الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى ذكر عيسى عليه السلام
وعيسى اسمٌ أعجمىٌّ غير منصرف للعجمة والعلميّة. وقيل: اشتقاقه من العَيَس وهو البَياضُ، والأَعْيَسُ: الجَمَلُ الأَبيض، وجمعه عِيسٌ. قيل له عِيسَى لِبَياضِ لَونه، وقيل من العَوْس وهو السّياسة، وأَصله عِوْساً قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها، وقالوا عِيسا لأَنَّه ساسَ نفسه بالطَّاعة، وقَلْبَه بالمحبّة، وأُمَّته بالدّعوة إِلى ربّ العزَّة.
وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بخمسة وعشرين اسماً دالاًّ على مَدْحه وفضله، منها: مُؤَيَّدٌ {وَأَيَّدْنَاهُ} ، مَسِيحٌ {اسمه المسيح} ، رُوحُ الله {وَرُوحٌ مِّنْهُ} ، كَلِمَة {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} ، وَجِيهٌ {وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين} ، صالِحٌ {وَمِنَ الصالحين} ، وَلَدٌ {أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} ؛ غُلامٌ وزَكِىٌّ {لأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً} ، مُعَلَّم {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب} ، رَسُول {وَرَسُولاً} ، مُبَشِّرٌ {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي} ، مُنَبِّئ {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ} ، مُصَدِّقٌ {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ} ، آيَةٌ {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ، مُحَلِّلٌ {وَلأُحِلَّ لَكُم} ، مَرْفوعٌ {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} ، مُطَهّر {وَمُطَهِّرُكَ} ، سَرِىٌّ {تَحْتَكِ سَرِيّاً} ،
قُرَّة عَيْن {وَقَرِّي عَيْناً} ، صَبِىٌّ / {مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} ، عَبْدٌ {عَبْدُ الله} ، نَبِىٌّ {وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} ، مُبارَكٌ {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً} ، وصِىٌّ {وَأَوْصَانِي بالصلاة} ، بارٌّ {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} ، عِلْمٌ {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} ، بفتح العَينْ وكَسْرها، وقرئ بالوجهين.
وذكره تعالى باسمه فى مواضع منها قوله تعالى {إِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين * وَيُكَلِّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلاً وَمِنَ الصالحين} ، وقال تعالى {إِذْ قَالَ الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} ، وقال الله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الحق مِن رَّبِّكَ} ، وقال تعالى {ياأهل الكتاب لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى الله إِلَاّ الحق إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} إِلى قوله {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ} ، وقال تعالى {إِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} ، وقال تعالى {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ} وقوله {وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى} ، {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} ، {وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات} ، {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلاهين} ، {قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللهم رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً} ، وثبت فى الصّحيحين عن أَبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ
بنى آدَمَ من مولود لا يَمَسُّه الشيطانُ حين وُلِدَ فَيَسْتَهِلُّ صِارخاً من مَسّه إِيّاه إِلَاّ مَرْيَم وابْنَها"، وروياه من طرق بأَلفاظ متقاربة، ثم يقول أَبو هريرة: اقرءُوا إِن شئتم {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} ، وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَنا أَوْلَى الناسِ بابْنِ مَرْيَمَ فى الدّنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبىّ، الأَنْبِياءُ إِخْوَة، أَبْناءُ عَلَاّت أُمَّهاتهم شَتَّى ودِينُهم واحد" رواه الشيخان فى الصّحيحين. وَرَوَيا أَيضا فى حديث الإِسراء عن أَنس أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأَى فى السّماء الثَّانية ابْنَىِ الخالَة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريّا" وفى الصّحيحين عن أَبى هريرة أَنَّ النبىّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُسْرِىَ به قال "لَقِيتُ عيسى فإِذا ربْعة أَحْمر كأَنَّما خرج من ديماس" يعنى حمَّاماً. وفى الصحيحين عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال:"رأَى عيسى بن مريم رجُلاً يسرق فقال له: أَسرقْت؟ قال كّلا والَّذى لا إِله إِلَاّ هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكَذَّبْت عينى" وفى الصّحيحين عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال "ليُوشِكَنَّ أَنْ ينْزِل فيكم ابن مرْيم حَكَما عدْلاً فيكسر الصّلِيب ويقْتل الخنْزِير، ويضَع الجِزْية، ويفيض المال حتى لا يقبله أَحدٌ حتَّى تكون السَّجْدة الواحدة خيراً من الدُّنيا وما فيها" ثم يقول أَبو هريرة: واقْرءُوا إِن شئتم {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} وفى الصّحيحين عن عبادة بن الصّامت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال "من شهد أَن لا إِله إِلَاّ الله وحْده لا شريك له، وأَنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وأَن عيسى عبدُ الله ورسُوله وكَلمته أَلقاها إِلى مرْيم ورُوحٌ منه، والجنَّة حقٌّ والنار حقٌّ أَدخله الله الجنَّة على ما كان من العمل"، / وفي صحيح مسلم أَنّ رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم قال: "ينزل عيسى من مرْيم على المنارة البيْضاء شَرْقىَّ دمشْق".
وقال إِسحاق الثعلبى: اختلف العلماء فى مدّة حمل مريم بعيسى بن مريم، فقيل: سبعة أَشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ستَّة، وقيل: ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، ووضعته عند الزوال وهى بنت عشر سنين، وكانت حاضت قبله حيضتين، وقيل: بل كانت بنت خمس عشرة سنة، وقيل ثلاث عشرة، وأَنَّه كلَّم الناس وهو ابن أَربعين يوماً، ولم يتكلَّم بعدها حتى بلغ زمن كلام الصبيان.
وكان صلى الله عليه وسلم زاهداً لم يتَّخذ بيتاً ولا متاعاً، وكان قوته يوماً بيوم، وكان سيّاحا فى الأَرض، وكان يمشى على الماء ويُبْرِئُ الأَكْمه والأَبرص ويُحْيِ الموتَى بإِذن الله، ويُخْبرهم بما يأْكلون ويدَّخرون فى بيوتهم، وكان له الحواريّون الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه، وكانوا أَثْنَىْ عشر رجلاً، وكانوا أَصفياءه وأَنصاره ووزراءه، قيل كانوا أَوّلاً صيّادين، وقيل قصّارين، وقيل ملَاّحين.
وممّا أَكرمه الله به تأْييده بُروح القُدُس، قال الله تعالى:{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس} قيل: هو الرّوح الذى نفخ فيه، وقيل جِبْرِيل كان يأْتيه ويسير معه، وقيل: هو اسم الله الأَعظم، وبه كان يُحْيِى الموْتى ويُرِى النَّاس العجائب، ومنها علَّمهُ التوراةَ والإِنْجِيل وكان يقْرؤهما حفظا. ومنها أَنَّه يخْلق من الطِّين كهيْئة الطَّيْر فَيْنفخ فيه فيكون طيراً بإِذن الله. قال الثعلبى: قالوا إِنَّما يخلق الخفَّاش خاصَّة لأَنه أَكمل الطَيْر خلْقَةً، له ثَدْىٌ وأَسنان ويَلدُ ويَحيض ويَطير. قال: وقال وهب بن مُنَبّه: كان يطيرُ حتى يغيب عن النَّاس ثم يقع ميّتا ليتميّز خَلْقُ الله من فعْل غيره. ومنها إِبْراؤه الأَكْمه والأَبرص - والأَكمه: الذى وُلد أَعمى - وإِنَّما خصّ هذين لأَنَّه لا يُرْجَى زوالهما، ولا حيلة للمخلوقين فيها، وكان زمنَ الأَطبّاء وظهرت بهما معجزته. ومنها إِحياؤه الموتىَ، قالوا فأَحْيا جماعةً منهم
العازر أَحياه بعد موته ودفنه بثلاثة أَيّام، فقام وعاش مدّة ووُلد له ولد. ومنهم بنْت العاشر، أَحياها وولَدتْ بعد ذلك؛ ومنهم سامُ بن نوح وعُزَيْر وقِصصُهم مشهورة، ومنها إِخباره بالمغيِّبات، قال الله عز وجل إِخباراً عنه {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} ومنها مشيُه على الماء، ومنها نزول المائدة عليه من السّماء، ومنها رفْعُه إِلى السّماء. وقد ثبت فى الصّحيحين أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينْزِل عيسى بن مريم من السَّماء ويقْتل الدَّجَّال بباب لُدّ"، وأَحاديثه فى قصّة الدجّال مشهورة فى الصّحيح. وينزل عيسى حَكَماً عدْلاً رسُولاً، وإِنَّما يُصلِّى وراء الإِمام منَّا تَكْرِمة الله لهذه الأُمة. وجاء أَنه يتزوّج بعد نزوله ويُولَد له، ويُدْفن عند النبىّ صلى الله عليه وسلم.
قال بعضهم:
هذا ابْن مرْيم فى مجال الجاه
…
فى عِزِّه مُتكاملٌ مُتناهى
فى مهْده للأُمّ أَوْحى شاهداً
…
مُتَكَلِّماً بأَوامرٍ ونَواهى
فالطِّين فى يده كهيْئة طائرٍ
…
يرْمى بها طَيْراً يطير كما هى
والأَكْمهُ المكْفوف عند دُعائه
…
عيْناه تُبْصرُ والبصيرَ يُضاهى
/أبْرى من ابْرصَ ما يشين جمالَه
…
لَيْس الطبيب بما يليه يُباهى
كم ميّت متفتِّت فى قبره
…
أَحْيا بإِذن الله رُوحُ الله
ولنجعل هذا آخر ما تيسّر من الكلام على لطائف التنزيل العزيز. وإِيراد المعانى الجّمة فى اللَّفظ الوجِيز. وقد وفق الله تعالى لإِكماله وإِتمامه، بمنَّة وجُوده وأَفضاله وإِنعامه فى أَسرع زمان، وأَقرب مدّة الإِمكان. والحمد لله ربّ العالمين على فضله الموفور. وقبوله منَّا عفو خاطرنا المبرور، وصلاته وسلامه على سيّد المرسلين. وخاتم النبيّين، وحبيب ربّ العالمين. وعلى آله وعترته الطاهرين الطيِّبين. وأَصحابه السّادة الغرّ المحجَّلين. وعلى من تعلَّق بحبّهم وتبعهم بإِحسان إِلى يوم الدّين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.