الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى ضرورة هدم النظام الاستعماري حتى يتسنى لجبهة التحرير الوطني أن ترسي قواعد الحركتين الثقافية والاقتصادية وبعثها إلى الوجود في وقت واحد (1).
خلاصة الفصل:
إن الدراسات التاريخية الموجهة للإحاطة بسير أحداث مؤتمر وادي الصومام ونتائجه ستتكاثر في المستقبل ما في ذلك شك. وبكثرتها ستزداد اختلافات المؤرخين حولها بسبب تباين وجهات نظر البقية من المخططين للمؤتمر والمشاركين الفعليين فيه ولأن الأرشيف لم يحفظ لنا كثيراً من التفاصيل التي لابد منها لقتل الموضوع بحثاً.
ففي الآونة الأخيرة (2)، مثلاً، تعددت الأصوات وأنيرت الأقلام في مناسبات
مختلفة تهدف كلها إلى إيهام الناس بأن أصحابها يملكون الحقيقة دون سواهم. لكننا، عندما نخضع كل ما يصلنا إلى مجهر البحث العلمي، نجد أن الواقع غير ذلك مطلقاً.
فالذي رافق المؤتمرين أو آواهم أو تولى حراستهم في أي مستوى كان، لا يمكن اعتماده اليوم كمصدر أساسي قادر على تنفيذ المعلومات المكتوبة التي نشرت أثناء فترة الكفاح المسلح. إنه قد يأتي، في حديثه أو مقاله، بعض الأفكار المكملة التي قد يكون استقاها في وقتها من مصدرها الحقيقي، لكن ذلك لا يعطيه حق الخوض في موضوعات أخرى عاشها بالسماع أو بالاستنتاج الشخصي فقط.
إن النسيان لصيق الإنسان، وإذا كان ذلك الإنسان لا يؤرخ للأحداث التي يسمع عنها أو يشارك في صناعتها، وإذا كان لا يرعى ما حُفظ بالمذاكرة، فإن السرعة التي تمر بها السنون تتسبب، حتماً في إتلاف كثير من العناصر الرئيسية اللازمة لإعادة تشكيل الموضوع في الذهن قبل نقله إلى القارئ والسامع. لأجل ذلك، فإن المصادر الحية الجامعة في ذاكرتها بعض تفاصيل تاريخ ثورة نوفمبر، مطالبة من قبل الأجيال الصاعدة التي لها حق العلم الصادق الوافر، بالتلاقي فيما بينها للتأكد من صحة ما عندها من معلومات تكون كفيلة بتسهيل مهمة المؤرخين الوطنيين.
إن الحساسيات الزائدة، والأنانية المزدوجة باللاشعور هي التي تدفع كثيراً
(1) المجاهد، العدد الخاص، ص72.
(2)
المنطقة الوطنية للمجاهدين، أشغال المؤتمر الأول (1981) والثاني (1982) والثالث (1983) لكتابة التاريخ.
من صانعي التاريخ إلى تزييفه وهم لا يعلمون أنهم بذلك يقزمون أنفسهم معه، فالمهم ليس أن يكون المرء الواحد وراء كل الأحداث فذلك من باب المستحيلات بل المهم هو أن يكون شريكاً في التخطيط للأحداث العظيمة وفي إنجاحها.
إن الكتابة أو الحديث من منطق ذاتي وبدون معطيات كافية قد نتج عنها كثير من الغموض حول مؤتمر الصومام كمنعرج تاريخي في حياة الثورة وحول الوثيقة التي صادق عليها بالإجماع كمرجع أيديولوجي للتمكن من هدم النظام الاستعماري وبناء المجتمع الجزائري الجديد.
لقد كان المؤتمر ضرورة لتقييم المرحلة المقطوعة لوضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلح والتخطيط للحل السلمي من أجل استرجاع السيادة الوطنية. كما أنه كان إجراءاً حتمياً لتزويد الثورة بقيادة وطنية موحدة مجددة، ولتوحيد التنظيم العسكري وتحديد المنطلقات التي تتحكم في مسار المعركة وتوجهها (1).
وإذا كان المؤتمر، يومها، قد أدى دوره الإيجابي واستطاع أن يكون المنطلق لمرحلة جديدة في تاريخ ثورة نوفمبر، فإن مجموعة من العوامل ومن المستجدات التي سنتعرض لها في الفصل القادم، قد دفعت بعض المسؤولين إلى الطعن في كثير من مقوماته الأساسية لكن الذي ينبغي أن يبقى راسخاً لدى الباحث هو أن كل الطعون مهما كان مصدرها لن تقلل من قيمة النتائج التي توصل إليها المؤتمرون.
وبعد أكثر من ثلاثين سنة من انعقاد مؤتمر الصومام ونشر الجزء الأكبر من الوثيقة الإيدويولوجية التي صادق عليها، فإن الدارس الموضوعي لا يسعه إلا القول، رغم كل الضغوطات والنواقص التي ستتعرض لها في حينها، إن المؤتمر كان ناجحاً، وإن نتائجه كانت مفيدة وصحية بالنسبة لاستمرارية الثورة، ويكفي للتدليل على صحة ادعائنا أن النصوص الأساسية للثورة كلها مازالت حتى اليوم تلتقي مع وادي الصومام في كل الخطوط العريضة التي اشتملت عليها. (2)
•••
(1) المجاهد: العدد الخاص، ص54 وما بعدها.
(2)
انظر برنامج طرابلس، ميثاق الجزائر، والميثاق الوطني بصياغته.