الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: لا تجوز الزيادة
في الثمن نظير الأجل والزيادة تعتبر من باب الربا المحرم وبهذا قال زين العابدين بن بن علي بن الحسين والناصر والمنصور من الهادوية والإمام يحي (1). وبه قال أبو بكر الجصاص الحنفي (2) وهو قول جماعة من العلماء المعاصرين (3).
وقد احتج هذا الفريق بأدلة منها:
1 -
قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا)(4) فالآية أفادت تحريم البيوع التي يؤخذ فيها زيادة مقابل الأجل لدخولها في عموم كلمة الربا وهي تفيد الإباحة في قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)(5) فإن كل العقود الربوية مقيدة لهذه الإباحة.
2 -
واحتجوا بما ورد في الحديث عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) (6) وفي رواية أخرى (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة)(7). ووجه الاستشهاد بالحديث بأن يقول بعتك بألف نقداً أو الفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا (8).
(1) نيل الاوطار 5/ 172.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 2/ 186 - 187.
(3)
بيع المرابحة لأحمد ملحم ص 172، حكم زيادة السعر في البيع بالنسيئة شرعا، د. نظام الدين عبد الحميد مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج 1 ص 367.
(4)
سورة البقرة الآية 275.
(5)
سورة النساء الآية 29.
(6)
رواه أبو داود. انظر عون المعبود 9/ 238 وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني إرواء الغليل 5/ 150.
(7)
رواه الترمذي والنسائي وأحمد. انظر، صحيح سنن الترمذي 2/ 8، صحيح سنن النسائي 3/ 958 وقال الألباني: إسناد حسن. إرواء الغليل 5/ 149، الفتح الرباني 15/ 45.
(8)
نيل الاوطار 5/ 172.
3 -
قالوا لا فرق بين أخذ الزيادة لأجل الأجل في البيع أو القرض لأن كلاهما زيادة مقابل الأجل والزيادة في القرض ربا وكذلك في البيع (1).
وقد أجاب الجمهور عن أدلة المانعين بمايلي:
1 -
إن احتجاجهم بالآية الأولى (وحرم الربا) غير مسلم لأن الزيادة لا يكاد يخلو منها كل بيع، فالآية على هذا تصبح مجملة في تعيين الأنواع المحظورة، وقد بينتها السنة في الأشياء الستة المنصوصة أو فيها وما ساواها في العلة، والمسألة محل النزاع خارجة عن كل منهما.
إن الزيادة المعتبرة ما كانت فرع الاشتراك في المزيد كالصاع بالصاعين، ولا يتحقق في مختلف الجنس والتقدير.
وأيضاً ليس للسعر استقرار كالتقدير بالكيل والوزن لما فيه من التفاوت بحسب الغلاء والرخص والرغبة وعدمها وداعي الحاجة وعدمه، فعلى هذا لا يصلح أصلاً ومناطاً يرجع إليه في تعليق الحكم به.
ان الزيادة المحظورة في مقابلة المدة انما منعها الشارع إذا كانت ابتداء كما كان عليه أمر الجاهلية في قولهم: (إما أن تقضي وإما أن تربي). وأما إذا كانت تابعة للعقد كما في مسألتنا هذه فهو من البيوع المباحة ولوزاد على سعر يومه (2).
2 -
وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية الثانية (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فيقال: - أن الرضا في البيع مدار
(1) المعاملات المصرفية والربوية ص 125.
(2)
بيع التقسيط د. أبراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج1 ص232.
البحث أمر لا ينكر (وهو باعث عليه وبمثله لا يصير البائع مكرها والإلزام مثله في كل بيع وشراء)، إذ لا بد من حامل له كحاجة المشتري إلى المبيع والبائع إلى الثمن.
والفرق بين الباعث والمكره، أن الأول أمر متعلق بما يوجبه العقد من آثاره، والثاني أمر متعلق بالعقد فقط، إذ الإكراه إنما يتحقق على العقد والإكراه معارض للباعث، فمتى غلبه صار مغيراً للإختيار فيكون البيع لا عن تراض فلا حكم له (1).
3 -
وأما الجواب عن استدلالهم بحديث (نهى عن بيعتين في بيعة) فيقال: إن معنى الحديث محمول على بيوع العينة لا على بيع الأجل وذلك منعاً للتضارب بين السنن والآثار، وبيع العينة حيلة ربوية تعتمد على جواز الفرق بين الثمن المعجل والمؤجل ظاهرها البيع وباطنها القرض الربوي والسلعة تدخل ثم تخرج وليست مرادة والدليل على أن المقصود بالحديث بيع العينة هو أن البائع إذا قال إن كان لسنة فبكذا (110) مثلاً وإن كان نقداً فبكذا (100مثلاً) فهذا ليس من باب بيعتين في بيعة إنما
هو ايجاب ثمنين من أجل أن تنعقد بعد ذلك بيعة واحدة على أحد الثمنين: المؤجل أو المعجل (2).
4 -
ويجاب عن قولهم بأن اخذ الزيادة لأجل الأجل رباكالزيادة في القرض فيقال إن التبادل في القرض يقع بين الشيء ومثله مئة دينار بمئة دينارا مثلاً أما في البيع بالثمن المؤجل فإن التبادل يقع على أشياء مختلفة هي السلعة المبيعة بالثمن من النقود.
(1) بيع التقسيط د. إبراهيم الدبو مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج1 ص233.
(2)
بيع التقسيط د. رفيق المصري مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ص331 - 332.
كما أن الربح في القرض بالربا مضمون للمرابي على أي حال أما في البيع فلا لأن الأسعار قابلة للتغير فقد ترتفع فيكون المشتري هو الرابح وقد تنخفض فيربح البائع فعادت قضية البيع بالثمن المؤجل إلى قاعدة الغنم بالغرم.
كما أن الزيادة على الثمن العاجل في البيع الآجل لا تجوز إلا بهذا المقدار فقط ولا يجوز للبائع أن يزيد عليه شيئاً حتى لو تأخر في السداد لكونه معسراً وأي زيادة تعتبر من الربا المحرم. وأما الزيادة في الربا فإن المرابي يزيد كلما تأخر المدين في السداد (1).
وبعد هذا العرض الموجز أرى رجحان مذهب الجمهور في جواز الزيادة نظير الأجل وقد أقر مجمع الفقه الإسلامي صحة هذه الزيادة وأصدر قراره رقم 53/ 2/6 ونصه:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجده في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "البيع بالتقسيط" واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر:
1 -
تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال. كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة. ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع
(1) المعاملات المصرفية والربوية ص125 - 126.
مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعاً.
2 -
لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.
3 -
إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.
4 -
يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.
5 -
يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
6 -
لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة (1).
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج1 ص447 - 448.