الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد السادس والعشرون
الطبقة السادسة والثلاثون
أحداث سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة السادسة والثلاثون:
أحداث سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة:
فيها: نقلت سنة خمسين وثلاثمائة من حَيث المُغَلات في سنة إحدى وخمسين الخراجية.
وكتب "الصّابي" كتابًا عن "المطيع" في المعنى، فمنه: إنّ السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا وربع بالتقريب، وأنّ الهلالية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وكسْر، وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على اختلاف مذاهبها. وفي كتاب الله شهادة بذلك، قال الله تعالى:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] ، فكانت هذه الزيادة بإزاء ذلك.
فأمّا الفُرْس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثني عشر شهرًا، وأيامها ثلاثمائة وستون يومًا، ولقّبوا الشهور اثني عشر لقبًا، وسمّوا الأيام بأسامي، وأفردوا الأيام الخمسة الزايدة وسمّوا المشرقة، وكسبوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرًا، فلما انقرض مُلكهم بطل ذلك. وذكر كلامًا طويلًا حاصله تعجيل الخراج وحساب أيام الكسر.
دخول الروم عين زربة:
قال ثابت بن سنان: ودخلت الروم عين زَربه1 مع الدُّمُسْتُق في مائة وستين ألفًا، وهي في سفح جبل مُطِلٍّ عليها، فصعد بعض جيشه الجبل، ونزل هو على بابها، وأخذوا في نقب الصُّور، فطلبوا الأمان فأمَّنهم، وفتحوا له، فدخلها وقدّم جيشًا منهم، ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع، فلمَّا أصبح بثّ رجاله وكانوا ستين ألفًا، فكلّ من وجدوه في منزله قتلوه، فقتلوا عالمًا لا يُحْصَى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وكان من جملة ما أخذوا أربعون ألف رمح، وقطع -لعنه الله- من حوالي البلد أربعين ألف نخلة، وهدم البيوت وأحرقها، ونادى: مَن كان في الجامع فلْيذْهب حيث شاء، ومن أمسى فيه قُتل، فازدحم الناس في أبوابه، ومات جماعة ومرّوا على وجوههم حُفاةً عُراةً لا يدرون أين يذهبون، فماتوا في الطرقات
1 بلد من نواحي المصيصة.
جوعًا وعطشًا، وأخرب السُّور والجامع، وهدم حولها أربعة وخمسين حصنًا، أخذ منها بالأمان جملة ومنها بالسيف. انتهى قول ثابت.
ولما عاد إلى بلاده أعاد سيف الدولة عينَ زَربه إلى بعض ما كانت، وظنّ أنّ الدُمُسْتق لا يعود إلى البلاد في العام، فلم يستعدّ، فبينا هو غافل، وإذا بالدُمُسْتُق قد دَهَمه ونازل حلب، ومعه ابن أخت الملك، فخرج إليه وحاربه، والدُمُسْتُق في مائتي ألفٍ بالرَّجَّالة وأهل إحصار، فلم يَقْوَ به سيف الدولة وانهزم في نفر يسير.
دخول الروم حلب:
وكانت داره بظاهر حلب، فنزلها الدُمُسْتُق وأخذ منها ثلاثمائة وتسعين بدْرَة دراهم، وألفًا وأربع مائة بغْل، ومن السلاح ما لا يُحْصَى، فنهبها ثم أحرقها، وملك رَبَض حلب، وقاتله أهل حلب من وراء السور، فقتلوا جماعة من الروم، فسقطت ثُلمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم، فأَكبّت الروم على تلك الثُلمة، فدافع المسلمون عنها، فلما كان الليل بنوها، ولما أصبحوا صعدوا عليها وكبّروا، فعدل الروم عنها إلى جبل جَوْشَن1 فنزلوا به، ومضى رَجّالة الشُّرط بحلب إلى بيوت الناس فنهبوها، فقيل لمن على السُّور: الحقوا منازلكم، فنزلوا وأَخْلُوا السُّور، فسوَّرته الروم ونزلوا ففتحوا الأبواب ودخلوها، فوضعوا السيف في الناس حتى كلّوا وملّوا، وسبوا أهلها، وأخذوا ما لا يُحصى، وأخربوا الجامع، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله، ولم يَنْجُ إلَّا من صعد القلعة.
ثم ألحّ ابن أخت الملك في أخذ القلعة، حتى إنَّه أخذ سيفًا وترسًا وأتى إلى القلعة، ومَسْلَكُها ضيّق لا يحمل أكثر من واحد، فصعد وصعدوا خلفه، وكان في القلعة جماعة من الدَّيْلَم، فتركوه حتى قَرُب من الباب وأرسلوا عليه حجرًا أهلكه، فانصرف به خواصُّه إلى الدُمُسْتُق، وكان قد أسر من أعيان حلب ألفًا ومائتين، فضرب أعناقهم بأسرهم، وردّ إلى أرض الروم ولم يردّ أهل القرى، وقال لهم: ازرعوا فهذا بلدنا، وبعد قليل نعود إليكم2.
الشيعة يلعنون معاوية:
وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد: لعنة معاوية ولعنة من غضب
1 جبل مطل على حلب.
2 انظر: البداية والنهاية لابن كثير "11/ 239".
فاطمةَ حقَّها من فَدَك1، ومَن منع الحَسَن أن يُدفن مع جدّه، ولعنة من نفي أبا ذَرٍّ، ثم إنّ ذلك مُحِي في الليل، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن يُكتَب مكان ما مُحي: لعن الله الظالمين لآل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وصرَّحوا بلعنة معاوية فقط2.
الروم يأسرون أبا فراس الحمداني:
وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن حمدان من مَنْبِج3 وكان واليها.
الوفيات:
وفيها تُوُفّي الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المُهَلَّبي، من بني المهلّب بن أبي صُفْرة. أقام في وزارة معزّ الدولة ثلاث عشرة سنة.
وكان فاضلًا شاعرًا فصيحًا نبيلًا سمْحًا جوادًا حليمًا ذا مروءة وأناة.
عاش أربعًا وستّين سنة، وصادر معزُّ الدولة أولاده من بعده، ثم استوزر أبا الفضل العبّاس بن الحسن الشيرازي.
وفيها تُوُفّي المحدّث أبو محمد دَعْلَج بن أحمد بن دَعْلَج السِّجِسْتانيّ المعدّل نزيل بغداد.
والشيخ أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقّاش المقرئ صاحب التفسير.
وشيخ وقته أبو بكر محمد بن داود الدّقي الدينوري الزاهد نزيل الشام.
1 قرية بالحجاز أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
2 الكامل في التاريخ "8/ 542".
3 مدينة كبيرة قريبة من حلب.