المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لقوله: (مروهم)   ‌ ‌تقسيمُ الأهلية: وعندنا أنها نوعان: أهليةُ وجوبٍ تعتمد قيامَ الذمة - بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والإحكام = نهاية الوصول - جـ ١

[مظفر الدين ابن الساعاتي]

الفصل: لقوله: (مروهم)   ‌ ‌تقسيمُ الأهلية: وعندنا أنها نوعان: أهليةُ وجوبٍ تعتمد قيامَ الذمة

لقوله: (مروهم)

‌تقسيمُ الأهلية:

وعندنا أنها نوعان: أهليةُ وجوبٍ تعتمد قيامَ الذمة وصلاحيةَ الحكم؛ لأن الوجوب للأداء، فإذا بطَل بطَل، كما يفوتُ لفَواتِ المحلِّ، فالغراماتُ المالية لازمةٌ للصبي؛ لتصورِ الأداء بالنائب، وكذا الصلاتُ التي تشبهُ المؤنَ؛

ص: 202

كنفقة الزوجة والقرابة، لا المشبهُ للجزاء كتحمُّل العَقْل، وما تمحَّض عقوبةً أو جزاءً لا يجبُ؛ لعدم صلاحيةِ الحكم، وكذا حقوقُ الله، فلا يجبُ الإيمانُ قبل العقل؛ لعدم الأداء، ويجبُ بعده؛ لانعقاد السبب، دون الخطاب بأدائه، وكذا العباداتُ البدنية والماليةُ؛ إذ المقصودُ الابتلاءُ بالأداء اختيارا، وما أُدِّي بالنائب ليس بطاعة

والثاني: أهليةُ الأداء:

وهي: قاصرةٌ، وكاملةٌ، فالأولى تعتمد قدرةً قاصرة؛ كالصبي والمعتوه، يصحُّ منهما الأداءُ -كالإيمان والعبادات البدنية- من غير لزومِ عهدةٍ، وما ينفعُه؛ كقَبول الهبة وقبضِها، لا ما يضره؛ كالقرض والصدقةِ، وإن مَلَكَ القاضي القرضَ عليه، فلأنه نفعٌ لقدرته على الاستخلاص.

والدَّينُ أحفظُ من العين، وما يتردد بينهما كالبيع يصحُّ

ص: 203

برأيِ الوليِّ ليكمل نقصانه. ويصحُّ توكيلُ المحجور من غير إذنٍ ولا عهدة، ومع الإذن يلزمُه، ولم يصح إيصاؤه لاشتماله على ترك الأَولى، ولئن شُرع للبالغ كما شرع الطلاقُ والعتاق، ولم يخيره بين الأبوين لميله إلى الشهوة، ولا خيارَ للولي ههنا فبطَل، واعتُبِرت ردتُه في أحكام الآخرة وما لزِمه من أحكام الدنيا عندهما، خلافا لأبي يوسف فحُكميٌّ، كما إذا ثبت تبعا لأبويه، وبالثانية يتوجه الخطاب بالأداء.

تفريعٌ:

السَّكرانُ والغافلُ؛ قيل: لا يُخاطَبان؛ لأنهما أسوأُ حالا من الصبي

ص: 204

المميِّز، وتخريجُ لزومِ الضمانِ عليهما قد مرَّ، ونفوذُ الطلاق -في قول- ووجوبُ الحدِّ: من باب ما ثَبَت بخطاب الوضع.

وأُورِد: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} تكليفٌ.

وأُجِيب: نَهَى عن السكر وقتَ إرادة الصلاة؛ كقوله: "لا تمُتْ وأنت ظالم"، والخطابُ إن كان زمنَ الحلِّ، فواضح، أو التحريمِ حُمِل على خطابِ المنتشي الثابتِ العقلِ، باعتبار ما يؤول إليه، ويجبُ التأويلُ جمعًا بين الأدلة.

وقلنا: السكرُ مِن مباح -كمُكرَهٍ على الشرب ومضطرٍّ سكِرَ مما اضطُر إليه أو بدواءٍ- بمنزلة الإغماء؛ يمنعُ صحةَ الطلاق والعتاق، ومِن حرامٍ لا يُنافي الخطابَ

ص: 205

للآية، ولا يصح ورودُه حالَ الصحو، إذ لا يُقال للعاقل:"إذا جُنِنت فلا تفعل كذا"، فتعيَّن وقت السكر، فلم يبطُل به شيءٌ من الأهلية، وتصح عباراتُه، وينافي القصد، فلا يصح كفرُه استحسانا، وإن صح إسلامُه كالمُكرَه، ويَلزم إقرارُه بالقصاص، ويلزم إذا باشر سببَه، وكذا حدُّ القذف؛ لعدَمِ الرجوعِ فيه صريحا ودلالة.

والسكرُ لا يُزيلُ أصلَ العقل؛ لأنه سرورٌ يغلبه، فإن كان بمعصية لم يُعذر، أو بمباح عُذِر

مسألةٌ:

مَن قال: "إن الأمر يتعلق بالمعدوم" لم يُرد التنجيزَ، بل تعلقَ الطلب القديم بالفعل

ص: 206

من المعدوم حالَ وجوده وتهيئةً للفهم، وهو المختار، وإلا لم يكن الأمرُ؛ أزليًّا ومِن ضرورته التعلقُ بالغير.

ومَن لم يقل به، قال: أمرٌ ونهيٌ وخبرٌ مِن غير متعلَّق موجودٍ محالٌ؛ لأنه سَفَه.

وأُجِيب:

بأنه محلُّ النزاع، وإنما هو استبعادٌ، وقد حمَل ابنَ سعيد على أن قال: بقِدمِ الأمرِ المشتركِ وحدوثِ كونه أمرا ونهيًا وخبرًا.

وأُجِيب:

بأنها أنواعُه، ولا وجودَ للجنس بدون نوعٍ.

قالوا: لو كانت قديمةً لزِم تعدُّد الكلام، وهو واحدٌ.

أُجِيبوا: بأن التعدُّدَ في التعلُّقات، فلا يستلزمُ تعددا وُجوديًّا

ص: 207

مسألةٌ:

يصحُّ التكليفُ بما عَلِمُ الآمِرُ انتفاءَ شرطِ وقوعِه عند وقته، ولصحةِ التكليف عُدَّ المكلف عالما بالتكليف قبلَ الوقت، ونفاه المعتزلةُ، والاتفاقُ على الصحة إذا جَهِل؛ كأمر السيدِ عبدَه بفعلٍ ما غدا مع جهله ببقائه.

لنا:

لو لم يصحَّ لم يعصِ أحدٌ؛ لأن شرط الفعل إرادةٌ قديمة أو حادثةٌ، والعاصي ليس مريدا للطاعة على القولين، وهو مأمورٌ بها عند عدم الإرادة المعلومِ لله، وأيضا لم يُعلم تكليفٌ ما؛ لأن بقاء المكلَّف شرطٌ، وهو غيرُ معلوم قبلَه، فلا يكون المكلَّفُ به معلومًا قبلَه ولا معَه ولا بعدَه؛ لانقطاع التكليف فيهما، فإن فُرض زمانُه متسًعًا بحيث يُعلم التمكنُ نقلنا الكلامَ إلى أجزاء ذلك الوقت كالمُضيَّق.

والتكليفُ معلومٌ إجماعا، واستدل القاضي بالإجماع على الوجوب والتحريمِ قبل التمكن؛ فإن البالغ العاقل مأمورٌ بالطاعات منهيٌّ عن المعاصي، وهما مع عدم الأمر والنهيِ محالٌ

المعتزلة: لو صحَّ لم يكن الإمكانُ شرطا في التكليف؛ لأن الفعل بدون شرطه محالٌ،

ص: 208

فالتكليفُ به تكليفٌ به.

قلنا: الإمكانُ الذي هو شرطُ التكليف: أن يتأتى الفعلُ عادةً عند اجتماع شرائطه في وقته وهو قائمٌ، وأما الذي هو شرطُ الوقوع ففيه النزاعُ؛ فإنا نجيز الأمرَ بدون الامتثال، على أن ذلك لازمٌ في جهلِ الآمِر؛ فإنه لو صح لم يكُنِ العلمُ بالإمكان شرطا.

قالوا: لو صحَّ لصح مع علم المأمور بانتفاء الشرط اعتبارا بالأمر، والجامعُ كونُه غيرَ متصورِ الحصولِ.

قلنا: الفرقُ انتفاءُ فائدةِ التكليف ههنا وبقاؤه ثَم، وهو الاختبارُ بظهور البِشْرِ والكراهة، وهما سببا الثواب والعقاب

فروعٌ:

فَعَلى هذا: مَن واقَعَ في رمضان ثم مات، وجبت الكفارةُ، ويجب على الحائض الشروعُ في صومِ يومٍ علِم الله حيضَها فيه، ومن قال:"إن شرَعتُ في صومٍ أو صلاةٍ واجبتين، فطالقٌ"، ثم شرَع فمات في أثنائها، طلُقت؛ خلافا للمعتزلة

ص: 209

فصلٌ

وتَعترِضُ على الأهلية أمورٌ سماويةٌ وأُخَرُ مكتسبةٌ؛ فمِن السماوية: الجنونُ، والقياسُ أن يسقط الوجوبُ لعدم القدرة على الأداء، والاستحسانُ في غير الممتدِّ إلحاقُه بالنوم؛ لعدَم الحرج، والممتدُّ في الصوم باستغراق الشهر، وفي الزكاة بالحول عند محمد، وبأكثره عند أبي يوسف، وهذا مختصٌّ بالعارضي عندَه، ولا فرق عند محمد، حتى لو بلَغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر، وجَب قضاءُ ما مضى عند محمد خلافا له، ولا يُنافي الضمانَ؛ لأهلية

ص: 210

الحكم، فكان سببا للحَجْر في الأقوال، وإيمانُه صحيحٌ تَبَعا لا قصدًا؛ لعدمِ رُكنِه، ويسقط به ضررٌ يَحتمِل السقوطَ كالطلاق والعِتاقِ والحدودِ

ومنها: الصِّغَرُ: وكان عارضيًّا لعدمِ الدخولِ في مفهوم الإنسانية، وهو كالجنون في أوله، وعند التمييز يسقطُ به ما يسقطُ عن البالغ بعُذر، ويصحُّ منه وله: ما خلا عن عُهدة، ولم يُحرَم عن الإرث بالقتل، وإن حُرِم بالرق والكفر؛ لمنافاة الرق أهليةَ الإرث، والكفرِ أهليةَ الولاية، فليس الحرمانُ فيهما جزاءً.

ومنها العَتَه: وحكمُ المعتوه كالصبيِّ المميز؛ لا يلزمُه عُهدةٌ، ويَضمنُ الأموالَ لعصمة المحلِّ، والجنونُ، وإن كان كأول الصِّبَى، لكن الفرق أن امرأةَ المجنون إذا أسلَمَت عُرِض على أبويه

ص: 211

الإسلام، فإن أسلَمَ أحدُهما وإلا فُرق بينهما، ولا يُعرَض عليه؛ لعدم صحة الأداء، ولا يُؤخر؛ لأن زواله موهومٌ، وفي الصبي: يُؤخر إلى البلوغ؛ للتيقن بزوال الصِّبَى، والمعتوهُ كالصبي المميزِ لا يَفترقان في صحة أداء الإسلام

ومنها: النسيانُ:

وهو عذرٌ في حق الله تعالى؛ إذ أغلبُ وجوده فيه؛ كالصوم والذبح؛ لعُروضه من جهته، دون حقوق العباد، لحاجاتهم، ولا يُلحق بالمنصوص عليه غيرُه؛ للتفرقة في غلبة الوجود، فسلامُ الناسي غيرُ قاطعٍ للصلاة، بخلاف كلامه؛ للغلبة في الأول دون الثاني.

ومنها: النومُ:

وهو منافٍ للاختيار؛ للعجز عن استعمال العقلِ مع بقاء أصلِه، فيبطل به ما يُبنى عليه؛ كالطلاق والعتاقِ والإسلامِ والردَّةِ والقراءةِ في الصلاةِ والكلامِ فيها والقهقهةِ في الأصحِّ،

ص: 212

والإغماءُ مثلُه، لكن يزيد عليه بأنه مُزيلٌ للقوة أصلا، فافترقا في أنه -من حيث هو- حدثٌ، بخلاف النوم، وبأنه في الصلاة نادرٌ، فامتنع البناءُ، واعتُبر امتداده في الصلاة خاصةً؛ بأن يزيد على يومٍ وليلةٍ، دون الزكاة والصوم، ولم يُعتبر في النوم واعتُبر في الجنون؛ لغلبتِه فيه، وندرتِه في النوم، وتوسطِه في الإغماء

ومنها: الرِّقُّ:

وهو عجزٌ حُكمي بقاءً، وإن شُرع في الأصل جزاءً، به يصيرُ عرضةً للتملك،

ص: 213

ولا يتجزأ، فالمُقر برقِّ نصفِه رقيقٌ كلٌّه؛ لأنه معنًى حُكميٌّ يحل بالمحل كالعلم والقدرة والعتق لا يتجزأ، والخلاف في الإعتاق، فقالا: يَستلزمُه العتقُ؛ لأنه مطاوعة فلم يتجزأ كالتطليق مع الطلاق. وقال أبو حنيفة: هو إزالةٌ لمِلك متجزئ، وهو حقُّه، فإن الرق حقُّ الشرعِ، لكن تعلق بسقوط كل المِلك حكمٌ غيرُ متجزئ هو العتقُ، فإزالةُ بعض الملك بعضُ العلة، فيعتق البعضُ كالمكاتب، واعتُبر بأعضاء الوضوء لإباحة الصلاة، وأعدادِ الطلاق للتحريم

تنبيهٌ:

وهو منافٍ لمالكيةِ المال؛ لقيام المملوكية، فلا يَملِك العبدُ التسريَ؛ لاعتماده الملك، ولا حِجةَ الإسلام؛ لعدم المال، ومنافعُه البدنية لمولاهُ، وإن استُثني عنها الصومُ والصلاةُ، وتملكُ غير المال

ص: 214

كالنكاح والدم، ونقصت الكرامات عنه فذمتُه ضعيفة عن تحمُّل الدَّينِ بنفسها، ما لم ينضم إليها ماليةُ الرقبة والكسب، وكذلك الحَلُّ، فينكح ثِنْتَين، وتُطلق الأمة ثِنْتَين، وتُنَصف العدةُ والحدُّ والقَسْم، وانتقصت قيمتُه عن دية الحرِّ؛ لنقصان الولاية؛ حيث يَملِك التصرفَ في المال يدًا لا مِلكًا، كالمرأة تنصفت ديتُها لملكها المالَ دون النكاحِ والطلاقِ، والعبدُ يملكهما ناقصًا

والمأذونُ أصيلٌ في التصرُّف عندنا، والمولى خليفته في الملك كالوكيل، فكما لا تَبطُل الوكالة بمرضِ الموكِّل، وتعلقُ حق الوارث والغريم بماله لا يُبطل الإذنَ بمرض المولى مع تعلق الحقوق، ولو لم يكن أصيلا لانتفى، وعند الشافعية: ليس أهلا للتصرُّف؛ لعدم أهلية حكمه؛ لأن شرعية السبب للحكم.

قلنا: أهليةُ التكلم ثابتةٌ، والذمةُ قابلةٌ، فإذا احتاج إلى قضاءِ دينٍ كان أهلا، وأقل الطرق اليد، وهو أصل؛ لأن الملك وسيلة

تنبيهٌ:

ولا تأثيرَ له في عصمة الدم؛ لأن كمالها بالإسلام والدار، وهو كالحر فيه، فقتل به قصاصًا، ويوجب نقصا في الجهاد والحج؛ لعدم استثنائهما على المولى، فلم يستحق سهما كاملا

ص: 215

تنبيهٌ:

والولايات منقطعة به، وإنما صح أمانُ المأذون لأنه شريك في الغنيمة، فيلزمه ثم يتعدى، كشهادته بهلال الصوم

يهٌ:

ولَمَّا ملَك ما ليس بمالٍ وما فيه إلزام ضمنيٌّ صحَّ إقرارُه بالحدِّ والقصاصِ وبالسرقة المستهلَكة، ومن المأذون بالقائمة، ثم تعدى إلى المولى والمسروق، حتى تُرَد إلى المُقَرِّ له.

وصح من المحجور بالحدِّ والمال عند أبي حنيفة، خلافا لمحمد، وبالحدِّ لا غيرُ عند أبي يوسف

ص: 216

ومنها: المرضُ:

وهو سببُ تعلق حق الوارث والغريمِ بالمال؛ لكونه من أسباب الموت الذي هو علة الخلافة، وكان سببا للحَجْر إن اتصل به الموتُ مستندا إلى أوله، فالتصرفاتُ المحتملةُ للفسخ تصحُّ في الحال؛ لأهلية الحكم والعبارة، ثم يُنقض كالمحاباة والهبة،. والتي لا تَحتمِلُه؛ كالإعتاق الواقع على حق مستحق، جُعل كالمتعلق بالموت، وحين أبطَل الشرعُ إيصاءه لوارثٍ، بطَل مطلقا، فلم يصح بيعُه منه مطلقًا عند أبي حنيفة، وإقرارُه له، وإن حصل باستيفاء دين الصحة، وتقومت الجودة في حقهم للتهمة كما تقومت في حق الصغار

ص: 217

ومنها: الحيضُ والنفاسُ:

ولا يُعدِمان أهليةً، لكن الطهارة عنهما شرطُ أداءِ الصوم والصلاةِ، فيفوت الأداءُ، ثم في قضاء الصلاة حرج، فسقط بهما أصلُ الصلاة دون الصوم.

واختَلَف أصحابُ الشافعي في تكليفهما بالصوم على قولين، وفي الأحكام: إن أُريدَ به تكليفُها بتقدير زوال الحيض المانعِ فحَقٌّ، وإلا فهو ممتنعٌ في الحال؛ لكونه منهيًّا عنه، فلا يكون واجبًا.

وأُورِدَ:

لولا الوجوبُ لم يكن القضاءُ.

أُجِيب:

بأنه بأمر جديد، وسُمي قضاءً لاستدراك ما انعقد سببُه ولم يجمع لمانع

ص: 218

ومنها: الموتُ:

وهو: عجزٌ تامٌّ يَسقُط به التكليفُ لفَوت الأداء عن اختيار، فلا تبقى الزكاة، بل المأثم.

وما عليه وهو متعلقٌ بعين باقٍ ببقائه، أو بذمته لم يبقَ

ص: 219

بمجردها بل بانضمام مالٍ أو كفيلٍ، حتى لم يصح عن الميت كفالةٌ بدون أحدهما عند أبي حنيفة، كأن الدين ساقط، بخلافها عند عبد محجورٍ أقَرَّ بدين؛ لكمال ذمته في نفسه، وإن ضُمت إليها الماليةُ في حق المولى، وما عليه صلةٌ تَبطُل، إلا أن يوصي فيصح من الثلث.

وما شُرع لحاجته لم ينافيه [؟] الموتُ، فيبقى، فلذلك قُدم جَهازُه ثم ديونُه ووصاياه من ثلثه، ثم وجبت المواريثُ خلافة، ولهذا بقيت الكتابةُ بعد موت المولى وبعد المكاتب عن وفاء.

وغسَّلت المرأةُ زوجَها في عدته؛ لبقاء مِلكه، والغَسْلُ من حوائجه، من غير عكسٍ عندنا؛ لأنها مملوكةٌ وقد بطَلت.

وما لا يصلح لحاجته كالقصاص فواجبٌ للورثة أولا بسبب الفقد للمورث، ولهذا صح عفوُ كلٍّ منهما.

ولم يُورث عند أبي حنيفة، وإذا انقلب مالًا بعفوِ البعض أو بصلحٍ صار موروثا، وهو خَلَفٌ، إلا أن المال صالحٌ لحوائجه، ولهذا تعلق به حقُّ الموصى له، لا بالقود، فاعتُبر سهامُ الورثة في الخلف دون الأصل، واختلفا؛ لاختلاف حالهما

ص: 220

فصلٌ:

ومن المكتسبة: الجهلُ، وعُدَّ منها للتفريط في العلم وإن كان أصليا، فجهلُ الكافر ليس بعذر؛ لجحود ما اتضح برهانُه،

ص: 221

ودِينُه دافعٌ للتعرض، ولدليل الشرع عند أبي حنيفة رحمه الله في حكم يحتمل التغيير؛ كأن الخطاب في تحريم الخمر غيرُ نازل في حقه؛ فيجوز البيع، ويصحُّ الضمانُ، ويصحُّ نكاحُ المَحرَم، حتى لو أسلما وقد وطئ ثبت إحصانُهما ويصح طلبُها النفقةَ به، ولم يُفسخ إلا بالترافع، وهما فرَّقا بين الحكم الأصلي وغيره، فقالا: تقوُّم الخمر والخنزير وإباحتُهما أصلي فيبقى، وإباحةُ المحرم ليس بأصل فيُنفى.

وقيامُ دليل التحريم شبهةٌ مانعة من حدِّ القذف، وعند الشافعي: دافع للتعرض لا غير، حتى لا يجب حدُّ الخمر لا في الأحكام

وجهلُ صاحبِ هوًى بصفات الإلهية، ليس بعذر؛ لوضوح الحجة.

وجهلُ الباغي؛ وإن كان

ص: 222

متأوِّلا، ولذلك ضمَّناه مالَ العادل ونفسَه بإتلافه من غير مَنَعة.

وعند المنعة: تسقط الولاية، ويجب الجهادُ وقتلُ الأسير والتدفيفُ على الجريح، ولا ضمانَ ولا حرمانَ بالقتل.

وإن لم يُحْرَموا عند أبي حنيفة ومحمد؛ للتأويل وإن كان باطلا، وتُحبَس أموالهم زجرًا، ولا تملك؛ لاتحاد الدار حقيقة واختلافِها حكما، فتثبت العصمةُ من وجه، فلم يُضمن بالشك، ولم يُملك بالشبهة، بخلاف أهل الحرب؛ لاختلاف الدار والمنعة المبطلة للعصمة مطلقًا

والجهلُ في موضع الاجتهاد أو الشبهةِ شبهةٌ؛ كمَن صلى الظهر بغير طُهر، ثم صلى العصر به، ثم صلى المغرب وقضى الظهر، وعندَه أن العصر مجزية، جاز؛ للاجتهاد في الترتيب، وكما لو عفى أحدُ وليي قصاصٍ، فقتله الآخرُ ظانًّا بقاءَ القصاص له، لم يُقتص منه للشبهة، وكمَن زنى بجاريةِ ولده

ص: 223

على ظنِّ الحلِّ، لم يُحد، وكحربيٍّ أسلم ودخل إلينا فشَرِب جاهلًا بالحرمة، لا ذمي، وبخلاف الزنا، وجهلُ مَن أسلم في دار الحرب عُذرٌ؛ لخفاء الدليل وعدمِ التقصير، وكذا جهلُ الوكيل والمأذون بالإطلاق وضدِّه، وللشفيع بالشفعة، وللبكر بالنكاح، والأمة المنكوحة بخيار العتق، بخلاف خيار البلوغ؛ لخفاء الدليل في حقها دون الحرة

ومنها: الهزلُ:

وهو ينافي اختيارَ الحكم والرضا به دون مباشرته، كخيار الشرط.

وشرطُه التصريحُ به وإن لم يذكر في العقد، ولا ينافي الأهليةَ ولا الحكمَ، لكن يجب التخريجُ

ص: 224

بحسب أثره؛ فإن دخَل على ما يمكن نقضُه كالبيع؛ فإما أن يهزلا بأصله، أو بقدر العوض، أو بالجنس، وكلٌّ منها إما أن يتفقا بعد المواضعة على الإعراض أو البناء، أو يسكتا، أو يختلفا، فإن هزَلا بأصله ثم أعرَضا بطَل الهزلُ، أو بَنَيا انعقد فاسدا غيرَ مُوجِبٍ للمِلك، كشرط الخيار من الجانبين، فمن نقضه أو أجازه انتقض وجاز، ويجب تقديرُه في الهزل بالثلث عند أبي حنيفة، ولذلك لم يثبت به المِلكُ مع القبض، وإن سكَتا أو اختلفا صحَّ العقدُ عنده؛ مَيلا إلى صحة الإيجاب ظاهرا لعدم إيصال الهزل به.

وقالا: بطَل في السكوت، وجعَلا القولَ لمدعي البناء في الاختلاف؛ مَيلا إلى اعتبار المواضعة لسبقها، حتى يوجد الناقض اعتبارا للعادة

وإن هَزلا في العوض؛ بأن سَمَّيا ألفين والثمنُ ألف، فإن أعرضا صحَّ،

ص: 225

أو سكَتا أو اختلفا فالتسميةُ عندَه (والمواضعةُ عندهما، أو بيَّنَا فالتسميةُ عندَه) أيضا؛ لأنهما جَدَّا في الأصل، فلو عمل بالمواضعة فسَد؛ لأنه شرطٌ فاسد، فترجَّح الأصلُ على الوصف، بخلاف المواضعة في الأصل

وإن دَخَل على ما لا يُنقض؛ فإما أن لا يكون فيه مالٌ؛ كالطلاق والعتاق والعفو واليمين والنذر، فالهزلُ باطل.

(ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِد وهزلُهن جِد: النكاحُ والطلاقُ واليمينُ).

ولأنه رضًا بسببٍ لا يُرد حكمُه فلزِم، أو يكونَ المالُ تابعًا كالنكاح، فإنْ هَزَلَا بأصله لزِم، أو بالقدر وأعرَضَا فالمُسمَّى، أو بَنَيَا فالمواضعةُ،

ص: 226

والفارقُ أن النكاح لا يَبطُل بالشرط الفاسدِ، بخلاف البيع، وإن سَكَتا أو اختَلَفا فالمُسمَّى كالبيع أو المواضعة لتبعية المهر؛ روايتان.

فإن هَزَلا في الجنس وأعرضا فالمسمى، أو بَنَيا فمهرُ المثل، بخلاف البيع؛ لتوقفه على تسمية الثمن، وإنْ سَكَتا أو اختلفا فمهرُ المثل اتفاقا في رواية، والمسمى عنده والمثلُ عندهما في الأخرى.

وإن قُصِد المالُ -كالخلع والعتقِ بمال والصلحِ عن عمد- بطَل الهزلُ عندهما؛ سواءٌ هزلا بأصله أو ببدله أو بجنسه وبنيا، وصح عنده فيجب المسمى عندهما ويقع الطلاقُ مطلقًا، وعندَه يتوقفُ على اختيارها كما في خيار الشرط في الخلع من جانبها، وإن أَعرَضا بطَل الهزلُ اتفاقا، أو سكتا أو اختلفا فعندَه القولُ لمدعي الجِدِّ وعندهما لمدعي البناء

والهزلُ في الإقرار يُبطِله؛ للدلالة على عدم المُخبَرِ به، وكذا تسليم الشفعة بعد الطلب والإشهاد هزلا.

هذا، وإن دخل على اعتقاد، فإن تبرأ كافرٌ عن دينه وهزَل بالإسلام حُكم بصحته كالمكره، بمنزله الإنشاء لا يمكن رد حكمه

ص: 227

ومنها: السَّفَهُ:

ولا ينافي الأهليةَ ولا الأحكامَ، وليس بسبب للنظر.

ص: 228

ومنعُ المال عنه أولَ بلوغه عقوبةٌ، أو غير معقول، فلا يُقاس عليه.

وقالا: وجب النظرُ للمسلمين ولدينه، لا لسفهه.

أجاب: بأنه جائز لا واجب، كيف وقد تضمَّن ضررا فوقه؛ من إلحاقه بالصبي والمجنون لأجل اليد التي هي نعمة طارئة، والأهلية نعمة أصلية، ولا يَبطلُ الأعلى بالأدنى.

وقالا: ثبت له هذه النعمةُ رفقا به، فإذا أضرت رُدت؛ نظرا للمسلمين، لا لسفهه من حيث هو، ولهذا تعددت طرقُ الحَجْر؛ فيبيعُ القاضي على المديون الممتنع مِن بيعِ ماله في الدين، ويَحجُر عليه كيلا يبيعَ مالَه تلجئةً، ويحصره على الغرماء

ص: 229

ومنها: الخطأُ:

وهو عذرٌ يَسقُط به حقُّ الله إذا حصل عن اجتهاد، وشبهةٌ في العقوبات فلا يأثم ولا يؤخذ بحد ولا قصاص، وليس بعذر في حقوق العباد؛ فيجب ضمانُ الأموال لعصمة المحل، ووجبت الديةُ على وجه التخفيف والكفارة لتقصيره في التثبت، وصح طلاقُه، ومنعه الشافعي؛ اعتبارا بالنائم.

قلنا: مُنافٍ لأصل العمل

ص: 230

بالعقل، فلا يُقام البلوغُ مُقامَه، والعلم بدوام العمل من غير سهو حرجٌ، فأقيم البلوغُ مُقامَه، مع أنه لا يخلو عن تقصير، فلم يكن سببا للكرامة ولهذا لم يُلحق الخاطئ بالناسئ في بقاء الصوم

ومنها: الإكراهُ:

والمختارُ في الأحكام أن المُلجَأ إلى الفعل، بحيث لا يُمكنُه تركُه، وصار فعلُه

ص: 231

كحركة المرتعش؛ غيرُ مُكلَّف، وإن جاز عقلا فممتنعٌ سَمْعًا؛ لقوله عليه السلام:(وما استُكرِهوا عليه)، والمراد رفعُ المؤاخذة المستلزِمُ لرفع التكليف، ولزومُ الغرامات: لعصمةِ المحلِّ، وإن لم يُضطر فهو مكلفٌ عقلا وشرعا، وعندنا: هو مكلف مطلقًا؛ لأنه مُبتلًى بين فرض وحظر وإباحة ورخصة وإثم وأجر، فإنه لا يُرخص له قتل ولا جرح ولا زنا ولا حظر في الميتة والخمر والخنزير، ورُخص في إجراء كلمة الكفر، وإفسادِ الصوم والصلاة، وإتلافِ المال، والجنايةِ على الإحرام، وتمكينِ المرأة من الزنا.

وفارقت الرجلَ في الرخصة بسبب أن نسبة الولد عنها لا تنقطع، فلم يكن بمعنى القتل، ولهذا قام إكراهُ القاصر شبهةً في الدرء عنها دونه، وهذا آية الخطاب، ولا ينافي الاختيارَ وإلا لبطَل الإكراهُ، لأنه حاملٌ على موافقة الملجئ، فلم يناف شيئا من الأقوال والأفعال، وإنما أثر الكامل منه في تبديل النسبة، والقاصر في تفويت الرضا

وأصلُ الشافعي:

ص: 232

أن باطلَه مُبطلٌ للحكم مطلقا؛ لإبطاله الاختيارَ الذي تَبتني عليه صحةُ القول، ومتى تم الإكراهُ -بأن أبيح الفعل- فإن أمكنت نسبتُه إلى الملجئ، وإلا بطل، فيضمن الملجئ المال وجزاء صيد الحرم وفى الإحرام، ويحد الزاني لعدم الإباحة، ويقتل القاتل لذلك، والملجئ أيضا بالتسبب، وصح إسلام الحربي دون الذمي، وبيعُ المديونِ أموالَه لصحة الإكراه.

وأصلُنا: أنه مفسدٌ للاختيار، فإن عُورض

ص: 233

باختيارٍ صحيح ترجَّح وجُعل الفاسدُ معدومًا، فيُنزَّل آلةً له إن أمكن، وإلا بقيت النسبة إلى الفاسد؛ لعدم المعارضة، فالأقوالُ لا يصلح فيها آلةٌ فاقتصرت عليه، وفسد بالإكراه مطلقًا ما احتمل الفسخ، وتوقف على الرضا كالبيع والإجارة، وبطلت الأقاريرُ لاعتماد صحتها قيامَ (المخبر به) وقد قامت دلالةُ عدمه، وما لا يحتمله ولا يتوقفُ على رضًا واختيارٍ -كالطلاق والعتاق والنكاح- لم يبطل؛ لعدم بطلانه بالهزل وشرط الخيار مع منافاة الرضا بالحكم والاختيار، وهذا مفسدٌ لا منافٍ فكان أولى، وإذا أُكره على قَبول المال في الخلع وقع الطلاق ولم يجب المالُ لكونه معدما للرضا بالسبب والحكم، فلم يلزم المال لعدم الرضا، ووقع الطلاقُ بغير مال كطلاق الصغير على مال، بخلاف الهزل؛ لمنافاته الرضا بالحكم دون التسبب فكان كشرط الخيار

وما يصلحُ فيه آلة؛ كإتلاف مال أو نفس لزِم الملجئَ بالكامل منه حكمُه؛ لإمكان النسبة بفساد الاختيار، فوجب القصاصُ وضمانُ المال.

وما لا يصلح آلة؛ كالأكل والزنا، فيقتصر.

وما صلح فيه صورةً لا محلًّا، لا تنقل النسبة؛ لتضمُّنِه إبطالَ الإكراه (كما إذا أُكره) مُحرم على قتل صيد، ففي نفس القتل صلَح آلةً، لكنه يستلزم نقلَ محل الجناية؛ إذ المجنيُّ عليه الإحرام، فلو جُعل فيه آلة انتقل، فلم يكن

ص: 234