الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى ذكر يوسف عليه السلام
ويُثَلَّثُ سِينُه، وهو اسمٌ أَعْجَمِىٌّ غَيْر مُنْصَرِفٍ للعِلَّتَيْن. وقيل: مُشْتَقّ من الأَسَف، فيُوسف بكسر السِّين يُفْعِل من آسَفَ يُوسفُ إِذا أَحْزَنَ وأَهَمَّ وأَغْضَبَ، لأَنَّه آسَفَ أَباهُ بفِراقه. ويُوسَف بفتح السّين لأَن إِخْوته حَزَّنوه بفراق أَبِيه. وقيل: أَصله يَأسَفُ بفتح الياء والسّين، يَفْعَل من الأَسَف، لأَنه أَسِفَ فى الغُرْبة والمِلْكة. وفى بعض الآثار: لمّا أَخْرَج الله الذُرِّيَّة من ظَهْرِ آدَمَ وعَرَض عليه أَمْثال الذر، أَراه فى الطبقة السّادسة شخصاً مَهيباً من الرِّجال، على وَجْهِه بَهْجَةُ الجمال، قد تُوِّج بتاج الوَقار، وهو مُرْتَدٍ برداءِ الكَرامَة، مُتَّزِزٌ بإِزار الشَرَف، عليه قميصُ البَهاءِ، وفى يَدِه قضيبُ المُلْكِ، وعلى يَمِينه سبعون أَلْفَ مَلك، وعلى يساره هكذا، وخَلْفَه أُممٌ الأَنْبِياءِ، لهم زَجَلٌ بالتسبيح، وبين يَدَيْه شَجَر السَّعادة يَدُور معه حَيْثما دارَ. فقال آدمُ يا ربّ مَنْ هذا الَّذى أَبَحْت له بحبوحَةَ الكَرامة، وأَنْزَلْته هذه الدّرجةَ العالية؟ قال الله تعالى: هذا ابْنك المَحْسُود من إِخْوَته؛ يا آدَمُ انْحَلْهُ وسَمِّه، فنَحَلَه ثُلُثَىْ جَمالِ أَوْلاده، وضَمَّه إِلى صَدْره، وقَبَّل ما بَيْن عَيْنَيْه وقال: يا بنىّ لا تَأسَف [فأَنت يوسف] ، فأَوّل من سَمّاه بهذا الاسْم آدَمُ. وقيل إِنَّ يُوسُفَ ورث الجَمالَ من إِسحاقَ، وإِسحاقَ وَرِثَهُ من أُمِّه سَارة، وسارة وَرِثَتْ من أُمِّها حَوّاء.
وقال كَعْبٌ. قُسّم الجمالُ عَشَرَة أَجْزاء، تسعةٌ منها ليُوسُف وواحدٌ لجميع أَولاد آدم. وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم:"رَأَيْت يُوسف لَيْلَة أسْرىَ بى فى السَّماءِ الرّابعَة، فقيل: كيف رَأَيْتَه يا رسولَ الله؟ فقال: كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْر"، وقال: أُعْطِىَ يُوسُف وأُمُّهُ شَطْرَ الحُسْنِ. وقال: جاءنى جِبْريلُ وقال: "يا مُحَمّد إِنَّ الله تعالَى أَلْبَس يُوسُفَ الجَمالَ من نورِ الكرْسىِّ وأَلْبَسَكَ جَمالَك من نور الْعَرْش" ولَمَّا قرأَ صلى الله عليه وسلم قوله: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبّ إِلَىَّ ممّا يَدْعُونَنى إِلَيْه} قال: "رَحم الله أَخى يُوسُفَ هَلاّ سَأَل الله العَفْوَ والعافيَة" ولمّا قرأَ قوله {فَاسْأَلْهُ ما بالُ النِّسْوَة اللاّتى} قال: "رحم الله يُوسُفَ لَوْ كنْتُ أَنَا لبادَرْت البابَ" قال:
إِذا ما أَتاكَ الدَّهْرُ يَوْماً بنَكْبَةٍ
…
وأَصْبَحْتَ منها فى حُزون من الحُزْنِ
فلا تَيْأَسَنْ فالله مَلَّك يُوسُفاً
…
خَزائنَه بعد الخَلالص من السِّجْن
فرّقت قصص الأَنبياء فى القرآن، وجَمَعَ الله قصّتَه جميعها فى سورة واحدة، وسمّاه فى هذه السّورة بثلاثةٍ وثلاثين اسْماً: المُجْتَبَى: {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} ، والمُعَلَّم:{وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} ، غلامٌ:{يابشرى هاذا غُلَامٌ} ، مُكرَمٌ:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} ، نافعٌ:{عسى أَن يَنفَعَنَآ} ، وَلَد:{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} ، مُخْلَصٌ:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} ، مُحْسِنٌ:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} ، راءٍ:{لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ، فَتًى:{تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} ، أَحَبّ:{وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا} ، مَلَكٌ كَرِيمٌ:{إِنْ هاذآ / إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} ،
مُسْتَعْصِمٌ: {فاستعصم} ، صِدِّيقٌ:{أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا} ، مُسْتَخْلَص {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} ، حَفيظٌ وعَليمٌ:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ، أَمينٌ ومَكِينٌ:{لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} ، مُمَكَّنٌ:{مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ، مُرْسَلٌ:{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً} ، رَسُولٌ:{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} ، إِلى قوله:{رَسُولاً} ، أَخٌ:{إني أَنَاْ أَخُوكَ} ، زَعِيمٌ:{وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} ، عَلِيمٌ:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، رَفِيعٌ:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} ، رافِعٌ:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} ، عَزِيزٌ:{ياأيها العزيز} ، مُتَصَدِّقٌ:{إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} ، تَقِىٌّ وصابِرٌ:{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ} ، صالِحٌ ومُسْلِمٌ:{تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} .
وذكره تعالى باسْمِه فى خمسةٍ وعشرين موضعاً من التَّنْزِيل:
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ} ، {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} ، {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا} ، {اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه} ، {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} ، {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} ، {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا} ، {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} ، {كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً} ، إِلى قوله:{وَيُوسُفَ} ، {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هاذا} ، {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا} ، {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} ، {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ،
{وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} ، {وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ} ، {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} ، {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا} ، {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} ، {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} ، {تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ} ، {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} ، {قالوا أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ} ، {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} .
مَحَنَهُ الله تعالى بعَشْرِ مِحَنٍ، وكافأَه بعَشْرِ مِنَحٍ: الأَوَّل بِفراقِ أَبِيهِ، وختم بمَسَّرةِ:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} ، وابْتُلِىَ بجَفاءٍ الإِخْوة وخَتم بمَسَرَّةِ:{وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} ، وابْتُلِىَ بوَحْشَةِ الجُبِّ، وجُوزِىَ بفَرْحَة:{وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هاذا} ، وابْتُلِىَ بمَلكَة عَزِيزِ مِصْرَ وكُوفئ بمَلِكَة أَهْلِ مِصْرَ قاطِبَة:{مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ، وابتُلِىَ بقَصْدِ زليخا، ونجا بشهادة طِفْلٍ لم يَنْطق بعدُ:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} ، وابْتُلِىَ بِحيلَة نِساءِ مِصْرَ، وخُتِمَ ببراءتِه وقَوْلهنّ:{مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء} ، وابْتُلِىَ بدَعْوة الشَّيْطان، وصِينَ بِعصْمَة الرّحْمان:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء} ، وابْتُلِىَ بالسّجن والحَبْسِ، وكُوفئ بالمُلْكِ والسَّلْطَنَة:{ياأيها العزيز} ، وابْتُلِىَ بالزُّورِ والبُهْتان وصار ذلك أَظْهَر من كلّ عَيانٍ:{الآن حَصْحَصَ الحق} ، وابْتُلِىَ بالمالِ والمُلْكِ واتِّساع الدّنيا، وأُبْعِد عنه ضَرُّها بولاية المَوْلَى فى الآخِرَة والأُولَى:{أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة} .
قال:
كَمْ نِعْمَةٍ مَسْتُورَة فى الظَّلام
…
كَمْ نِعْمَةٍ مغمورَة فى الكَلامْ
آدَمُ فى الجَنَّة نالَ النَّوَى
…
ونالَ فى الطُّوفان نُوحٌ سَلامْ
يَعْقُوبُ قد عُوقِبَ فى هَجْره
…
بَيْتَ أَحزان رَهِين اغْتمام
ثم ابنه قد صُرّ من بئره
…
فقيل يا بُشْرَى هذا غلام