المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرف الهاءفي أسماء الحكماء - إخبار العلماء بأخبار الحكماء

[جمال الدين القفطي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌حرف الهمزة فِي أسماء الحكماء

- ‌الكلام عَلَى كتبه الطبيعيات

- ‌الكتب الَّتِي وجدت فِي خزانة الرجل الَّذِي يسمى ابليقون

- ‌حرف الباء الموحدةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف التاء المثناةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الثاء المثلثةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الجيمفِي أسماء الحكماء

- ‌تسميةكتب جالينوس ونقولها وشروحها

- ‌كتب جالينوسالخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها

- ‌حرف الحاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الخاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الدال المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الذال المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الراء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الزاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف السين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الشين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الصاد المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الطاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف العين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الغين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الفاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرق القاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الكاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف اللامفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الميمفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف النونفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الهاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الواوفِي أسماء الحكماء

- ‌ونسخة المحضر الثاني

- ‌حرف الياءفِي أسماء الحكماء

- ‌الكنى فِي أسماء الحكماء

- ‌الأبناء فِي أسماء الحكماء

الفصل: ‌حرف الهاءفي أسماء الحكماء

‌حرف الهاء

فِي أسماء الحكماء

هارون بن علي بن هارون بن يحيى بن أبي منصور المنجم مذكور مشهور خبير بعلم الهيئة والعمل لآلاتها وَلَهُ تاريخ مشهور يعمل الناس بِهِ وهو من أهل يبت فِي هَذَا الشأن وتقدم فِي أيام الديلم ببغداد بعلم الحكام والنظر فِي علم الحدثان وَكَانَ لَهُ نصيب فِي سهم الغيب وعمر أربع وسبعين سنة يعاني هَذَا الشأن وتوفي ببغداد فِي يوم الأحد لليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاثمائة.

هارون بن صاعد بن هارون الصابي الطبيب أبو النصر كَانَ هَذَا من صابئة بغداد المقيمين بها وَلَهُ يد فِي التطبب واشتهر بالصلاح والمعاناة وَكَانَ مقدم الأطباء وساعورهم فِي البيمارستان العضدي فِي وقته وَلَهُ ذكر فِي بلده توفي فِي ليلة يوم الخميس الثالث من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

هبة الله بن الحسين البديع أبو القاسم البغدادي الاصطرلابي كَانَ بديع الزمان هبة الله هَذَا وحيد زمانه فِي عمل الآلات الفلكية وَقَدْ اطلع عَلَى أسرارها وعرف بِهَا مقدار مسير أنوارها وأقام عَلَى صحة أعماله الحجج الهندسية وأثبت مَا صنعه منها بالقوانين الإقليديسية وصغر قدر من تقدمة من صناعها وأعرب بل أغرب فِي طرق استنباطها وابتداعها وقام بأمور عجز عنها المتقدمون وإعانته يده عَلَى اتخاذ آلات وهم عنها غافلون فمن ذَلِكَ مَا زاده فِي الكرة ذات الكرسي مما كمل عملها الَّذِي مرت السنون عَلَى نقصه وأخذه العلماء المتقدمون

ص: 253

ممن لَمْ يقدر عَلَى تكميله وَلَمْ يستقصه فقوي عمادها وقوم منارها وعمل لذلك رسالة أقام فِيهَا الحجج والبراهين ليدفع بذلك رد كل نذل مهين ومن ذَلِكَ مَا فعله فِي الآلات الشاملة حَتَّى صارت بعد نقصها كاملة وذلك أن مبدعها الخجندي جعلها لعرض واحد وأقام الدليل اللفظي عَلَى أنه لا يمكن أن يكون لعروض متعددة ولما وصلت هَذِهِ الآلات إِلَى البديع أبي القاسم هبة الله وتأملها وأعمل فكره الذكي فِي أمرها وصنع منها عدة حملها إِلَى أجلاء زمانه أحدث لَهُ العمل طريقاً فِي عملها لعروض متعددة واختبر ذَلِكَ بالقواعد الهندسية فصح اختباره وظهرت لَهُ بعد أن خبت عن غيره تارة فأحكمها لعروض وأتي فِي ذَلِكَ بالمسنون من هَذِهِ الصناعة والمفروض وعمل لَهَا رسالة مؤيدة بالبراهين القطعية فأما غير ذَلِكَ مما كَانَ يعانيه فِي المساطر والبواكير وغير ذَلِكَ فقد صارت فِي أيدي الناس من ذخائر الجواهر وعانى عمل الطلسمات ورصد مَا يوافقها من مختار الأوقات وحمل إِلَى الملوك والأمراء والرؤساء والوزراء وجربوها فصحت تجربتها وحصلت لَهُ بما كَانَ من صنائعه الأموال الكثيرة وذلك فِي أيام المسترشد ولما مضى لسبيله تحقق أهل الفضيلة أنه لَمْ يخلف مثله وَلَهُ شعر فائق رائق.

هبة الله بن صاعد بن التلميذ الطبيب النصراني البغدادي طبيب وقته وفاضل زمانه وعالم أوانه خدم الخلفاء من بني العباس وتقدم فِي خدمتهم وارتفعت مكانته لديهم وَكَانَ مؤلفاً فِي المباشرة والمعالجة عالماً بقوانين هَذِهِ الصناعة وصنف فِيهَا عدة مصنفات وانتهت إِلَيْهِ رئاستها. ولقد ذكره بعض المتأخرين فقال سلطان الحكماء أمين الدولة أبو الحسن هبة الله بن صاعد الطبيب النصراني يعرف بابن التلميذ البغدادي وابن التلميذ هو جد لأمه حكيم معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن التلميذ النصراني البغدادي ولما توفي امين الدولة هبة الله بن صاعد مقامه وهو ابن ابنته

ص: 254

فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ هبة الله هَذَا فِي العلم والعمل من الطب بقراط عصره وجالينوس زمانه ختم بِهِ هَذَا العلم وَلَمْ يكن فِي الماضين من بلغ مداه فِي الطب عمر طويلاً وعاش نبيلاً جليلاً رآه بعض معاصرينا وهو شيخ بهي المنظر حسن الرواء عذب المجتلى والمجتنى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهم عالي الهمة زكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي شيخ النصارى وقسيسهم ورأسهم ورئيسهم وَلَهُ فِي نظم الشعر كلمات راقية شافية وشائقة تعرب عن لطافة طبعه فمن ذَلِكَ مَا قاله ملغزاً فِي مجمرة البخور

كل نار للشوق تضرم بالهج

ر وناري تشب عند الوصال

فإذا الصد راعني سكن الوج

د وَلَمْ يخطر الغرام ببالي

ومن مشهور شعره

يَا من رماني عن قوس فرقته

بسهم هجر غلا تلافيه

أرض لمن غاب عنك غيبته

فذاك ذنب عقابه فِيهِ

وله أيضاً:

من كَانَ يلبس كلبه

وشياً ويقنع لي بجلدي

فالكلب مني عنده

خير وخير منه عندي

ومن شعره أيضاً:

كَانَتْ بتهنئة الشبيبة سكرة

فصحوت واستأنفت سيرة مجمل

وقعدت أرتقب الفناء كراكب

عرف المحل فبات دون المنزل

وَكَانَ أبو الحسن بن التلميذ يحضر عند المقتفي كل أسبوع مرة فيجلسه لكبر سنه وَكَانَتْ دار القوارير ببغداد مجراة فِي إقطاعه فحلها الوزير يحيى بن هبيرة فِي ولايته فحضر أبو الحسن بن التلميذ يوماً عند الخليفة عَلَى عادته فلما أراد الانصراف عجز عن القيام لضعفه الكبر فقال لَهُ المقتفي كبرت يَا حكم قال نعم كبرت وتكسرت قواريري وهذا مثل يتماجن بِهِ أهل بغداد لمن عجز وبطل ففطن الخليفة وقال رجل عمر فِي خدمتنا مَا تماجن قط بحضرتنا ولهذا يتماجن سر ثُمَّ فكر ساعة وسأل عن دار القوارير فقيل لَهُ قَدْ حلها الوزير ابن هبيرة عنه وأخذها منه فأنكر المقتفي عَلَى ذَلِكَ إنكاراً شديداً وردها إِلَيْهِ وزاده إقطاعاً آخر وتوفي هبة الله بن صاعد فِي صفر سنة ستين

ص: 255

وخمسمائة وَقَدْ قارب المائة وذهنه بحاله.

هبة الله بن الحسين بن علي الحكيم أبو القاسم الطبيب الأصفهاني من أهل أصفهان ذكره محمد بن محمد بن حامد فقال كَانَ معاصر عمي وطبيبه من محاسن الدهر ومعادن الدر وأفاضل العصر ذا فضائل لا تدخل تَحْتَ الحصر فِي أقران البديع الاصطرلابي والقاضي الأرجاني عند طبه لا يشتري بقراط بقيراط ولا يستقيم سقراط عَلَى السراط وحق لحق ابن بطلان البطلان وقام بفضله من حذقه البيان والبرهان وتوفي سنة نيف وثلاثين وخمسمائة بسكتة إصابته ودفن فِي سرداب داره وهو مسكت وفتح بابه بعد أشهر لينقل فوجد جالساً فوجد جالساً عند الدرجة وهو ميت وَلَهُ شعر حلو منه مَا قاله يصف حماماً فِي دار صديق لَهُ:

ودخلت وجنته وزرت جحيمه

وشكرت رضواناً ورأفة مالك

والبشر فِي وجه الغلام نتيجة

لمقدمات ضياء وجه المالك

هبة الله بن ملكا أبو البركات اليهودي فِي أكثر عمره المهتدي فِي آخر أمره أَوْحد الزمان طبيب فاضل عالم بعلوم الأوائل من يهود بغداد قريب العهد من زماننا كَانَ فِي وسط المائة السادسة وَكَانَ موفق المعالجة لطيف الإشارة وقف عَلَى كتب المتقدمين والمتأخرين فِي هَذَا الشأن واعتبرها واختبرها فلما صفت لديه وانتهى أمرها إِلَيْهِ صنف فِيهَا كتاباً سماه المعتبر إخلاء من النوع والرياضي وأتى فِيهِ بالمنطق والطبيعي والإلهي فجاءت عبارته فصيحة ومقاصده فِي ذَلِكَ الطريق صحيحة وهو احسن كتاب صنف فِي هَذَا الشأن فِي هَذَا الزمان ولما مرض أحد السلاطين السلجوقية استدعاه من مدينة السلام وتوجه نحوه ولاطفه إِلَى أن برئ فأعطاه العطايا الجمة من الأموال والمراكب والملابس والتحق وعاد إِلَى العراق عَلَى غاية مَا يكون من التجمل والغنى

ص: 256

وسمع أن ابن أفلح قَدْ هجاه بقوله:

لنا طبيب يهودي حماقته

إذَا تكلم تبدو من فِيهِ

يتيه والكلب أعلا منه منزلة

كأنه بعد لَمْ يخرج من التيه

فلما سمع ذَلِكَ علم أنه لا يجل بالنعمة الَّتِي أنعمت عَلَيْهِ إِلَاّ بالإسلام فقوي عزمه عَلَى ذَلِكَ وتحقق أن لَهُ بناتاً كباراً وأنهن لا يدخلن معه فِي الإسلام وأنه متى كَانَ لا يرثنه فتضرع إِلَى خليفة وقته فِي الإنعام عَلَيْهِن بما لا يخلّفه وإن كن عَلَى دينهن فوقع لَهُ بذلك ولما تحققه اظهر إسلامه وجلس للتعليم والمعالجة وقصده الناس وعاش عيشة هنية وأخذ الناس عنه مما تعلمه جزأ متوفراً قال لي بعض أهل الفضل أن أَوْحد الزمان أبا البركات هَذَا كَانَ جالساً فِي مجلسه للإقراء وعليه ثوب أطلس مثمن أحمر اللون من خلع السلجوقي إذ دخل عَلَيْهِ رجل من أوساط أهل بغداد وشكا إِلَيْهِ سعالاً أدركه وَقَدْ طالت مدته وَلَمْ ينجح فِيهِ دواء فأمره بالقعود فقال لَهُ إذا سعلت وقطعت شيئاً فلا تنقله حَتَّى أقول لَكَ مَا تصنع فقعد ساعة وقطع فاستدعاه إِلَيْهِ وادخل يده فِي كم ذَلِكَ الثوب الأطلس وقال لَهُ اتفل فِيهِ فتوقف خشية عَلَى موضع يده من الثوب فانتهزه فتفل وضم أوحد الزمان يده عَلَى مَا فِيهَا من الثوب والتفلة وأخذ قيماً من استفهام وإفهام ساعة ثُمَّ فتح يده ونظر الثوب وموضع التفلة منه ساعة يقلبه ويتأمله ثُمَّ قال لبعض الحاضرين اقطع من هَذِهِ الشجرة نارنجة وأحضرها وَكَانَ فِي داره شجره تاريخ حاملة ففعل الرجل المأمور ذَلِكَ فلما أحضر النارنجة قال للرجل الشاكي كل هَذِهِ فقال لَهُ أَيُّهَا الحكيم متى أكلته مت فقال إن أردت العافية فقد وصفتها لَكَ فشرع الرجل وأكل منها إِلَى أن استنفدها فقال لَهُ امض وانظر مَا يكون فِي ليلتك فمضى الرجل ولما كَانَ فِي اليوم الثاني حضر وهو متألم فقال مَا جرى لَكَ قال مَا نمت لكثرة مَا نالني من السعال فقال لأحد الجماعة أحضر لي نارنجة من تِلْكَ الشجرة فأحضره إياها فقال للشاكي كلها أيضاً فقال إذَا أكلتها مَا يبقى فِي الموت شك فقال كلها فهي الدواء فأكل الرجل ومضى فلما كَانَ فِي اليوم الثالث جاء فسأله عن حاله فقال بت خير مبيت وَلَمْ أسعل فقال لَهُ برئت ولله الحمد وإياك وأكل النارنج بعدها إِن تأكل بعدها نارنجة أخرى

ص: 257

يحصل لَكَ مَا لا يرجى لَكَ برؤه وأمره بما يستعمل فِي المستقبل فلما قام من عنده سأله الجماعة عن السبب فقال أخذت ثفلته فِي الثوب الأطلس الأحمر وأحميتها فِي كفي ساعة ونظرت فِيهَا هل بقي بعد مَا نشر بِهِ الثوب مما ثفل كالقشور والنخالة فلم أجده ولو وجدته دلني عَلَى أن السعال من قرح فِي الرئة أَوْ فِي الصدر وكلاهما صعب فلما لَمْ أجد شيئاً من ذَلِكَ علمت أنه بلغم لزج زجاجي وَقَدْ لحج بقصبة الرئة وآلات التنفس فأردت جلاءه من هناك وأمرته بتناول النارنجة فلما عاد إلي ووجد شدة علمت أنها قَدْ جلت وقطعت مَا هناك وَلَمْ تستنفده فأمرنه بتناول الأخرى فجلت مَا بقي ونهيته عن استعمال الأخرى لئلا يقرح الموضع بكثرة الجلاء فيقع فيما احترزنا منه فاستحسن الحاضرون ذَلِكَ من صناعته اللطيفة وَكَانَ الأطباء فِي وقته يسألونه عن مسائل من الأمر فيجيب عنها بخطه فيسطرون ذَلِكَ عنه إِلَى أن صار مؤلفاً يتناقلونه بينهم وَلَمْ يزل سعيداً إِلَى أن قلب لَهُ الدهر ظهر المجن ووضع من سنائه بعد أن أسن فأدركته علل قصر عن معاناتها طبه واستولت عَلَيْهِ آلام لَمْ يطق حملها جسمه ولا قلبه وذلك أنه عمي وطرش وبرص وتجذم فنعوذ بالله من استحالة الأحوال وضيق المجال وسوء المآل ولما أحس بالموت أوصى إِلَى من يتولاه أن يكتب عَلَى قبره مَا مثاله هَذَا قبر أوحد الزمان أبي البركات ذي العبر صاحب المعتبر فذكر بعض من رأى قبره بهذه الصنعة فسبحان من لا تغلبه غالب ولا ينجو من قضائه متحيل ولا هارب نسأل الله فِي حياتنا العافية وخاتمة خير فِي العاقبة ري قَدْ أحسنت فيما مضى فأسألك أن تحسن إلينا فيما بقي سؤال عبدك الضعيف المضطر فاستجب لَهُ ولا ترده عن بابك خائباً يَا الله .. وَفِي كبر أبي البركات أوحد الزمان وتواضع أمين الدولة أبي الحسن بن التلميذ يقول البديع هبة الله الاصطرلابي:

أبو الحسن الطبيب ومقتفيه

أبو البركات فِي طرفي نقيض

فذاك من التواضع فِي الثريا

وهذا بالتكبر فِي الحضيض

وذكر ابن الزاغواني أن إسلام أبي البركات كَانَ سببه أنه كَانَ فِي صحبة السلطان محمود ببلاد الجبل وإلى محمود ولاية العراق وَكَانَتْ زوجته

ص: 258

الخاتون بنت عمه سنجر وَكَانَ لَهَا مكرماً محباً معظماً واتفق أن مرضت وماتت فجزع جزءاً شديداً ولما عاين أبو البركات ذَلِكَ الجزع من محمود خاف عَلَى نفسه من القتل إذ هو الطبيب فأسلم طلباً لسلامة نفسه.

هرمس الثاني هَذَا هو هرمس الثاني بلا شك وهو هرمس البابلي شهدت التواريخ بذلك من أهل بابل سكن مدينة الكلدانيين وهو كلوذا وينسبون إليها كلدانياً عَلَى خلاف الأصل وَكَانَ بعد الطوفان وهو أول من بنى مدينة بابل بعد نمروذ بن كوش وَكَانَ بارعاً فِي علم الطب والفلسفة وعارفاً بطبائع الأعداد وَكَانَ تلميذ فيثاغورس لارثماطيقي وهرمس هَذَا جدد من علم الطب والفلسفة وعلم العدد وَمَا كَانَ قَدْ درس بالطوفان ببابل ذكر ذَلِكَ أبو معشر ومدينة الكلدانيين هَذِهِ مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من حدد الحدود ورتب القوانين وهم فلاسفة الفرس حذاق.

هرمس الثالث المصري والصحيح الَّذِي دلت عَلَيْهِ الأخبار وتواترت أن هَذَا هو الثالث وهو الَّذِي سمى المثلث بالحكمة لأنه جاء ثالث الهرامسة الحكماء والبابلي هو الثاني فافهم ذَلِكَ ترشد إِن شاء الله وهذا رجل من حكماء مصر بعد الطوفان وَكَانَ فيلسوفاً جوالاً إِلَاّ فِي البلاد قديم العهد عالماً بالبلاد ونصبها وطبائع أهلها وَلَهُ. كتاب جليل فِي صناعة الكيمياء. وكتاب فِي الحيوانات ذوات السموم وهو من علماء هَذَا الإقليم وأمة إقليم مصر من الأمم المذكورة وكانوا أهل ملك عظيم وهز قديم فِي الدهور الخالية والأزمان السالفة دل عَلَى ذَلِكَ آثارهم وعمائرهم وهياكلهم وبيوت علمهم الموجود أكثرها فِي الإقليم إِلَى يومنا هَذَا وهي آثار أجمع أهل الأرض أنه لا مثل لَهَا فِي إقليم من الأقاليم فأما مَا كَانَ قبل الطوفان فجهل خبره وبقي أثره مثل الأهرام والبرابي والمغائر المنحوتة فِي جبال الإقليم إِلَى غير ذَلِكَ من الآثار الموجودة وأما بعد الطوفان فقد صار أهل الإقليم أخلاطاً من الأمم قبطي ورومي ويوناني وعمليقي إِلَاّ أن الغلبة والكثرة للقبط وإنما خفي عَلَى الناس أنسابهم فاقتصر من التعريف بهم عَلَى نسبتهم إِلَى وضعهم من بلد مصر وحد بلاد مصر فِي الطول من برقة الَّتِي فِي جنوب البحر الرومي إِلَى أيلة من ساحل الخليج من بحر الحبشة والزنج والهند والصين ومسافة ذَلِكَ قريب من أربعين يوماً

ص: 259

وحدها فِي العرض من مدينة أسوان الَّتِي بأعلى نيل مصر وَمَا سامتها من أرض الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة إِلَى مدينة رشيد وَمَا حاذاها من مساقط النيل فِي البحر الرومي وَمَا اتصل بذلك ومسافته قريب من ثلاثين يوماً وَكَانَ أهل مصر فِي سالف الزمان صابئة تعبد الأصنام وتدبر الهياكل ثُمَّ تنصرت عند ظهور دين النصرانية وَلَمْ تزل عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن فتحها المسلمون فأسلم بعضهم وبقي سائرهم عَلَى دينهم أهل ذمة إِلَى اليوم وَكَانَ لقدماء أهل مصر الذين كانوا قبل الطوفان عناية بأنواع العلم وبحث عَلَى غوامض الحكم وكانوا يرون أنه كَانَ فِي عالم الكون والفساد قبل نوع الإنسان أنواع كثيرة من الحيوانات عَلَى صور غريبة وتراكيب شاذة ثُمَّ كَانَ نوع الإنسان تغلب عَلَى تِلْكَ الأنواع حَتَّى أفنى أكثرها وشرد بقيتها إِلَى القفار والفلوات فمنهم الغيلان والسعالى وأمثال ذَلِكَ وذلك مما ذكره عنهم الوصيفي فِي تاريخه المؤلف فِي أخبارهم وزعم جماعة من العلماء أن جميع العلوم الَّتِي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن هرمس الأول الساكن لصعيد مصر الأعلى وهو الَّذِي يسميه العبرانيون أخنوخ النبي بن يادر بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم هو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا تقدم ذكر فِي أول الكتاب وقالوا أه أول من تكلم فِي الجواهر العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل ومجد الله فِيهَا وأول من نظر فِي علم الطب وألف لأهل زمانه قصائد موزونة فِي الأشياء الأرضية والسماوية وقالوا أنه أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي فِي صعيد مصر الأعلى وصور فِيهَا جميع الصناعات والآلات ورسم فِيهَا صفات العلوم حرصاً منه عَلَى تخليدها لمن بعده خيفة أن يذهب رسمها من العالم والله أعلم.

وَكَانَ بمصر بعد الطوفان علماء بضروب الفلسفة من العلوم الرياضية والطبيعية والإلهية وخاصة علم الطلسمات والنيرانجيات والمرائي المحرقة والكيمياء وغير ذَلِكَ وَكَانَتْ دار العلم والملك بمصر فِي قديم الدهر مدينة منف وهي بالقبطية مافة وهي عَلَى اثني عشر ميلاً من الفسطاط فلما بنى الإسكندر مدينة الإسكندرية رغب الناس فِي عمارتها لحسن هوائها وطيب مائها فكانت دار الحكمة بمصر إِلَى أن تغلب عَلَيْهَا المسلمون واختط عمرو ابن

ص: 260

العاص عَلَى نيل مصر مدينته المعروفة بقسطاط مصر فانسرب أهل مصر وغيرهم من العرب وغيرهم إِلَى سكناها فصارت قاعدة مصر من ذَلِكَ الوقت إِلَى اليوم ولهرمس هَذَا الَّذِي قدمنا ذكره كلام فِي صناعة الكيمياء يخرج فِيهَا إِلَى عمل الزجاج والغضار وقال المصريون أن اسقلبيادس الَّذِي يعظم أمره يونان كَانَ تلميذاً لهرمس المصري هَذَا وأنه رحل إِلَى مصر من بلاد يونان واستفاد منه مَا استفاد ثُمَّ عاد إِلَى بلاد يونان فزاده غرائب مَا أتى بِهِ من العلوم الَّتِي لا يعلمونها فعظموه وحكوا عنه حكايات فِيهَا شناعات واستحلالات تهويلاً لأمره وتعظيماً لقدره عَلَى مَا ورد بعضه فِي أخباره فِي حرف الألف.

وَلَهُ من التصانيف المأثورة عنه. كتاب عرض مفتاح النجوم الأول. كتاب مفتاح النجوم الثاني. كتاب تسيير الكواكب. كتاب قسمة تحويل سني المواليد عَلَى درجة درجة. كتاب المكتوم فِي أسرار النجوم المسمى قضيب الذهب ونقلت عن صحف هرمس المثلث بالحكمة نبذ هي من مقالته إِلَى تلميذه طاطي عَلَى سبيل سؤال وجواب بينهما وهي عَلَى غير نظام وولاه لأن الأصل كَانَ بالياً مفرقاً.

هلال بن إبراهيم بن زهرون أبو الحسين الصابي الحراني الطبيب نزيل بغداد وهذا هو والد أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب وَكَانَ هلال هَذَا طبيباً حاذقاً عاقلاً صالح العلاج متفنناً خدم الناس بصناعته وتقدم عند أجلاء بغداد وخالطهم بصناعته قال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال هَذَا رأيت أبا الحسين والدي فِي يوم من أيام خدمته لتوزون وَقَدْ خلع عَلَيْهِ وحمله عَلَى بغل حسن بمركب ثقيل ووصله بخمسة آلاف درهم وهو مع ذَلِكَ مشغول القلب منقسم الفكر فقلت لَهُ مَا لي أراك يَا سيدي مهموماً ويجب أن تكون فِي مثل هَذَا اليوم مسروراً فقال يَا بني هَذَا الرجل يعني توزون جاهل يضع الأشياء فِي غير موضعها ولست أفرح بما يأتيني منه من جملة عن غير معرفة أتدري مَا سبب هَذِهِ الخلعة قلت لا قال سقيته دواء مسهلاً فجاف عَلَيْهِ وسحجه وقام عدة مجالس دماً عبيطا حَتَّى تداركته بما أزال ذَلِكَ عنه وكفى المحذور فِيهِ فاعتقد بجهله أن فِي خروج ذَلِكَ الدم صلاحاً لَهُ ولست آمن أن يستشعر فِي السوء من غير استحقاق فتلحقني منه الأذية وكذلك كَانَتْ حاله معه من بعد.

هرقل النجار حكيم بابلي أحد السبعة.

ص: 261