الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكِلْمَةُ الأخِيرَةُ
في تَقْدِيْمِ كِتَابِ
«الوَجَازَةِ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ»
تَألِيْفُ العَلامَةِ / ذِيابِ بنِ سَعْدِ آلِ حَمدَانَ الغَامِدِيِّ
بقَلَمِ: زُهَيرٍ الشَّاوِيْشِ
إنَّ الحَمْدَ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا مُحمَّدٍ رَسُوْلِ اللهِ، وعَلى آلِهِ وزَوْجَاتِه أُمَّهَاتِ المؤمِنِينَ، وجَمِيعِ صَحْبِه المُبرَّئِيْنَ مِنْ كُلِّ وَصْمَةِ عَارٍ، ومَنْ تَبِعَهُم بإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّيْنِ، وبَعْدُ:
فَقَدْ تَكَرَّمَ عَليَّ أخِي الشَّيْخُ ذِيَابُ آلُ حمْدَانَ الغَامِديُّ الأزْدِيُّ الطَّائِفيُّ، بالاطَّلاعِ عَلى كِتَابِه الَّذِي جمَعَ بِه الأثْبَاتَ الَّتي وَصَلَتْ إلَيْها يَدُهُ، وسِتِّينَ سَنَدٍ لمؤَلَّفَاتِ أهْلِ العِلْمِ والرِّوَايَةِ.
ومِثْلُ هَذا العَدَدِ يُعَدُّ كَبِيرًا جِدًّا في هَذَا الفَنِّ النَّادِرِ، الَّذِي لايَتَسَنَّى ـ عَلى التَّحْقِيْقِ ـ إلَاّ لعَدَدٍ قَلِيْلٍ مِنَ المُنْشَغِلِيْنَ بجَمْعِ ذَلِكَ، في خِدْمَةِ تِلاوَةِ كِتَابِ اللهِ «القُرْآنِ الكَرِيْمِ» ، عَلى القُرَّاءِ بالرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ، وكَذَلِكَ السَّنَدِ للأحَادِيْثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيْفَةِ.
* * *
وقُلْتُ: عَلى التَّحْقِيْقِ؛ لأنَّ هُنَاكَ وهُنَالِكَ عَدَدًا غَيْرُ قَلِيْلٍ مِنَ الادِّعَاءِ في جَمْعِ رِوَايَاتٍ وإسْنَادَاتِ أحَادِيْثَ، أو أثْبَاتٍ وإجَازَاتٍ، لَيْسَ لها سَنَدٌ ولا زِمَامٌ،
ولا مَقُوْدٌ ولا خِطَامٌ.
ولَكِنَّ اللهَ أوْجَدَ لها مِنْ عُلَماءِ هَذَا الدِّيْنِ، مُنْذُ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أجْمَعِيْنَ (1)، مَنْ يُبَيِّنُ زَيْفَهَا، ويَفْضَحُ زَخَارِفَها.
فَوُجِدَ بَيْنَ النَّاسِ مَنْ سُمُّوا (صَيَارِفَةً)، فَكَشَفُوا الصَّحِيْحَ مِنَ المَوْضُوْعِ، والضَّعِيْفَ مِنَ المَعْلُوْلِ، والمَوْصُوْلَ مِنَ المَقْطُوْعِ، والمُضَافَ إلى الحقِّ مِنَ المَدْخُوْلِ، وهَكَذَا حَتَّى وَصَلَنا حَدِيْثُ سَيِّدِنا رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم سَالمًا مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ بالجُمْلَةِ الكُلِّيَّةِ، ونَبْذِ الحَدِيْثِ المَوْضُوْعِ جُمْلَةً وتَفْصِيلاً، وتَسْدِيْدِ الحَدِيْثِ الضَّعِيْفِ بكَلِماتٍ وَاضِحَةٍ جَلِيَّةٍ، لا يَلْجَأ إلَيْها إلَاّ مَنْ كَانَ في قَلْبِه عِلَّةٌ خَفِيَّةٌ، وتَبرَّأ مِنْهَا مَنْ حَسُنْتْ فِيْهِ الطَّوِيَّةُ، وأتَى اللهَ بقَلْبٍ سَلِيْمٍ.
وأنَّ كُلَّ مُشْتَغِلٍ بعِلْمِ الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ يجِدُ في الكَثِيْرِ مِنْ هَذَا الكِتَابِ مِثْلَ مَا كَانَ يجِدُ أسْلافُه في الكُتُبِ الَّتِي وُضِعَتْ لِكُلِّ عَصْرٍ مِنْ عُلَماءِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ في زَمَانِه (2).
* * *
(1) انْظُرْ مَوْقِفَ سَيِّدِنا الشَّهِيْدِ السَّعِيْدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ في تَشْدِيْدِهِ عَلى كُلِّ مَنْ يَرْوِي حَدِيْثًا عَنْ سَيِّدِنا رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم؟!
(2)
وانْظُرْ مَوَاقِفَ سَيِّدَتِنا أمِّ المؤمِنِيْنَ الصِّدِّيْقَةِ عَائِشَةَ (57) مَعَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، الَّذِيْنَ فِيْهِم مَنْ رَوَى مِنْ أحَادِيْثَ في كِتَابِ «الإجَابَةِ لإيْرَادِ مَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلى الصَّحَابَةِ» تَألِيْفُ الإمَامِ بَدْرِ الدِّيْنِ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزَّرْكَشِي (794)، بتَحْقِيْقِ أُسْتَاذِنا العَلامَةِ السَّلَفِيِّ سَعِيْدٍ الأفْغَاني (1417) رحمه الله، وقَدْ طَبَعَهُ المَكْتَبُ الإسْلامِيُّ، أرْبَعَ طَبَعَاتٍ، وتجِدُ فِيْه رُجُوْعَ كِبَارِ الصَّحَابَةِ إلى رَأيِها مِنْ سِيِّدِنا الصِّدِّيْقِ رضي الله عنه، واسْتِدْرَاكِها عَلى إخْوَتِها زَوْجَاتِ النَّبِيِّ رضي الله عنهن، بقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«لا نُوْرِثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ إلى الزَّعْمِ بوَصِيَّةِ النَّبِي إلى سَيِّدِنا عَليٍّ رضي الله عنه عِنْدَ وَفَاتِه، وكَذَلِكَ العَشَرَاتُ مِنْ مُؤلَّفَاتِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ.
وقَدْ بَذَلَ أخِي المؤلِّفُ جُهْدًا كَبِيرًا في تَقْرِيْبِ أبْحَاثِ هَذَا الفَنِّ، وقَسَّمَهُ إلى أطْرَافٍ وأبَوْابٍ، وفُصُوْلٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وجَعَلَ لكُلِّ وَاحِدٍ مِنْها عُنْوانًا حَصَرَ فِيْه مَا يحْوِي مِنْ عُلُوْمٍ وتَقْسِيماتٍ وفُرُوْعٍ.
وهَذَا كُلُّه قَدْ لا تجِدُه كَامِلاً عِنْدَ كُلِّ مَنْ ألَّفَ سَابِقًا، أو عَرَفَ ذَلِكَ قَبْلَه في كُتُبِه، سِوَى مَا كَانَ مِنَ الإمَامِ البُخَارِيِّ رحمه الله في «الصَّحِيْحِ الجَامِعِ» .
وقَرِيْبٌ مِنْه مَا وَجَدْنا في عَدَدٍ مِنْ بَاقِي كُتُبِ السُّنَّةِ الأمَّاتِ (1).
* * *
ونَجِدُ مِنَ المُؤلَّفِ ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ عِنْدَ كَلامِه عَمَّنْ عَاصَرَهُم، ونَقَلَ عَنْهُم مِنْ إخْوَانِه العُلَماءِ، مَعَ أنَّ بَعْضَهُم مِنْ زُمَلائِه، ولَعَلَّ فِيْهِم مَنْ هُم تَلامِذَتَه وطُلابَه
…
نَجِدُهُ يَذْكُرُهُم بأفْضَلِ الأوْصَافِ، وهَذَا مِنْ حُسْنِ أدَبَهِ، وتَوَاضُعِه مَعَهُم، وتَأكِيْدًا مِنْه عَلى أمَانَتِه العِلْمِيَّةِ في النَّقْلِ عَنْهُم، بَارَكَ اللهُ بِه وبِهْم.
ولِذَلِكَ نَجِدُهُ ذَكَرَ العَشَرَاتِ مِنْ العُلَماءِ المُعَاصِرِيْنَ لَهُ، وكَذَلِكَ ذَكَرَ مَنْ
(1) الأمَّاتُ لغَيرِ العَاقِلِ، بَدَلاً مِنَ الأمَّهَاتِ.
قَارَبُوا عَصْرَه، مِثْلَ العَالمِ الجَلِيْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الحتَّاوِيِّ الدُّومَانيِّ، الَّذِي أكْرَمَنِي بالعَمَلِ مَعِي في المكْتَبِ الإسْلامِي عَشَرَاتِ السِّنِيْنِ ـ تَغَمَّدَهُ اللهُ برَحْمَتِهِ ـ (انْظُرْ الصَّفْحَةَ 92).
وكَذَلِكَ مَا ذَكَرَه مِنْ رِوَايَتِه عَنِ العَالمِ السَّلَفِي الدُّكْتُورِ الشَّيْخِ صُبْحِي بنِ جَاسِمٍ البَدْرِيِّ السَّامُرَّائِيِّ، أعَادَهُ اللهُ إلى أهْلِهِ وبَلَدِه بَغْدَادَ بخِيْرٍ وسَلامَةٍ بَعْدَ أنْ غَادَرَهَا بسَبَبِ الحَوَادِثِ الألِيْمَةِ هُنَاكَ.
وكَذَلِكَ حَيْثُ شَرَّفَنِي وذَكَرَني مَرَّاتٍ عَدِيْدَةٍ، وقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنِ العَدِيْدِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ الَّذِيْنَ عَاصَرَهُم، فَجَزَى اللهُ أخِي العَالمِ الجَلِيْلِ، والبَاحِثِ النَّبِيْلِ، الخَيْرَ عَلى عَمَلِهِ.
* * *
وأمَّا قَوْلي: الكَلِمَةُ الأخِيْرَةُ، فَهَذِه نُكْتَةٌ أُطْلِقُها مُدَاعِبًا، لأنَّنِي كَتَبْتُ المئَاتِ مِنْ «المُقَدِّمَاتِ» لمَّا نَشَرْتُ كِتَابي (1).
ومَا كَتَبْتُ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ خَاصَّةٍ لكُتُبِ إخْوَاني أهْلِ العِلْمِ والفَضْلِ.
(1) وانْظُرْ كِتَابي «المُقَدِّمَاتِ لمَطْبُوعَاتِ المَكْتَبِ الإسْلامِي «، وهُوَ مِنْ ثَلاثَةِ أجْزَاءٍ، وسَوْفَ أُتِمَّهُ إلى خَمْسَةٍ إنْ شَاءَ اللهُ، وهُوَ مَنْ مَطْبُوعَاتِ المَكْتَبِ الإسْلامِي ـ الَّذِي أنْشَأتُه بِدَايَةً في دِمِشْقَ سَنَةَ (1376 هـ ـ 1957 م)، مَعَ أنَّني سَبَقَ ونَشَرْتُ عَدَدًا مِنَ الكُتُبِ مَعَ إخْواني ولمُدَّةِ أرْبَعِ سَنَواتٍ قَبْلَ تَسْمِيَةِ المَكْتَبِ ـ وفي كِتَابي هَذَا مَا يَدُلُّكَ عَلى طَرِيْقَتِي في النَّشْرِ، واللهَ أسْألُ أنْ يُسَدِّدَ خُطَانا ويَنْفَعَ بِنَا.
وإنَّ هَذِه المُقَدِّمَاتِ
…
هِي آخِرُ كَلِماتٍ تُكْتَبُ في الكِتَابِ، لأنَّها آخِرُ مَا يُوْضَعُ فِيْهِ، وإنْ غَلَبْتِ التَّسْمِيَةُ المَغْلُوْطَةُ عَلى الوَاقِعِ والصَّوَابِ.
* * *
وممَّا لَفَتَ نَظَرِي في عَمَلِه أنَّه ذَكَرَ السَّنَدَ كَامِلاً مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، لِكُلِّ كِتَابٍ، أو خَبرٍ (اتِّبَاعًا لمَنْ سَبَقَهُ مِنْ أهْلِ العِلْمِ)، وكُنْتُ أرَى (وُجْهَةُ نَظَرٍ أُخْرَى) لُوْ أنَّه اكْتَفَى بنَقْلِ السَّنَدِ برَقْمٍ، وعِنْدَ تِكْرَارِه يُوْضَعُ الرَّقْمُ عِوَضًا عَنْ تِكْرِارِ السَّنَدِ كَامِلاً.
ومِنْ ذَلِكَ مَثَلاً: قَالَ عِنْدَ حَدِيْثِ: «سِلْسِلَةِ الذَّهَبِ «الَّتِي يَرْوِيْها الإمَامُ أحمَدُ بنُ مُحمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، عَنِ الإمَامِ مُحمَّدِ بنِ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، عَنِ الإمَامِ مَالِكِ بنِ أنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ رحمهم الله، عَنْ سَيِّدِنا عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم:
«لايَبِعْ بَعْضُكُم عَلى بَيْعِ بَعْضٍ» ، صَحِيْحُ مُسْلِمٍ (1412).
وَحَدِيْثُ: «إذَا أرَادَ اللهُ بعَبْدِه خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» ، قَالُوا: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُه؟ قَالَ: «يُوَفِّقَهُ لعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ» .
وقَالَ بَعْدَهَا: لا يُوْجَدُ أصَحَّ مِنْهُ، وزَادَ عَلى ذَلِكَ قَوْلَه: وهَذِه التَّرجَمَةُ لم يُخَرِّجْهَا أحَدٌ مِنْ أصْحَابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ. انْظُرْ الصَّفْحَةَ (79).
وهَذَا حَدِيْثٌ عَظِيْمٌ وَقَعَ ثُلاثِيًّا للإمَامِ أحمَدَ
…
إلَخِ. وهُوَ في «شَرْحِ ثُلاثِيَّاتِ مُسْنَدِ الإمَامِ أحمَدَ» برَقْمِ (131 و 196) طَبْعُ المَكْتَبِ الإسْلامِيِّ، وأُلْحِقَ كُلُّ ذَلِكَ
بفَهَارِسَ مُوَسَّعَةٍ جَيِّدَةِ الوَضْعِ، دَالَّةٍ عَلى مَا يُرَادُ مِنْ هَذَا الكِتَابِ القَيَّمِ.
وهَذَا لا تَكَادُ تَجِدُ لَه أثرًا عِنْدَ غَيْرِه، وقَدْ عَرَّفَ رِجَالَه بِما فِيْه الكِفَايَةُ، ولم يُبْقِ سِوَى ذِكْرِ وَفَاتِهم، وأطَالَ اللهُ أعْمارَ الأحْيَاءِ مِنْهُم.
كَما تَرَجْمَ لِكُلِّ عَالمٍ، أو مَنْ رَوَى خَبَرًا بِما يَدُلُّ عَلى عِلْمِه، ومَكَانَتِه، وبَلَدِه، وزَمَانِه، بِكُلِّ إتْقَانٍ وعِنَايَةٍ وأمَانَةٍ.
وفي هَذِه الأبْحَاثِ العَدَدُ الكَبِيرُ مِنْ سَنَدِ كُلِّ كِتَابٍ بِدْءًا مِنْ «صَحِيْحِ الإمَامِ البُخَارِيِّ «إلى بَاقِي كُتُبِ السُّنَّةِ، حَتَّى مَا تَبَقَّى مِنْ كُتُبِ الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ.
ونَقَلَ الخِلافَ الموْجُوْدَ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ أصْحَابِ الآرَاءِ العِلْمِيَّةِ، بَيْنَ عُلَماءٍ أبَاحُوا شَيْئًا، وعُلماءٍ غَيرِهِم حَرَّمُوْهُ.
ولمَّا وَجَدَ مَنِ اعْتَرَضَ عَلى إجَازَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحمَنِ ابنِ الشَّيْخِ حَسَنَ ابنِ شَيْخِ الدَّعْوَةِ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، رَدَّ ذَلِكَ وأثْبَتَ رِوَايتَه عَنْ جَدِّهِ، وذَكَرَ إجَازَتَهُ (1).
وألحَقَ كُلَّ ذَلِكَ ببَيَانِ الَّذِي وَجَدَهُ، ودَلَّلَ عَلَيْه بغَايَةِ الأدَبِ.
* * *
كَما ذَكَرَ رِوَايَةَ أخِي الشَّيْخِ بَكْرِي عَبْدِ المَجِيْدِ الطَّرَابِيْشِي ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ للقْرَآنِ الكَرِيْمِ، وهِيَ أعْلى سَنَدٍ في بَلادِ الشَّامِ (2)، وقَدْ حَرِصَ ـ مَا أمْكَنَه ـ عَلى
(1) وهِي عِنْدِي، وسَوْفَ أبْعَثُ بِها إنْ شَاءَ اللهُ، انْظُرْ الصَّفْحَتِيْنَ (87 و 129).
(2)
انْظُرْ «السَّنَدَانِ الأعْلَيَانِ في تِلاوَةِ القُرآنِ الكَرِيْمِ، ورِوَايَةِ الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ في بَلادِ الشَّامِ» ، طَبْعُ المَكْتَبِ الإسْلامِي.
بَقَاءِ أسَانِيْدِه كَامِلَةً، لأنَّ كَثِيرًا مِنْ طُلابِ العِلْمِ اليَوْمَ يَرْغَبُوْنَ أنْ تُذْكَرَ لهُم الأسَانِيْدُ كَامِلَةً، رَجَاءَ حِفْظِهَا أو نَسْخِها (كَما في الصَّفْحَةِ 47)، وهَذَا مِنْهُ مُرَاعَاةً لطُلابِه
…
وأنَا قَدْ أُخَالِفَه بذَلِكَ؟ ولِكُلٍّ وُجْهَةٍ هُوَ مُوَلِّيْها، والاجْتَهَادُ لا يُنْقَضُ بمِثْلِه.
وأقُوْلُ: إنَّ ممَّا تَقَدَّمَ يجِدُ القَارِئ الكَرِيْمُ، أنَّ أخِي حَفِظَهُ اللهُ بَذَلَ جُهْدًا كَبِيرًا في هَذَا الكِتَابِ «الوَجَازَةِ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ» ، وتَقْرِيْبِ هَذا الفَنِّ الصَّعْبِ أصْلاً بصُوْرَةٍ قَرِيْبَةٍ لمَنْ قَلَّ عِلْمُه (مِثْلي)، وجَعَلَهُ لمَنْ كَانَ كَامِلَ العِلْمِ تَذْكِرَةً نَافِعَةً، واللهَ أسْألُ أنْ يُحْسِنَ مَثُوْبَتَهُ.
* * *
وخِتَامًا: فإنَّني أرْجُو اللهَ أنْ يُوَفِّقَ أخِي البَاحِثَ الجَلِيْلَ، والمَوْسُوْعِي الوَاسِعَ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ، فِيْما قَدَّمَ مِنْ عِلْمٍ نَافِعٍ نَادِرٍ مُفِيْدٍ لعُلَماءِ الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ وطُلابِه، ووَفَّقَهُ اللهُ لِكُلِّ خَيرٍ، وسَدَّدَ خُطَاه،،
وآخِرُ دَعْوَانا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالميْنَ.
بَيْرُوتَ 13 رَبِيْعُ الثَّاني 1428 هـ
1/ 5/2007 م
زُهِيْرٌ الشَّاوِيْشُ
مُؤسِّسُ المَكْتَبِ الإسْلامِي
في
دِمِشْقَ، وبَيْرُوتَ، ومَكَّةَ، وعَمَّانَ
الحَمْدُ للِه الَّذِي حمَى هَذِه الشَّرِيْعَةَ الغَرَّاءَ بِأئِمَّةٍ أمْجَادٍ، قيَّدُوا شَوَارِدَهَا، وجَمَعُوا أوَابِدَهَا بِسَلاسِلِ الإسْنَادِ؛ فَتَمَّتِ الهِدَايَةُ بِاتِّصَالِ الرِّوَايَةِ، وكَمُلَتِ العِنَايةُ ببِلُوْغِ الغَايَةِ مِنَ الدِّرَايَةِ، وصَارَتِ الأسَانِيْدُ المُتَّصِلَةُ لِمَعَاهِدِ العُلُوْمِ كَالأنْوَارِ، ولمعَالمِ المَعَارِفِ كَالسِّوَارِ، يَرْوِيْهَا الأكَابِرُ عَنِ الأكَابِرِ، ومِنْهُ أضْحَى الإسْنَادُ مِنَ الدِّيْنِ، وقُرْبَةً إلى رَبِّ العَالمِيْنَ.
والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِهِ ورَسُوْلِهِ الأمِيْنِ، وعَلَى آلِهِ، وصَحْبِهِ الغُرِّ الميَامِيْنَ، ومَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أمَّا بَعْدُ:
فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّ الإجَازَةَ جَائِزَةٌ عَنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ، المُتَصَرِّفِيْنَ في الأصْلِ والفَرْعِ، وعُلَمِاءِ الحَدِيْثِ، في القَدِيْمِ والحَدِيْثِ؛ قَرْنًا فَقَرْنًا، وعَصْرًا فَعَصْرًا إلى زَمَانِنَا هَذَا.
وفي الإجَازَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي بَصِيْرَةٍ وبَصَرٍ: دَوَامُ مَا قَدْ رُوِيَ وذُكِرَ، وبَقَاءُ مَا قَدْ كُتِبَ ونُثِرَ؛ فَهِيَ أنْسَابُ الكُتُبِ، ولَوْلَاهَا لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، لِذَا كَانَ يَنْبَغِي التَّعْوِيْلُ عَلَيْهَا، والسُّكَوْنُ إِلَيْهَا، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي صِحَّتِهَا، أَوْ رَيْبٍ فِي فُسْحَتِهَا.
فَإذَا عُلِمَ هَذَا فَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَليَّ بلِقَاءِ عَدَدٍ مِنَ المَشَايخِ الأعْلامِ؛ حَيْثُ أخَذْتُ عَنْهُم باللِّقَاءِ والدَّرْسِ والمُلازَمَةِ والإجَازَةِ الخَاصَّةِ والعَامَّةِ لِكُتُبِ ومُصَنَّفَاتِ أهْلِ الإسْلامِ؛ ووَجَدْتُ روَايَاتِهم قَدْ اتَّصَلَتْ بِالمُصَنِّفِيْنَ، وسُلْسِلَتْ بِعُلمَاءِ الدِّيْنِ المُحَقِّقِيْنَ.
* * *
فَكَانَ أنْ ذَكَرْتُ طَائِفَةً (وأرْجَيْتُ طَائِفَةً لأجَلٍّ مُسَمَّى) مِمَّنْ أخَذْتُ عَنْهُم ضَمَّنْتُهُم هَذا المُخْتَصَرَ الوَجِيْزَ تَحْتَ عُنْوَانِ: «الوَجَازَةُ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ» ، وَهُوَ عَلَى لُطْفِ مَخْرَجِهِ وصِغَرِ حَجْمِهِ إلَاّ أنَّهُ انْتِقَاءٌ مِنْ مَجَامِيْعِ أهْلِ المَوَاجِزِ مَا يُرَغِّبُ الطَّالِبَ الأحْوَذِيَّ فِي النَّظَرِ فِيْهِ، ويَدْفَعُ اللَّوْذَعِيَّ إلى الانْتِسَابِ إلى أسَانِيْدِه وعَوَالِيْهِ، ويَقُوْدُ المِيْجَازِيَّ للالْتِحَاقِ بسَلاسِلِهِ وغَوَالِيْه، فَهُوَ جَوْهَرَةٌ مَكْنُوْنَةٌ، ودُرَّةٌ مَصَوْنَةٌ، خَرَّجْتُه بَعْدَ تَخْرِيْجِهِ، ونَثَرْتُه بَعْدَ تَنْثِيْرِه؛ ليَكُوْنَ لي زَادًا انْظُرُ فِيْهِ، وتَسْلِيَةً أفْرَحُ بِهِ، في زَمَنٍ تَغَرَّبَتِ الغُرْبَةُ بأهْلِ السُّنَّةِ، وأُعْجِمَتْ بَأهْلِ البَوَادِي الألْسِنَةُ، وتَنَاكَدَ النَّاسُ ببَعْضِهِم شَكًّا وظِنَّةً، وتَنَافَرَتِ القُلُوْبُ عَنْ مُهَاجَرَةٍ وشِحْنَةٍ، إلَاّ مَا رَحِمَ اللهُ!
فَكَانَ هَذَا المَزْبُوْرُ لي سَمِيْرًا وأنِيْسًا، وتَذْكِيْرًا وجَلِيْسًا، كَما فِيْه تَسْلِيَةٌ أبُلُّ بِها غُرْبَةَ أهْلِ السُّنَّةِ والأثَرِ، وأُحْيِي بِه ذِكْرَى مَنْ كَانَ مِنْهُم وانْدَثَرَ، كَما فِيْهِ عُدَّةٌ لكُلِّ سَلَفِيٍّ، وغُدَّةٌ لكُلِّ خَلَفِيٍّ، ومِنْ وَرَاءَ مَا هُنَا لَعَلَّ وعَسَى يَجِدُ الأثَرِيُّ فِيْه مَا
غَابَ عَنْ نَظَرِي، ويَلْتَقِطُ العَبْقَرِيُّ مِنْهُ مَا غَرَبَ عَنْ فِكْرِي!
** *
فَعِنْدَ هَذا؛ ضَمَمْتُ أطْرَافَ كِتَابي هَذَا بَيْنَ أبْوَابٍ عَشَرَةٍ، ولَفَفْتُ مَطَارِفَ أبْوَابِهِ في فُصُوْلٍ عَطِرَةٍ، كَمَا يَلي ويَأتي:
البَابُ الأوَّلُ: مُقَدِّمَاتٌ عَنِ الإجَازَةِ، وفِيْه ثَمانِةَ فُصُوْلٍ.
الفَصْلُ الأوَّلُ: مَعْنَى الإجَازَةِ.
الفَصْلُ الثَّاني: فَضْلُ الإجَازَةِ.
الفَصْلُ الثَّالثُ: صِحَّةُ الإجَازَةِ، والعَمَلُ بِها عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ.
الفَصْلُ الرَّابِعُ: فَوَائِدُ الإجَازَةِ بَعْدَ تَدْوِيْنِ كُتُبِ السُّنَّةِ وغَيْرِهَا.
الفَصْلُ الخَامِسُ: الرَّدُّ عَلى مَنْ أنْكَرَ الإجَازَةَ.
الفَصْلُ السَّادِسُ: إجَازَةُ الصَّغِيْرِ غَيْرِ المُمَيِّزِ.
الفَصْلُ السَّابِعُ: تَجَاهُلُ بَعْضِ أهْلِ السُّنَّةِ عَنِ الإجَازَةِ.
الفَصْلُ الثَّامِنُ: إجَازَةُ أهْلِ العَصْرِ.
البَابُ الثَّاني: أسْماءُ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ أخَذْتُ عَنْهُم العِلْمَ.
البَابُ الثَّالِثُ: وفِيْه فَصْلانِ.
الفَصْلُ الأوَّلُ: أسْماءُ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ أخَذْتُ عَنْهُمُ الإجَازَةَ مُبَاشَرَةً.
الفَصْلُ الثَّاني: أسْماءُ أثْبَاتِ وإجَازَاتِ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ أخَذْتُ عَنْهُمُ الإجَازَةَ مُبَاشَرَةً.
البَابُ الرَّابِعُ: أسَانِيْدُ القُرْآنِ الكَرِيْمِ.
البَابُ الخَامِسُ: أسَانِيْدُ كُتُبِ السُّنَّةِ الخَمْسَةَ عَشَرَ.
البَابُ السَّادِسُ: أسَانِيْدُ السَّادَةِ الحَنَابِلَةِ.
البَابُ السَّابِعُ: أسَانِيْدُ المَذَاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعَةِ.
البَابُ الثَّامِنُ: أسَانِيْدُ المُسَلْسَلاتِ، وفِيْه فَصْلانِ.
الفَصْلُ الأوَّلُ: حَدِيْثُ الرَّحْمةِ المُسَلْسَلِ بالأوَّلِيَّةِ.
الفَصْلُ الثَّاني: الحَدِيْثُ المُسَلْسَلِ بالمَحَبَّةِ.
البَابُ التَّاسِعُ: أسَانِيْدُ المُدِّ النَّبَوِيِّ.
البَابُ العَاشِرُ: وفِيْهِ فَصْلانِ.
الفَصْلُ الأوَّلُ: أسْماءُ مِئَةٍ وعِشْرِيْنَ ثَبْتًا وإجَازَةً.
الفَصْلُ الثَّاني: أسَانِيْدُ مَرْوِيَّاتِ ومُؤلَّفَاتِ سِتِّيْنَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ.
الفَهَارِسُ العَامَّةُ.
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى إمَامِ المُرْسَلِيْنَ، وعَلَى آلِهِ، وصَحْبِهِ، ومَنْ أسْنَدَ أثَرَهُم إلى يَوْمِ الدِّيْنِ
فَكَانَ الفَرَاغُ مَنْ تَسْطِيْرِه لَيْلَةَ الجُمْعَةِ لعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعِ الأوَّلِ لِعَامٍ ألْفٍ وأرْبَعْمائَةٍ وثَمانِيَةٍ وعِشْرِيْنَ
وكَتَبهُ
مُصَلِّيًا عَلى النَّبِيِّ أحمَدَ، ومَنْ تَبِعَه بإحْسَانٍ وأسْنَدَ
ذِيابُ بنُ سَعْدٍ آلِ حَمْدانَ الغَامِدِيُّ
(10/ 3/1428)