المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌يلبغا   22 - يلبغا اليحيوي نَائِب دمشق يلبغا اليحيوي الْأَمِير الْكَبِير - الوافي بالوفيات - جـ ٢٩

[الصفدي]

الفصل: ‌ ‌يلبغا   22 - يلبغا اليحيوي نَائِب دمشق يلبغا اليحيوي الْأَمِير الْكَبِير

‌يلبغا

22 -

يلبغا اليحيوي نَائِب دمشق يلبغا اليحيوي الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين ابْن الْأَمِير سيف الدّين طابطا الناصري نَائِب الشَّام وحلب وحماه وَقد تقدم ذكر وَالِده فِي حرف الطَّاء كَانَ من أكبر الخاصكية وَلم يكن فِي آخر الْأَمر عِنْد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أعز مِنْهُ وَهُوَ شكل حسن الْوَجْه مليح الثغر أَبيض اللَّوْن طَوِيل الْقَامَة من أحسن الأشكال قل أَن ترى الْعُيُون مثله كَانَ ساقيا وَكَانَت الْأَنْعَام الَّتِي تصل إِلَيْهِ من أستاذه لم يفرح بهَا أحد قبله يُطلق لَهُ الْخَيل بسروجها وعددها وآلاتها الزركش وَالذَّهَب المصوغ خَمْسَة عشر فرسا خَمْسَة عشر فرسا والأكاديش مِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ رَأْسا ينعم بهَا عَلَيْهِ جشارات ويجهز إِلَيْهِ الْخلْع والحوايص وَغير ذَلِك من التشاريف الَّتِي يُعْطِيهَا هُوَ من جِهَته لمن يحضر لَهُ الإنعامات وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَت الإنعامات الَّتِي يرسم لَهَا بهَا خَارِجَة عَن الْحَد وَبني لَهُ الإسطبل الَّذِي فِي سوق الْخَيل تَحت القلعة بِالْقَاهِرَةِ لم يعمر بِالْقَاهِرَةِ مثله وَكَانَ هُوَ والأمير سيف الدّين ملكتمر الْحِجَازِي قد توليا تمريض السُّلْطَان لما مَاتَ ثمَّ إِنَّه سَأَلَ لَهُ فِي الْأَيَّام الصالحية أَن يكون فِي حماه نَائِبا بهَا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَجَاء إِلَيْهَا عوضا عَن الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا المارداني وَتوجه المارداني إِلَى نِيَابَة حلب وَجَاء الْأَمِير سيف الدّين طقزتمر من حلب إِلَى دمشق نَائِبا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَلما مَاتَ الْأَمِير علاي الدّين ألطنبغا المارداني فِي حلب رسم للأمير سيف الدّين طقزتمر إِلَى مصر ورسم للأمير سيف الدّين يلبغا بنيابة دمشق فَدخل إِلَيْهَا يَوْم السبت ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَتوجه الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي إِلَى حلب نَائِبا فَأَقَامَ الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اليحيوي بِدِمَشْق على حَاله وأرجف النَّاس كثيرا بِأَن الْملك الْكَامِل يُرِيد إِمْسَاكه بعد الْأَمِير سيف الدّين الْملك والأمير سيف الدّين قماري فاستوحش من ذَلِك وبرز إِلَى الجسور بِدِمَشْق فِي خَامِس عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَأَرْبَعين وَأقَام هُنَاكَ أَيَّامًا وَحضر إِلَيْهِ الْأَمِير حسام الدّين طرنطاي البشمقدار نَائِب حمص والأمير سيف الدّين أراق نَائِب صفد والأمير سيف الدّين أسندمر نَائِب حماه والأمير سيف الدّين بيدمر البدري نَائِب طرابلس وَاجْتمعَ الْكل عِنْده بِظَاهِر دمشق وعسكر دمشق بأجمعهم وكاتبوا الْكَامِل وخلعوه وظاهروه بِالْخرُوجِ عَلَيْهِ وَعدم الطَّاعَة فَكَانَ مَا كَانَ من أَمر الْكَامِل وخلعه وَقَتله على مَا تقدم فِي تَرْجَمَة شعْبَان الْكَامِل وَلما تولى الْملك السُّلْطَان الْملك المظفر حاجي أقرّ الْأَمِير

ص: 22

سيف الدّين يلبغا على حَاله فِي نِيَابَة دمشق وَجعل ابْنه أَمِير مُحَمَّد أَمِيرا بطلبخاناه وَأمر الْأَمِير عز الدّين طقطاي دواداره أَمِير طبلخاناه وَعمر هُوَ قبَّة النَّصْر عِنْد مَسْجِد الْقدَم مَكَانا كَانَ بِهِ مبرزا وَكَانَ قد عمر قبل ذَلِك القيسارية الَّتِي هِيَ برا بَاب الْفرج وَعمر الحمامين اللَّذين بحكر العنابة برا بَابا الْجَابِيَة بِدِمَشْق وَشرع فِي عمَارَة الْجَامِع الَّذِي بسوق الْخَيل على نهر بردا فِي أول سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَفِي ثامن عشْرين شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ورد إِلَيْهِ الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر المظفري أَمِير خازندار وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان الْملك المظفر بإمساك الْأُمَرَاء السِّتَّة الَّذين ذكرُوا فِي تَرْجَمَة الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر الناصري وَفِيه إِعْلَامه بالواقعة وإطابة خاطره وتسكنيه فَكتب الْجَواب بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان وجهز أستاذ دَاره سيف الدّين آقسنقر مَعَه واستوحش كثيرا من الْوَاقِعَة بالأمراء فاستدعى بأمراء دمشق بعد ذَلِك بيومين وَهُوَ فِي دَار السَّعَادَة وعرفهم مَا جرى وَكَتَبُوا إِلَى نواب الممالك بِالْحَال وجهز الْأَمِير سيف الدّين ملك آص إِلَى حمص وحماه وحلب وجهز الْأَمِير علاي الدّين طنبغا القاسمي إِلَى طرابلس وجاءه لَيْلَة الْجُمُعَة من زَاده وَحْشَة فَلم يصبح لَهُ بدار السَّعَادَة أثر غير نِسَائِهِ وانتقل يَوْم الْجُمُعَة بكرَة إِلَى الْقصر وَنزل بِهِ وَنزل وَالِده وَإِخْوَته وألزامه وَمن مَعَه ومماليكه بالميدان وَكَانَ يركب وَينزل إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء فَجَاءَهُ الْأَمِير سيف الدّين أراي أَمِير آخور بِكِتَاب السُّلْطَان الْملك المظفر بِطَلَبِهِ إِلَى مصر ليَكُون رَأس أُمَرَاء المشورة وَأَن نِيَابَة دمشق أنعم بهَا على الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه نَائِب حلب وَقَالَ سيف الدّين أراي ذَلِك نعْمَة لأمراء دمشق فتحللت عَنهُ العزائم وتجهز وطلع إِلَى الجسور ظَاهر دمشق على الْعَادة الَّتِي فعلهَا فِي السّنة الْمَاضِيَة وَكَانَ ذَلِك بعد الْعَصْر خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وَأقَام إِلَى بعد الصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر جُمَادَى الأولى وَكَانَت الملطفات قد جَاءَت من السُّلْطَان إِلَى أُمَرَاء دمشق بإمساكه عشبة الْخَمِيس فأنزلوا الصنجق السلطاني من القلعة واجتمعوا بعسكر دمشق تَحْتَهُ وقصدوه فَلَمَّا علم بذلك ركب فِي سلاحه وَلما عاين أوائلهم هرب بمماليكه وَأَهله وهرب مَعَه الْأَمِير سَيفي الدّين قلاوون والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جمق وَتَبعهُ الْأَمِير علاي الدّين طغريل ابْن الأيغاني الْحَاجِب الْكَبِير والأمير شهَاب الدّين ابْن صبح وَغَيرهمَا من أُمَرَاء دمشق فعادوا بَعْدَمَا أوصلوه إِلَى خلف ضمير

وَقتل من الْعَسْكَر جمَاعَة ثمَّ إِن الْأَمِير فَخر الدّين إياز السِّلَاح دَار نَائِب صفد وصل بعسكر صفد إِلَى دمشق بكرَة الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَخرج الْعَصْر بعسكر

ص: 23

دمشق أَيْضا وصفد وَتوجه بهم إِلَى حمص وَكَانَ الْعَرَب قد أنكوه وَمنعُوا مِنْهُ المَاء واقتطعوا بعض ثقله وجد فِي طلبه سلار بن تتر البدري وأوه بريد ومنعوه الْقَرار وَالنَّوْم وكل هُوَ وَمن مَعَه مل من حمل السِّلَاح لَيْلًا وَنَهَارًا وحمي الْحَدِيد عَلَيْهِ وعاينوا الْهَلَاك وَاخْتلف مماليكه عَلَيْهِ حَتَّى تمنى الْمَوْت وَقَالَ لَهُم بِاللَّه وسطوني أَو اضربوا عنقِي كل هَذَا وهم مَا بَين القريتين إِلَى أمهين وصدد وَلما سَمِعت ذَلِك قلت // (من الطَّوِيل) //

(تفرق شم السعد عَن يلبغا وَقد

بغا وَغدا فِي عَكسه متورطا)

(فَقَالَ لَهُ السَّيْف الَّذِي شدّ وَسطه

وَقد بَالغ الْأَعْرَاب فِي الْجور والسطا)

(تلذذ بقتل فِيهِ للنَّفس رَاحَة

وَإِن رمت أهنا الْعَيْش قابغ توسطا)

فَقَالَ لَهُ مماليكه أَنْت قلت لنا إِن نَائِب حماه مَعَك توجه بِنَا إِلَيْهِ فَلم يرد إِلَّا المطاوعة فَعبر على ظَاهر حمص وَتوجه إِلَى حماه فَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير سيف الدّين قطليجا الْحَمَوِيّ النَّائِب بحماه وتلقاه وَدخل بِهِ إِلَى حماه ثمَّ إِنَّه أمْسكهُ وَأمْسك وَالِده وأخويه قراكز وأسندمر والدوادار عز الدّين طقطاي وَسيف الدّين جوبان والأمير سيف الدّين قلاوون والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جمق وقيدهم وجهز سيوفهم إِلَى السُّلْطَان ثمَّ بعد ذَلِك جهز الْأَمِير سيف الدّين يلبغا وَولده مقيدين إِلَى السُّلْطَان فَلَمَّا وصل إِلَى قاقون كَانَ قد وصل إِلَيْهَا الْأَمِير سيف الدّين منجك فأطلعوه إِلَى القلعة وَمَعَهُ وَالِده وحبسوهما فِي بَيْتَيْنِ مفردين ثمَّ أنزلوا وَالِده من قلعة قاقون وجهز على الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان آخر النَّهَار وطلع إِلَى سيف الدّين يلبغا مشاعليان فأحس بذلك وسألهما الْوضُوء وَالصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَلما فرغ قَالَ لَهما بِاللَّه عَلَيْكُمَا هوناها عَليّ فَقَالَا لَهُ يَا خوند إِن أردْت ذَلِك فَدَعْنَا ندير كتافك فمكنهما من نَفسه وخنقاه فَسمع النَّاس شهقته من أَسْفَل القلعة ثمَّ حز رَأسه وَوضع فِي عسل وجهز إِلَى السُّلْطَان ثمَّ دفنت جثته بقاقون رَحمَه الله تَعَالَى وسامحه وَكَانَ ذَلِك فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ثمَّ إِن الْأَمِير سيف الدّين منجك تجهز إِلَى حماه وجهز أَخَوَيْهِ سيف الدّين قراكز وَسيف الدّين أسندمر وَعز الدّين طقطاي الدوادار وَسيف الدّين جوبان إِلَى مصر مقيدين

وَخلف الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اثْنَي عشر ولدا أكبرهم أَمِير مُحَمَّد وعمره تَقْدِير سبع سِنِين وَكَانَت لَهُ طبلخانه وَكَانَ لَهُ زوجتان أُخْت صمغار وبزلار وَكَانَ يُحِبهَا كثيرا وَأم مُحَمَّد وَهِي أُخْت السِّت أردو وَالِدَة الْملك الْأَشْرَف كجك وَكَانَ يَتْلُو الْقُرْآن جيدا ويلازم تِلَاوَته فِي الْمُصحف وَيُحب أهل الْقُرْآن ويجالسهم وَيُحب الْفُقَرَاء وَلم يكن فِيهِ شَرّ وَلَا انتقام وَقبل خُرُوجه من دمشق بأَرْبعَة أَيَّام أحضر قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي

ص: 24

إِلَى الْقصر ووقف أملاكه وَخص الْجَامِع الَّذِي أنشأه بِدِمَشْق بملغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم فِي كل سنة من صلب مَاله رحمه الله وَمضى كَأَنَّهُ لم يكن وَلم أر مثل مَا نَالَ من السَّعَادَة الَّتِي فاضت عَنهُ على وَالِده وَإِخْوَته وأقاربه ومماليكه لِأَن وَالِده سيف الدّين طابطا كَانَ أَمِير مائَة مقدم ألف وأخواه أَمِيري طبلخاناه وَولده طبلخاناه وَذُو قرَابَته الْأَمِير شهَاب الدّين شعْبَان بطبلخاناه ودواداره الْأَمِير عز الدّين بطلبلخاناه ومملوكه سيف الدّين جوبان أَمِير عشرَة وَبَقِيَّة مماليكه جمَاعَة مِنْهُم لَهُم الإقطاعات الفاخرة فِي الْحلقَة واعتنى بِجَمَاعَة من أهل حلب وحماه ودمشق وخلص لَهُم الطبلخانات وعَلى الْجُمْلَة كَانَت سَعَادَة زَائِدَة عَن الْحَد لَكِنَّهَا ختمت بِهَذَا الشَّرّ الْكَبِير الَّذِي فاض على ذويه وَأَهله فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم // (من المتقارب) //

(بِقدر الصعُود يكون الهبوط

فإياك والرتب العاليه)

وَمن جملَة مَا رأى من الْعِزّ أَنه كَانَ قد توعك وَحصل لَهُ سوء مزاج وَكَانَ عِنْد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أستاذه فِي المرقد وَهُوَ جَالس وَرجلَاهُ فِي رُكْبَتَيْهِ يكبسهما ويرش الماورد على وَجهه ويتولى تمريضه وخدمته وطبه بِنَفسِهِ وَكَانَ وَلَده إِبْرَاهِيم وَهُوَ أكبر من السُّلْطَان أبي بكر قد مرض بالجدري وَمَات وَدفن وَلم يره وَلَا عَاده شغلا بتمريض يلبغا فَهَذَا نِهَايَة فِي الْعِزّ وَمن جملَة الذل الَّذِي رَآهُ أَن يتَوَلَّى خنقه مشاعليان من قاقون وَدفن فِي أَرض قاقون جسدا بِلَا رَأس اللَّهُمَّ خلصنا من شرور هَذِه الدَّار الغرارة

وَقلت فِي أمره والتزمت تَشْدِيد الزَّاي // (من الطَّوِيل) //

(دع الدَّهْر يعلي من أَرَادَ إِلَى السهى

ودافعه من وَقت لوقت وجزه)

(فقد نَالَ مِنْهُ يلبغا فَوق مَا ابْتغى

وقصته تجلى على المتنزه)

(وَأنزل من عِنْد الثريا إِلَى الثرى

وأمسكه صرف الردى فِي محزه)

(وألحفه الْعَيْش الغليظ رِدَاءَهُ

على لطف مَعْنَاهُ ورقة بزه)

(فَلَا سعد إِلَّا مَا رَأَيْنَاهُ ناله

وَلَا ذل إِلَّا مَا رأى بعد عزه)

وَقلت أَيْضا // (من الطَّوِيل) //

(إِن فِي يلبقا لكل لَبِيب

عِبْرَة أَصبَحت على الدَّهْر تتلى)

(مَا يُسَاوِي الْعِزّ الَّذِي قد رَآهُ

فِي دمشق بدل قاقون أصلا)

وَقلت أَيْضا // (من الطَّوِيل) //

(أَلا إِن / االدنيا غرور وباطل

فطوبى لمن كَفاهُ مِنْهَا تفرغا)

ص: 25