المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الأول: السند - بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والإحكام = نهاية الوصول - جـ ١

[مظفر الدين ابن الساعاتي]

الفصل: ‌النوع الأول: السند

مسألة:

لا يصح التمسك بالإجماع فيما تتوقف صحته عليه كوجود الباري تعالى وصحة الرسالة ودلالة المعجزة للزوم الدور. وما لا يتوقف وهو ديني فالإجماع فيه صحيح اتفاقا، عقليا كان كالرؤية لا في جهة ونفي الشريك، أو شرعيا كوجوب العبادات، وما هو دنيوي كتدبير الجيوش وترتيب أمر الرعية فللقاضي فيه قولان. والمختار أنه حجة لازمة لشمول أدلة الإجماع.

‌وتشترك هذه الأصول الثلاثة في السند والمتن

.

ف‌

‌النوع الأول: السند

، وهو الإخبار عن طريق المتن، وفيه فصول.

ص: 301

فصل:

في حقيقة الخبر وأقسامه: يطلق بالمجاز على الإشارات الحالية والدلائل المعنوية كأخبرتني عيناك وخبرنا الغراب،

وكم لسواد الليلي عندي من يد تخبر أن المانوية تكذب

وبالحقيقة على الصيغة والمعنى النفسي لكنه بالصيغة "لغة" أشبه، للتبادر عند الإطلاق، ثم قيل: لا يحد

ص: 302

لكونه ضروريا لأن كل أحد يعلم وجوده، وأن الشيء لا يكون موجودا معدوما معا، ومطلق الخبر جزء منه والعلم بالخاص علم به لتوقف العلم بالكل على العلم بجزئه، ولأن كلا يجد تفرقة بين الخبر وغيره وهو مستلزم لسبق تصوره. ويقال: الاستدلال دليل عدم الضرورة إذ الضروري لا يقبله. ويجاب بأن كون العلم نظريا أو ضروريا قابل له كما يستدل على أن العلم بكون الكل أعظم من الجزء ضروري بأن تصور طرفيه كاف في الجزم بالنسبة بخلاف الاستدلال على حصوله ضرورة فإنه مناف للضرورة، ويرد بأنه لا يلزم م حصول العلم بالخبر الخاص تصوره أو تقدم تصوره لعدم استلزام العلم الضروري بالثبوت العلم بالتصور لكون التصور غير الثبوت وإذا انفك تصور الخاص عن ثبوته لم يلزم تصور مطلق الخبر منه. ويقال أيضا: لو كان المطلق جزءا لزم انحصار الأعم في الأخص. فإن قيل مشترك بين جزئياته فكان جزءا يجاب: ليس معنى الشركة الوجود في الأنواع أو الأشخاص بل موافقة حد الطبيعة التي عرض لها أنها كلية لحد ما تحتها من الطبائع الخاصة. وعلى الثاني: بأنه لا يلزم من التفرقة بين أمرين ضرورة تصورهما ضرورة.

ص: 303

على أنه يلزم أن يكون الأمر ضروريا وهو محدود. وأيضا: فإن حقائق أنواع اللفظ مبنية على الوضع الذي لا يمتنع تبدله فلم تكن ضرورية. وحده القاضي والمعتزلة في آخرين بالكلام الذي يدخله الصدق والكذب، ونقض بمثل محمد ومسيلمة صادقان، وبقول الكاذب دائما كل أخباري كاذب، فإن صدق كذب هذا وإن كذب صدق في الكل فيتناقض، ويلزم الدور؛ لأن الصدق هو الخبر المطابق والكذب ضده، وبأنهما متقابلان فلا يجتمعان واللازم إما امتناع الخبر أو وجوده مع عدم صدق الحد. وبخبره تعالى. وأجيب بأنهما خبران في المعنى وإنما يوصف بهما الخبر من حيث هو خبر. ورد بأنه وإن كان في معنى خبرين لإفادته حكما لشخصين لكن لا يمتنع وصفه بهما كما لا يمتنع في أشخاص في قولك كل موجود ممكن حادث. وأجيب بأنه كذب لأنه أضاف الخبر إليهما معا وهو لأحدهما، وهذا حق ولكن لم يدخله الصدق وقوله: كل أخباري، إن طابق فصدق وإلا فكذب، ولا خلو عنهما، والدور لا جواب عنه وأجيب بأن المحدود جنس الخبر وهما مجتمعان فيه كالسواد والبياض في جنس اللون، ورد بأن اللازم صدق الحد على الآحاد الشخصية وإلا لزم وجود الماهية بدون حدها.

ص: 304

والحق أن الواو وإن أفادت الجمع لكن المراد الترديد بين القسمين تجوزا لكن يجب خلو الحد عن مثله. وحد بما دخله الصدق أو الكذب. ونقض بالإشكالين الأولين وبأن أو للترديد وهو مناف للتعريف. وأجيب بأن المراد قبوله لأحدهما وهو جازم. وحد بما يدخله التصديق والتكذب وبأو. ونقض بالدور والترديد. وحده أبو الحسين: بالكلام المقيد بنفسه نسبة. والكلام عنده يصدق على الكلمة، فاحترز بالمفيد نسبة عن المفرد، وبنفسه عن مثل قائم فإنه وإن أفاد نسبة إلى الضمير لكن بواسطة الموضوع. ويرد مثل ثم، فإنه مفيد بنفسه نسبة القيام إلى المأمور أو الطلب إلى الأمر، ومثل النسب التقيد به كحيوان ناطق، ومثل: ما أحسن زيدا. والمختار: كلام محكوم فيه بنسبة خارجية أي ثابتة في نفس الأمر ذهنية كانت أو خارجية. فيدخل مثل طلبت القيام، ويخرج الأمر وغير الخبر، إنشاء وتنبيه، ومنه الأمر والنهي والاستفهام

ص: 305

والتمني والترجي والقسم والنداء. والحق أن مثل بعت واشتريت وطلقت التي يقصد بها الوقوع إنشاء لأنها لا خارج (لها) ولا تقبل صدقا ولا كذبا، ولو كان خبرا لكان ماضيا، ولما قبل التعليق، ولأنا نقطع بالفرق بينهما، ولهذا يسأل المطلق رجعيا عن قوله طلقتك ثانيا.

تقسيم:

وهو صادق وكاذب؛ لأنه إما مطابق أو غير مطابق. قال الجاحظ: وعار عنهما وزاد الاعتقاد وعدمه مع المطابقة وعدمها، وما ليس كذلك فهو الثالث، واحتج بقوله تعالى:{أفترى على الله كذبا أم به جنة}

ص: 306

والمراد الحصر فيهما، والثاني ليس بكذب لتقدمه ولا صدق لعدم اعتقاد صدقه، فالإخبار حال الجنون عار عنهما، ولأن من أخبر خبرا مطابقا غير معتقد لم يكن صادقا لأنه غير ممدوح ولا كاذبا للمطابقة، وليس الكذب عدم المطابقة وإلا لزم الكذب في العام المخصوص والمطلق المقيد، ولأنه لو أخبر معتقدا للمطابقة ولم يكن، لم يك كاذبا وإلا لذم، ولا صادقا لعدم المطابقة. وأجيب: بأن المراد: افترى أو لم يفتر أو مخبر كاذب أم ليس بمخبر، فإن المجنون لا ينسب إليه خبر لعدم صحة القصد. والمدح والذم تابعان للمقاصد، فإن الأمة حاكمة بصدق المكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم (في قوله محمد رسول الله) مع عدم اعتقاده ومكذبة له في نفي الرسالة مع اعتقاده وتخصيص العموم وتقييد الإطلاق من المجاز، وليس بكذب، ومثله إطلاق المشترك وإرادة بعض محامله.

تقسيم آخر:

الخبر منه معلوم الصدق ومعلوم الكذب وما لا يعلم واحد منهما.

الأول: ما علمت مطابقته ضرورة إما بنفسه كخبر التواتر أو بغيره كخبر من وافق ضروريا أو نظريا كخبر الله تعالى وخبر رسوله عنه وخبر الإجماع وخبر من ثبت بخبر الله أو رسوله أو الإجماع صدقه، وخبر من وافق خبره خبر الصادق. والثاني ما خالف معلوم الصدق، والثالث منه مظنون الصدق كخبر من اشتهر بالعدالة،

ص: 307

ومظنون الكذب كخبر المشهور بالكذب. ومشكوك كخبر المجهول. وقول القائل كل خبر لم يعلم صدقه كذب قطعا وإلا لنصب له دليل كخبر التحدي بالرسالة غير محق [محقق] فإنه مقابل بمثله في نقيضه على أنه يلزم كذب كل شاهد وكفر كل مسلم لم يقم قاطع بصدقهما والعادة هي القاطعة بكذب المتحدي إذا لم تقارنه المعجزة، لا صِرفُ العقل وينقسم إلى متواتر وآحاد.

فصل في المتواتر:

التواتر لغة: تتابع أشياء بينها مهلة، وفي الأصول: خبر جماعة مفيد للعلم بنفسه. والجماعة فصل عن خبر الواحد والمفيد للعلم عن خبر جماعة لا يفيده وبنفسه عما أفاده بغيره كالمخبر المعلوم صدقه بالقرائن أو موافقة دليل عقلي أو غير ذلك.

ص: 308

مسألة:

العقلاء على أن خبر التواتر بشرطه مفيد للعلم بصدقه لأنا نجد علما ضروريا بالبلاد النائية والأمم الماضية والملوك والأنبياء والخلفاء بمجرد الإخبار، كما نجد العلم بالمحسوسات، ومنكر ذلك مباهت، وما يورده البراهمة والسمنية تشكيك في الضروري فلا يسمع، قالوا: إجماع الخلق الكثير مع تباين أمزجتهم وآرائهم وأغراضهم على خبر ممتنع كما يمتنع على حب طعام واحد، ولو سلم فكل واحد يمكن كذبه لو انفرد، والجملة مركبة منه فأمكن لها فاستحال العلم على أنه يلزم منه تناقض المعلومين بتعارض تواترين متساويين في الكمية والكيفية فكان باطلا. ولحصل العلم بنقل أهل الكتابين ما يضاد الإسلام ولما فرقنا ضرورة بين خبر التواتر وبين المحسوسات والبديهيات؛ لأن الضروري لا يختلف

ص: 309

(ولما خالفناكم، فإن الضروري لا يخالف). قلنا: مردود، فإنا قد علمنا وقوعه ولا يلزم من ثبوت أمر للآحاد ثبوته للجملة، فإن المعلوم الواحد متناه، ومعلوماته تعالى غير متناهية والواحد جزء العشرة، وليست العشرة جزءا منها، وكل لبنة جزء من الدار، وليست الدار جزءا منها، وفرض اجتماع تواترين محال، وأخبار أهل الكتابين ليس على شرط التواتر ليحصل به العلم وليس بديهيا ليساوي المحسوس والبديهي، بل هو عادي فيجوز قصوره عنه في سرعة الحصول مع أنه علم. وأما مخالفتكم فعناد، وإلا كان خلاف السوفسطائية لكم في المحسوس قادحا والجواب واحد.

مسألة:

الجمهور: أن العلم بخبر التواتر ضروري، وأبو الحسن والكعبي:

ص: 310

نظري، والغزالي ضروري بمعنى عدم الحاجة إلى الشعور بالواسطة مع حضورها في الذهن، وليس بضروري بمعنى استغنائه عنها، إذ لا بد منها وتوقف الرضي وصاحب الأحكام، لنا: لو كان نظريا لافتقر إلى

ص: 311

توسط المقدمتين، والقطع واقع مع انتفاء ذلك ولما وقع لمن ليس من أهل النظر كالصبي، ولساغ الخلاف فيه عقلا كسائر النظريات. أبو الحسين: لو كان ضروريا ما افتقر إلى ترتيبه على علم آخر وقد افتقر، لأن العلم به تابع للعلم بأن المخبر عنه محسوس من جماعة لا داعي لهم إلى الكذب، وكل ما كان كذلك فليس بكذب، فيلزم أن يكون صدقا، قلنا: نمنع احتياجه إلى سبق علم بذلك، بل تعلم هي عند حصول الخبر. قالوا: صورة الترتيب ممكنة، قلنا: مطرد في سائر الضروريات. قالوا: لو كان ضروريا لعلم كونه ضروريا لعدم حصول العلم من غير شعور به. قلنا: معارض بمثله في النظري. والحق أنه لا يلزم من الشعور بالعلم الشعور بوصفه.

ص: 312

مسألة:

اتفقوا في التواتر على شروط، أما في المخبرين: فأن يبلغوا عددا يمتنع معه التواطؤ على الكذب مستندين إلى الحس مع تساوي الطرف

ص: 313

والواسطة. وشرط في الأحكام: أن يكونوا عالمين لا ظانين، وقيل: لا حاجة إليه لجواز أن لا يعمهم العلم، وأما في المستمعين: فالتأهل للعلم مع عدمه من قبل لامتناع تحصيل الحاصل. ومن زعم أنه نظري شرط سبق العلم بذلك كله، ومن قال ضروري لم يشترط. وضابط العلم بحصولها عنده: حصول العلم بالخبر لا أن ضابط حصول العلم به (سبق حصول العلم بها) واختلف في أقل العدد، فقيل: خمسة لأن الأربعة بينة تزكى وقيل اثنا عشر بعدد النقباء المبعوثين ليحصل العلم بخبرهم، وقيل عشرون لقوله تعالى:{إن يكن منكم عشرون صابرون} وأربعون أخذا من الجمعة عند قوم،

ص: 314

وسبعون لاختيار موسى عليه السلام. والصحيح أنه لا ينحصر في عدد، فضاطبه ما حصل العلم عنده؛ لأنا قاطعون (به) من غير علم بعدد خاص لا متقدما ولا متأخرا، والعادة تقطع السبيل إلى وجدانه، فإنه حاصل بتزايد الظنن على تدريج خفي، كما يحصل كمال العقل بالتدريج، والقوة البشرية لا تفي بمعرفته، وأدلة الحاصرين مع عدم مناسبتها مضطربة، فإن حصول العلم غير لازم عند عدد منها ضرورة، فقد يحصل لقوم دون قوم، ولو كان موجبا لما اختلف، وهو واقع بسبب اختلاف القرائن المعرفة وقوة السماع والفهم بها واختلاف الوقائع واختلف في شروط: منها تنائي الأماكن،

ص: 315

وعدم الانحصار في عدد مع العدالة، وقد شرطها فخر الإسلام لأن الكفر عرضة للكذب والإسلام والعدالة ضابطان للصدق والتحقيق، ولذلك جعل إجماعهم حجة قاطعة، ولو وقع بخبر الكفار لزم صدق النصارى في قتل المسيح والتثليث. وقال من لم يشرط ذلك: نحن قاطعون بحصول العلم بدون ذلك، فإن أهل بلد أو جامع إذا أخبروا بواقعة حدثت لهم أفاد العلم، وهم محصورون، وكذلك أهل قسطنطينية إذا أخبروا بقتل ملكهم مثلا، والضابط في التواتر الكثرة المانعة من الكذب. وخصوصية الإجماع بالإسلام للأدلة السمعية، وإخبار النصارى باطل لعدم استواء الطرفين والواسطة. ومنها اشتراط الشيعة المعصوم فيهم دفعا للكذب، ومنها اشتراط اليهود أهل الذلة والمسكنة فيهم لإمكان تواطؤ غيرهم على الكذب لعدم خوفهم من المؤاخذة، وهو باطل لحصول العلم بأخبار الشرفاء العظماء الكثيرين عن محسوس بل قد يكون حصوله أسرع لترفعهم عن الكذب ولا يمتنع أن تقرب هذه سرعة حصول العلم: أما أن يكون مشروطا فلا.

ص: 316

مسألة:

إذا اشتملت أخبار التواتر على معنى كلي مشترط بجهة التضمن أو الالتزام مع الاختلاف في الوقائع حصل العلم به، كوقائع عنترة في الحروب وحاتم في الجود وعلي رضي الله عنه في الشجاعة، لأن الكل مخبرون به لكن لا يبعد أن يكون العلم بغيره أسرع لاتحاد ألفاظه ومعانيه، وإن اتحد المدلولان من جهة التضمن والالتزام.

ص: 317