الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّامِنُ
إجَازَةُ أهْلِ العَصْرِ
اعْلِمْ يَارَعَاكَ اللهُ أنَّني مَا طَرَقْتُ هَذا الفَصْلَ، ولا تَرَسَّمْتُ بَابَتَهُ؛ إلَاّ لأجْلِ أمُوْرٍ دَافِعَةٍ، قَدْ فَرَضَهَا الحَالُ والمَقَالُ:
ـ فأمَّا الحَالُ: فَلا يَخْفَى الحَالُ هَذِه الأيَّامَ أنَّ أسْعَدَ النَّاسِ بالإجَازَاتِ: هُم أهْلُ البِدَعِ والأهْوَاءِ، كالأشْعَرِيَّةِ، والصَّوْفِيَّةِ، والطُّرُقِيَّةِ وغَيْرِهِم، ممَّنْ هُم عَلى غَيْرِ رَسْمِ السَّلَفِ.
في حِيْنَ أنَّ نَفَرًا مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ في تَغَافُلٍ عَنْها، أو تَجَاهُلٍ بِها، مَعَ عِلْمِهِم أنَّ الإجَازَاتِ مِنْهُم بَدَأتْ، وإلَيْهِم لا بَدَّ أنْ تَعُوْدَ، فَهِي أنْسَابُهُم وأصْلابُهُم في العِلْمِ، ومَنِ ادَّعَى لغِيْرِ أبِيْهِ فَلَيْسَ مِنَّا!
ـ أمَّا المقَالُ: فإذَا قُلْنَا أنَّ الإجَازَاتِ اليَوْمَ قَدْ أصْبَحَتْ مِنْ نَصِيْبِ أهْلِ البَدَعِ والأهْوَاء، وأنَّهُم قَدْ أكْثَرُوا مِنْهَا وتَكَاثَرُوا عَلَيْها بَيْنَ طَالِبٍ ومَطْلُوْبٍ، في حِيْنَ أنَّها قَلَّتْ أو كَادَتْ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ.
فَكَانَ والحَالَةُ هَذِه أنْ نَمُدَّ سَبَبًا، ونَفْتَحَ بَابًا في نَشْرِهَا حَيَّةً طَرِيَّةً بَيْنَ طُلابِ السُّنَّةِ، ونُحْيِيْهَا غَضَّةً جَذَعَةً بِكُلِّ مَا نَسْتَطِيْعُ سَوَاءٌ عَنْ طَرِيْقِ السَّماعِ، أو المُنَاوَلَةِ، أو المُرَاسَلَةِ، أو الإجَازَةِ، ومِنْ وَرَائهَا فتحُ بَابِ الإجَازَةِ العَامَّةِ لأهْلِ العَصْرِ.
* * *
هَذا إذَا عَلِمَ السَّلفِيُّ وطَالِبُ الإجَازَةِ: أنَّ جَوَازَ الإجَازَةِ العَامَّةِ لأهْلِ العَصْرِ ذَهَبَ إلَيْه جِلَّةُ أهْلِ العِلْمِ، وأكَابِرُ المُحَدِّثِيْنَ، وأهْلُ التَّحْقِيْقِ، وتَوَرَّعَ عَنْهَا آخَرُوْنَ لَيْسَ إلَاّ، والتَّحْقِيْقُ الأوَّلُ، وعَلَيْه مَنْ سَأذْكُرُ إنْ شَاءَ اللهُ.
فَقَدْ قَالَ بجَوَازِهَا: الخَطِيْبُ البَغْدَادِيُّ، وابنُ مَنْدَه، وأبُو العَلاء الهَمَذَانيُّ العَطَّارُ، وأبُو بَكْرٍ الحَازِمِيُّ، وأبو طَاهرٍ السِّلَفيُّ، وأبُو الطَّيِّبِ الطَّبرِيُّ، وأبُو الفَتْحِ نَصْرٌ المَقْدَسِيُّ، وعَبْدُ العَزِيْزِ الكِنَانيُّ، وعَبْدُ الغَنِيِّ المَقْدِسِيُّ، وأبُو بَكْرٍ ابنُ خَيْرٍ الإشْبِيليُّ، وأبُو الفَتْحِ المُسْتَمْليُّ، وابنُ دِحْيَةَ، وأبُو الحَسَنِ القَفْطِيُّ، والنَّوَوِيُّ، والدِّمْياطِيُّ، وابنُ دَقِيقٍ، وابنُ كَثِيرٍ، وابنُ الحَاجِبِ، وابنُ جَمَاعَةَ، وابنُ رُشْدٍ المالِكيُّ، والمِزِّيُّ، والفَخْرُ ابنُ البُخَارِيِّ، وأبُو سَعِيْدٍ العَلائِيُّ، والنَّجْمُ ابنُ فَهْدٍ الهَاشِمِيُّ، وآخَرُوْنَ لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً!
قَالَ السَّخَاوِيُّ رحمه الله في «فَتْحِ المُغِيْثِ» (2/ 416): «حَتَّى إنَّه لكَثْرَةِ مَنْ جَوَّزَهَا؛ أفْرَدَهُم الحَافِظُ أبُو جَعْفَرَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ الكَاتِبُ، في تَصْنِيْفٍ رَتَّبَهُم فِيْه عَلى حُرُوْفِ المُعْجَمِ.
وكَذَا جَمَعَهُم: أبُو رُشَيْدٍ ابنُ الغَزَّالِ الحَافِظُ (631) في كِتَابٍ سَمَّاه: «الجَمْعُ المُبَارَكِ» .انْتَهَى.
* * *
فحِيْنِئذٍ جَدِيْرٌ بِنَا؛ بَعْدَ سَرْدِ هَذِه الأسْماءِ لأئِمَّةِ الإسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ القَائِلِيْنَ بجَوَازِ الإجَازَةِ العَامَّةِ لأهْلِ العَصْرِ: أنْ نُصَحِّحَ القَوْلَ بِها، وهَلْ النَّاسُ إلَاّ مَنْ ذَكَرْنَا؟! وهَلْ لأحَدٍ بَعْدَهُم ممَّنْ يَدَّعِي العِلْمَ أنْ يُنْكِرَهَا أو يَجْحَدَهَا؟!
ومَعَ هَذا إلَاّ أنَّني أتَوَرَّعُ عَنْهَا، وأمْنَعُ نَفْسِي مِنَ إجَازَةِ أهْلِ العَصْرِ، لأنَّ فِيْها تَوَسُّعًا ظَاهِرًا ممَّا يَزِيْدُهَا ضَعْفًا، ولَوْلا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أسْماءِ أهْلِ العِلْمِ والتَّحْقِيْقِ لمَا وَقَفْتُ مَعَهَا.
وأمَّا أخْذِي لإجَازَةِ أهْلِ العَصْرِ، وتَضْمِيْنُ أسْمائِهِم في قَائِمَةِ مَنْ أجَازَني، فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ والاسْتِكْثَارِ لَيْسَ إلَاّ، وهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أوَّلَ الفَصْلِ آنِفًا.
عِلمًا أنَّ لَنا وللهِ الحَمْدُ مِنَ الإجَازَاتِ الَّتي تَشَرَّفْنا بأخْذِهَا مِنْ أصْحَابِها: مُنَاوَلةً، أو قِرَاءةً، أو مُشَافَهةً، أو مُرَاسَلةً ما يَكْفِي ويُغْنِي عمَّا سَواهَا، واللهُ أعْلَمُ.
ولَيْسَ بِدَعًا مَا ذَهَبْتُ إلَيْه؛ فَقَدْ تَوَرَّعَ أئِمَّةٌ أعْلامٌ مِنْ أهْلِ الحَدِيْثِ عَنْ إجَازَةِ أهْلِ العَصْرِ، مَعَ عَدَمِ إنْكَارِها: كالحَافِظِ العِرَاقِي (806)، وتَلْمِيْذِه ابنِ حَجَرٍ العَسْقَلانيِّ (852)، وتَلْمِيْذِه السَّخَاوِيِّ (902)؛ كلُّ ذَلِكَ مِنْهُم خَوْفًا مِنَ التَّوسُّعِ فِيْها.
وعِنْدَهُم: أنَّ الرِّوَايَةَ بإسْنَادٍ تَتَوالى فِيْه الأجَايِزُ؛ ولَوْ كَانَ جَميْعُه كَذِلَكَ، أوْلى مِنْ سَنَدٍ فِيْه إجَازَةٌ عَامَّةُ، واللهُ أعْلَمُ.
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِيْنَ
* * *