الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظلماتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وإياكم والفحش، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لا يَحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الشُّحُّ؛ أَمَرَهُمْ بِالْكَذِبِ فَكَذَبُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فقطعوا)) . فقام رجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:((أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ)) . قَالَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((أَنْ يُرَاقَ دَمُكَ، وَيُعْقَرَ جَوَادُكَ)) . قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ عز وجل، وَهُمَا هِجْرَتَانِ: هِجْرَةُ الْبَادِي وَهِجْرَةُ الْحَاضِرِ؛ فَأَمَّا هِجْرَةُ الْبَادِي: فَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا أُمِرَ أَطَاعَ. وَأَمَّا هِجْرَةُ الْحَاضِرِ: فَأَشَدُّهُمَا بَلِيةً، وَأَعْظَمُهُمَا أَجْرَا)) .
11- أَبُو الْفَضْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فَارِسٍ بْنِ مُقَلِّدِ بْنِ أَبِي الْحِنَّاءِ، السُّلَمِيّ الْحَنْبَلِي السَّيْبِيُّ الأَصْلِ، الْبَغْدَادِيّ الْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ، الدُّنَيْسِرِيُّ الدَّارِ:
سَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِي بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ، سِبْطِ الشَّيْخِ أَبِي
مَنْصُورٍ الْخَيَّاطِ، وَمِنْ أَبِي الْفَضْلِ محمد بن ناصر السلامي، وغيرهما.
سَمِعْنَا مِنْهُ عَنْهُمَا، وَبِإِجَازَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا كَثِيرًا.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّيْبِيِّ بِدُنَيْسَرَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِي الْمُقْرِئُ، [سِبْطُ الشَّيْخِ] أَبِي مَنْصُورٍ الْخَيَّاطِ فِي صفر سنة إحدى وأربعين وخمسمئة، قال: أخبرنا أبو الحسين [ابن النقور البزا] ز، أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الْفَتْحِ أَمَةُ السَّلامِ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ كَامِلِ بْنِ خَلَفِ بْنِ شَجَرَةٍ الْقَاضِي، قِرَاءَةً عَلِيهَا، فَأَقَرَّتْ بِهِ، قَالَتْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَن ْرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَيَقْتُلُهُنَّ الْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ؛ الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا)) .
وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَتْنَا أَمَةُ السَّلامِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى،
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ بِيَدِهِ، يَطَأُ صِفَاحَهُمَا، وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ.
وَكَتَبَ إِلِينَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ هِبَةَ اللَّهِ بْنَ الْمُسْلِمِ بْنِ الْخَلالِ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالُ أَبِي أَبُو الْمُرَجَّا سَعْدُ اللَّهِ بْنُ صَاعِدِ بْنِ الْمُرَجَّا الرَّحْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُنِيرٍ التَّنُّوخِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَيَطَأُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيَلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّيْبِيِّ بِدُنَيْسَرَ، حَدَّثَكُمْ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ بْنِ عَلِي بْنِ مُحَمَّدٍ السَّلامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفِ بْنِ شَجَرَةٍ الْقَاضِي، قِرَاءَةً عَلِيهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ أميرٍ عَلَى عشرةٍ إِلا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولا، لا يَفُكُّهُ إِلا عَدْلُهُ، وَمَا مِنْ رجلٍ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى أَجْذَمَ)) .
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَكُمُ ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ كَامِلٍ، قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ، حَدَّثَنِي التَّوَّزِيُّ فِي إسنادٍ ذَكَرَهُ، آخِرُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ:
بَيَّنَا نَحْنُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ؛ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يومئذٍ ذَوُو حالٍ حَسَنَةٍ، يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْعَشْرَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ مَوَالِيهِ؛ أَتَانَا آتٍ فَقَالَ: هَذَا الْحَجَّاجُ قَدِمَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَإِذَا بِهِ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مُتَعَمِّمًا بعمامةٍ قَدْ غَطَّى بِهَا أَكْثَرَ وَجْهِهِ، مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، مُتَنَكِّبًا قَوْسًا، يَؤُمُّ الْمِنْبَرَ، فَقَامَ النَّاسُ نَحْوَهُ، حَتَّى صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَمَكَثَ سَاعَةً لا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لبعضٍ: قَبَّحَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ حَيْثُ تَسْتَعْمِلُ مِثْلَ هَذَا عَلَى الْعِرَاقِ! [حَتَّى] قَالَ عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ الْبُرْجُمِيُّ: أَلا أَحْصِبُهُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: أَمْهِلْ حَتَّى نَنْظُرَ.
فَلَمَّا رَأَى عُيُونَ النَّاسِ [إِلِيهِ] حَسَرَ اللِّثَامَ عن فيه، ونهض فقال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني
[ثم قَالَ:] وَاللَّهِ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ إِنِّي لأَرَى رُؤُوسًا قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهَا، وَإِنِّي لَصَاحِبُهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الدِّمَاءِ بَيْنَ الْعَمَائِمَ واللحى:[ثم قال:]
هَذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتَدِّي زيمٌ
…
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بسواقٍ حُطَمْ
لِيسَ بِرَاعِي إبلٍ وَلا غَنَمْ
…
وَلا بجزارٍ عَلَى ظهرٍ وَضَمْ
[ثم قال:]
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِعَصْلَبِيَّ
…
أَرْوَعَ خراجٍ مِنَ الدَّوِيّ
مهاجرٍ لِيسَ بأعرابي
…
[وقال:]
قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا فَشُدُّوا
…
وَجَدَّتِ الْحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا
وَالْقَوْسُ فِيهَا وترٌ عُرُدُّ
…
مِثْلُ ذِرَاعِ البكر أو أشد
[لا بد مِمَّا لِيسَ مِنْهُ بُدُّ]
…
إِنِّي وَاللَّهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ، وَلا يُغْمَزُ جَانِبِي كَغْمِزِ التِّينِ؛ وَلَقَدْ فُرِرْتُ عَنْ ذكاءٍ، وَفُتِّشْتُ عَنْ تجربةٍ، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ -[أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ]- نَثَرَ كِنَانَتَهُ [بَيْنَ يَدَيْهِ] فَعَجَمَ عِيدَانَهَا، فَوَجَدَنِي أَمَرَّهَا عُودًا، وَأَصْلَبَهَا مَكْسَرًا؛ فَرَمَاكُمْ بِي لأَنَّكُمْ طَالَمَا أَوْضَعْتُمْ فِي الْفِتْنَةِ، وَاضْطَجَعْتُمْ فِي مَرَاقِدِ الضَّلالِ.
وَاللَّهِ لأَحْزِمِنَّكُمْ حَزْمَ السَّلَمَةِ، وَلأَضْرَبَنَّكُمْ ضَرْبَ غَرَائِبِ الإِبِلِ، فَإِنَّكُمْ لَكَأَهْلِ قريةٍ {كَانَتْ آمنةٌ مطمئنةٌ يَأْتِيَهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] } .
وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَقُولُ إِلا وَفَيْتُ، وَلا أَهُمُّ إِلا أمْضَيْتُ، وَلا أَخْلُقُ إِلا فَرَيْتُ؛ وَإِنَّ أَمِيرَ المؤمنين أمر [ني] بإعطائكم [أعطياتكم]، وَأَنْ أُوَجَّهَكُمْ لِمُحَارَبَةِ عَدُوِّكُمْ مَعَ الْمُهَلَّّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ. وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لا أَجِدُ رَجُلا تَخَلَّفَ بَعْدَ أَخْذِ عَطَائِهِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ إِلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ. يَا غُلامُ اقْرَأْ عَلِيهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَرَأَ:
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ [عَبْدِ اللَّهِ] عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ بِالْكُوفَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، سلامٌ عَلِيكُمْ)) . فَلَمْ يَقُلْ أحدٌ [مِنْهُمْ] شَيْئًا.
فَقَالَ الْحَجَّاجُ: اكْفُفْ يَا غُلامُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:[أ] سَلَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تَرُدُّوا عَلِيهِ شَيْئًا؟! هَذَا أَدَبُ ابْنِ نُهْيَةٍ؛ أَمَا وَاللَّهِ لأُؤَدِّبَنَّكُمْ غَيْرَ هَذَا الأَدَبِ، أَوْ لَتَسْتَقِيمُنَّ. اقْرَأْ يَا غُلامُ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَرَأَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ:((سلامٌ عَلِيكُمْ)) لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ أحدٌ إِلا قَالَ: وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ.
ثُمَّ نَزَلَ فَوَضَعَ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ، حَتَّى أَتَاهُ شيخٌ يُرْعِدُ كِبَرًا، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي مِنَ الضَّعْفِ عَلَى مَا تَرَى، وَلِي ابنٌ هُوَ أَقْوَى عَلَى الأَسْفَارِ مِنِّي، أَفَتَقْبَلُهُ مِنِّي بَدِيلا؟ فَقَالَ لَهُ الْحجَّاجُ: نَفْعَلُ أَيُّهَا الشَّيْخُ.
فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا أَيُّهَا الأَمِيرُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ الْبُرْجُمِيُّ، الَّذِي يَقُولُ أبوه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني
…
تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلائِلُهْ
وَدَخَلَ هَذَا الشَّيْخُ عَلَى عُثْمَانَ مَقْتُولا، فَوَطِئَ عَلَى بَطْنِهِ، فَكَسَرَ ضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلاعِهِ. فَقَالَ: رُدُّوهُ! فَلَمَّا رُدَّ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: أَيُّها الشَّيْخُ؛ هَلا بَعَثْتَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بَدِيلا يَوْمَ الدَّارِ! إِنَّ قَتْلَكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ صلاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ. يَا حَرَسِيُّ اضْرَبَنْ عُنُقَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضِيقُ عَلِيهِ بَعْضُ أَمْرهِ فَيَرْتَحِلُ، وَيأْمُرُ وَلِيهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِزَادِهِ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الأسدي:
[تجهز فَإِمَّا] أَنْ تَزُورَ ابْنَ ضَابِئٍ
…
وَإِمَّا أَنْ تَزُورَ الْمُهَلَّبَا
[هُمَا خُطَّتَا خسفٍ نَجَاؤُكَ مِنْهُمَا]
…
رُكُوبُكَ حَوْلِيَا مِنَ الثَّلْجِ أَشْهَبَا
فَأْضَحَى وَلَوْ كَانَتْ خُرَاسَانُ دُونَهُ
…
رَآهُ مَكَانَ السُّوقِ أَوْ هُوَ أَقْرَبَا
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ: قَوْلُهُ: ((أَنَا ابْنُ جَلا)) إِنَّمَا يُرِيدُ المنكشف الأمر [و] لم يَصْرِفْ ((جَلا)) لأَنَّهُ أَرَادَ الْفِعْلَ فَحَكَى؛ وَالْفِعْلُ إِذَا كَانَ فِيهِ فَاعِلُهُ مُضْمَرًا أَوْ مُظْهَرًا لَمْ يَكُنْ إِلا حِكَايَةً، كَقَوْلِكَ: تَأَبَّطَ شراً؛ وكما قال [الشاعر] :
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ لا تَأْخُذُونَهَا
…
بَنَى شَابَ قَرْنَاهَا تَصُرُّ وَتَحْلُبُ
وَتَقُولُ: قَرَأْتُ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القمر} لأَنَّكَ حَكَيْتَ، وَكَذَلِكَ الابْتِدَاءُ وَالْخَبَرُ. تَقُولُ: قَرَأْتُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين} .
وقال الشاعر:
وَاللَّهِ مَا زيدٌ بْنَامَ صَاحِبُهْ
…
[وَلا مخالطٌ اللِّيَانِ جَانِبُهْ]
وَقَوْلُهُ: ((أَنَا ابْنُ جَلا)) هُوَ لِسُحَيْمِ [بْنِ وَثِيلٍ الرِّيَاحِيِّ] يَرْوُونَهُ. وَإِنَّمَا قَالَهُ الْحَجَّاجُ مُتَمَثِّلا.
وَقَوْلُهُ: ((وَطَلاعُ الثَّنَايَا)) وَالثَّنَايَا: جَمْعُ ثَنِيَّةٍ. وَالثَّنِيَّةُ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ؛ وَالطَّرِيقُ فِي الرَّمْلِ يُقَالُ لَهُ: الْخَلُّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ [بِهِ] أَنَّهُ جلدٌ لِطُلُوعِ
الثَّنَايَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَصُعُوبَتِهَا، كَمَا قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ [يَعْنِي أخاه عبد الله] :
[كِمَيشُ الإِزَارِ خارجٌ نِصْفُ سَاقِهِ
…
بعيدٌ مِنَ السَّوْءَاتِ] طَلاعُ أَنْجُدِ
والنجد: ما ارتفع من الأرض.
وقوله: ((إِنِّي لأَرَى رُؤُوسًا قَدْ أَيْنَعَتْ، وَحَانَ قِطَافُهَا)) أَيْ أَدْرَكَتْ. يُقَالَ: أَيْنَعَتِ الثَّمَرَةُ إِينَاعًا، وَيَنَعَتَ يَنْعًا وَيُنْعًا، [وَيَقْرَأُ:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إذا أثمر وينعه} وَ {يَنْعِهِ} كِلاهُمَا جَائِزٌ.
وَقَوْلُهُ: ((هَذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتَدِّي زِيَمْ)) يَعْنِي فَرَسًا أَوْ نَاقَةً، وَالشِّعْرُ لِلْحُطَمِ الْقَيْسِيِّ.
وَقَوْلُهُ: ((قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بسواقٍ حُطَمْ)) فهُوَ الَّذِي لا يُبْقِي مِنَ السَّيْرِ شَيْئًا. وَيُقَالُ: رجلٌ حُطَمْ: لِلَّذي يَأْتِي عَلَى الزَّادِ بِشِدَّةِ أَكْلِهِ. وَيُقَالُ لِلَّنَارِ الَّتِي لا تُبْقِي: حُطَمَةٌ.
وَقَوْلُهُ: ((عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ)) الْوَضَمُ: كُلُّ مَا قُطِعَ عَلِيهِ اللَّحْمُ.
قال الشاعر:
[وَفِتْيَانِ صدقٍ حِسَانِ الْوُجُوهِ
…
لا يَجِدُونَ لشيءٍ أَلَمْ]
مِنَ آلِ الْمُغِيرَةِ لا يَشْهَدُونَ
…
عِنْدَ الْمَجَازِرِ لَحْمَ الْوَضَمْ
وَقَوْلُهُ: ((قَدْ لَفَّهَا الليل بعصلبي)) أي شديد. [و]((أَرْوَعَ)) [أَيْ] ذَكِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: ((خراجٍ من الدوي)) ، يقول: خَرَّاجٍ مِنْ كُلِّ غماءٍ وشدةٍ. ويقال للصحراء: ذوية، وَهِيَ الَّتِي لا [تَكَادُ] تَنْقَضِي، وَهِيَ منسوبةٌ إِلَى الدَّوِّ، وَالدَّوُّ: صَحْرَاءٌ مَلْسَاءٌ لا عَلَمَ بِهَا ولا أمارة؛ قال الحطيئة:
وَأَنَّى اهْتَدَتْ وَالدَّوُّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
…
وَمَا كَانَ سَارِي الدَّوِّ بِاللَّيْلِ يَهْتَدِي
وَالدَّاوِيَّةُ: الْمَتَّسِعَةُ الَّتِي يُسْمَعُ لَهَا دَوِيٌّ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ [الدَّوِيُّ] مِنْ أَخْفَافِ الإِبِلِ، تَنْفَسِحُ أَصْوَاتُهَا فِيهَا؛ وَيَقُولُ جَهَلَةُ الأَعْرَابِ:[إِنَّ] ذَلِكَ عَزِيفُ الْجِنِّ.
وَقَوْلُهُ: ((وَالْقَوْسُ فِيهَا وترٌ عُرُدُّ)) فَهُوَ الشَّدِيدُ، وَيُقَالُ: عُرُنْدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَوْلُهُ: (( [إِنِّي] وَاللَّهِ مَا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ)) وَاحِدُهَا شَنٌّ، وَهُوَ الْجِلْدُ
الِيَابِسُ، فَإِذَا تُقُعْقِعَ بِهِ نَفَرَتِ الإِبِلُ، فَضَرَبَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ مَثَلا؛ قال النابغة الذبياني:
كَأَنَّكَ مَنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشِ
…
يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلِيهِ بِشَنِّ
وَقَوْلُهُ: ((وَلَقَدْ فُرِرْتُ عَنْ ذَكَاءٍ)) يَعْنِي عَنْ تَمَامِ السِّنِّ. وَالذَّكَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَمَامُ السِّنِّ، وَالآخَرُ حِدَّةُ الْقَلْبِ.
فَمِمَّا جَاءَ فِي تَمَامِ السِّنِّ، قَوْلُ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ:((جَرْيُ الْمُذَكِّيَاتِ غلابٌ)) .
وَقَالَ زهير:
يُفَضِّلُهُ [إِذَا اجْتَهَدَا] عَلِيهِ
…
تَمَامُ السن منه والذكاء
[و] قَوْلُهُ: ((فَعَجَمَ عِيدَانَهَا)) يَقُولُ: مَضَغَهَا لِينْظُرَ أَيُّهَا أَصْلبُ، يُقَالَ: عَجَمْتُ الْعُودَ، إِذَا مَضَغْتُهُ، وَكَذَلِكَ [فِي] كل شيءٍ.
قال النابغة:
فَظَلَّ يَعْجُمُ أَعَلَى الرَّوْقِ مُنْقَبِضًا
…
فِي حَالِكِ اللَّوْنِ صِدْقٍ غَيْرِ ذِي أَوَدِ
وَالْمَصْدَرُ: الْعَجْمُ. يُقَالَ: عَجَمْتُهُ عَجْمًا. وَيُقَالُ لَنَوَى كُلِّ شيءٍ: عجمٌ، مَفْتُوحُ الْجِيمِ، وَمَنْ أَسْكَنَ الْجِيمَ فقد أخطأ.
قال الأعشى:
[غزاتك بالخيل أرض العدو]
…
وجدعانها كلقيط العجم
وقوله: [طالـ]ـما أَوْضَعْتُمْ فِي الْفِتْنَةِ)) الإِيضَاعُ: ضربٌ مِنَ السَّيْرِ.
وَقَوْلُهُ: ((فَأَضْحَى وَلَوْ كَانَتْ خُرَاسَانُ دُونَهُ)) يَعْنِي: دُونَ السَّفَرِ رَآهُ مَكَانَ السُّوقِ لِلْخَوْفِ والطاعة.
أخبرنا إسماعيل ابن السَّيبِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِي بْنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بْنِ الصَّبَّاغِ إِجَازَةً، حَدَّثَنَا النَّقِيبُ أَبُو الْفَوَارِسِ طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الزينبي مِنْ لَفْظِهِ إِمْلاءً بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّوْضَةِ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِي بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَرْقَدٍ مُؤَدَّبُ الْمَهْدِيِّ، قَالَ:
هَاجَتْ ريحٌ زَمَنَ الْمَهْدِيِّ، فَدَخَلَ الْمَهْدِيُّ بَيْتًا فِي جَوْفِ بيتٍ، فَأَلْزَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: اللهم إنه بريءٌ مِنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ كُلُّ هَذَا الْخَلْقِ غَيْرِي؛ فَإِنْ كُنْتُ الْمَطْلُوبَ مِنْ خَلْقِكَ فَهَا أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ. اللَهُمَّ لا تُشْمِتْ بِي أَهْلَ الأَدْيَانِ.
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى انْجَلَتِ الرِّيحُ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَكُمُ الْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ عَلِي السَّرَّاجُ فِي كِتَابِهِ، أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِي أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، يَعْنِي ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِي، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن المبارك:
أَدَّبْتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا
…
مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ مِنْ أَدَبِ
فِي كُلِّ حَالاتِهَا وَإِنْ قَصَّرَتْ
…
أَفْضَلُ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الْكَذِبِ
[قُلْتُ لَهَا طَائِعًا وَأُكْرِهُهَا
…
الْحِلْمُ وَالْعِلْمُ زَيْنُ ذِي الْحَسَبِ]
وَغَيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غَيْبَتَهُمْ
…
حَرَّمَهَا ذُو الْجَلالِ فِي الْكُتُبِ
إِنْ كَانَ مِنْ فضةٍ كَلامُكِ يَا
…
نَفْسُ فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ