المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأول: الحاكم الله تعالى - بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والإحكام = نهاية الوصول - جـ ١

[مظفر الدين ابن الساعاتي]

الفصل: ‌الأول: الحاكم الله تعالى

‌المبادئ الفقهية:

الحكم الشرعي يستلزم حاكما ومحكوما فيه وعليه، فهذه أصول:

‌الأول: الحاكم الله تعالى

، فلا تحسين للعقل ولا تقبيح، أي لا يوصف بهما

ص: 127

فعل لذاته، وإنما يطلقان باعتبار موافقة الغرض ومخالفته، أو أمر الشارع بالثناء على فاعله أو ذمه.

فيدخل في الأول فعل الله تعالى والواجب والمندوب، لا المباح، وفي الثاني الحرام لا المكروه والمباح.

أو لما لفاعله مع العلم والقدرة فعله بمعنى نفي الحرج، فيدخل المباح.

والقبيح: ما قابله، وليس هذا بذاتي؛ لاختلافه باختلاف الأغراض وأمر الشارع وأحوال الفاعلين.

وفعل الله تعالى بعد الشرع بالاعتبار الثاني والثالث وقبله بالثالث وفعل العاقل قبله بالأول والثالث، وبعده بالجميع.

والمعتزلة والكرامية وآخرون على انقسام

ص: 128

الفعل إلى حسن وقبيح لذاته:

فمنه ما يدركه العقل ضرورة كحسن الإيمان، أو نظراً كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع، أو بالسمع كحسن العبادات.

وقدماء المعتزلة بغير صفة موجبة.

والجبائية بصفة.

وآخرون في القبيح دون الحسن.

للأولين حجج: لو كان قبح الكذب ذاتيا لزم حسنه إذا قال: لأكذبن غدا، وإلا لزم من صدقه غدا كذبه اليوم، وما لزم منه القبيح قبيح.

ولأن المقتضي لقبح الخبر الكاذب إما نفس الخبر فيلزم القبح مطلقا، أو عدم المخبر عنه فيكون العدم علة لأمر ثبوتي، أو المجموع فجزء علته، أو خارج فإما لازم لنفس الخبر أو عدم المخبر عنه أو المجموع فيلزم ما لزم، أو لخارج عاد التقسيم وتسلسل، أو غير لازم فيمكن فراقه.

ولأن الخبر الكاذب يخرج بوصفه أمرا أو نيها عن الكذب، والحقائق لا تختلف باختلاف الأوضاع.

ولأنه ينقلب واجبا أو حسنا إذا استنقذ به نبي عن القتل.

ولأنه لو قبح الظلم لذاته لزم تقدم المعلول على علته؛ لتقدم قبح الظلم على الظلم، وإلا جاز فعله.

ولكان القبح -وهو وصف ثبوتي لاتصاف العدم بنقيضه- معللا بما العدم جزؤه؛ فإن الظلم إضرار غير مستحق.

وفيها نظر:

أما الأولى: فلجواز صدقهما عليه باعتبارين؛ فالصدق حسن لذاته وقبيح باعتبار استلزام القبيح، كالجبائية.

ص: 129

وأما الثانية: فلجواز كون عدم المخبر عنه شرطا في القبح، والشرط غير مؤثر.

وأما الثالثة: فلعدم امتناع كون القبح مشروطا بالوضع، وعدم المطابقة مع العلم.

وأما الرابعة: فلعدم تعين الكذب للخلاص؛ لجواز التعريض، ولو سلم فالحسن ما لازمه من التخليص، واللازم غير الملزوم، وغايته عدم الإثم مع القبح وعدم الحرمة شرعا.

وأما الخامسة: فالمتقدم الحكم بالقبح لا نفسه؛ لاستحالة تقدم الوصوف على الموصوف.

وكونه معللا بالعدم ممنوع، وعدم الاستحقاق لازم غير ذاتي، ولئن كان فالعلة ما فيه من الوجود، والعدم شرطه.

واستُدل:

لو كان ذاتيا لزم قيام العرض بالعرض؛ لأن الحسن زائد على الفعل، وإلا لزم تعقله بتعقله، ووجودي؛ لأنه نقيض لا حسن، وهو عدمي؛ لاتصاف العدم به، وإلا استلزم محلا وجوديا، وهو قائم بالفعل؛ لأنه صفته.

وبطلان التالي أن معنى قيامه به حصوله في الحيز تبعا لحصوله فيه، والعرض حاصل في الحيز تبعا لحصول الجوهر فيه، فكان قائما بالجوهر.

وضعف بأن الاستدلال على كونه وجوديا بالسلب

ص: 130

دور؛ فإنه لا يعلم كونه عدميا إلا بعد معرفة أنه سلب وجود، وليس؛ فإنه قد يكون ثبوتيا كاللامعدوم، أو منقسما كاللاامتناع، فلو علم به كونه وجوديا دار.

وبانطباقه على الإمكان، فإنه ثبوتي؛ لأنه نقيض لا إمكان.

وأجيب بأن الإمكان تقديري فنقيضه سلب التقدير، والمقدر ليس عرضا.

واستدل ليس الفعل اختياريا فلا يوصف بهما لذاته

ص: 131

إجماعا؛ لأنه إن لزم فظاهر، وإن جاز وافتقر إلى مرجح عاد التقسيم وتسلسل، وإلا كان اتفاقيا.

وضعف بأنا نقطع بأنه اختياري؛ للقطع بالفرق بين الضرورة والاختيار.

وبلزوم ذلك في أفعاله تعالى، وفي الحسن والقبح الشرعيين.

والحق أن المرجح هو الاختيار، وإن وجب الفعل به فلا حق لا ينافي القدرة.

قالوا العلم بتحسين العقلاء الصدق النافع مع قطع النظر عن العوارض ضروري، فكان ذاتيا.

ولأنا نعلم ممن استوى في حصول غرضه الصدق والكذب ميله إلى الصدق، وليس إلا لحسنه في ذاته.

ولأنه لولا ذلك لما فرق قبل الشرع بين المحسن والمسيء.

ولما كان فعله سبحانه حسنا.

ولجاز الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة، وإظهار المعجز للكاذب.

ولتوقف الوجوب على السمع، فيلزم إفحام الرسل؛ لأن المدعو يمتنع عن النظر في المعجز ما لم يعلم وجوبه، ولا وجوب قبل الشرع.

ص: 132

أجيبوا: بالمنع، وإلا لما اختلف العقلاء.

ولو سلم منع كونه ذاتيا إلا أن يتجرد عن أمر خارج وهو ممنوع.

وبمنع التساوي أصلا.

ولئن سلم منع الميل.

وبأن مفهومهما بمعنى موافقة الغرض ومخالفته وما للفاعل فعله وتركه متحقق قبل الشرع.

وفعله تعالى حسن بالمعنى الثاني.

والطاعة والمعصية ما ورد فيهما أمر ونهي، فلا يمتنع ورود الشرع بالضد.

وعن الإفحام بلزوم مثله في النظر؛ فإنه ليس بضروري، فله الامتناع ما لم يجب، ولا وجوب ما لم ينظر.

ونمنع توقف النظر على وجوبه، كحصوله ممن لا يعلم وجوبه.

ولو سلم منع التوقف على العلم بالوجوب، بل على نفس الوجوب، وهو شرعي نظر أو لم ينظر، ثبت أو لم يثبت بظهور المعجز، وإمكان الدعوى وعقل المدعو وتمكنه من النظر، وهو المفرط إن قصر.

مسألة:

إذا سلم أنهما عقليان فشكر المنعم ليس بواجب عقلا.

لأنه

ص: 133

لو وجب وجب لفائدة، وإلا كان عبثا، وهو قبيح.

وليست الفائدة لله لتعاليه.

ولا للعبد في الدنيا لأن الشكر فرع معرفة الله تعالى بإتعاب النفس، وتكليفها مشاق أفعال وتروك، وهو تعب ناجز.

ولا في الآخرة لعدم استقلال العقل بالأمور الأخروية.

لا يقال: استدلال على إبطال ضروري، ولئن سلم منع أن الوجوب لفائدة، وما المانع من كونها نفس الشكر لا أمرا خارجا، كتحصيل المصلحة ودفع المفسدة، وإن كان خارجا فالأمن من احتمال العقاب بتركه، ولا يخلو عاقل من خطوره.

لأنا نقول: ممنوع، ولئن سلم ففي من ينتفع به، والمانع كون تحصيل المصلحة جملة هي نفس الفائدة، وليس فعل الشكر الجملة المطلوبة من إيجاده، وإلا لعم الأفعال، وعدم خلو العاقل عنه خطوره ممنوع كما في الأكثر.

ص: 134

ولئن سلم عورض باحتمال خطور العقاب على الشكر؛ فإنه تصرف في ملكه بإتعاب النفس بغير فائدة راجعة إليهما، وهو قبيح، أو لأنه كالاستهزاء، كمن شكر ملكا جوادا على لقمة.

مسألة:

المختار أن لا حكم للأفعال قبل الشرع.

واختار بعض أصحابنا رحمهم الله الوقف، وفسروه بأن لله حكما، ولكن لا دليل لنا على تعيينه.

وفسره آخرون من المعتزلة الواقفية بعدم الحكم أصلا، لعدم الدليل المثبت، والحكم عندنا وإن كان

ص: 135

أزليا فالمراد ههنا عدم تعلقه بالفعل قبل الشرع؛ فإن الوجوب مثلا إما للأداء أو لترتيب العقاب على الترك، وكل منهما منتف قبل الشرع، فانتفى التعلق؛ لعدم فائدته.

والمعتزلة: إن حسن العقل فعلا واستوى فعله وتركه في النفع والضر فمباح، وإن ترجح الفعل وذم تاركه فواجب، وإلا فمندوب، وإن قبحه وذم فاعله فحرام، وإلا مكروه، وإن خلا عنهما قيل بالحظر والإباحة والوقف.

لنا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).

والأولى تستلزم نفي الوجوب والحرمة وإلا لما حصل الأمن من العذاب بتقدير فعل الحرام وترك الواجب.

والثانية تفهم الاحتجاج قبله، فيلزم نفي الموجب والمحرم.

ولأن الحكم إما شرعي أو عقلي، وقدمنا أن العقل

ص: 136

غير موجب ولا محرم، ولا شرع قبل الشرع، فلا حكم.

فإن قيل: ليس العذب لازما؛ لجواز العفو والشفاعة، فلم يلزم من نفيه نفيهما، وإن سلم فاللزوم للواجب والمحرم شرعا، واللازم من نفيه نفيهما شرعا لا مطلقا.

ولا دلالة على نفي الإباحة والوقف لعدم لزوم العذاب.

والمفهوم إن كان حجة فعلى الثانية ما على الأولى، واستدلالكم على أن لا حكم حكم، وهو تناقض.

قلنا: اللازم عدم الأمن، ولا انفكاك.

ودلت الآية على الأمن، فلا لزوم، فلا حكم.

وبه اندفاع ما بعده.

والمراد نفي الوجوب والحرمة والباقي بدليل آخر.

ولا تناقض؛ فإن المنفي ليس هو الحكم مطلقا، بل نفي ما اثبتوه من الأحكام.

والقائل بالإباحة إن فسرها بما لا حرج في فعله وتركه فمسلم، أو ما أذن فيهما شرعا فلا شرع، أو ما حكم العقل فيه بالتخيير بينهما فالفرض أن لا مجال للعقل فيه.

قالوا: خلق المنتفع والمنتفع به مع القدرة وعود المنفعة إليه، فالحكمة تقتضي الإباحة.

قلنا: معارض بأنه ملك الغير، ويجوز أن يكون الخلق ليصبر المكلف عنه فيثاب.

والواقفية إن أرادوا به الوقف على السمع فمسلم، أو لتعارض الأدلة ففاسد لفسادها.

ص: 137