المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحزب والمنظمات الجماهيرية: - تاريخ الجزائر المعاصر - جـ ٢

[الزبيري، محمد العربي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثانيبناء المجتمع الجزائري الجديد وتطويره

- ‌الفصل الأولالخطوات الأولى في التطبيق الميداني لأهداف الثورة

- ‌التوجهات الأساسية:

- ‌ التوجه السياسي:

- ‌ التوجه الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌ التوجه الحضاري:

- ‌ موقف الحكومة الفرنسية من الثورة وتطورها:

- ‌ مواجهة الصعوبات الأولى:

- ‌ هجومات العشرين من أغسطس1955

- ‌الفصل الثانيالمجتمع الجزائري الجديدوكيفية تنظيمه

- ‌أ - في مجال السياسة الداخلية:

- ‌ هيئات قيادة الثورة:

- ‌ أولوية السياسي على العسكري:

- ‌ب - في المجال العسكري:

- ‌ج - في مجال الثقافة والاقتصاد:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الفصل الثالثالتطبيق العملي لأهداف جبهة التحرير الوطنيبعد مؤتمر وادي الصومام

- ‌تقييم أخر لنتائج وادي الصومام:

- ‌الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة الجزائرية:

- ‌من حرب العصابات إلى حرب الواقع:

- ‌التخطيط للعمل السياسي:

- ‌ في اتجاه الأمم المتحدة:

- ‌ في اتجاه المنظمة الأفرو آسيوية:

- ‌ في اتجاه الحلف الأطلسي:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الثالثالتحولات الفكرية الكبرى

- ‌الفصل الأولالإثراء الثالث لنصوص جبهةالتحرير الوطني

- ‌ الضباط الجزائريون القادمون منالجيش الاستعماري

- ‌مناورات الجنرال ديغول وحق الشعب الجزائريفي تقرير المصير:

- ‌دوافع رضوخ ديغول للتفاوض مع G.P.R.A

- ‌المجلس الوطني للثورة الجزائرية في دورته الثانية:

- ‌الفصل الثانيمن ثورة التحرير إلى الثورةالديمقراطية الشعبية

- ‌الفعل ورد الفعل قبل التفاوض:

- ‌الثورة الجزائرية في مرحلتها الثالثة:

- ‌المفاوضات ووقف إطلاق النار:

- ‌الحزب والمنظمات الجماهيرية:

- ‌الفصل الثالثأوضاع الجزائر غداة استرجاعالسيادة الوطنية

- ‌المنافذ الاستعمارية:

- ‌التسابق إلى السلطة:

- ‌مواجهة الأوضاع الموروثة عن الاستعمار:

- ‌الانزلاق نحو الحكم الفردي:

- ‌قراءة فاحصة لميثاق الجزائر:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌الحزب والمنظمات الجماهيرية:

أنغولا وجنوب أفريقيا وشرق أفريقيا.

4 -

النضال من أجل التعاون الدولي باعتباره أمراً ضرورياً لتوظيف كافة المصادر المادية والبشرية من أجل التقدم وتحقيق السلام في العالم، وبهذا الصدد يرى برنامج طرابلس أن "دعم الروابط مع بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتطوير المبادلات في كل الميادين مع البلدان الاشتراكية وإقامة علاقات مع كل الدول على أساس المساواة والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية والعمل المشترك مع القوى الديمقراطية في فرنسا خاصة سيؤهل الجزائر للقيام بمسوؤليتها على الصعيد الدولي ويجعلها قادرة على الإسهام بصفة إيجابية في مقاومة السباق نحو التسلح والتجارب النووية وفي العمل على تصفية الأحلاف العسكرية والقواعد الأجنبية"(1).

‌الحزب والمنظمات الجماهيرية:

وبعد تحديد المهام الأساسية للثورة الديمقراطية الشعبية وضبط محاوره الكبرى وحصر أساليب إنجازها، انتقل المؤتمرون إلى أداة التخطيط والتوجيه والمراقبة. وإذا كان الجميع متفقاً على أن هذه الأداة لايمكن إلا أن تكون هي جبهة التحرير الوطني (2) التي قادت الكفاح المسلح وحققت جميع الانتصارات التي قادت إلى اتفاقيات إيفيان، فإن الخلافات قد بدت واضحة عندما تعلق الأمر بتعريفها كتنظيم سياسي تسند إليه هذه المهمة الجديدة.

فحسب النصوص الأساسية السابقة لوقف إطلاق النار، فإن جبهة التحرير الوطني "مرشد الشعب ومحرك الثورة، وهي المنظمة التي تقوم بالكفاح المسلح من أجل محو النظام الاستعماري وبعث الدولة الجزائرية ذات السيادة وإقامة جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، أو لاتكون مؤسساتها متناقضة مع المبادئ الإسلامية (3).

(1) النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني، ص90.

(2)

لقد رجع المؤتمرون حول هذا الموضع إلى الوثيقة التي صادق عليها المجلس الوطني في دورته المنعقدة بطرابلس في الفترة مابين 16/ 12/1959 و 13/ 01/1960 والتي جاء في مادتها الرابعة: "بعد استقلال البلاد، فإن جبهة التحرير الوطني ستواصل مهمتها التاريخية كفائدة ومنظم للأمة الجزائرية من أجل الديمقراطية الحقة وتحقيق الازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

(3)

انظر نفس المصدر وكذلك نداء أول نوفمبر.

ص: 189

إن جبهة التحرير الوطني، في ميثاق وادي الصومام، هي الهيئة الوحيدة التي تمثل الشعب الجزائري والمؤهلة للتفاوض باسمه ولإقرار وقف القتال (1)، ولذلك فهي تنظيم ثوري وحركة جهادية مفتوحة لجميع الجزائريين الذين يتبنون برنامجها ويبدون، عملياً، استعدادهم للتضحية القصوى من أجل تجسيده على أرض الواقع.

ولقد كان برنامج جبهة التحرير الوطني، في بداية الأمر، بسيطاً وواضحاً إذ يتمثل في ممارسة الكفاح المسلح والعمل السياسي، بهدف استرجاع السيادة الوطنية وإقامة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. وهذه البساطة وهذا الوضوح جعلا أغلبية الشعب الجزائري تتعاطف مع الثورة وتزودها بما تحتاج إليه من إمكانيات بشرية ومادية.

وبعد حوالي عام من انطلاق الرصاصة أعلنت أهم التشكيلات السياسية الوطنية عن حل نفسها وأمرت مريديها ومناضليها بالانضمام فرادى إلى صفوف جبهة التحرير الوطني التي تحولت، نتيجة لذلك، إلى حركة جماهيرية ترفع لواء الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الوطن.

لكن السنوات الأخيرة من الكفاح المسلح عرفت تطوراً غير معهود ولا منتظر خارج حدود الجزائر، إذ تجمع عدد من المثقفين المعروفين بنزعتهم اليسارية في إطار أسرة تحرير اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني وراحوا يفلسفون الثورة انطلاقاً من مشاربهم الماركسية والغربية غير آبهين بواقع الشعب العربي المسلم الذي يخوض المعركة الحقيقية في داخل الوطن. وبينما كان جيش التحرير الوطني في مختلف الولايات يمارس الجهاد ويطبق الشريعة الإسلامية حسب المستطاع، كان أولئك المثقفون يكتبون على الورق أن الثورة الجزائرية لا يمكن إلا

أن تكون اشتراكية، وأنها ديمقراطية شعبية، وأن جبهة التحرير الوطني منظمة لائكية إلى غير ذلك من الانحرافات التي ستكون بعد سنة اثنتين وستين وتسعمائة وألف، سبباً رئيسياً في تشتيت الصف وحرمان الثورة من العديد من طاقتها الحية.

وأثناء صياغة برنامج طرابلس اختلف أولئك المثقفون فيما بينهم حول مستقبل جبهة التحرير الوطني كتنظيم. فهناك من نادى بها منظمة جاهرية

(1) النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني، ص ك 22 وما بعدها.

ص: 190

تتشكل صفوفها من الفلاحين والعمال والطلبة والشباب والمثقفين الثوريين (1)، وهناك من دعا إلى جعلها حزباً طلائعياً يضم في صفوفه فقط العناصر الواعية والمؤمنة بمهام الثورة الديمقراطية الشعبية ومحاورها الكبرى وأساليب إنجازها ونظراً إلى أن الوقت لم يكن كافياً للفصل في الموضوع، ولأن المسؤولين الذين بيدهم سلطة القرار كانوا مشغولين بمسألة تشكيل المكتب السياسي، وحيث أن مجموعة العمل رغم يسارية أعضائها لم تكن قادرة على تجاوز خلافاتها المذهبية (2)، فإن التعريف الذي تضمنه برنامج طرابلس قد جاء غامضاً وغير من مضمونه الإيديولوجي.

هكذا، وبدون سابق إنذار، أضيف إلى الوثيقة الأساسية المقدمة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية ملحق بعنوان: الحزب. وكأنما للإجابة على تساؤلات القارئ الخالي الذهن استهل الملحق المذكور بما يلي: "لتحقيق أهداف ثورة ديمقراطية شعبية لابد من حزب جماهيري واع"(3).

إن الحزبية في ذلك الوقت تتناقض جوهرياً مع حقيقة جبهة التحرير الوطني التي تأسست على أنقاض الأحزاب التي برهنت على فشلها في قيادة الشعب نحو توحيد واسترجاع الاستقلال الوطني، ولقد كان أعضاء المجموعة يعرفون ذلك ويعرفون، أيضاً أن الحزب الشيوعي هو من بين التشكيلات السياسية التي كانت تنشط في الجزائر قبل الفاتح من نوفمبر عام أربعة وخمسين وتسعمائة وألف، وهو التشكيلة الوحيدة التي رفضت حل نفسها وظلت تنافس جبهة التحرير الوطني وتتحداها إلى غاية وقف إطلاق النار، وعليه فإن اعتبار جبهة التحرير الوطني حزباً يقلل كثيراً من أخطاء القيادة الشيوعية ويفتح لها الأبواب واسعة للعودة إلى العمل كتنظيم مستقل بعد الاستفتاء والإعلان عن بعث الدولة الجزائرية من جديد.

وزيادة في الإبهام، جاء في الملحق أن "حزب جبهة التحرير الوطني ولد في خضم المعركة وهو ليس تجمعاً، لكنه تنظيم يضم كل الجزائريين الواعيين

(1) مازالت جبهة التحرير الوطني محافظة على التعريف إلى غاية اليوم ورغم كل ماوقع من أحداث وتغيير.

(2)

بعض أعضاء المجموعة مثل السيد محمد حربي، كانو تروسكيين، بينما كان بعضهم الآخر مثل مصطفى الأشرف ورضا مالك ومحمد بن يحيى ماركسيين ومتأثرين بقرانتز فانون، والوحيد الذي كان متشبعاً بأيديولوجيا الحركة الوطنية فهو عبد المالك تمام الذي لم يطلق سراحه إلا بعد وقف إطلاق النار.

(3)

النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني، ص93.

ص: 191

الذين يناضلون لصالح الثورة الديمقراطية الشعبية" (1). وإذ هو يشتمل على طليعة القوى الثورية في البلاد، فإنه مطالب بأن يبعد من صفوفه كل تواجد أيديولوجي مخالف معنى ذلك أن المناضلين المسلحين وغير المسلحين الذين يظلون أوفياء لأيديولوجية الحركة الوطنية التي هي في أساس أيديولوجية جبهة التحرير الوطني يقصون من الصوف ويستبدلونك بآخرين يكونون متشبعين بالأيديولوجية الماركسية.

من هذا المنطلق نؤكد أن إعداد الملحق بهذه الصيغة كان مقصوداً من أجل دفع الثورة في طريق الانحراف بواسطة عزل القواعد النضالية والمنظمات الجماهيرية عن أيديولوجية الحزب وبالفعل، فإن الملحق يذكر أن التركيبة الاجتماعية للحزب تتكون من الفلاحين والعمال والشباب والمثقفين الثوريين، وأن الأغلبية الساحقة لهذه التركيبة من الأمنيين الذين ليس من السهل جعلهم يفهمون حقيقة الثورة الديمقراطية الشعبية كما هو محددة في الوثيقة المصادق عليها وعندما يتعذر عليهم الفهم كيف يمكن أن تطالبهم بالالتزام وبالعمل الميداني على تجسيد مشروع المجتمع الجديد.

ولأن مجموعة العمل كانت تعرف كل ذلك، فإنها لجأت إلى خلط الأوراق وتأجيل التوضيح الأيديولوجي إلى ما بعد الدخول إلى أرض الوطن للتمكن من الاستحواذ على المرافق الأساسية في الحزب وخاصة منها مرافق التكوين والثقافة والإعلام.

وعلى الرغم من الغموض المقصود والتذبذب الناتج عن ذلك، فإن الملحق قد ضبط المبادئ الميسرة للحزب وفي مقدمتها المركزية الديمقراطية وانتخاب المسؤولين على جميع المستويات وتنظيم الاجتماعات دورياً وبانتظام والإكثار من اللقاءات بين القاعدة والقمة حتى يسهل فتح القنوات في اتجاه الجماهيرية الشعبية بعد ذلك حدد العلاقة بين الغرب والدولة وهي نقل يكاد يكون حرفياً عما كان موجوداً في الاتحاد السوفياتي.

أما عن المنظمات الجماهيرية، فإنها تعبر عن تنوع احتياجات الوطن وهي تتكفل بتنظيم الشباب والطلبة والنساء والعمال وتدافع عن مصالحهم الخاصة، وفي نفس الوقت تضمن مشاركتهم الفعلية في إنجاز مهام الثورة. ومهمة الحزب في هذا المجال تنحصر في المساعدة على إنشاء هذه المنظمات وتنشيطها في إطار برنامجه الشامل. ومما لاشك فيه أن نجاح هذه المهمة يتوقف نجاح تعبئة

(1) نفس المصدر.

ص: 192

الجماهير الشعبية التي هي شرط لابد منه لجعل الجزائر قوية وعصرية.

وفيما يخص القانون الأساسي للحزب، فإن المجلس الوطني للثورة الجزائرية قد تبنى الوثيقة التي صادق عليها في دورته المنعقدة بطرابلس في الفترة مابين السادس عشر من شهر ديسمبر سنة تسع وخمسين وتسعمائة وألف والثامن عشر من شهر جانفي سنة ستين وتسعمائة وألف. وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة كانت خاصة بجبهة التحرير الوطني وليس بحزب جبهة التحرير الوطني. ولكن يبدو أن ضيق الوقت هو الذي جعل المجموعة تكتفي بنقلها كماهي على القيام بالتغيير اللازم في المستقبل وسوف يكون ذلك المستقبل هو المؤتمر الأول للحزب في شهر أبريل سنة أربع وستين وتسعمائة وألف.

••••

ص: 193