِيل) //

(كَأَن السَّحَاب الجون لما تجمعت

وَقد فرقت عَنَّا الهموم بجمعها)

ص: 91

(نياق وَوجه الأَرْض قَعْب وثلجها

حليب وَمر الرّيح حالب ضرْعهَا)

وَكنت قد سَمِعت لَهُ وَأَنا بصفد فِي حُدُود الْعشْرين والسبع مائَة // (من السَّرِيع) //

(كَأَن ضوء الْبَدْر لما بدا

ونوره بَين غُضُون الغصون)

(وَجه حبيب زار عشاقه

فاعترضت من دونه الكاشحون)

فنظم زين الدّين عمر بن دَاوُد الصَّفَدِي // (من السَّرِيع) //

(نظرت فِي الشهب وَقد أحدقت

بالدر مِنْهَا فِي الدياجي عُيُون)

(وَالرَّوْض يستجلي سنا نوره

فتحسد الأَرْض عَلَيْهِ الغصون)

(وَكلما صانته أوراقها

نازعها الرّيح فلاح المصون)

(فَقلت حَتَّى الْبَدْر لم يخله

ريب اللَّيَالِي فِي السما من عُيُون)

فَأَعْجَبَنِي نظم جمال الدّين الْمَذْكُور فنظمت أَنا // (من السَّرِيع) //

(كَأَنَّمَا الأغصان لما انْثَنَتْ

أَمَام بدر التم فِي غيهبه)

(بنت مليك خلف شباكها

تفرجت مِنْهُ على موكبه)

ونظمت أَيْضا // (من الْكَامِل) //

(وكأنما الأغصان تثنيها الصِّبَا

والبدر من خلل يلوح ويحجب)

(حسناء قد عامت وأرخت شعرهَا

فِي لجة والموج فِيهِ يلْعَب)

ونظمت أَيْضا // (من السَّرِيع) //

(كَأَنَّمَا الأغصان فِي دوحها

يلوح لي مِنْهَا سنا الْبَدْر)

(ترس من التبر غَدا لامعا

يقيسه أسود بالشبر)

وكتبت إِلَى جمال الدّين ملغزا فِي مكوك الحائك // (من الوافر) //

(أيا من فاق الْآدَاب حَتَّى

أقرّ بفضله الجم الْغَفِير)

(وأحرز فِي النهى قصبات سبق

فدون مَحَله الْفلك الْأَثِير)

(وأطلع فِي سَمَاء النّظم زهرا

يلوح فَمن زُهَيْر أَو جرير)

(قطعت أولي النهى وَالْفضل بحثا

فَمَا لَك فِي مناظرة نَظِير)

(إِذا أغربت فِي الْإِعْرَاب وَجها

ف كم ثلجت بِمَا تبدي صُدُور)

(إِن قيل المعمى والمورى

فذهنك ناقد فِيهِ بَصِير)

(وَهَا أَنا قد دعوتك للتحاجي

لِأَنَّك فِي الحجى طب خَبِير)

ص: 92

(فَمَا ساع يرى فِي غير أَرض

وَلَا هُوَ فِي السما مِمَّا يطير)

(ترَاهُ مرددا مَا بَين طرد

وَعكس قصرت عَنهُ الطُّيُور)

(ويلطم كلما وافى مداه

ويسحب وَهُوَ مغلول أَسِير)

(وتنزع كل آونة حشاه

ويلقى وَهُوَ للبلوى صبور)

(ويرشف بعد ذَلِك مِنْهُ ثغر

وَلَا عذب هُنَاكَ وَلَا نمير)

(إِذا مَا سَار أثر فِي خطاه

طرائق دونهَا الرَّوْض النَّضِير)

(يجر إِذا سعى ذَنبا طَويلا

ويفتر حِين يعلوه قُصُور)

(وَيسمع مِنْهُ عِنْد الجري صَوت

لَهُ فِي صَدره مِنْهُ خرير)

(قَلِيل الْمكْث كم قد بَات تطوى

لَهُ من شقة لما يسير)

(ويفترش الْحَرِير ويرتديه

غطاء وَهُوَ مَعَ هَذَا فَقير)

(وَتظهر فِي جوانبه نُجُوم

وَفِي أحشائه فلك يَدُور)

(فأوضح مَا ذكرت فَلَيْسَ خَافَ

على مَجْمُوع فضلك مَا أُشير)

(وَدم فِي نعْمَة وسعود جد

وَعز مَا سقى روضا غَدِير)

فَكتب الْجَواب إِلَيّ فِي أسْرع وَقت يَقُول // (من الوافر) //

(أوجهك لَاحَ أم قمر مُنِير

وذكرك فاح أم نفح العبير)

(طلعت طُلُوع شمس الصحو صبحا

على فرس حكى فلكا يسير)

(وَيَا لله روضا ضمن طرس

زُهَيْر فِي جوانبه جرير)

(رميت بِهِ إِلَيّ فَقلت هَذَا

شُعَاع الشَّمْس مأخذه عسير)

(أَرَانِي زمرة الوضاح حسنا

ينبهني على أَنِّي حقير)

(وَأَنِّي مُلْحق بِأَقَلّ صنف

إِذا مَا حقق الجم الْغَفِير)

(فمذ صحفته فكري ملول

ومذ نشرته باعي قصير)

(هُوَ المأسور بالمأسور لَكِن

لَهُ فِي أسره مرح كثير)

(نشيط أيد ويقاد طَوْعًا

بخيط مَتنه واه طرير)

(يراع لِأَن مهجته يراع

لَهُ فِي الْجوف من خوف صفير)

(يحور إِلَى يَمِين من شمال

وَمَا يعبى بذا لَكِن يحور)

(غَدا يسْعَى بأَرْبعَة سراع

وَلَيْسَ لمشيه بهم نَظِير)

ص: 93

(يُخَالف بَين رجلَيْهِ فَيجْرِي

وترفعه يَدَاهُ فيستطير)

(لَهُ نول يسير لكل حَيّ

وميت مِنْهُ إِحْسَان كثير)

(إِذا أسدى إِلَيْهِ الْخَيْر مسد

جزاه عَلَيْهِ وَهُوَ بذا قدير)

(كَذَاك صفاتك الْحسنى وَلَكِن

بدأت تطولا وبنا قُصُور)

(فغفرا ثمَّ سترا ثمَّ قصرا

فَأَيْنَ الثمد وَالْبَحْر الغزير)

وَلما تولى خطابه البدرية كتبت لَهُ توقيعا نسخته

رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَ يكسو المنابر جمالا ويكسب أقمار الْوُجُوه من الخطباء كمالا أَن يرتب الْمجْلس السَّامِي جمال الدّين فِي كَذَا ثِقَة ببلاغته الَّتِي ترف على مياهها رياحين الْقُلُوب وفصاحته الَّتِي يكَاد لَفظهَا لمن يَذُوق يذوب وبراعته الَّتِي إِذا قَالَ أَيهَا النَّاس فقد غزا الأسماع بِجَيْش غير مغلوب وعظاته الَّتِي إِذا فَاه بهَا بَكَى النَّاس ليوسف بأجفان يَعْقُوب وَعبارَته الَّتِي نسج مِنْهَا ابْن الْمُنِير على خير أسلوب ومقاصده الَّتِي قطف ابْن نباتة زهرَة من روضها المحبوب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْعَصْر بِحَمْد الله أفضل من عف وَمن بر وأفصح خطيب لَو كلف مشتاق فَوق مَا فِي وَسعه لسعى إِلَيْهِ الْمِنْبَر فليباشر ذَلِك مُبَاشرَة يعْقد على فخرها الْإِجْمَاع ويشنف بدرها الأسماع ويثق من إِحْسَان هَذِه الدولة ببلوغ مناه وَإِزَالَة عناه وإزاحة مَا يحجب غناهُ فطالما خلت وَظِيفَة كَانَ يَظُنهَا لَهُ ملاذا وشفر منصب التسقي من وبله رذ إِذا ولاح رزق قلب وَجهه فِي سمائه وَهَذِه الْولَايَة تَقول {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} يُوسُف 12 / 29 إِلَى أَن لمع لَهُ شهَاب تألق وأغدق وابل جوده الَّذِي فاض وترقرق فرقاه خَطِيبًا وهز بِلُطْفِهِ الْمِنْبَر غصنا رطيبا وضوع أرجاه بأرجه حَتَّى قيل إِنَّه ضم خَطِيبًا وضمخ طيبا فليجر بعظاته الزاخرة سحب المدامع ويوقظ البصائر بإرشاده من كل ذِي طرف هاجع ويمل عطف من يسمعهُ فَإِنَّهُ على غُصْن منبره بلَيْل حلته بلبل ساجع وليستدرج الْقُلُوب الطائرة إِلَى لف حب التَّوْبَة ويستخرج خبايا النَّدَم على مَا فَاتَ فكم للنفوس من أوبه بعد عَظِيم الحوبه وَيغسل درن الذُّنُوب بِذكر الْمَمَات فكم لصخر القساوة بِهِ من لين وذوبه وَإِذا وعظ فَلَا يعظ إِلَّا نَفسه الَّتِي يمحضها النصحية وَإِذا ذكر فليذكر فِي ذَلِك الْجمع انْفِرَاده إِذا نزل ضريحه فَإِن ذَلِك أوقع فِي نفس السَّامع وأجلب لسح الجفن الهامي بالدمع الهامع وليأخذ لذَلِك طيبه العاطر وزينته ويرقى درج منبره بوقاره الَّذِي لَا تزعزع الرِّيَاح سكينته وليبلغ السامعين بإفهام واقتصاد وَيذكرهُمْ بتقوى الله تَعَالَى وَالْمَوْت والمعاد وليأت بأدب الْخَطِيب على مَا يُعلمهُ ويحذر من تقعير اللَّفْظ الَّذِي لَا يكَاد أَن يعربه فيعجمه وتقوى الله تَعَالَى جنَّة واقية وجنة راقية

ص: 94

وَسنة بَاقِيَة فليلبس حلَّة شعارها وَيعْلي مَنَارَة منارها وَالله يلين لمقاله جامد الْقُلُوب وَيمْسَح بعظاته مَا سود الصُّحُف من الذُّنُوب والخط الْكَرِيم أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

89 -

ابْن اللِّحْيَة يُوسُف بن سُلَيْمَان بن صَالح بن رهيج أَبُو يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن اللِّحْيَة كَانَ أيدبا شَاعِرًا مدح الْعَزِيز بِمصْر ولد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة

وَمن شعره يَقُول // (من المتقارب) //

(تعلّقت أسمر كالذابل

مليح الشَّمَائِل من بابل)

(يميس على الدعص من لينه

فأخشى على خصره الناحل)

(إِذا هزت الرّيح أعطافه

تمايل كالغصن المائل)

(وَقد نسج الْحسن فِي عارضيه

عذارا من العنبر السَّائِل)

(ويبسم عَن لُؤْلُؤ كلما

تألق عَن شنب كَامِل)

(تجول المدام على ثغره

فاحسد للسلسل الْحَائِل)

(يروق لي العذل من حبه

فاعشق لللائم العاذل)

(وَيبْخَل بالوصل حَتَّى الخيال

فافديه من رشأ باخل)

(إِذا مَا تحفظت من جوره

وَلم أك للجور بالحامل)

(فلست أعد مَعَ العاشقين

وَلَا خير فِي العاشق الْجَاهِل)

(إِذا مَا رماك بألحاظه

فحذرك من طرفه النابل)

(فَلَا مرهم لسهام الجفون

وَقد فوقتها يَد الْقَاتِل)

(أَقُول وَقد سل من جفْنه

حساما يطول على الْعَامِل)

(تفانى الرِّجَال على حبه

وَمَا يحصلون على طائل)

قلت شعر جيد وَآخره تضمين من شعر أبي الطّيب

90 -

يُوسُف بن سُفْيَان الْقرشِي البطليوسي أَبُو عمر سمع بقرطبة من العتبى وَأبي صَالح وأنظارهما وَسمع من مُنْذر بن حزم وَكَانَ فَقِيها خيرا فَاضلا وَكَانَ ابْن مَرْوَان

ص: 95

صَاحب بطليوس يمِيل إِلَيْهِ فسعي بِهِ إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه ينتقصك وَيَقَع فِيك فهم بِهِ وأراده فَوَقَعت فِي ذَلِك النَّهَار ببطليوس سبع صواعق وَقعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي ركن مجْلِس ابْن مَرْوَان الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ فارتاع لذَلِك وَظن أَنه الَّذِي هم بِهِ فِي الرجل الصَّالح فَكف عَنهُ وَأصْلح جَانِبه وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاث مائَة

91 -

المهمندار يُوسُف بن سيف الدولة أَبُو الْمَعَالِي بن زماخ بالزاي وَالْمِيم الْمُشَدّدَة وَا لخاء الْمُعْجَمَة بعد الْألف الحمداني المهمندار شيخ متجند

أَنْشدني من لَفظه العلامةُ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قَالَ أَنْشدني بدر الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف الْمَذْكُور لنَفسِهِ // (من الْبَسِيط) //

(وَلَيْلَة مثل عين الظبي وَهُوَ معي

قطعتها آمنا من يقظة الرقبا)

(أردفته فَوق دهم اللَّيْل مختفيا

وَالصُّبْح يرْكض خَلْفي خيله الشهبا)

(حَتَّى دهاني وَعين الشَّمْس فاترة

وَقد جذبت بذيل اللَّيْل مَا انجذبا)

(مَا هِيَ بِأول عادات الصَّباح معي

ليل الشَّبَاب بصبح الشيب كم هربا)

وأنشدني من لَفظه أَيْضا قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الوافر) //

(فَلَا تعجب لحسن الْمَدْح مني

صفاتك أظهرت حكم الْبَوَادِي)

(وَقد تبدي لَك الْمرْآة شخصا

ويسمعك الصدى مَا قد تنادي)

وأنشدني أَيْضا من لَفظه قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الْبَسِيط) //

(مَا شِيمَة الْعَرَب العرباء شيمتكم

وَلَا بِهَذَا عرفن الخرد الغيد)

(كَانَت سليمى ولبنى والرباب إِذا

أزمعن هجرا أتتهن الأناشيد)

(وَدَار بَينهمَا فحوى معاتبة

أرق مِمَّا أراقته العناقيد)

(وَآفَة الصب مثلي أَن يبث جوى

لمن يجب وَلَا يثنى لَهُ جيد)

وأنشدني من لَفظه أَيْضا قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ // (من الْكَامِل) //

(لَو عَايَنت عَيْنَاك يَوْم نزالنا

وَالْخَيْل تطفح فِي العجاج الأكدر)

(وسنا الأسنة والضياء من الظبى

كشفا لأعيننا قتام العنبر)

(وَقد اطلخم الْأَمر واحتدم الوغى

ووهى الجبان وساء ظن المجتري)

(لرأيت سداً من حَدِيد مايرا

فَوق الْفُرَات وفوقه نَار تري)

ص: 96

(وَرَأَيْت سيل الْخَيل قد بلغ الزبى

وَمن الفوارس أبحرا فِي أبحر)

(طفرت وَقد منع الفوارس مدها

تجْرِي وَلَوْلَا خَيْلنَا لم تطفر)

(حَتَّى سبقنَا أسهماً طاشت لنا

مِنْهُم إِلَيْنَا بالخيول الضمر)

(لم يفتحوا للرمي مِنْهُم أعيناً

حَتَّى كحلن بِكُل لدن أسمر)

(فتسابقوا هرباً وَلَكِن ردهم

دون الْهَزِيمَة رمح كل غضنفر)

(ملؤوا الفضا فَعَن قَلِيل لم نَدع

فَوق البسيطة مِنْهُم من مخبر)

(سدت علينا طرقنا قتلاهم

حَتَّى جنحنا للمكان الأوعر)

(مَا كَانَ أجْرى خَيْلنَا فِي أَثَرهم

لَو أَنَّهَا برؤوسهم لم تعثر)

(من كل أَشهب خَاضَ فِي بَحر

الدما حَتَّى بدا لعيوننا كالأشقر)

(كم قد فلقنا صَخْرَة من صرخة

وَلكم ملأنا محجراً من محجر)

(وَجَرت دِمَاؤُهُمْ على وَجه الثرى

حَتَّى جرت مِنْهَا مجاري الْأَنْهُر)

(وَالظَّاهِر السُّلْطَان فِي آثَارهم

يذري الرؤوس بِكُل عصب أَبتر)

(ذهب العجاج مَعَ النجيع بصقله

فَكَأَنَّهُ فِي غمده لم يشهر)

(إِن شِئْت تمدحه فقف بإزائه

مثلي غَدَاة الروع وانظم وانثر)

قلت هَذِه الأبيات الْأَرْبَع الَّتِي فِي آخر هَذِه الْقطعَة لم يروها لي الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان وَقد تقدّمت فِي تَرْجَمَة الظَّاهِر بيبرس الصَّالِحِي فِي حرف الْبَاء وَلكنهَا هُنَا أكمل وَفِي تَرْجَمَة الظَّاهِر أَيْضا أَبْيَات القَاضِي محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر البائية الَّتِي نظمها فِي قطع الظَّاهِر الْفُرَات

وَكتب نَاصِر الدّين بن النَّقِيب إِلَى بدر الدّين الحمداني الْمَذْكُور // (من الطَّوِيل) //

(أيوسف بدر الدّين وَالْحسن كُله

ليوسف يعزى أَو إِلَى الْبَدْر ينْسب)

(أتيت أخيرا غير أَنَّك أول

تعد من الْآحَاد شعرًا وتحسب)

(وَأحسن مَا فِي شعرك الْحر أَنه

بِهِ لَيْسَ تستجدي وَلَا تتكسب)

ومولد بدر الدّين الْمَذْكُور سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة ووفاته رَحمَه الله تَعَالَى فِي حُدُود السَّبع مائَة

92 -

أَبُو الْحسن الباخرزي يُوسُف ين صاعد الشَّيْخ أَبُو الْحسن الباخرزي ذكره

ص: 97

الباخرزي فِي الدمية وَأثْنى عَلَيْهِ بِحسن لعب الشطرنج والنرد والكعاب وَالصَّيْد وَحسن المجالسة والآداب وَأورد لَهُ مجاراة بَينه وَبَين الباخرزي وَالِده أَعنِي الْحسن بن عَليّ الباخرزي وَالِد مُصَنف الدمية وَقَالَ وَمن لطائف مَا شاهدت من ذكاء خاطره أَنِّي كنت عِنْده بجوذقان أطالع كل صَبِيحَة من غرته قمرا زاهرا لألاء وأهز إِلَيّ من نخلته شَجرا يجني زهر اللألاء فَلَمَّا طَال مكثي لَدَيْهِ وَطول مقَام الْمَرْء فِي الْحَيّ مخلق لديباجتيه استأذنته فِي الِانْصِرَاف وَالْيَوْم يَوْم الْأَحَد فتمثل بقول الْقَائِل // (من الوافر) //

(وَفِي الْأَحَد الْبناء لِأَن فِيهِ

تبدى الله فِي خلق السَّمَاء)

فَقلت وَأي مُنَاسبَة بَين استيذاني للصدر عَن هَذَا الفناء وَبَين يَوْم الْأَحَد وَذكر الْبناء فَقَالَ نَبْنِي على كسْرَى سَمَاء المدام يُشِير إِلَى قَول أبي نواس فِي قَوْله // (من الطَّوِيل) //

(بنينَا على كسْرَى سَمَاء مدامة

مكللة حافاتها بنجوم)

فتعجبت من جمعه بَين مَعْنيين متنافرين بِهَذَا الاستنباط اللَّطِيف واحتياله فِي ارتباطي ذَلِك الْيَوْم بِهَذَا الْعذر الظريف

93 -

الدسكري يُوسُف بن صَالح بن يُوسُف أَبُو الْقَاسِم النَّحْوِيّ من أهل الدسكرة على طَرِيق خُرَاسَان كَانَ أديبا راوية للأشعار روى عَن أَبَوي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي وَمُحَمّد بن يحيى الصولي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرفه نفطويه وأبوي الْحسن عَليّ بن هَارُون بن المنجم وَأحمد بن جَعْفَر جحظة وَأبي الْقَاسِم بن عقيل الْوراق صَاحب ابْن مُجَاهِد الْمُقْرِئ وَغَيرهم وروى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله البيع الْحَافِظ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى السّلمِيّ وَأَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم الصَّدَفِي الْمروزِي وَمُحَمّد بن الْعَبَّاس العصيمي الْهَرَوِيّ ومحبوب بن عبد الرَّحْمَن المحبوبي

94 -

السَّرقسْطِي يُوسُف بن عَابس الْمعَافِرِي من أهل سرقسطة أَبُو عمر كَانَ مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالْفضل مقدما على أهل مَوْضِعه عقلا وفهما وأدبا رَحل وَلَقي يحيى بن عمر وَغَيره قَالَ ابْن الفرضي ذكره ابْن الْحَارِث

ص: 98