المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ابن عب الرحمن - الوافي بالوفيات - جـ ٢٩

[الصفدي]

الفصل: ‌ابن عب الرحمن

النَّقْل وَولي قَضَاء بعلبك ثمَّ نابلس ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى بعلبك وَكَانَ دينا حميد الْأَحْكَام حدث بِدِمَشْق وبعلبك

107 -

جمال الدّين النيني يُوسُف بن عبد الله بن عبد الله الْفَقِيه الْفَاضِل جمال الدّين النيني الشَّافِعِي أول من عرفت من حَاله أَنه أَتَى من قري نين إِلَى صفد فَقَرَأَ بهَا الْمِنْهَاج وَحفظه وَقَرَأَ الْمُخْتَصر لِابْنِ الْحَاجِب وَكَانَ يقْرَأ الحَدِيث بالجامع الظَّاهِرِيّ وَبِغَيْرِهِ ويؤم بِمَسْجِد [] كَانَ شكلا طوَالًا طيب النغمة ذكيا قَادِرًا على الْحِفْظ وَأقَام بصفد قَلِيلا ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى طرابلس لمعْرِفَة كَانَت بَينه وَبَين قاضيها القَاضِي حسام الدّين الْعَرَبِيّ فِي صفد وَأقَام بهَا وأثرى وَحسنت حَاله وشاع أَنه حصل دنيا وَاسِعَة وَسَأَلت وَلَده عَن ذَلِك فأقسم بِاللَّه بِأَنَّهُ مَا ترك درهما وَلَا دِينَارا وَكَانَ لم يخلف غير ثِيَاب بدنه ومجلدات تَركهَا لَا غير وَكَانَ قد حج فِي سنة خمس وَخمسين وَسبع مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي رَابِع ربيع الأول سنة سبع وَخمسين وَسبع مائَة ووصى أَن لَا يُبَاع شَيْء من قماشه وَلَا من كتبه بطرابلس فَتوجه ابْنه بثيابه إِلَى حماه وباعها هُنَاكَ وأحضر كتبه إِلَى دمشق وَلم تكن بطائل عتيقة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى وَقد تجَاوز السِّتين

‌ابْن عب الرَّحْمَن

108 -

أَمِير الأندلس يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن أبي عُبَيْدَة أَمِير الأندلس هَزَمه عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الدَّاخِل إِلَى الأندلس وتغلب عَلَيْهَا توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يُوسُف هَذَا فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَالْمِائَة

109 -

محيي الدّين بن الْجَوْزِيّ يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْجَوْزِيّ هُوَ الصاحب الْعَلامَة محيي الدّين أَبُو المحاسن ابْن الإِمَام جمال الدّين الْوَاعِظ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ أستاذ دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم ولد سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة

تفقه وَسمع الْكثير وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا وصدرا مُعظما عَارِفًا بِالْمذهبِ كثير الْمَحْفُوظ حسن الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم مليح الْوَعْظ حُلْو الْعبارَة ذَا سمت ووقار وجلالة وَحُرْمَة

ص: 104

وافرة درس وَأفْتى وصنف وروسل بِهِ إِلَى الْأَطْرَاف وَرَأى من الْعِزّ وَالْإِكْرَام والاحترام من الْمُلُوك شَيْئا كثيرا وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة محببا إِلَى الرّعية ولي الْأُسْتَاذ دارية بضع عشرَة سنة

قَالَ الدمياطي قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الوفا فِي فَضَائِل الْمُصْطَفى لِأَبِيهِ وَغَيره وأنشدني لنَفسِهِ وَأَجَازَ لي بجائزة جليلة من الذَّهَب

قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ضربت عُنُقه بمخيم التتار هُوَ وَأَوْلَاده تَاج الدّين عبد الْكَرِيم وجمال الدّين الْمُحب وَشرف الدّين عبد الله فِي شهر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة

وَكَانَ قد شهد عِنْد قَاضِي الْقُضَاة ابْن الدَّامغَانِي فَقبله وولاه الْحِسْبَة بِمَدِينَة السَّلَام وَالنَّظَر فِي الْوَقْف الْعَام ثمَّ عزل عَن الْحِسْبَة وعزل عَن نظر الْوَقْف وَمنع من الْجُلُوس بِبَاب التربة وَبَاب بدر وَلزِمَ منزله إِلَى أَن أُعِيد إِلَى الْحِسْبَة وَأذن لَهُ فِي الدُّخُول على الْأَمِير أبي نصر بن النَّاصِر وَسَمَاع مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل مَعَ الْجَمَاعَة فَحصل لَهُ الْأنس فَلَمَّا توفّي الإِمَام النَّاصِر أَمر ابْن الْجَوْزِيّ بِغسْلِهِ فَغسله ثمَّ إِن الإِمَام الظَّاهِر أرْسلهُ إِلَى مصر لإفاضة الْخلْع على الْملك النَّاصِر فوصلها وَعَاد وَقد توفّي الإِمَام الظَّاهِر وَقَامَ مَكَانَهُ وَلَده الإِمَام الْمُسْتَنْصر فَأرْسلهُ مَرَّات إِلَى الشَّام وَإِلَى مصر وَإِلَى بِلَاد الرّوم وشيراز وحصلت لَهُ النِّعْمَة الطائلة والمكانة عِنْد الْمُلُوك وَلما فرغت الْمدرسَة المستنصرية جعل بهَا مدرسا للحنابلة وَكَانَ إِذا سَافر استناب وَلَده فِي التدريس والحسبة وَترك الْوَعْظ وَلم يعْقد مَجْلِسا بعد ذَلِك

وَتُوفِّي وَالِده وَله سبع عشرَة سنة فَأذن لَهُ بِالْجُلُوسِ للوعظ على عَادَة أَبِيه بِبَاب تربة الْجِهَة أم الإِمَام النَّاصِر وخلع عَلَيْهِ الْقَمِيص والعمامة وَجعل على رَأسه طرحة وَحضر يَوْم الْجُمُعَة فِي حَلقَة وَالِده بِجَامِع الْقصر وَعِنْده الْفُقَهَاء للمناظرة وَنُودِيَ لَهُ فِي الْجَامِع بِالْجُلُوسِ فحضره الْخَلَائق وَتكلم فأجاد ثمَّ إِنَّه أذن لَهُ فِي الْجُلُوس بِبَاب بدر الشريف فِي بكرَة كل يَوْم ثلاثاء فَبَقيَ على ذَلِك مُدَّة ينشد فِي كل مجْلِس قصيدة من شعره يمدح بهَا الإِمَام

وَلما أَقَامَ عَسْكَر الشَّام فِي أَيَّام النَّاصِر بن الْعَزِيز مُجَردا على تل العجول قبالة عَسْكَر مصر وتجاوزت مُدَّة إقامتهم السّنة وأشاعوا أَن الباذرائي رَسُول الْخَلِيفَة وَاصل ليصلح بَين الْفَرِيقَيْنِ فَأَبْطَأَ وَكَثُرت الْأَقَاوِيل فِي ذَلِك فَقَالَ شهَاب الدّين غَازِي بن إياز الْمَعْرُوف بِابْن المعمار أحد المفاردة المجردين صُحْبَة الْأَمِير جمال الدّين مُوسَى بن يغمور حاجبا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ // (من الوافر) //

(يذكرنَا زمَان الزّهْد ذكرى

زمَان اللَّهْو فِي تل العجول)

ص: 105

(ونطلب مُسلما يروي حَدِيثا

صَحِيحا من أَحَادِيث الرَّسُول)

وَاخْتلفت الْأَقَاوِيل بِمصْر فَقيل إِن محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ يصل رَسُولا من الْخَلِيفَة وَتَأَخر حُضُوره فَقَالَ صَلَاح الدّين الإربلي // (من الْكَامِل) //

(قَالُوا الرَّسُول أَتَى وَقَالُوا إِنَّه

مَا رام يَوْمًا عَن دمشق نزوحا)

(ذهب الزَّمَان وَمَا ظَفرت بِمُسلم

يروي الحَدِيث عَن الرَّسُول صَحِيحا)

وَلما وصل محيي الدّين الْمَذْكُور إِلَى حلب رَسُولا من أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وصاحبها الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي توفّي الْعَزِيز رحمه الله فِي شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ توجه إِلَى الرّوم رَسُولا فَمَاتَ الْملك علاي الدّين كيقباد فِي شَوَّال من السّنة ثمَّ توجه رَسُولا إِلَى الْأَشْرَاف مُوسَى بن الْعَادِل صَاحب دمشق وأخيه الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل صَاحب مصر فَتوفي الْأَشْرَف فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي الْكَامِل فِي شهر رَجَب من السّنة وَكِلَاهُمَا مَاتَ بِدِمَشْق فنظم أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن الأرشد فِي ذَلِك // (من الْخَفِيف) //

(دَعْوَة يَا خَليفَة الله لَا انجاب

عَن الْخلق مِنْك ظلّ ظَلِيل)

(يَا إِمَام الْهدى أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور

يَا من لَهُ الفخار الأثيل)

(مَا جرى من رَسُولك الشَّيْخ محيي الدّين

فِي هَذِه الْبِلَاد قَلِيل)

(جَاءَ وَالْأَرْض بالسلاطين تزهى

فغدا والقصور مِنْهُم طلول)

(أقفر الرّوم والشآم ومصر

أَفَهَذَا مغسل أَو رَسُول؟)

110 -

الْمزي الْحَافِظ يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك بن أبي الزهر الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حَافظ الْعَصْر ومحدث الشَّام ومصر جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج الْقُضَاعِي الْكَلْبِيّ الْمزي الْحلَبِي المولد خَاتِمَة الْحفاظ ناقد الْأَسَانِيد والألفاظ مولده بِظَاهِر حلب فِي عَاشر شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وست مائَة وَطلب الحَدِيث فِي أول سنة خمس وَسبعين وهلم جرا وَإِلَى آخر وَقت لَا يفتر وَلَا يقصر عَن الطّلب وَالِاجْتِهَاد وَالرِّوَايَة توفّي فِي ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة من الْغَد

ص: 106

سمع من أَصْحَاب ابْن طبرزد والكندي وَابْن الحرستاني وحنبل ثمَّ ابْن ملاعب والرهاوي وَابْن الْبَنَّا ثمَّ ابْن أبي لقْمَة وَابْن البن وَابْن مكرم والقزويني ثمَّ ابْن اللتي وَابْن صباح وَابْن الزبيدِيّ وأعلاما سمع بِإِجَازَة عَن ابْن كُلَيْب وَابْن بوش وَالْجمال وخليل ابْن بدر والبوصيري وأمثالهم ثمَّ الْمُؤَيد الطوسي وزاهر الثَّقَفِيّ وَعبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَسمع الْكتب الْأُمَّهَات المسندة والكتب السّنة والمعجم الْكَبِير وتاريخ الْخَطِيب وَالنّسب للزبير والسيرة والموطأ من طرق والزهد والمستخرج على مُسلم والحلية وَالسّنَن للبيهقي وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَأَشْيَاء يطول ذكرهَا وَمن الْأَجْزَاء ألوفا ومشيخته نَحْو الْألف سمع أَبَا الْعَبَّاس ابْن سَلامَة وَابْن أبي عمر وَابْن عَلان وَالشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ والزواوي والكمال عبد الرَّحْمَن والعز الْحَرَّانِي وَابْن الدرجي وَالقَاسِم الإربلي وَابْن الصَّابُونِي والرشيد العامري وَمُحَمّد بن القواس وَالْفَخْر بن البُخَارِيّ وَزَيْنَب وَابْن شَيبَان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مَنَاقِب وَإِسْمَاعِيل بن الْعَسْقَلَانِي وَالْمجد بن الخليلي والعماد بن الشِّيرَازِيّ والمحيي بن عصرون وَأَبا بكر بن الْأنمَاطِي والصفي خَلِيلًا وغازيا الحلاوي والقطب بن الْعَسْقَلَانِي وطبقتهم والدمياطي شرف الدّين والفاروثي واليونيني وَابْن بلبان والشريشي وَابْن دَقِيق الْعِيد والظاهري والتقي الأسعردي وطبقتهم وتنازل إِلَى طبقَة سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَابْن نَفِيس وَابْن تيمة وَلم يتهيأ لَهُ السماع من ابْن عبد الدَّائِم وَلَا الْكرْمَانِي وَلَا ابْن أبي السِّرّ وَنَحْوهم وَلَا أَجَازُوا لَهُ مَعَ إِمْكَان أَن تكون لَهُ إجَازَة المرسي وَالْمُنْذِرِي وخطيب مردا واليلداني وَتلك الحلبة

وَحفظ الْقُرْآن وعني باللغة فبرع فِيهَا وَلم أر فِيهَا مثله وَمثل الشَّيْخ أثير الدّين وأتقن النَّحْو والتصريف وَلما ولي دَار الحَدِيث الأشرفية تمذهب للشَّافِعِيّ وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَسبع مائَة وَفِي هَذَا النَّهَار ذكر الدَّرْس بالأشرفية وَكَانَ فِيهِ حَيَاء وسكينة وحلم وَاحْتِمَال وقناعة واطراح تكلّف وَترك التجمل والتودد والانجماع عَن النَّاس وَقلة كَلَام غلا أَن يسْأَل فيجيب ويجيد وَكلما طَالَتْ مجالسة الطَّالِب لَهُ ظهر لَهُ فَضله لَا يتكثر بفضائله كثير السُّكُوت لَا يغتاب أحد قَرَأت عَلَيْهِ خطب ابْن نباتة وَأَرْبَعين النواوي وَغير ذَلِك وَسمعت عَلَيْهِ كثيرا وَسمع شَيْئا من شعري بدار الحَدِيث وَكَانَ معتدل الْقَامَة مشربا بحمرة قوي التَّرْكِيب متع بحواسه وذهنه وَكَانَ قنوعا غير متأنق فِي ملبس أَو مأكل أَو مركب أَو نعل يصعد إِلَى الصالحية وَغَيرهَا مَاشِيا وَهُوَ فِي عشر التسعين وَكَانَ ريض الْأَخْلَاق يستحم بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي الشيخوخة إِلَّا أَنه كَانَ قد امتحن بالمطالب وتتبعها فيعثر بِهِ من الشَّيَاطِين فَيَأْكُلُونَ مَا مَعَه وَلَا يزَال فِي فقر

ص: 107

لأجل ذَلِك

وَأما معرفَة الرِّجَال فإليه تشد الرّحال فَإِنَّهُ كَانَ الْغَايَة وحامل الرَّايَة لما ولي دَار الحَدِيث قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية لم يل هَذِه الْمدرسَة من حِين بنائها وَإِلَى الْآن أَحَق بِشَرْط الْوَاقِف مِنْهُ وَقد وَليهَا جمَاعَة كبار مثل ابْن الصّلاح ومحيي الدّين وَابْن الزبيدِيّ لِأَن الْوَاقِف قَالَ فَإِن اجْتمع من فِيهِ الرِّوَايَة وَمن فِيهِ الدِّرَايَة قدم من فِيهِ الرِّوَايَة وَلَقَد سمعنَا صَحِيح مُسلم على الْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ حَاضر رحمه الله وَابْن طغريل يقْرَأ وعدة نسخ صَحِيحَة يُقَابل بهَا فَيرد الشَّيْخ جمال الدّين عَلَيْهِ اللَّفْظ فَيَقُول ابْن طغريل مَا فِي النُّسْخَة إِلَّا كَمَا قَرَأت فيقولا من فِي يَده بعض تِلْكَ النّسخ الصَّحِيحَة هُوَ عِنْدِي كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَو هُوَ مظفر عَلَيْهِ أَو مضب أَو فِي الْحَاشِيَة تَصْحِيح ذَلِك وَلما كثر ذَلِك قلت لَهُ مَا النُّسْخَة الصَّحِيحَة إِلَّا أَنْت قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم أر أحفظ مِنْهُ وَلَا رأى هُوَ مثل رَأْي نَفسه وَقَالَ لم أر أحفظ من الدمياطي قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم يسألني ابْن دَقِيق الْعِيد إِلَّا عَنهُ وَكَانَ قد اغْترَّ فِي شبيبته وَصَحب عفيف الدّين التلمساني فَلَمَّا تبين لَهُ ضلاله هجره وتبرأ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ يترخص فِي الْأَدَاء من غير أصُول وَيصْلح كثيرا من حفظه ويتسامح فِي دمج القارئين ولغط السامعين ويتوسع فَكَأَنَّهُ يرى أَن الْعُمْدَة على إجَازَة المسمع للْجَمَاعَة وَله فِي ذَلِك مَذَاهِب عَجِيبَة وَكَانَ يتَمَثَّل بقول ابْن مندة يَكْفِيك من الحَدِيث شمه صنف كتاب تَهْذِيب الْكَمَال فِي أَرْبَعَة عشر مجلدا كشف بِهِ الْكتب الْمُتَقَدّمَة فِي هَذَا الشَّأْن وسارت بِهِ الركْبَان واشتهر فِي حَيَاته وَألف كتاب الْأَطْرَاف للكتب السِّتَّة فِي سِتَّة أسفار وَخرج لجَماعَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلَا عَلمته خرج لنَفسِهِ لَا عوالي وَلَا موافقات وَلَا معجما وكل وَقت ألومه فِي ذَلِك فيسكت وَقد حدث ب تهذيبه الَّذِي اخْتَصَرَهُ الشَّيْخ شمس الدّين خمس مَرَّات وَحدث ب الصَّحِيحَيْنِ مَرَّات وب الْمسند وب مُعْجم الطبراين وب دَلَائِل النُّبُوَّة وبكتب جمة وَحدث بِسَائِر أَجْزَائِهِ الْعَالِيَة وبكثير من النَّازِلَة وَمَعَ إتقانه لأسماء الرِّجَال وَله فِيهَا هَذَا التصنيف الْعَظِيم لم يكن يعتني بتراجم الْعلمَاء من الْخُلَفَاء والملوك والأمراء والوزراء والقضاة وَالْعُلَمَاء والقراء والأطباء وَالشعرَاء وَلَا لَهُ فِيهَا مُشَاركَة أَلْبَتَّة وَإِنَّمَا كَانَ يعتني بِرِجَال الحَدِيث لَا غير وَلَقَد سَأَلته عَن القالي بِالْقَافِ والفالي بِالْفَاءِ فَقَالَ لَا أعرف إِلَى الفالي بِالْفَاءِ فَعلمت أَنه لَيْسَ لَهُ عناية بِغَيْر الروَاة للْحَدِيث وَإِلَّا فَأَبُو عَليّ القالي بِالْقَافِ مَشْهُور بَين الأدباء مَعْرُوف لَا يكَاد يجهله أحد من صغَار الأدباء وَلَكِن عِنْدِي مِنْهُ فَوَائِد وقواعد فِي أَسمَاء وَرِجَال الحَدِيث لم أَجدهَا وَلم آخذها من غَيره وَكَانَ أَسمَاء الروَاة الَّذين يجيئون فِي سماعاته وطرقه يجيد الْكَلَام فِي طبقاتهم وأحوالهم وقوتهم ولينهم وَهَذَا بَحر لَا يشق ثبجه وغبار لَا

ص: 108

انحطاط لقتامه وَلم أر بعد الشَّيْخ فتح الدّين من يحكم بدقيق الْأَجْزَاء وترميمها مثل الشَّيْخ جمال الدّين رحمه الله وَلم يستعر مني شَيْئا وَأَعَادَهُ إِلَّا وَقد نبه فِيهِ على نُكْتَة كنت مُحْتَاجا إِلَيْهَا حَتَّى فِي إجَازَة الشَّيْخ فتح الدّين لي وَقد حج وَسمع بالحرمين والقدس ودمشق ومصر وحلب وحماه ومحص وبعلبك والإسكندرية وبلبيس وقطيا وَغير ذَلِك وأوذي مرّة واختفى مُدَّة من أجل سَمَاعه التَّارِيخ الْخَطِيب وأوذي مرّة أُخْرَى لقِرَاءَة شَيْء من كتاب أَفعَال الْعباد مِمَّا يتأوله الْفُضَلَاء المخالفون وَحبس وَلما توفّي ابْن أبي الْفَتْح حصل لَهُ من جهاته حَلقَة الْحَضَر والْحَدِيث بالناصرية فأضاء حَاله واتسع رزقه ثمَّ ولي دَار الحَدِيث الأشرفية سنة ثَمَانِي عشرَة وَسبع مائَة بعد ابْن الشريشي ثمَّ فِيمَا بعد ترك الْحلقَة وَأخذت مِنْهُ الناصرية ثمَّ نزل عَن العزية لصَاحبه نجم الدّين قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَأَعْلَى مَا عِنْده مُطلقًا بالغيلانيات وجزء ابْن عَرَفَة وَابْن الْفُرَات بِإِجَازَة سمع مِنْهُ شمس الدّين أَربع وَسبعين وَأخذ عَنهُ صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره واستملى مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ وقاضي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة وَالشَّيْخ فتح الدّين بن سيد النَّاس ومحب الدّين وَأَوْلَاده وشمس الدّين السرُوجِي وَابْن الدمياطي وَابْن عبد الْهَادِي وَابْن السفاقسي وتقي الدّين بن رَافع وسبط التنسي وخلائق وَتخرج بِهِ جمَاعَة كالبرزالي والعلائي وَابْن كثير وَابْن عبد الْهَادِي وَابْن الْعَطَّار وَابْن الْفَخر وَابْن الجعبري وَغَيرهم قَالَ شمس الدّين قَرَأت بِخَط أبي الْفَتْح الْحَافِظ قَالَ وَوجدت بِدِمَشْق الإِمَام الْمُقدم والحافظ الَّذِي فاق من تَأَخّر من أقرانه وَتقدم أَبَا الْحجَّاج الْمزي بَحر هَذَا الْعلم الزاخر الْقَائِل من رَآهُ كم ترك الْأَوَائِل للأواخر أحفظ النَّاس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لَا يخص بمعرفته مصرا دون مصر وَلَا ينْفَرد علمه بِأَهْل عصر دون عصر مُعْتَمدًا آثَار السّلف الصَّالح مُجْتَهدا فِيمَا نيط بِهِ فِي حفظ السّنة من النصائح معرضًا عَن الدُّنْيَا وأشباهها مقبل على طَرِيقَته الَّتِي أربى بهَا على أَرْبَابهَا لَا يُبَالِي بِمَا ناله من الْأَزَل وَلَا يخلط جده بِشَيْء من الْهزْل وَكَانَ بِمَا يصنعه بَصيرًا وبتحقيق مَا يَأْتِيهِ جَدِيرًا وَهُوَ فِي اللُّغَة إِمَام وَله بالقريض إِلْمَام وَكنت أحرص على فَوَائده لأحرز مِنْهَا مَا أحرز وأستفيد من حَدِيثه الَّذِي إِن طَال لم يملل وَإِن أوجز وددت أَنه لم يوجز وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وسرد أَبُو الْفَتْح فصلا فِي تقريظ ابْن تَيْمِية

111 -

أَبُو الْحجَّاج الأقصري يُوسُف بن عبد الرَّحِيم بن غزي الْقرشِي الشَّيْخ الْعَارِف الزَّاهِد أَبُو الحجاح الأقصري شيخ الزَّمَان وَوَاحِد الأوان صَاحب الكرامات

ص: 109

والمكاشفات الْمَعْرُوفَة أحد من ينْتَفع النَّاس ببركته وَصَالح دعواته تَابَ على يَدَيْهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ أنْشد كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي فِي تَرْجَمته بعد تقريظه وَالثنَاء عَلَيْهِ // (من الطَّوِيل) //

(فَقل لفتى قد رام فِي الْعَصْر مثله

يَمِينا بِرَبّ النَّاس لست بواجد)

(وَمن ذَا يضاهي حسن يُوسُف فِي الورى

وَيُؤْتى الَّذِي ناله من محامد)

وَكَانَ لما تجرد قد توجه إِلَى شَيْخه عبد الرَّزَّاق ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه وَتخرج عَلَيْهِ سَادَات كالشيخ عَليّ من الأفوا وَالشَّيْخ عَليّ بن بدر وَالشَّيْخ شماس السفطي وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الغاوي والبرهان الْكَبِير والبدر الدِّمَشْقِي وَالشَّيْخ مفرج ونظرائهم وَكَانَ مشارف الدِّيوَان أَولا ثمَّ تجرد وَصَحب عبد الرَّزَّاق التينملي تلميذ الشَّيْخ أبي مَدين

وَكَانَت كراماته كَثِيرَة وَلَكِن جهال أَتْبَاعه أطنبوا وَزَادُوا فَجعلُوا لَهُ معراجا لَيْلَة نصف شعْبَان من كل سنة واتخذوه فِي الصَّعِيد كل سنة كالعيد تَأتي إِلَيْهِ الْخَلَائق من العوالي ويبذل فِيهِ الْعَزِيز الغالي وتحضر الدفوف والشبابات ويختلط الرِّجَال بالنسوان وَكَانَ الشَّيْخ رضي الله عنه مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة وَله كَلَام يشْهد لَهُ بالمعرفة والدراية توفّي رضي الله عنه فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة وقبره مَشْهُور بالأقصر يزار من الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ألف مَوَاقِف كمواقف النفري قَالَ أَبُو مر المرابطي وَفَاته على لوح قَبره سنة أَربع

112 -

ابْن الْمَاجشون يُوسُف بن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون تقدم ذكر أَبِيه فِي حرف الْعين مَكَانَهُ قَالَ الْوَاقِدِيّ الْمدنِي أَبُو سَلمَة مولى آل الْمُنْكَدر التَّيْمِيّ قَالَ ابْن معِين كُنَّا نأتي يُوسُف بن الْمَاجشون يحدثنا وجواريه فِي بَيت آخر يضربن بالمعزفة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أهل الْمَدِينَة معروفون بالرخص فِي الْغناء وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة سوى أبي دَاوُد

113 -

اللَّخْمِيّ الميورقي يُوسُف بن عبد الْعَزِيز عَليّ بن نَادِر أَبُو الْحجَّاج اللَّخْمِيّ الميورقي الْفَقِيه سمع صَحِيح مُسلم بِمَكَّة من الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ من عَليّ بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ النقاش وتفقه بِبَغْدَاد على الكيا الهراسي واستوطن الْإسْكَنْدَريَّة

ص: 110

ودرس الْفِقْه وروى الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ عَارِفًا بالأصول متفننا بارعا لَهُ تعليقة فِي الْخلاف مَعْرُوفَة قَالَ ابْن الْأَبَّار هُوَ أحيى علم الحَدِيث بالإسكندرية وروى عَنهُ السّلف وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخمْس مائَة

114 -

ابْن المرصص يُوسُف بن عبد الْعَزِيز بن شَدَّاد الهمذاني الْمصْرِيّ علم الدّين أَبُو المحاسن بن المرصص توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بحماه وَقيل بحلب وَهُوَ الصَّحِيح سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وست مائَة قَالَ عماد الدّين أَبُو الْفَتْح عمر بن شعْبَان الْحَمَوِيّ دخلت على الْعلم فِي مرض مَوته فَوَجَدته مَسْرُورا فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ أَنا الْيَوْم طيب فَقلت مَا سَبَب ذَلِك فَقَالَ تبرمت أمس من طول هَذَا الْمَرَض وشكوت إِلَى رَبِّي ذَلِك ونمت البارحة فَرَأَيْت فِي مَنَامِي قَائِلا يَقُول مَا تَسْتَحي تَشْكُو وَأَنت الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //

(إِذا لم تكن تنهي إِلَى غَيْرك الشكوى

فَمَا ثمَّ إِلَّا الصَّبْر فِيك على الْبلوى)

(وَإِنِّي إِن أتلفت بالهجر مهجتي

لأرضى الَّذِي ترْضى وأهوى الَّذِي تهوى)

وَمَات بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام

وَمن شعره // (من الْخَفِيف) //

(قربت دَارنَا وَلم يفد الْقرب

اجتماعا فَلَا أَذمّ البعادا)

(كَانَ ذَاك البعاد أروح للقلب

لِأَن الغرام بِالْقربِ زادا)

115 -

العلاف يُوسُف بن عبد الْغَالِب بن هِلَال الإسْكَنْدراني العلاف كَانَ عاميا وَلَكِن لَهُ النّظم الحلو روى عَنهُ الْفُضَلَاء وَكَتَبُوا شعره توفّي فِي بَلَده سنة عشْرين وَسبع مائَة وَمن شعره // (من الطَّوِيل) //

(وخضراء لَا الْحَمْرَاء تفعل فعلهَا

لنا وثبات فِي الحشى وثبات)

(تؤجج نَارا وَهِي فِي الْعين جنَّة

وتعطيك طعم المر وَهِي نَبَات)

وَمِنْه فِي حائك // (من السَّرِيع) //

(كم قلت للحائك الظريف وَفِي

رَاحَته طَاقَة يخلصها)

(هَل فِي فِي رد مهجة لفتى

لَيْسَ لَهُ طَاقَة يخلصها)

116 -

ابْن المطجن يُوسُف بن عبد اللَّطِيف بن يُوسُف شرف الدّين أَبُو الْفضل

ص: 111

ابْن الْحَكِيم موفق الدّين الْبَغْدَادِيّ الأَصْل الْمصْرِيّ الْوَفَاة سمع أَبَاهُ وَابْن اللتي وَحدث بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ متوسط الْفَضِيلَة وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وست مائَة تغمده الله رَحمته

117 -

تَقِيّ الدّين الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ يُوسُف بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة بن سرُور بن رَافع بن حسن الْفَقِيه تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي النابلسي الْحَنْبَلِيّ سمع وتفقه على الشَّيْخ الْمُوفق وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَكَانَ إِمَام الْجَامِع الغربي بنابلس وَفِيه دين وَخير وَعبادَة كتب عَنهُ الْحَافِظ ابْن الْحَاجِب وَغَيره وتوفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وست مائَة

118 -

أَمِير الْمُسلمين صَاحب الْمغرب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ السُّلْطَان أَمِير الْمُسلمين صَاحب الْمغرب أَبُو يَعْقُوب كَانَ أَصْغَر إخْوَته سنا وَلَكِن قَدمته النجابة والسعادة وَكَانَ ولي عهد عبد الْمُؤمن وَلَده مُحَمَّد الْأَكْبَر لَكِن اجْتمع بَنو عبد الْمُؤمن بعد موت أَبِيهِم فَمَال وَلَده عَليّ إِلَى الْوَفَاء بِعَهْد مُحَمَّد وَمَال أَبُو حَفْص عمر إِلَى مبايعة يُوسُف وَقَالَ إِن مُحَمَّدًا ضَعِيف لَا يقوم بِالْأَمر فتشاجرا حَتَّى آل الْأَمر إِلَى أَن تضاربا فَضرب أَبُو حَفْص أَخَاهُ عليا فِي حَلقَة بمقص كَانَ فِي يَده وَصَاح بغلمانه وعبيده وَكَانَ قد أعدهم لذَلِك فَقتلُوا عليا فِي المدلس وكتم موت عبد الْمُؤمن وَسلم مُحَمَّد الْأَمر إِلَى يُوسُف وَقَالَ إِنَّمَا أُرِيد الْخلَافَة لأصون بهَا روحي فَإِذا كَانَ فِيهَا إِتْلَاف الْأَرْوَاح فَلَا حَاجَة لي بهَا وَأَقْبل على خلواته وَانْفَرَدَ يُوسُف بتدبير الْأُمُور واعتدت الْأَيَّام فأظهر خِلَافَته وَمَوْت أَبِيه وخطب لنَفسِهِ وتحبب إِلَى النَّاس بِحسن السِّيرَة وَجَاءَت سنة ذَات وباء فَمَا فِيهَا مُحَمَّد ولي عهد عبد الْمُؤمن وَأَخُوهُ أَبُو حَفْص قَاتل عَليّ وَمَات عُثْمَان أخوهم أَيْضا

وَكَانَ جليل الْقدر مخوف الْجَانِب وَكَانَ عبد الله بن عبد الْمُؤمن صَاحب الغرب الْأَوْسَط عَظِيما وَبِيَدِهِ الجيوش وَالْأَمْوَال فتوصل إِلَى أَن أهْدى إِلَى عبد الله جَارِيَة ذَات جمال وَمَعَهَا خرقَة مَسْمُومَة فَسَمتْهُ بهَا عِنْد الْفَرَاغ من الْجِمَاع فَمَاتَ عبد الله واستبد يُوسُف بِالْأَمر وَأمن المنازع وَعبر إِلَى الأندلس بِنَفسِهِ فِي مائَة ألف فَارس فَأحْسن ابْن مردنيش الْغَلَبَة فَاشْتَدَّ مَرضه وَمَات ووالى يُوسُف مواقعة الْكفَّار وَحصر مدنهم وَفتح معاقلهم وَاسْتولى على جملَة مِنْهَا وَسَار إِلَى أقْصَى إفريقية وَفتح قفصة وَهَذَا الْمِقْدَار مسيرَة ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس غازيا وَقصد شنترين فحصرها شهرا فَأَصَابَهُ بهَا مرض قضى

ص: 112

عَلَيْهِ وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَت مدَّته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وأشهرا وَكَانَ حسن الصُّور لطيف الْأَخْلَاق غير أَنه أفرط فِي محاسبة الْعمَّال وَقبض يَده وَكَانَ يُقَال إِنَّه جماع مناع وَكَانَ بليغا شَاعِرًا فَمن كَلَامه قَوْله لبَعض حَاشِيَته إِنَّا جربناك فوجدناك كالذهب الإبريز مَا أحرق بالنَّار زَاد طيبا فوَاللَّه لأملأن عَيْنك قُرَّة وقلبك مَسَرَّة وَلما ثارت عَلَيْهِ قبائل غماره أحد كِتَابه أَن يكْتب لَهُم بالترغيب والترهيب فَلَمَّا كتب الْكَاتِب الْكتاب زَاد فِيهِ يُوسُف بِخَطِّهِ أَنْتُم أَيهَا الْفرْقَة الناشزون بَين أَمريْن إِمَّا أَن تَكُونُوا عِنْد الْمُوَحِّدين بِمَنْزِلَة الضيوف وَإِمَّا أَن تستمروا على غيكم وَمَا زرعه فِيكُم شياطينكم فتحصدكم السيوف

وَقد وَصفه الشقندي فِي كتاب ظرف الظرفاء بالشعر وَالْأَدب وَعلم الْمنطق وَأنْشد لَهُ هَذِه الأبيات وَهِي الَّتِي قَالَهَا فِي مُخَاطب أَوْلَاد ابْن مردنيش لما كتبُوا إِلَيْهِ يعلمونه بِمَوْت أَبِيهِم ويظهرون الطَّاعَة لَهُ والانقياء ويرغبون فِي الْوُصُول إِلَيْهِ وتقبيل يَدَيْهِ // (من الطَّوِيل) //

(لقاؤكم بالرحب والمنزل السهل

وثواكم كالروض يرتاح للطل)

(وأثرتكم زَادَت على كل أَثَرَة

وَأَنْتُم لَهَا أهل فبورك من أهل)

(هلموا إِلَى مَا اعتدتم من كَرَامَة

وَحفظ مدى الْأَيَّام فِي النَّفس والأهل)

وَقد وجدت أَنا لَهُ فِي بعض تعاليقي // (من الوافر) //

(همو نظرُوا لواحظها فهاموا

وتشرب عقل شاربها المدام)

(يخَاف النَّاس مقلتها سواهَا

أيذعر قلب حامله الحسام)

(سمى طرفِي إِلَيْهَا وَهُوَ باك

وَتَحْت الشَّمْس ينسكب الْغَمَام)

(وأذكر قدها فأنوح وجدا

على الأغصان ينتحب الْحمام)

(وأعقب بَينهَا فِي الصَّدْر غما

إِذا غربت ذكاء أَتَى الظلام)

قلت شعر جيد فِي الذرْوَة

119 -

ابْن عتبَة الطَّبِيب يُوسُف بن عتبَة الإشبيلي أَبُو الْحجَّاج الأديب الشَّاعِر الطَّبِيب لَهُ مصنفات فِي الْأَدَب وَله شعر وموشحات وَكَانَ ضنينا بِنَفسِهِ وَتُوفِّي رحمه الله بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وست مائَة قدم الْقَاهِرَة فَلم يقبل عَلَيْهِ إِلَّا ابْن يغمور فصيره مَعَ أطباء البيمارستان وَصَارَ يأنس بِهِ فِي بعض الْأَوْقَات فَسَأَلَهُ يَوْمًا عَن بِلَاده فَقَالَ فَارَقت

ص: 113