المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التخطيط للعمل السياسي: - تاريخ الجزائر المعاصر - جـ ٢

[الزبيري، محمد العربي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثانيبناء المجتمع الجزائري الجديد وتطويره

- ‌الفصل الأولالخطوات الأولى في التطبيق الميداني لأهداف الثورة

- ‌التوجهات الأساسية:

- ‌ التوجه السياسي:

- ‌ التوجه الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌ التوجه الحضاري:

- ‌ موقف الحكومة الفرنسية من الثورة وتطورها:

- ‌ مواجهة الصعوبات الأولى:

- ‌ هجومات العشرين من أغسطس1955

- ‌الفصل الثانيالمجتمع الجزائري الجديدوكيفية تنظيمه

- ‌أ - في مجال السياسة الداخلية:

- ‌ هيئات قيادة الثورة:

- ‌ أولوية السياسي على العسكري:

- ‌ب - في المجال العسكري:

- ‌ج - في مجال الثقافة والاقتصاد:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الفصل الثالثالتطبيق العملي لأهداف جبهة التحرير الوطنيبعد مؤتمر وادي الصومام

- ‌تقييم أخر لنتائج وادي الصومام:

- ‌الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة الجزائرية:

- ‌من حرب العصابات إلى حرب الواقع:

- ‌التخطيط للعمل السياسي:

- ‌ في اتجاه الأمم المتحدة:

- ‌ في اتجاه المنظمة الأفرو آسيوية:

- ‌ في اتجاه الحلف الأطلسي:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الثالثالتحولات الفكرية الكبرى

- ‌الفصل الأولالإثراء الثالث لنصوص جبهةالتحرير الوطني

- ‌ الضباط الجزائريون القادمون منالجيش الاستعماري

- ‌مناورات الجنرال ديغول وحق الشعب الجزائريفي تقرير المصير:

- ‌دوافع رضوخ ديغول للتفاوض مع G.P.R.A

- ‌المجلس الوطني للثورة الجزائرية في دورته الثانية:

- ‌الفصل الثانيمن ثورة التحرير إلى الثورةالديمقراطية الشعبية

- ‌الفعل ورد الفعل قبل التفاوض:

- ‌الثورة الجزائرية في مرحلتها الثالثة:

- ‌المفاوضات ووقف إطلاق النار:

- ‌الحزب والمنظمات الجماهيرية:

- ‌الفصل الثالثأوضاع الجزائر غداة استرجاعالسيادة الوطنية

- ‌المنافذ الاستعمارية:

- ‌التسابق إلى السلطة:

- ‌مواجهة الأوضاع الموروثة عن الاستعمار:

- ‌الانزلاق نحو الحكم الفردي:

- ‌قراءة فاحصة لميثاق الجزائر:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌التخطيط للعمل السياسي:

شعباني أول ضحايا ذلك الصراع (1).

فبهذه الكيفية تمكن الباءات الثلاث من تعبئة الضباط من غير أبناء جيش التحرير الوطني، ومن جعل الجيش التونسي يتحرك بقوة في اتجاه مكان الاجتماع، ولأن المجتمعين لم يكن لهم أي حساب مع الحكومة التونسية، فإنهم انخدعوا وبسهولة استسلموا للأسر. ولما علم أن تسلمت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية مجموع المتمردين أقامت لهم محكمة أصدرت على عجل أحكاماً مختلفة ضدهم (2).

ومن الجدير بالذكر أن المحاكمة كانت صورية فقط. وفي الواقع فإن الأمر يتعلق باغتيالات جماعية استهدفت مجموعة من خيرة إطارات الثورة قصد الاستجابة لطموحات شخصية (3)، تماماً مثل ما وقع قبل ذلك بحوالي سنة عندما أعدم عبان رمضان بدون محاكمة. ومما لا شك فيه أن العمليتين كانتا انحرافاً أيديولوجياً خطيراً سوف يكون له تأثيره البالغ على مسار الثورة في الخارج لأنه سيدخلها عالم الإرهاب وانعدام الثقة.

‌التخطيط للعمل السياسي:

إن أشغال الدورة الأولى للمجلس الوطني لم تتوقف عند قضايا التسيير والمسؤولية، لكنها امتدت لتشمل كافة الموضوعات الأساسية التي تؤثر مباشرة على مصير الثورة وقد سعى المشاركون في الدورة لتعطي الأولوية في التنفيذ لكل ما من شأنه أن يدعم صفوف الثورة وطنياً، ويخدم العلاقات المغاربية

(1) مساعدية (محمد الشريف) لقاء أجريته معه في مكتبه بقصر الحكومة يوم 18/ 9/1988 وذكر لي فيه أن الرئيس بورقيبة اتصل بقيادة الحركة الإنقلابية في السجن وعرض عليهم إخراجهم بواسطة الجيش التونسي وتسفيرهم إلى سويسرا حيث يظلون على السفارة التونسية إلى أن تسترجع الجزائر استقلالها، لكن العقيد لعموري، ومن معه رفضوا، علماً بأن السيد مساعدية كان رائداً في ذلك الوقت وواحداً من أعضاء القيادة المذكورة.

(2)

ترأس المحكمة العقيد هواري بومدين وقام الرائد علي منجلي بدور النائب العام بينما تولى العقيد الصادق دهيلس مهمة الدفاع. أما الأحكام فكانت كالآتي: الإعدام بالنسبة للعقيدين: محمد لعموري وأحمد نواورة للرائدين عواشرية ومصطفى الأكحل وقد تم التنفيذ في شهر مارس سنة 1959. أما باقي الضباط وفي مقدمتهم الرواد: عبد الله بلهوشات، أحمد دراية، محمد الشريف مساعديه ولخضر بلحاج فقد حكم بالسجن المؤبد ثم استفادوا من العفو وأطلق سراحهم سنة 1960 وأعيدوا إلى صفوف جيش التحرير الوطني فنظموا الجبهة الجنوبية.

(3)

لقد كان السيد كريم يريد الاستحواذ على قيادة الثورة، ولذلك فإنه كان يستعمل جميع الحيل للتخلص من ذوي الكفاءات الذين قد يمنعونه من تحقيق طموحاته وأطماعه.

ص: 107

ويثبت جبهة التحرير الوطني على الساحة الدولية وخاصة في حظيرة الأمم المتحدة.

فبالنسبة للعلاقات المغاربية، لاحظت الدورة أنها أصبحت تشكو نوعاً من الفتور، خاصة بعد أن استرجعت كل من تونس والمغرب الأقصى استقلالها، وانتهت، بعد مناقشات واسعة وثرية، إلى أن قرار وادي الصومام في هذا الشأن، وهو تجسيد لما جاء في بيان أول نوفمبر، قد ظل حبراً على ورق نتيجة عدم وجود التجارب لدى الشقيقين المستقلين حديثاً.

لقد كان وادي الصومام قد دعا إلى تنسيق العمل السياسي وإنشاء لجنة للتنسيق تشارك فيها جميع الأحزاب الوطنية التونسية والمغربية إلى جانب جبهة التحرير الوطني وذلك من أجل إنشاء لجان شعبية تساند الثورة الجزائرية، وإيجاد سبل التضامن والتوحيد بين المنظمات الجماهيرية والنخبوية في الأقطار الثلاثة (1) لكن مشاغل المغرب الأقصى وتونس قد تغيرت وأصبح البلدان يعملان على توطيد سيادتهما في إطار الحدود التي وضعها الاستعمار. ومما لا شك فيه أن، انحرافاً عن البرنامج الأساسي الذي كان يدعو إلى استمرار الكفاح المسلح حتى يتمكن شمال إفريقيا بأكمله من استرجاع سيادته وطرد المغتصب من أراضيه (2).

أما عن دعم الصف الوطني فلا بد من الذكر بأن الفلاحين الجزائريين هم أول من تحمل عبئ الثورة وشكل عمودها الفقري، وذلك طبيعي عندما نعرف أن سكان الريف في الجزائر كانوا، قبل عام أربعة وخمسين وتسعمائة وألف، يمثلون أكثر من ثلثي الشعب، وعندما قرر مؤتمر وادي الصومام تكثيف العمل الفدائي في الحواضر (3) أصدر في ذات الوقت، توجيهات واضحة للاهتمام بتنظيم القوى الوطنية الحية، قصد تمكينها من الارتباط، عضوياً بجبهة التحرير الوطني وجعل المدن تقوم بدورها الحقيقي في معركة التحرير، وكانت فئات

(1) انظر وثيقة وادي الصومام المنشورة على أعمدة المجاهد، اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني، المجلد الأول، ص:72.

(2)

في هذا الموضوع ينبغي الرجوع إلى المؤتمر الرابع لطلاب شمال إفريقيا الذي انعقد بتونس سنة 1934 والذي تبنى عقيدة التوحيد إلى وضعها مفدي زكريا والتي جاء في بندها الأول: آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلةً وبمحمد نبياً ورسولاً وشمال إفريقيا وطناً واحداً لا يتجزأ- أما البند العاشر فيقول: وطننا شمال إفريقيا جزء لا يتجزأ من جسم الشرق العربي نفرح لفرحه ونتألم لآلامه ونتحرك لتحركه ونسكن لسكونه تربطنا به إلى الأبد روابط اللغة والعروبة والإسلام (انظر في هذا الموضوع كتابنا المثقفون الجزائريون والثورة، ص: 36 وما بعدها).

(3)

انظر الفصل الخامس.

ص: 108

العمل والتجار والطلبة في طليعة من حظي بعناية القيادة السياسية التي تمكنت، في وقت قصير جداً، من إبراز تنظيماتها الوطنية وتزويدها بالعناصر المناضلة القادرة على تنشيطها في جميع المجالات، وتوظيفها، عقلانياً، لخدمة الكفاح المسلح.

ففيما يخص العمال الجزائريين الذين كانوا ينشطون نقابياً في مختلف المنظمات الفرنسية (1).

فإن جبهة التحرير الوطني قد توصلت (2) بعد دراسات ومشاورات، إلى تقديم ملف قانوني كامل تم، بموجبه، إنشاء الاتحاد العام للعمال الجزائريين في اليوم الرابع والعشرين من شهر فيفري شباط سنة ست وخمسين وتسعمائة وألف وعينت أميناً عاماً له السيد عيسات إيدير (3) ثم رصدت له الميزانية اللازمة للإنطلاقة بالكيفية التي تمكن من مغالبة وإلغاء منافسيه: الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين (4) والاتحاد العام للنقابات الجزائرية (5).

وبالفعل، استطاع الاتحاد العام للعمال الجزائريين أن تقطع خطوات جبارة في مجالي التجنيد والعلاقات مع المنظمات المماثلة العاملة خاصة في البلدان الغربية، وبذلك أصبح قادراً على تعبئة الجماهير الشعبية لتلبية نداء جبهة التحرير الوطني كما كان الأمر بالنسبة لإضراب الأسبوع الذي سبقت الإشارة

(1) أهم هذه المنظمات كانت: CGT أو الكونفدرالية العامة للعمال التي كانت مرتبطة عضوياً بالحزب الشيوعي الفرنسي، ثم CFTC أو الكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين وكانت تابعة للحركة الجمهورية الشعبية، ثم OF أو القوة العمالية وكانت تابعة للفرع الفرنسي اللممية العمالية وهي التسمية القديمة للاشتراكي الفرنسي، ثم CFDT أو الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل.

(2)

حدثني الرئيس ابن خدة في الموضوع وقال لي أنه اشتغل في بيت النقابي بوعلام بوروبية ليلة كاملة مع عبان رمضان، عيسات إيدير لوضع القانون الأساسي للاتحاد وإعداد كل عناصر الملف القانونية.

(3)

كان عاملاً بالورشات الصناعية للطيران ثم موظفاً بصندوق المنح العائلية لقطاع البناء وفي نفس الوقت كان عضواً باللجنة المركزية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ومسؤولاً عن اللجنة العمالية التابعة للحزب. ألقي عليه القبض بأمر من ميتران نفسه يوم 5 نوفمبر وأطلق سراحه في ديسمبر 1954 ليلقي عليه القبض من جديد أثناء انعقاد مؤتمر وادي الصومام الذي عينه عضواً بلجنة التنسيق والتنفيذ. ولما وصل نبأ اعتقاله استبدل بالسيد ابن يوسف بن خدة. قامت السلطات الاستعمارية بإخراجه من المحتشد واغتالته سنة 1958.

(4)

هو التنظيم النقابي الذي أسسته الحركة الوطنية الجزائرية يوم 6 فيفري 956 والذي سوف لن يصمد أمام الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

(5)

لقد كان هذا الاتحاد تابعاً للحزب الشيوعي الجزائري وحل نفسه في نوفمبر 957 ثم دعا أعضاء الالتحاق بالاتحاد النقابي للعمال الجزائريين دون الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

ص: 109

إليه، وسهلت أمامه مهمة النفاذ إلى الأوساط النقابية الدولية التي لم تعد تخفي تعاطفها مع الثورة الجزائرية.

وبالتدريج، صار الاتحاد يضع الكفاح التحريري في مقدمة نشاطه ويعلن في جميع المناسبات أن أهدافه هي نفس أهداف جبهة التحرير الوطني وهي تتمثل في العمل بجميع الوسائل من أجل تقويض أركان الاستعمار حتى يتسنى للعمال الجزائريين أن يمارسوا الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية (1). غير أن وضع الكفاح التحريري في مقدمة الإنشغالات لم يصرف المركزية النقابية الجزائرية عن تأدية مهامها الأساسية في الدفاع عن حقوق العمال وحماية مصالحهم وفي التخطيط للمستقبل بواسطة تكوين الإطارات (2) إعداد الدراسات التقنية الكفيلة بترقية الاقتصاد الجزائري وتنميته بعد استرجاع السيادة الوطنية (3).

وأمام هذا النشاط المتزايد لجأت السلطات الاستعمارية إلى اعتقال آلاف المناضلين والإطارات النقابية قبل أن تعمد إلى إصدار قرار بحل الاتحاد رسمياً بحجة ارتباطه بحزب سياسي، وردت الأمانة العامة للاتحاد على هذا الإجراء التعسفي مؤكدة أن جبهة التحرير الوطني "ليست حزباً، ولكنها تجمع وطني يضم

كل القوى الحية في البلاد. وفي جبهة التحرير الوطني تنصهر كل النزاعات السياسية والاجتماعية في سبيل تحقيق التحرير السياسي والاقتصادي والاجتماعي" (4).

وبالإضافة إلى ذلك استشهدت باللائحة الخامسة والثلاثين الصادرة عن الندوة العالمية للشغل التي تنص على أن "الهدف الأساسي والدائم لكل حركة نقابية هو تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي لفائدة العمال، ولبلوغ ذلك، تستطيع النقابات، وفقاً للقوانين الجاري بها العمل، إقامة علاقات مع الأحزاب السياسية"(5).

وبالدخول إلى السرية، تضاعف نشاط الاتحاد العام للعمال الجزائريين في سبيل تجسيد برامج جبهة التحرير الوطني ولم تلبث صفوفه أن تعززت بانضمام

(1) المجاهد اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني، العدد 15، ص:257.

(2)

نذكر خاصة التربص الذي دام ثلاثة أشهر في بلجيكا والذي تضمنته الكونفدرالية العمالية للنقابات الحرة من 20 سبتمبر إلى 30 ديسمبر 1957 لفائدة نقابات شمال إفريقيا.

(3)

المجاهد، العدد 19 ص:358.

(4)

نفس المصدر، العدد 16:277.

(5)

نفس المصدر، العدد 28:268.

ص: 110

أغلبية أعضاء بفرنسا في اليوم الثالث عشر من شهر مارس سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وألف، وصرح أمينه العام المساعد قائلاً:"أن هذا القرار قد جاء نتيجة اقتناعنا بأنه "لا يمكن أن يوجد سوى تمثيل واحد للعمال الجزائريين" (1).

أما الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي تأسس في الفصل الأخير من السنة الأولى للثورة (2)، فإن نشاطه الفعلي لم يظهر إلاّ في مستهل السنة الثانية بعدما وقع اعتقال الطالبين الشهيدين: بلقاسم زدور وعمارة رشد.

فعلى إثر ذينك الاعتقالين اللذين وقعا في وقت واحد تقريباً (3) لكن في مدينتي وهران بالنسبة للأول والجزائر بالنسبة للثاني، أصدر الاتحاد منشوراً يندد فيه بأعمال القمع التي تمارسها السلطات الاستعمارية ويطالب بالمصالح الفرنسية المعينة باحترام للإجراءات القانونية خاصة فيما يتعلق بمدة الحبس الاحتياطي الذي لا ينبغي أن تفوق ثمان وأربعين ساعة بمحلات الشرطة، ويندد بعمليات التعذيب الجسماني التي يتعرض لها السجناء الجزائريون (4).

وكان المنشور كافياً ليثير رد فعل الغلاة من قادة الاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين وفي مقدمتهم السيد جاك لابورت الذي صرح بأن موقف الهيئات القيادية للطلبة المسلمين الجزائريين يعتبر فعلاً سياسي ومن ثم فهو عبارة عن ممارسة غير شرعية ومبادرة من شأنها تشجيع الخارجين عن القانون والمعتدين على العدالة الفرنسية.

لكن الاتحاد، منذ تأسيسه، لم يخف توجهاته الوطنية والتزامه بالعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني حتى أن رئيسه (5) صرح رسمياً قائلاً: "فإذا كان المقصود بالمتمردين والخارجين عن القانون هم أولئك الرجال الذين يطالبون بحريتهم وهم لا يطالبون بها مسلحين إلا لأن كل الأبواب الأخرى قد سدت أمامهم، ويكافحون في سبيل كرامتهم وحقهم في الوجود

(1) نفس المصدر، العدد 21: 403 وعليها تصريح مطول للأمين العام المساعد السيد: ابن غازي الشيخ.

(2)

انعقد المؤتمر التأسيسي بباريس في الفترة ما بين 8 و 14 جويلية سنة 1955.

(3)

تم اعتقال زدور في وهران يوم 6/ 12/1955، بينما اعتقل عمارة رشيد في الجزائر العاصمة يوم 7/ 12/1955.

(4)

صدر المنشور ووزع على وسائل الإعلام بتاريخ 15/ 12/1955.

(5)

كان في ذلك الوقت هو السيد أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي الذي أصبح في الثمانينات وزير خارجية الجزائر.

ص: 111

وخارجون عن القانون" (1).

وفي شهر أفريل سنة ست وخمسين وتسعمائة وألف عقد الاتحاد مؤتمره الثاني في باريس واعتمد نداء الفاتح من نوفمبر لصياغة وثائقه النهائية، وقد جاء في لائحته السياسية:"أن كفاح الشعب الجزائري لا يمكن أن ينتهي بغير استرجاع السيادة الوطنية، وعليه فإن الطلبة المسلمين الجزائريين يلحون على المطالبة بالتفاوض مع جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد والشرعي للشعب الجزائري"(2).

وفي أثناء دورته الأولى المنعقدة بالقاهرة، درس المجلس الوطني للثورة الجزائرية مسألة الإضراب اللامحدود، ولما أجمع الأعضاء على أنه أدى المهمة المنتظرة منه، فإنهم قرروا آمر اللجنة المديرة للاتحاد بأن تضع له حداً لمهمة افتتاح السنة الدراسية 57/ 58 (3)، وقد تم ذلك بالفعل على إثر الاجتماع الذي عقد بباريس في اليوم الرابع عشر من شهر أكتوبر سنة سبع وخمسين وتسعمائة وألف.

ثم جاءت الخطوة الحاسمة في نهاية نفس السنة إذ عقد الاتحاد مؤتمره الثالث بضواحي باريس في الفترة ما بين الثالث والعشرين والثامن والعشرين من شهر ديسمبر، وصادق بالإجماع على اللائحات السياسية العامة التي لفت فيها انتباه الرأي العام الفرنسي والعالمي إلى ضرورة الضغط على الحكومة الفرنسية كي تحترم مبدأ الحق الطبيعي للشعوب في الاستقلال، وبالإضافة إلى ذلك أكد ما جاء في مقررات المؤتمر الثاني المشار إليها أعلاه (4).

وتجدر الاشارة، هنا، إلى أن المؤتمر نجح نجاحاً باهراً إذ حضر جلسته الختامية مندوبو اتحادات طلابية غفيرة إلى جانب ممثلي الاتحاد العالمي للطلبة والاتحاد العام لطلبة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تدخل هذان الأخيران بكلمتين قويتين كلفتهما الاستنطاق والطرد من التراب الفرنسي (5). وبعد شهر

(1) وقع التصريح يوم 20 جانفي 1956 بمناسبة إعلان قيادة الاتحاد عن تنظيم أسبوعين للتضامن مع المعتقلين على أن يكون اليوم الأول وهو يوم الإعلان عن القرار يوم توقف عن الدروس وعن الطعام.

(2)

المجاهد، العدد 18 ص:333.

(3)

المجاهد، العدد 11: ص160.

(4)

المجاهد، العدد 18: ص333.

(5)

أما السيد تنكه (Tanaka) مندوب الاتحاد العالمي للطلبة فإنه احتجز لمدة ساعات في مكاتب الاستعلامات الفرنسية، وأما السيد كليم مور (Cliem Moore) المندوب الدائم في أوربا للاتحاد

ص: 112

واحد من انتهاء أشغال المؤتمر ونشر نتائجها، أصدرت الحكومة الفرنسية قراراً يحمل تاريخ الثامن والعشرين من شهر جانفي سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وألف ويقضي بحل الاتحاد بحجة انتمائه لجبهة التحرير الوطني، وبذلك دخل التنظيم الطلابي الجزائري مرحلة السرية إلى جانب باقي المنظمات الجماهيرية العاملة في صفوف الثورة، ويستعمل جميع الوسائل لتجسيد أيديولوجيتها على أرض الواقع.

وإذا كان التنظيمان العمالي والطلابي قد وقعت هيكلتها قبل مؤتمر وادي الصومام، فإن الاتحاد العام للتجار الجزائريين لم يتأسس إلا بعد أن رجعت لجنة التنسيق والتنفيذ إلى العاصمة. وقد انعقد مؤتمر الأول يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر سبتمبر سنة ست وخمسين وتسعمائة وألف، وقام بدور أساسي في إنجاح إضراب الأسبوع المسطور أعلاه.

قبل ذلك، وبأمر من قيادة الثورة، أعلن الاتحاد عن إضراب تجريبي بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق الكفاح المسلح، ولقد استجاب التجار الجزائريون بالإجماع للإعلان المذكور مما جعل السلطات الاستعمارية ترد بعنف كبير فتأمر بإغلاق المتاجر (1) ولمدد تتراوح ما بين شهر وشهرين وتلقي القبض على عشرة من القيادة المنتخبة حديثاً (2) وتزج بهم في محتشد البرواقية (3) وفي نهاية شهر نوفمبر من نفس السنة شارك الاتحاد، بمدينة طرابلس، في أشغال المؤتمر السادس لغرف التجارة والصناعة والفلاحة عن البلدان العربية (4) وقدم بالمناسبة، عرضاً وافياً عن الإمكانيات الاقتصادية التي تتوفر عليها الجزائر، ومنذ ذلك التاريخ دخل السرية هو أيضاً وراح يعمل بكل ما في وسعه على تعبئة عالم التجارة إلى جانب الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني.

العام لطلبة الأمريكية فإنه طرد من التراب الفرنسي بسبب كلمته التي جاء فيها: "إن الحرية لا تتجزأ، وإن الطلبة الأمريكان قد فهموا حقيقة الاستعمار الفرنسي. وكما انهزم العذريون في مدينة ليتل روك، فإن المستعمرين الفرنسيين مضطرون للاعتراف باستقلال الجزائر". علماً بأن ليتل روك هي عاصمة الأركانزاس التي عرفت في تلك السنة أحداثاً خطيرة نتيجة المعارضة السياسية الاندماجية.

(1)

المجاهد، العدد11، ص158.

(2)

في مقدمة المعتقلين كان رئيس الاتحاد السيد عباس التركي.

(3)

مدينة تقع بولاية المدينة على بعد حوالي 100 كلم جنوب العاصمة في طريق الجلفة والأغواط.

(4)

وقع تأسيس هذه الهيئات العربية في بيروت سنة 1952، وكان من أهدافها المستعجلة إنشاء سوق عربية مشتركة لمواجهة ما قد يترتب عن إنشاء السوق الأوربية المشتركة.

ص: 113

ولم يكتف المغرب الأقصى وتونس بالتوقف عن الكفاح وقبول الحل الفرنسي تاركين جبهة التحرير الوطني وحدها في الميدان، بل إن السلطات الرسمية، في كل من البلدان قد أصبحت، خوفاً من فرنسا، تشد الخناق على الثورة الجزائرية فتعترض سبيل الإمدادات الواردة إليها من مختلف أنحاء العالم وتحاول، بشتى الوسائل، التدخل في شؤون جيش التحرير الوطني المقيم على حدودها، وفي كثير من الأحيان تتحول تلك المحاولات إلى معارك دامية بين الأشقاء.

من هذا المنطلق قررت الدورة تكثيف الاتصال بسلطات البلدان وحددت لذلك مجموعة من الأهداف تندرج كلها في إطار التوجه الوحدوي كما جاء التنصيص عليه في بيان الفاتح من نوفمبر (1)، وفي مقدمة هذه الأهداف يأتي ما يلي:

1 -

فتح مفاوضات عسكرية لتسوية أوضاع الأسرى من جميع الأطراف ثم التعرض لنقاط الخلاف والعمل على إزالتها. وفي هذا السياق وقعت في تونس لقاءات متعددة بين ممثلين عن جبهة التحرير الوطني وممثلين عن الجيش التونسي ولقاءات أخرى مماثلة في المغرب الأقصى.

وعلى الرغم من أن تلك اللقاءات قد ساعدت على تلطيف الأجواء وحل بعض المشاكل الثانوية إلا أن التحفظات ظلت قائمة ولم تتمكن الأطراف المتفاوضة من تجاوز عقد الإقليمية التي غرستها فيهم سلطات الاستعمار، ولم تتوقف القوات التونسية والقوات المغربية، كل واحدة على حدودها، عن مهاجمة مراكز جيش التحرير الوطني الجزائري وحجز كميات كبيرة من الأسلحة الموجهة إليه عن طريق البحر، ولم تنج حتى المؤن والأغطية والملابس والأدوية المخصصة للاجئين.

2 -

العمل على إعادة إحياء الاتفاق المبرم بتاريخ الواحد والعشرين من شهر جانفي سنة ست وخمسين وتسعمائة وألف بين جيش تحرير المغرب وجيش التحرير الوطني الجزائري والذي مفاده أن الطرفين لن يتوقفا عن الكفاح المسلح حتى يسترجع المغرب العربي كله

(1) انظر الملحق رقم 8.

ص: 114

استقلاله التام. ويؤكد الاتفاق أن قضية شمال إفريقيا قضية شعب واحد "غلب على أمره على يد مستعمر واحد في ظروف واحدة ولو اختلف التاريخ"(1).

3 -

العمل بجميع الوسائل على تحميس الشعب العربي في كل من تونس والمغرب الأقصى حتى يستمر في ضغطه على السلطات الرسمية من أجل إبقائها ملتزمة بمساندة الكفاح المسلح في الجزائر وعدم الرضوخ للتهديدات الصادرة عن الحكومة الفرنسية.

4 -

العمل على إقناع الطرفين المغربي والتونسي بسلامة موقف جبهة التحرير الوطني الذي يطرح الاعتراف بالاستقلال شرطاً مسبقاً للدخول في أي تفاوض مع السلطات الاستعمارية.

5 -

تشجيع المغرب وتونس على مواصلة العمل، الدولي من أجل بلورة الحل المغاربي للقضية الجزائرية وذلك في إطار التوصية التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/ 12/1957 (2).

أما بالنسبة للعلاقات الخارجية، وفي إطار تدويل القضية الجزائرية كما جاء ذلك في بيان الفاتح من نوفمبر، لاحظت الدورة الأولى للمجلس الوطني أن فرنسا لم تغير سياستها التي تجعل الجزائر مجموعة من العملات الفرنسية لا يحق لأي تنظيم خارجي، بما في ذلك الأمم المتحدة، أن تتدخل في شؤونها.

وعلى الرغم من المناورات الديبلوماسية الهادفة إلى تخدير الرأي العام العالمي بواسطة إبداء الاستعدادات الوهمية للتفاوض مع ممثلي جبهة التحرير الوطني (3)، فإن الحكومة الفرنسية لم تقطع أية خطوة من شأنها التدليل على نيتها في التوصل إلى حل يأخذ في الاعتبار طموحات الشعب الجزائري في استرجاع

(1) حربي، جبهة التحرير الوطني، ص212

(2)

كانت بالإجماع المصادقة وتغيب فرنسا وجنوب إفريقيا عن التصويت وجاء في هذه اللائحة: أن الأمم المتحدة تسجل بارتياح الوساطة التونسية المغربية وتدعو إلى مفاوضات مباشرة.

(3)

بدأت الاتصالات بين جبهة التحرير الوطني وحكومة في مولي ببلغراد عاصمة يوغسلافيا في نهاية شهر جويلية سنة 1956 ثم استمرت بروما في شهر سبتمبر من نفس السنة. وقد كان يمثل جبهة التحرير الوطني في كل هذه اللقاءات وإلى غاية يوم 5 سبتمبر: السيد محمد خيضر مرفوقاً بالسيدين محمد يزيد وكيوان. أما الجانب الفرنسي فكان يمثله السيدان: بيار كومين وبيار هاربو وكلاهما أمين عام مساعد للفرع الفرنسي للدولة العمالية التي كان مولي نفسه هو أمينها العام. وأما آخر لقاء بين الطرفين فقد كان في بلغراد بتاريخ 22/ 9/1956 وكان رئيس وفد جبهة التحرير الوطني هو الدكتور محمد الأمين دباغين وفي جويلية سنة 1957 استؤنفت هذه الاتصالات عن طريق الآنسة جرمان تبون رئيسة دوان السيد جاك ستيل.

ص: 115