الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرحات عباس أن هذا الشعور بالتعالي الذي كان يحرك بلقاسم كريم قد قوبل بآخر لا يختلف عنه من طرف العقيدين بو الصوف وابن طوبال اللذين" لم يترددا في التذكر بأنهما شاركا في إجتماع الإثنين والعشرين عندما كان كريم ما يزال متعلقاً باهداب مصالي" وخوفاً من أن يشتد الصراع ويتحول إلى مالا يحمد عقباه يتحمل رئيس الحكومة. (1) مسؤولياته ووجه إستدعاء إلى مجلس الولايات للإجتماع من أجل الحلول اللازمة للمشاكل التي تراكمت ولكي تضع حداً للنزاعات الشخصية القائمة ليس بين الباءات الثلاثة فقط ولكن بينهم فرادى ومجتمعين وبين عدد آخر من الأعضاء الأساسين في القيادة (2).
وعندما ألقى الرئيس خطابه التاريخي في اليوم السادس عشر من شهر سبتمبر، كان بعض قادة الولايات قد وصلوا إلى تونس التي حددت كمرحلة أولى قبل الذهاب إلى طرابلس (3) ولم يكن بالإمكان تنقل مجالس الولايات لأسباب أمنية وعملية، ولذلك تم الإتفاق على أن تسند المهمة المحددة من طرف رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى خمس عقداء الولايات بالإضافة إلى العقيدين المسؤولين عن قيادة الأركان والباءات الثلاث. (4)
المجلس الوطني للثورة الجزائرية في دورته الثانية:
كان الإجتماع ماراتونيا ومطبوعاً بكثير من الحدة والصراحة (5)، أثيرت أثناءه جميع القضايا الأساسية مثل تمرير الأسلحة والذخيرة عبر خطي موريس
1957. مصطفى بن بولعيد نتيجة إنفجار راديو ملغم يوم 27 مارس 1975، فلم يبق سوى كريم بلقاسم طليقاً وعلى قيد الحياة.
(1)
تشريح حرب، ص:269.
(2)
تجدر الإشارة هنا إلى خاصة الصراع الحاد بين كريم بلقاسم ومحمود شريف الذي أتهم وزير الحرب بالعجز والتقصير وبأنه السبب في كل المشاكل التي تعرفها الثورة في الخارج وفي الداخل.
(3)
من بين هؤلاء القادة: العقيد لطفي قائد الولاية الخامسة والعقيد لعبيدي لخضر المدعو الحاج لخضر، قائد الولاية الأولى والعقيد علي كافي قائد الولاية الثانية.
(4)
أما مسؤولا قيادة الأركان فهما: العقيد هواري بومدين والعقيد محمدي السعيد، وأما قادة الولايات فهم العقيد علي كافي عن الثانية والعقيد الحاج لخضر عن الأولى والعقيد لطفي عن الخامسة، وعين لتمثيل الرابعة العقيد دهيلس سليمان. ولتمثيل الثالة الرائد يازورن لأن قائدي الولايتين لم يتمكنا من الخروج.
(5)
المجاهد، العدد 59 الصادر بتاريخ 05/ 02/1960 ص635 وما بعدها، حيث يقرأ أن الإجتماع إنعقد في طرابلس ودام من يوم 16/ 12/1959 ص إلى يوم 18/ 01/ 1960 من الخروج.
وشال وضرورة دخول جيش الحدود وقيادته لتعزيز الولايات وكذلك رجوع القيادة العليا
للثورة إلى أرض الوطن كما تقتضي ذلك المبادئ التنظيمية المنصوص عليها في وثيقة وادي الصومام. وعلى الرغم من أن أعضاء الحكومة كلهم في المجلس الوطني للثورة الجزائرية إلا أنه لم يسمح لهم بحضور الإجتماع الذي أعتبر عسكرياً بحتاً. ويذكر السيد فرحات عباس أن العقيد لطفي لم يرض، في بداية الأمر، حتى بمشاركة من يسمون بالباءات الثلاث (1) نظراً لكونهم طرف في النزاعات القائمة ولكونهم أعضاء في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وبعد كثير من الأخذ والرد وتدخل العديد من الأوساط (2) لإصلاح ذات البين ولتقريب وجهات النظر، وبعد توقف الاجتماع مرات متعددة، توصل المجتمعون إلى الإتفاق على تركيبة جديدة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية وحددوا له اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر كبداية لأعماله في طرابلس.
أستمع المجلس الوطني للثورة الجزائرية إلى البيانات المتعلقة بنشاط الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ثم انصرف إلى بحث عميق ومستفيض للوضعية العسكرية، وأتخذ مجموعة من القرارات الرامية إلى جعل الأجهزة النظامية للثورة تتلاءم مع الأوضاع الجديدة كما أجري تعديلاً خفيفاً على تركيبة الحكومة وأوصى بتكوين لجنة وزارية، داخلها، تكون مسؤولة عن شؤون الحرب وتشرف مباشرة على هيئات الأركان (3).
ولئن كانت أشغال المجلس قد مكنت من التغلب على كل المشاكل الداخلية واتسمت بالحكمة التي ساعدت على تجاوز الحساسيات الشخصية وتحقيق المصالح بين سائر النزعات وإقناع السيد كريم على التخلي، بمحض إرادته،
(1) لقد قال لهم العقيد لطفي في أول إجتماع: إننا سننظر في مشاكل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وسنقيّم أعمالها وأنتم أعضاء في الهيئات: فكيف سيكون موقفكم وإذا وافقنا على مشاركتكم ألا يكون من العدل أن نسمح بذلك لباقي أعضاء الحكومة، وقد تسببت هذه الملاحظة المعقولة والمنطقية في إغضاب السيد كريم الذي كان يعتقد أنه الزعيم بلا منازع، وكاد اللقاء أن يتحول إلى أزمة أخرى لولا تدخل العديد من الضباط السامين لجيش التحرير الوطني ولولا ما كان للعقيد بو الصوف من سلطة أدبية على العقيد لطفي.
(2)
أهمهم كان هو السيد ابن يوسف بن خدة الذي كان بعيداً عن كل الشبهات في ذلك الحين نظراً لثباته على المبدأ واستمراره في المطالب بدخول الحكومة إلى أرض الوطن.
(3)
يذكر السيد عباس فرحات أن تاريخ انعقاد المجلس هو 13 ديسمبر ((انظر تشريح ص: 279)) لكن ذلك خطأ لأن محاضر جلسات الدورة تحمل تاريخ 16 ديسمبر 1959.
عن مشروعه الخاص بقيادة الثورة (1)، فإن كل ذلك يبقى بسيطاً بالمقارنة مع الأهمية البالغة التي يكتسبها النصان الأساسيان اللذان تمت المصادقة عليهما بالإجماع واللذان يعتبران مكسباً إيديولوجياً جديداً (2) لقد وضع مشروع الوثيقتين من قبل لجنة ترأسها السيد ابن يوسف بن خده اشتغلت مدة أسبوعين بعضوية السادة عمر أو صديق (3) وفرانتز فانون (أو عمر فانون كما كان يسمى نفسه) ومحمد الصديق بن يحيى وعبد الرزاق شنتوف، منطلقة من بيان أول نوفمبر ووثيقة وادي الصومام وموظفة التجربة الواسعة المكتسبة خلال خمس سنوات من ممارسة الكفاح المسلح والنضال السياسي والنشاط الديبلوماسي. (4)
أما الوثيقة الأولى فتتعلق بمؤسسات الدولة الجزائرية أثناء فترة الكفاح المسلح وبعد استرجاع السيادة الوطنية، ولمن يقرأ بتمعن، فإنه لا يجد مفراً من التوقف عند مجموعة من الملاحظات يمكن حصر أهمها بالأتي:
1 -
إن تراجعاً جوهرياً قد وقع بالنسبة لمفهوم الدولة الجزائرية التي تتعهد جبهة التحرير الوطني بإقامتها بعد وقف إطلاق النار واسترجاع الإستقلال الوطني للثورة الجزائرية قد صادق، من خلال الوثيقة المذكورة، على أن تكون الدولة الجزائرية ديمقراطية وإجتماعية وأن لا تكون مؤسساتها متناقضة مع المبادئ الإسلامية، أما بيان الفاتح من نوفمبر فيذكر بصريح العبارة إن إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الإجتماعية ستكون "ضمن إطار المبادئ الإسلامية".
من الواضح أن التعبيرين متناقضان ولا يمكن إيعاز ذلك إلى مجرد خطأ في الصياغة، عندما نعرف أن المجموعة التي أشرفت على التحرير مكونة، رغم قلة عددها، من أفضل ما في صفوف جبهة
(1) مقابلة أجريتها مع عبد الحفيظ بو الصوف، في بيته 1978، 02، 23. وما زال موضوعها مركوناً ينتظر النشر، وحسب السيد بو الصوف وهو ثقة في الموضوع، فإن المشروع المذكور يتخلص في إستبدال الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بقيادة ثلاثة يرأسها هو بإعتباره أقدم الباءات مسؤولية.
(2)
أنظر نص الوثيقتين في الملحق رقم 10.
(3)
كان أو صديق سنة 1949 قد طرد من حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية بسبب بربريته وتشيعه، الأمر الذي جعله ينضم إلى قيادة الحرب الشيوعي الجزائري، وبعد إندلاع الثورة إلتحق بالولاية الرابعة وقد كان مجلس الولاية بعد محاكمته عندما عين كاتب دولة في حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية (أنظر لمزيد من التفاصيل حول المسألة البربرية.
(4)
Les origines du ler novembre 1954 Editions Dahlefeb، Alger 1989، P169 et suivante. (Ben Youcef) Ben Khedda.
التحرير الوطني من فرسان القلم المسلم لها، في ذلك الوقت، بالقدرة الفائقة على ممارسة الكتابة باللغة الفرنسية، والمعروفين بكونهم الدماغ المفكر والمسؤول عملياً عن إعلام الثورة. وإذا كان جمهور المناضلين لا يعرفون عنهم سوى صفة الجهاد التي اكتسبوها بفضل مواقعهم في دواليب الثورة وبواسطة بعض السلوكات الفردية، فإن معظم المسؤولين السامين لم يكونوا يجهلون النزعة اليسارية والميولات الماركسية بالنسبة لأغلبيتهم، وكان من المفروض أن تكون هناك يقظة في إنشغال المؤتمرين بتسوية المشاكل الميدانية التي كانت تهدد الثورة بالإنفجار.
ومما لا شك فيه أن تلك الغفلة أو تلك الثقة التي لم تكن في محلها قد أدت إلى تجسيد واحد من الإنحرافات الخطيرة التي ستكون أساساً للإنزلاقات التي سوف تقود بالتدريج إلى الخروج نهائياً عن الخط الأيديولوجي الذي سطرته جبهة التحرير الوطني ليلة الفاتح من نوفمبر.
2 -
إن الوثيقة، قد أهملت، في عرضها للمبادئ الأساسية، التوقيف عند إبعاد الثورة المغربية والعربية والإسلامية طبقاً لما جاء في بيان أول نوفمبر، ومن أجل تجاوز النقص الذي تضمنته في المجال، وثيقة وادي الصومام والذي نددت به مجموعة كبيرة من أعضاء القيادة في مقدمتهم الرئيس أحمد بن بلة.
هنا، أيضاً، نلحظ لمسات عمر أو صديق وفرانتز ومحمد الصديق بن يحيى الذين يرون أن مستقبل الجزائر لن يكون زاهراً في دائرة العروبة والإسلام التي تمثل، في نظرهم، بؤرة الرجعية والعصور المظلمة، وحتى المغرب العربي الذي ظل مركزاً إهتمامات الرواد من المناضلين، فإنه لا يؤمنون به إلا عندما نجرده من صفة العروبة ونحصره في إطار شمال إفريقيا الذي يربط بين أقطاره قاسم اللغة الفرنسية والثقافة الغربية اللتين أعتمد عليهما الاستعمار لتأييد حالة الإنسلاخ عن الذات الضرورية لديمومته.
3 -
إن التطهير السياسي، في منظور جبهة التحرير الوطني، يعني إعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي بواسطة القضاء على مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي تتناقض مع الروح الثورية وبواسطة إلغاء الروح
الحزبية التي تقود فقط إلى التعصب وإلى تكريس التقسيم الذي يعمل الإستعمار على تحقيقه بجميع الوسائل. وبهذا المفهوم، فإن الجماعة المذكورة لا يمكن أن تكون راضية عن التطهير السياسي لأن الحزب الشيوعي الجزائري لا يعد من الحركة الوطنية نتيجة تبعية العضوية للحزب الشيوعي الفرنسي وانضوائه، إيديولوجياً، تحت لواء الشيوعية الأممية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فلأن الحزب الشيوعي الجزائري ظل دائماً يرفض حل نفسه لصالح جبهة التحرير الوطني، ويعتبر بقاءه كتنظيم سياسي مستقل مسألة أساسية مازال يدافع عنها إلى يومنا هذا (1).
إن هذه الملاحظات الثلاث تدل بما لا يدع أي مجال للشك على أن المباشرين لصياغة هذه الوثيقة لم يطبقوا توجيهات المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي ألزمهم بعدم الخروج عن الخطوط العريضة التي حددها نداء الفاتح من نوفمبر مع الأخذ في الإعتبار للتطورات التي عرفتها وتعرفها القضية الجزائرية في الداخل وفي الخارج. ويقول السيد ابن يوسف بن خده الذي سألناه في الموضوع (2) أنه لم ينتبه في حين إلى "هذه الأخطاء الفادحة "لأنه كان يعرف كفاءة أعضاء اللجنة ويعتقد أنهم تخلوا عن معتقداتهم الأيديولوجية بعد إلتحاقهم طوعاً بجبهة التحرير الوطني ولأنه هو الأهم في نظره كان مركزاً كل طاقاته الفكرية وموظفاً جميع إمكانياته المادية والأدبية من أجل إقناع أعضاء المجلس بضرورة تبني إقتراحه القاضي بحتمية رجوع القيادة العليا للثورة إلى أرض الوطن وهو الإقتراح الذي لم يتوقف عن الدفاع عنه منذ أكثر من ستة أشهر أي منذ الصراعات الشخصية على السلطة والتي بدأت تطغى على العمل في سبيل تطوير المعركة الوطنية وتوفير أسباب نجاحها.
وأما الوثيقة الثانية فتتعلق بالقانون الأساسي لجبهة التحرير الوطني وهي مكونة من مدخل وثمانية فصول اشتملت على أربعين مادة ومن خلال القراءة الأولى يستطيع الباحث أن يستخرج مجموعة من الملاحظات أهمها.
(1) إن الحزب الشيوعي نفسه لا يخفي ذلك ولمن يريد التأكد هناك مختلف الرسائل التي وجهها مكتبه السياسي في فترات مختلفة إلى الحكومات المؤقتة للجمهورية الجزائرية أنظر خاصة: Buy (Francois) La republique Algerienne Democ- ratique et populaire- paris 1965، p. 217 et suivantes.
(2)
لقاء أجريناه معه يوم 31/ 03/1983 عندما كنا نستعد لإنجاز الطبعة الثانية من: الثورة الجزائرية في عامها الأول وكان ذلك في بيته بحي حيدرة في الجزائر العاصمة.
1 -
أن المشرفين على الصياغة قد اجتهدوا لبلورة الإنسجام بين الوثيقتين فيما يتعلق بمفهوم الدولة الجزائرية المنتظر إقامتها بعد إسترجاع الإستقلال الوطني. فهي طبقاً للمادة الثانية من القانون الأساسي "جمهورية ديمقراطية وإجتماعية لا تكون في تناقض مع المبادئ الإسلامية"(1) تماماً مثلما جاء التنصيص على ذلك في الوثيقة الأولى كما رأينا.
2 -
إن المشرفين على الصياغة قد اضطروا لتكريس هذا الإنجراف في الوثيقتين إلى السكوت عن تثبيت مبدأ أساسي تألق بغيابه في الوثيقة الأولى وجاء في مدخل القانون الأساسي: "إن الجزائر جزء من المغرب العربي وهي تنتمي إلى الوطن العربي الذي تربطها به أربعة عشر قرناً من التاريخ والثقافة العربية الإسلامية وكذلك الكفاح ضد الظلم الإستعماري والامبريالية"(2).
ومن الجدير بالذكر أن هذا التعبير سيبقى كما هو ملازماً لجميع مواثيق الثورة الجزائرية إلى غاية أكتوبر سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف.
5 -
إن الوثيقة قد تضمنت، لأول مرة منذ إندلاع الثورة، تأكيداً بصريح العبارة على أن جبهة التحرير الوطني لا تكافح من أَجل إسترجاع الإستقلال الوطني فحسب بل أنها ستواصل مهمتها التاريخية بعد ذلك، كقائد ومنظم للأمة الجزائرية من أجل بناء الديمقراطية الحقة وتحقيق الإزدهار الإقتصادي والعدالة الاجتماعية" (3) إن هذا التنصيص الذي جاء ضمن المبادئ العامة يعتبر بداية القواعد الثابتة لما سيسمى فيما بعد بالمجتمع الاشتراكي، وسوف نرى أن المؤدلجين سوف لن يستقروا على صفة واحدة للديمقراطية (4) وذلك نظراً لعجزهم عن تبليغ مفهومها الصحيح للجماهير الشعبية الواسعة إن الوثيقة، ولأول مرة، أيضاً، لم
(1) انظر المادة الثالثة من القانون الأساسي (الملحق رقم7)
(2)
مدخل القانون الأساسي (الملحق رقم7).
(3)
المادة الرابعة من القانون الأساسي (الملحق رقم7)
(4)
لقد عرفت الجزائر المستقلة أنواعاً من الديمقراطيات منها: الديمقراطية المسؤولة، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية الشعبية إلخ ....
تخف استعمال جبهة التحرير الوطني للأدبيات الماركسية. فالجماعية ومحاربة عبادة الشخصية ورفض الحكم الفردي كلها تجسدت في مبدأ المركزية الديمقراطية (1) الذي صارت جبهة التحرير الوطني تعتمد عليه في التسيير والتنظيم.
وبالإضافة إلى هذين النصين، الذين حظيا بإجماع المشاركين في أشغال المجلس الوطني للثورة الجزائرية، فإن هذا الأخير قد أعاد النظر في تشكيل الحكومة للجمهورية الجزائرية وضبط الخطوط العريضة، لبرنامج عملها بالنسبة للفترة المقبلة.
ففيما يتعلق بالحكومة رفض المجلس مشروع السيد بلقاسم كريم الرامي إلى إستبدالها بقيادة ثلاثية على غرار ماهو موجود في الإتحاد السوفياتي، ولم يكن الرفض وحده كافياً، بل أن أعضاء المجلس قد جددوا ثقتهم للرئيس فرحات عباس (2) وزحزحوا صاحب المشروع من وزارة الحربية بعد أن عبروا له عن لجنة مكونة من ثلاثة وزراء (3) على أن تتولى تسيير جيش التحرير الوطني بواسطة قيادة للأركان (4) تعينها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على هذا الأساس، فإن المجلس قد أثر وثيقة وادي الصومام التي نظمَّت جيش التحرير الوطني إلى غاية الولاية لكنها لم تزوده بقيادة عليا. ولم يبق إلا وضع هذه الوثيقة ولذلك، فإن العلاقة سرعان ما تدهورت بين قيادة الأركان واللجنة الوزارية.
إن اللجنة الوزارية هي التي اقترحت، للتعيين، رئيس قيادة الأركان، وقد كان الباءات يعتقدون أن العقيد هواري بومدين المعروف بإنغلاقه على نفسه لن يخرج عن طاعتهم وسيكون مجرد منفذ لقراراتهم (5) أما أعضاء القيادة فقد روعيت في تعينهم مسألة التمثيل الجمهوري بحيث جاء الرائد أحمد قائد عن الغرب والرائد على منجلي عن الشرق والرائد رابح زراري "عز الدين" عن الوسط ولم يعين أحد عن الجنوب لأن الولاية السادسة لم تكن ممثلة على أعلى
(1) هذا المبدأ مأخوذ من المادة 19 من القانون الأساسي للحزب الشيوعي السوفياتي في ذلك الحين.
(2)
تكونت هذه الحكومة من الرئيس والباءات ومن وزير الإعلام السيد محمد السعيد الذي كان يطمح أن يكون قائداً للأركان.
(3)
أهم الباءات الثلاث.
(4)
يذكر السيد فرحات عباس في تشريح حرب، ص: 281 أن الحكومة عينت العقيد هواري بومدين قائداً للأركان في أول مجلس لها 22/ 02/60. وفي نفس المجلس عينت نوابه.
(5)
مساعدية (محمد الشريف) من جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي، المؤسسة الوطنية للطباعة، الجزائر، 1968، ص21.
مستوى في جيش الحدود.
وبمجرد التعيين والتنصيب تحركت قيادة الأركان لإعادة تنظيم الجيش على الحدود الشرقية والغربية، وكان أول إجراء لها إستدعاء الضباط القدامى وتسريح المعتقلين على إثر حركة العقيد محمد لعموري واستبعاد الضباط القادمين من الجيش الفرنسي عن الوحدات القتالية وقيادة الفيالق (1). وحزت هذه التدابير في نفس الباءات الذين اعتبروا ذلك تحدياً لهم فلجأوا إلى المناورة واستصدروا من الحكومة أمراً لقيادة الأركان بالدخول إلى أرض الوطن للأشراف، هناك، على سير المعركة (2).
أما عن برنامج عمل الحكومة الذي ضبطه المجلس الوطني للثورة الجزائرية فيشتمل على مجموعة من النقاط أهمها ما يلي: (3)
- تكثيف العمليات العسكرية على الحدود الشرقية والغربية من أجل تخفيف الضغط على الولايات وتدويل الحرب، وبالموازات مع ذلك، أوصى المجلس بتصعيد العمل العسكري في فرنسا وباستهداف المؤسسات الإقتصادية الحساسة.
- تخفيف الجهاز الإداري ووضع الإطارات المُسرّحة تحت تصرف جيش التحرير الوطني.
- إنشاء لجنة للمحاسبة من أجل السهر على حسن سير مالية جبهة التحرير الوطني وعلى تطبيق توجيهات المجلس المتعلقة بالتقشف في مستوى المصالح الإدارية والديبلوماسية ورفع ميزانية التسيير بالنسبة للولايات.
- العمل على تجسيد مبدأ تقرير المصير تحت رقابة الأمم المتحدة مع مواصلة المساعي من أجل إنجاح التفاوض مع فرنسا طبقاً لما جاء في نداء الفاتح من نوفمبر.
- مواصلة العمل من أجل تحقيق الوحدة المغاربية وتجسيد التضامن الإفريقي وإقناع الصين والإتحاد السوفياتي بضرورة تقديم المعونة التقنية
(1) لقائي مع عبد الحفيظ بو الصوف في بيته يوم 23/ 02/ 1978.
(2)
على أثر هذا الأمر دخلت مجموعة من الضباط السامين من بينهم العقيد لطفي والرواد: الطاهر الزبيري وأحمد بن الشريف وسواحي مبارك. ويذكر فرحات عباس في تشريح حرب ص: 283 أن العقيد لطفي مبارك استشهد يوم 30/ 03/1960 في نواحي بشار.
(3)
المجاهد، العدد 59 الصادر بتاريخ 05/ 02/1960 ص635 وما بعدها.
وإرسال المتطوعين لمساعدة جبهة التحرير الوطني على نسف خط موريس الذي صار يشكل سدادة منيعة يخشى أن تتحول إلى مخنقة لجيش التحرير الوطني في الداخل.
••••