المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتب جالينوسالخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها - إخبار العلماء بأخبار الحكماء

[جمال الدين القفطي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌حرف الهمزة فِي أسماء الحكماء

- ‌الكلام عَلَى كتبه الطبيعيات

- ‌الكتب الَّتِي وجدت فِي خزانة الرجل الَّذِي يسمى ابليقون

- ‌حرف الباء الموحدةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف التاء المثناةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الثاء المثلثةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الجيمفِي أسماء الحكماء

- ‌تسميةكتب جالينوس ونقولها وشروحها

- ‌كتب جالينوسالخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها

- ‌حرف الحاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الخاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الدال المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الذال المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الراء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الزاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف السين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الشين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الصاد المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الطاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف العين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الغين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الفاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرق القاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الكاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف اللامفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الميمفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف النونفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الهاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الواوفِي أسماء الحكماء

- ‌ونسخة المحضر الثاني

- ‌حرف الياءفِي أسماء الحكماء

- ‌الكنى فِي أسماء الحكماء

- ‌الأبناء فِي أسماء الحكماء

الفصل: ‌كتب جالينوسالخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها

نقل حنين ست مقالات. كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة نقل حنين ست مقالات. كتاب النبض الكبير نقل حبيش شت عشرة مقالة وهو أربعة أقسام ونقل حنين مقالة إِلَى العربي. كتاب الحميات نقل حنين مقالتان. كتاب أيام البحران نقل حنين ثلاث مقالات. كتاب حيلة البرء نقل حبيش إِلَى العربي وأصلح حنين الست الأول والكتاب أربع عشرة مقالة وأصلح الثمان الأواخر قبله محمد بن موسى. كتاب تدبير الأصحاء نقل حبيش ست مقالات هَذِهِ الكتب الستة عشر عَلَى الولاء.

‌كتب جالينوس

الخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها

كتاب التشريح الكبير خمس عشرة مقالة نقل حبيش. كتاب اختلاف التشريح نقل حبيش مقالتان. كتاب تشريح الحيوان الميت نقل حبيش مقالة. كتاب تشريح الحيوان الحي نقل حبيش نقالتان. كتاب علم بقراط بالتشريح نقل حبيش خمس مقالات. كتاب علم أرسطوطاليس فِي التشريح نقل حبيش ثلاث مقالات. كتاب تشريح الرحم نقل حبيش إِلَى العربي مقالة. كتاب حركات الصدر والرئة نقل اصطفن ابن بسيل إِلَى العربي وإصلاح حنين ثلاث مقالات. كتاب علل النفس نقل اصطفن أيضاً وإصلاح حنين لولده مقالتان. كتاب حركة العضل نقل اصطفن أيضاً وإصلاح حنين مقالة. كتاب الصوت نقل حنين لمحمد بن عبد الملك الزيات إِلَى العربي أربع مقالات. كتاب الحاجة إِلَى النبض نقل حبيش مقالة. كتاب الحركة المجهولة نقل حبيش الى العربي مقالة. كتاب الحاجة إِلَى النفس نقل اصطفن نصفه ونقل حنين نصفه مقالة. كتاب آراء بقراط وأفلاطون نقل حبيش عشر مقالات. كتاب منافع الأعضاء نقل حبيش إِلَى العربي وإصلاح حنين لإسقاطه سبع عشرة مقالة. كتاب خصب البدن نقل حنين مقالة. كتاب أفضل الهيئات نقل حنين إِلَى السرياني والعربي مقالة. كتاب سوء المزاج المختلف نقل حنين مقالة. كتاب الامتلاء ترجمة اصطفن مقالة. كتاب الأدوية المفردة نقل حنين إحدى عشر مقالة. كتاب الأورام ترجمة إبراهيم بن الصلت مقالة. كتاب المنى نقل حنين مقالتان. كتاب المولود لسبعة أشهر

ص: 104

ترجمة حنين مقالة. كتاب المرة السوداء نقل اصطفن مقالة. كتاب رداءة التنفس نقل حنين لولده ثلاث مقالات. كتاب تقدمة المعرفة نقل عيسى بن يحيى مقالة. كتاب الذبول نقل حنين مقلة. كتاب الفصد نقل عيسى بن يحيى ترجمة اصطفن مقالة. كتاب صفات لصبي يصرع نقل الصلت إِلَى السرياني والعربي مقالة. كتاب التدبير بقراط للأمراض الحادة نقل حنين مقالة. كتاب الكيموس نقل ثابت وشملي وحبيش إِلَى العربي مقالة. كتاب الأدوية المقابلة للإدواء نقل عيسى بن يحيى مقالتان. كتاب تركيب الأدوية نقل حبيش الأعسم سبع عشر مقالة. كتاب إِلَى ثراسابولوس نقل حنين مقالة. كتاب الترياق إِلَى قيصر نقل يحيى بن البطريق مقالة. كتاب فِي أن الطبيب الفاضل فيلسوف نقل حنين. كتاب الرياضة بالكرة الصغيرة نقل حبيش مقالة. كتاب فِي تركيب بقراط الصحيحة نقل حنين مقالة. كتاب الحث عَلَى تعلم الطب نقل حبيش مقالة. كتاب محنة الطبيب نقل حنين مقالة. كتاب مَا يعتقده رأياً نقل ثابت مقالة. كتاب البرهان خمس عشرة مقالة الموجود بعضه. كتاب تعريف المرء عيوبه ترجمة توما وإصلاح حنين مقالة. كتاب الأخلاق نقل حبيش أربع مقالات. كتاب انتفاع الخيار بأعدائهم نقل حنين مقالة. كتاب مَا ذكره أفلاطون فِي طيماؤس الموجود منه عشرون مقالة بنقل حنين وترجم إسحاق الثلاثة الباقية. كتاب فِي أن المحرك الأول لا يتحرك نقل حنين مقالة ونقل عيسى بن يحيى وإسحاق. كتاب فِي أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن نقل حبيش مقالة. كتاب عدد المقاييس نقل اصطفن وإسحاق أيضاً لعلي بن يحيى ولمحت فِي كتاب الفصد لجالينوس وَلَيْسَ بالرسالة الصغيرة المشهورة وهذا كتاب أكبر من الرسالة قَدْ خرجه حنين بن إسحاق من اليونانية إِلَى العربية وهذيه وزاد فِيهِ مقدمة فيما يجب عَلَى الطبيب اعتماده فِي الصنعة والعلاج وتلاه بكلام جالينوس فِي الفصد نص فِيهِ كلاماً عن جالينوس مثاله أنه قال أخبرك أني رأيت فِي بعض البوادي فِي ناحية النوبة قوماً من رجال ونساء يفصد بعضهم بعضاً عَلَى غير معرفة وَكَانَ الرجال يفصدون النساء والنساء يفصدون الرجال فرأيت من قلة بصرهم بالفصد مَا أخبرك بِهِ رأيت رجلاً فصد رجلاً عرقاً من ذراعه أسفل من عرق الباسليق وهي شعبة تنشعب منه

ص: 105

فضربه ضربة بزجاجة وَكَانَتْ عروق ذَلِكَ الرجل صعبة صلبة كأنها أعصاب إذَا اشتدت لا تمتلئ عند الشد وإذا حلت لا تنضم عند الحل فضربه ضربة كسرت الزجاجة فِي جوف العرق ثُمَّ وسع جالينوس الكلام فِي ذَلِكَ قلت وهذا دليل عَلَى أن جالينوس دخل الإقليم المصري وسلكه إِلَى آخر. فإن النوبة وبواديهم عَلَى طرف إقليم مصر من ناحية الجنوب.

جبرائيا بن بختيشوع بن جورجيس بن بختيشوع الجند يسابوري كَانَ طبيباً حاذقاً نبيلاً لَهُ تآليف فِي الطب وخدم الرشيد الخليفة ومن بعده وحل محل أبيه بختيشوع عند الخلفاء ونشأ فِي دولتهم وجبرائيل من أجل جند يسابور وأهل جند يسابور من الأطباء فيهم حذق بهذه الصناعة وعلم من زمن الأكاسرة وذلك سبب وصولهم إِلَى هَذِهِ المنزلة هو أن سابور بن أزدشير كَانَ قَدْ هادن فيلبس قيصر ملك الروم بعد تغلبه عَلَى بلد سوريا وافتتاحه أنكاكيه فطلب منه أن يزوجه ابنته عَلَى شيء تراضياً بِهِ ففعل قيصر ذَلِكَ وقبل أن تنقل إِلَيْهِ بني لَهَا مدينة عَلَى شكل قسطنطينية وهي مدينة جند يسابور وذكر فِي سيرهم أنها كَانَتْ قرية لرجل يعرف بجندا وأن سابور لما اختار موضعها ليبنيه مدينة بذل لَهُ ثمنها مالاً جزيلاً فأبى أن يبيعها فقال دعني أبنيها فأبى إِلَاّ أن يشاركه فِي البناء وَكَانَ المجتازون يسألون الصناع من يعمرها فيقولون جندا وسابور يعمرانها فصار اسمها جند يسابور ولما نقل إليها ابنة قيصر انتقل معها من كل صنف من أهل بلدها ممن هي محتاجة إِلَيْهِ فانتقل معها أطباء أفاضل ولما أقاموا بِهَا بدؤوا يعلمون أحداثاً من أهلها وَلَمْ يزل أمرهم يقوى فِي العلم ويتزايدون فِيهِ ويرتبون قوانين العلاج عَلَى مقتضي أمزجة بلدانهم حَتَّى برزوا فِي الفضائل وجماعة يفضلون علاجهم وطريقتهم عَلَى اليونانيين والهند لأنهم أخذوا فضائل كل فرقة فزادوا عَلَيْهَا بما استخرجوه من قبل نفوسهم فرتبوا لهم دساتير وقوانين وكتباً جمعوا فِيهَا كل حسنة حَتَّى أن فِي سنة عشرين من ملك كسرى اجتمع أطباء جند يسابور بأمر الملك وجرى بينهم مسائل وأجوبتها وأثبتت عنهم وَكَانَ أمراً مسهوراً واسطة المجلس جبرائيل دوستاباذ لأنه كَانَ طبيب كسرى

ص: 106

والثاني السوفسطائي وأصحابه ويوحنا وجماعة من الطباء وجرى بينهم من المسائل والتعريفات مَا إذا تأملها القارئ لَهَا استدل عَلَى فضلهم وغزارة عالمهم وَلَمْ يزالوا كذلك حَتَّى ولي المنصور الخلافة وبنى مدينة السلام فعرض لَهُ مرض فاستدعى منهم جورجيس ابن بختيشوع عَلَى مَا يرد فِي خبره إن شاء الله تعالى.

ولما كَانَ فِي سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فتقدم الرشيد إِلَى يختيشوع بأن يخدمه وذلك أن من أدب الطبيب إذَا كَانَ خاصاً بالملك أن لا يخدم أحداً من أصحابه إِلَاّ بأمره ولما أفاق جعفر من مرضه قال لبختيشوع أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إِلَيْهِ قال لَهُ بختيشوع لست أعرف فِي هؤلاء أحذق من ابن جبرائيل وهو أمهر مني فِي الصناعة فقال لَهُ جعفر أحضرنيه فلما أحضره شكى إِلَيْهِ مرضاً كَانَ يخفيه فدبره فِي مدة ثلاثة أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه وَكَانَ لا يصبر عنه ساعة ومعه يأكل ويشرب.

وفي بعض الأيام تمطت حظية للرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والأدهان فلا ينفع ذَاكَ شيئاً فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قَدْ بقيت هَذِهِ الصبية بعلتها قال لَهُ جعفر لي طبيب ماهر وهو ابن بختيشوع تدعوه وتخاطبه فِي معنى هَذَا المرض فلعل عنده حيلة فِي علاجه فأنمر بإحضاره ولما حضر قال لَهُ الرشيد مَا اسمك قال جبرائيل قال أي شيء تعرف من الطب قال أبرد الحار وأسخن البارد وأرطب اليابس وأجفف الرطب الخارج عن الطبع فضحك الرشيد وقال هَذَا غاية مَا يحتاج إِلَيْهِ فِي صناعة الطب ثُمَّ شرح لَهُ حال الصبية فقال جبرائيل إن لَمْ يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة قال لَهُ الرشيد مَا هي قال تخرج الجارية إِلَى ههنا بحضرة الجميع حَتَّى أعمل مَا أريده وتمهل علي ولا تعجل بالسخط فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت وحين رآها جبرائيل أسرع إليها ونكس رأسه وأمسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضائها وبسطت يدها إِلَى أسفل وأمسكت ذيلها فقال جبرائيل قَدْ برأت يَا أمير المؤمنين فقال الرشيد للجارية ابسطي يدك يمنة ويسرة ففعلت فعجب الرشيد وكل من كَانَ حاضراً وأمر لجبرائيل فِي الوقت بخمسمائة ألف درهم وأحبه وجعله رئيساً عَلَى جميع

ص: 107

الأطباء ولما سئل عن سبب العلة قال هَذِهِ الجارية انصب إِلَى أعضائها وقت المجامعة خلق رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولأجل أن سكون حركة الجماع يكون بغتة جمدت الفضلة فِي بطون الأعصاب وَكَانَ كَانَ يحلها إِلَاّ حركة مثلها فاحتلت حَتَّى انبسطت حرارتها وحلت الفضلة فبرأت وهذا من الحيلة فِي البرء ولهذا قيل فِي كتاب امتحان الطبيب أنه يجب أن يكون الطبيب متيقظاً ذكياً لَهُ قدرة عَلَى استعمال القياس يستخرج للعلاج من تلقاء نفسه.

وَكَانَ محلو يقوى ويعلو فِي كل وقت حَتَّى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كَانَتْ لَهُ حاجة إلي فليخاطب فِيهَا جبرائيل لأني أفعل كل مَا سألنيه ويطلبه مني فكان القواد يقصدونه فِي كل امورهم وحاله يتزايد ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت مدته خمس عشرة سنة لَمْ يمرض الرشيد فحظي عنده وَفِي آخر أيام الرشيد عند حصوله بطوس مرض المرضة الَّتِي توفي فِيهَا وسنذكرها إن شاء الله تعالى.

قال يوسف بن إبراهيم مولى إبراهيم بن المهدي سأل مولاي أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي جبرائيل بن بختيشوع عن مسكن جالينوس أَيْنَ كَانَ من أرض الروم فذكر أن مسكنه كَانَ متوسطاً لأرض الروم وأنه فِي هَذَا الوقت فِي طرف من أطرافها وذكر أن حد الروم كَانَ فِي أيام جالينوس من ناحية المشرق مما يلي الفرات القرية المعروفة ينقبا من طسوج الأتبار وكانت مسلحة يجتمع جند فارس والروم ونواظرهما فِيهَا وَكَانَ الحد من ناحية دجلة دارا إِلَاّ فِي بعض الأوقات فإن ملوك فارس كَانَتْ تغلبهم عَلَى مَا بَيْنَ دارا ورأس العين وَكَانَ الحد فيما بَيْنَ فارس والروم من ناحية الشمال أرمينية ومن ناحية المعرب مصر إِلَاّ أن الروم قَدْ كَانَتْ تغلب فِي بعض الأوقات عَلَى أرمينية فتلقيت قوله بالإنكار لَهُ وجحدت أن تكون الروم غلبت عَلَى أرمينية إِلَاّ عَلَى الموضع الَّذِي تسمى بأرض الروم أرميناس فإن الروم يسمون أهل هَذَا البلد إِلَى هَذِهِ الغاية الأرمن فشهد لَهُ مولاي أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بالتصديق وأتي بالدليل عَلَى ذَلِكَ لَمْ أدفعه وهو نمط أرمني كأحسن مَا رأيت من الأرمني صنعة فِيهِ صور جوار يلعبن فِي بستان بأصناف الملاهي الرومية وهو مطرز مسمى باسم ملك الرزم فسلمت لجبرائيل ورجع الحديث إِلَى القول فِي جالينوس قال واسم البلد الَّذِي ولد فِيهِ

ص: 108

وَكَانَ يسكنه جالينوس سرنا وقيل سمرنا وكان منزله بالقرب من قرة بينه وبينها فرسخان قال جبرائيل ولما نزل الرشيد عَلَى قرة ورأيته طيب النفس فقلت لَهُ يَا أمير المؤمنين أطال الله بقاك منزل أستاذي الكبر عَلَى فرسخين فإن رأى أمير المؤمنين أن يطلق لي الذهاب إِلَيْهِ حَتَّى أطعم وأشرب وأصول بذلك عَلَى متطببي أهل دهري وأقول إني أكلت وشربت فِي منزل أستاذي فاستضحك الرشيد من قولي ثُمَّ قال لي ويلك يَا جبرائيل أتخوف أن يخرج جيش الروم أَوْ منسر من مناسرهم فتخطفك فقلت لَهُ من المحال أن يقدم منسر الروم عَلَى القرب من معسكرك هَذَا القرب كله فأحضر إبراهيم بن عثمان بن نهيك وأمره أن يضم إلي خمسمائة رجل حَتَّى أوافي الناحية فقلت لَهُ مَا بي إِلَى النظر إِلَى منزل جالينوس حاجة فازداد ضحكاً ثُمَّ قال وحق المهدي لينفذن ألف فارس قال جبرائيل فخرجت وأنا أشد الناس غماً وأكسفهم بالاً وقد أعددت لنفسي مَا لا يكفي عشرة أنفس من الطعام والشراب قال فما استقر فِي الموضع حتى وافاني من الخبز والمطاعم المعدة للمسافر مَا عم من معي وفضل كثير فأقمت فِي ذَلِكَ الموضع قطعت فِيهِ ومضى فتيان الجند فأغاروا إلى مواضع خمور الروم فأكلوا اللحم كباباً بالخبز وشربوا الخمور وانصرفوا فِي آخر النهار وسأل إبراهيم بن المهدي جبرائيل هل تبين فِي رسم منزل جالينوس مَا يدل أنه كَانَ لَهُ سرو فقال لَهُ أما الرسم فكبير ورأيت لَهُ أبياتاً شرقية وأبياتاً عربية وأبياتاً قبلية وَلَمْ أرى لَهُ بيتاً فراتياً هَذَا يدل عَلَى أن الفرات كَانَ شمالي المدينة ثُمَّ قال وكذلك كَانَتْ فلاسفة الروم تجعل بيوتها وكذلك كَانَتْ ترى عظماء فارس وكذلك أرى أنا إذَا صدقت نفسي وعملت بما تحب لأن كل بيت لا تدخله الشمس يكون وبيئاً وإنما كان جالينوس عَلَى حكمته خادماً لملوم الروم وملوك الروم أهل قصد فِي جميع أمورهم فإذا قست منزل جالينوس عَلَى حكمته بمنازل الروم رأيت من كبر خطته وكثرة بيوته وأن كنت لَمْ أرها إِلَاّ خراباً عَلَى أنني قَدْ وجدت منها أبياتاً مسقفة استدللت بِهَا عَلَى أنه ذا مروءة فسكت عنه إبراهيم فقلت يَا أبا عيسى أن ملوك الروم عَلَى مَا ذكرت فِي القصد وَلَيْسَ قصدهم فِي هباتهم وعطاياهم إِلَاّ مثل قصدهم فِي مروآت أنفسهم فالنقص يدخل المخدوم

ص: 109

والخادم فإذا نظرت إلي قصد ملوك الروم وموضع جالينوس ثُمَّ نظرت إِلَى فضل أمير المؤمنين ومنزلك يكون نسبة منزل جالينوس إِلَى منزل ملك الروم مثل نسبة منزلك إِلَى منزل أمير المؤمنين وكان جبرائيل أحياناً يعجب مني لكثرة السؤال والاستقصاء فِيهِ ويمدحني بِهِ عند مولاي إبراهيم بن المهدي وأحياناً يغضب حَتَّى يكاد يطير غيظاً فقال لي وَمَا معنى ذكرك النسبة فقلت أردت بذكر النسبة أنها لفظة يتكلم بِهَا حكماء الروم وأنت رئيس تلامذة أولئك الحكماء فأردت التقرب إِلَيْكَ بمخاطبتك بألفاظ أستاذيك

وإنما معنى قولي نسبة دار جالينوس إِلَى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إِلَى دار أمير المؤمنين أنها إن كَانَتْ دار جالينوس مثل نصف أَوْ ثلث أَوْ ربع أَوْ خمس أَوْ قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من دار ملك الروم مثل قدر دار من دار أمير المؤمنين أَوْ أقل فإن دار أمير المؤمنين إن كَانَتْ فرسخاً فقدر دارك عُشر فرسخ ثُمَّ أن دار ملك الروم أن كَانَتْ عشر فرسخ ودار جالينوس عُشر عشر فرسخ كَانَ قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من أمير المؤمنين .. قال قدر مَا عاينته من ذَلِكَ بكثير فقلت لَهُ أتخبر عما أسأل فقال لست آبي عَلَيْكَ فقلت إنك قَدْ أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال إن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجيس جده لَمْ يكن من الخلفاء فقط وإنما كَانَ من الخلفاء وولاة العهد وإخوة الخلفاء وعمومتها وقرابتها ووجوه مواليها وقوادها وكل ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس وَلَمْ يكن لَهُ متقدم نعمة لأن أباه كَانَ زراعاً وصاحب أجنة وكروم فكيف يمكن من كَانَ معاشه من أهل هَذَا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قَدْ خدما خلفاء وأفضلوا عليهما وأفضل عليهما غيرهم ممن هو دونهم وَقَدْ أفضل عليّ الخلفاء ورفعوني من حد الطب إِلَى المعاشرة والمسامرة وأنه لَيْسَ لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إِلَاّ وهو يداريني إن لَمْ يكن مائلاً بمحبته إلي وشاكراً لي عَلَى علاج ومحضر جميل حضرته لَهُ ووصفته وصفاً حسناً عند الخليفة فنفعته وكل واحد من هؤلاء يفضل عليَّ ويحسن إليَّ وإذا قدر داري من دار الخليفة عَلَى جزء من عشرة أجزاء وَكَانَ قدر دار جالينوس من دار ملك الروم عَلَى قدر جزء من مائة جزء فهو اعظم مني مروءة فقال لَهُ إبراهيم بن المهدي أرى حدتك عَلَى إبراهيم مولاي إنما كَانَتْ لأنه قدمك فِي المروءة عَلَى جالينوس فقال أجل والله لعن الله من لا يشكر النعم ولا يكافئ عَلَيْهَا بكل مَا أمكنه أي والله إني لأغضب أن أساوي بجالينوس فِي حالة من الحالات وأشكر عَلَى تقديمه علي فِي كل الحالات فاستحسن ذَلِكَ منه إبراهيم بن المهدي وأزهر استصوابه لَهُ وقال هَذَا لعمري الَّذِي يحسن بالأحرار والأدباء فانكب جبرائيل عَلَى قدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهدي يقبلها فمنعه من ذَلِكَ وضمه إِلَيْهِ. ما معنى قولي نسبة دار جالينوس إِلَى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إِلَى دار أمير المؤمنين أنها إن كَانَتْ دار جالينوس مثل نصف أَوْ ثلث أَوْ ربع أَوْ خمس أَوْ قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من دار ملك الروم مثل قدر دار من دار أمير المؤمنين أَوْ أقل فإن دار أمير المؤمنين إن كَانَتْ فرسخاً فقدر دارك عُشر فرسخ ثُمَّ أن دار ملك الروم أن كَانَتْ عشر فرسخ ودار جالينوس عُشر عشر فرسخ كَانَ قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من أمير المؤمنين .. قال قدر مَا عاينته من ذَلِكَ بكثير فقلت لَهُ أتخبر عما أسأل فقال لست آبي عَلَيْكَ فقلت إنك قَدْ أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال إن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجيس جده لَمْ يكن من الخلفاء فقط وإنما كَانَ من الخلفاء وولاة العهد وإخوة الخلفاء وعمومتها وقرابتها ووجوه مواليها وقوادها وكل ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس وَلَمْ يكن لَهُ متقدم نعمة لأن أباه كَانَ زراعاً وصاحب أجنة وكروم فكيف يمكن من كَانَ معاشه من أهل هَذَا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قَدْ خدما خلفاء وأفضلوا عليهما وأفضل عليهما غيرهم ممن هو دونهم وَقَدْ أفضل عليّ الخلفاء ورفعوني من حد الطب إِلَى المعاشرة والمسامرة وأنه لَيْسَ لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إِلَاّ وهو يداريني إن لَمْ يكن مائلاً بمحبته إلي وشاكراً لي عَلَى علاج ومحضر جميل حضرته لَهُ ووصفته وصفاً حسناً عند الخليفة فنفعته وكل واحد من هؤلاء يفضل عليَّ ويحسن إليَّ وإذا قدر داري من دار الخليفة عَلَى جزء من عشرة أجزاء وَكَانَ قدر دار جالينوس من دار ملك الروم عَلَى قدر جزء من مائة جزء فهو اعظم مني مروءة فقال لَهُ إبراهيم بن المهدي أرى حدتك عَلَى إبراهيم مولاي إنما كَانَتْ لأنه قدمك فِي المروءة عَلَى

ص: 110

جالينوس فقال أجل والله لعن الله من لا يشكر النعم ولا يكافئ عَلَيْهَا بكل مَا أمكنه أي والله إني لأغضب أن أساوي بجالينوس فِي حالة من الحالات وأشكر عَلَى تقديمه علي فِي كل الحالات فاستحسن ذَلِكَ منه إبراهيم بن المهدي وأزهر استصوابه لَهُ وقال هَذَا لعمري الَّذِي يحسن بالأحرار والأدباء فانكب جبرائيل عَلَى قدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهدي يقبلها فمنعه من ذَلِكَ وضمه إِلَيْهِ.

وذكر جبرائيل فِي جملة مَا ذكره لإبراهيم بن المهدي يوماً أنه دخل ذات يوم عَلَى الفضل بن سهل ذي الرئاساتين بعد إسلامه وهو مخنتن وبين يديه مصحف قرآن وهم يقرأ فِيهِ قال فقلت جون بيني نامه إيزد فقال خوش وجون كليلة ودمنة تفسيرها هَذَا الكلام قال جبرائيل قلت لَهُ كيْفَ ترى كتاب الله فقال طيب ومثل كليلة ودمنة.

ولما حصل الرشيد بطوس وقوي عَلَيْهِ المرض قال لجبرائيل لَمْ لا تبرئني قال لَهُ قَدْ كنت أنهاك دائماً عن التخليط وكثرة الجماع ولا تسمع منى والآن سألتك أن ترجع إِلَى بلدك فإنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا هو مرض شديد وأرجو أن الله بعافيتك فأمر بحبسه عنه وقيل أن بفارس أسقفاً يفهم الطب فوجه إِلَيْهِ وأحضره ولما حضر ورآه قال لَهُ الَّذِي عالجك لَمْ يكن يفهم الطب فزاد ذَلِكَ فِي إيعاء جبرائيل وَكَانَ الفضل بن الربيع يحب جبرائيل ورأى الأسقف كذاباً يريد إقامة السوق وَكَانَ الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد ويقول فِيهِ أنت قريب من الصحة ثُمَّ قال لَهُ هَذَا المرض كله من خطأ جبرائيل فاغتاظ الرشيد وأمر الفضل بن الربيع بقتله فلم يقبل منه الفضل لأن جبرائيل كَانَ قَدْ قال للفضل أنه يموت بعد أيام يسيرة واستبقى جبرائيل وعرض للفضل بن الربيع قولج صعب يئس الأطباء منه فعالجه جبرائيل بألطف علاج فبرئ الفضل وازدادت محبته لجبرائيل وأعجب بِهِ.

وملك محمد الأمين ووافى إِلَيْهِ جبرائيل فقبله أحسن قبول وأكرمه ووهب لَهُ أموالاً جليلة أكثر مما كَانَ أبوه يهبه وَكَانَ الأمين لا يأكل ولا يشرب إِلَاّ بإذنه فلما كَانَ من أمر الأمين مَا كَانَ وولي المأمون كتب إِلَى بغداد بحبس جبرائيل ولما مرض الحسن بن سهل فِي سنة ثلاث ومائتين مرض مرضاً شديداً وعالجه الأطباء فلم ينتفع فأخرج جبرائيل وعالجه فبرئ فِي أيام يسيرة

ص: 111

فوهب لَهُ وافراً وكتب إِلَى المأمون يعرفه خبر علته وكيف برئ عَلَى يد جبرائيل وسأله فِي أمره فأجابه بالصفح عنه ولما دخل المأمون الحضرة فِي سنة خمس ومائتين أمر بحبس جبرائيل فِي منزله وأن لا يخدم ووجه من أحضر ميخائيل المتطبب وهو صهر جبرائيل وجعله مكانه وأكرمه إكراماً وافراً كياداً لجبرائيل ولما كَانَ فِي ستة عشر ومائتين مرض المأمون مرضاً صعباً وَكَانَ وجوه الأطباء يعالجونه ولا يصلح فقال لميخائيل هو ذا تزيدني الأدوية الَّتِي تعطيني شراً فاجمع وشاورهم فِي أمري فقال أخوه أبو عيسى يَا أمير المؤمنين نحضر جبرائيل فإنه يعرف أمزجتنا منذ الصبا فتغافل عن كلامه وأحضر أبو إسحاق أخوه يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل ووقع فِيهِ فلما ضعفت قوة المأمون عن أخذ الدوية أذكروه بجبرائيل فأمر بإحضاره ولما حضر غير تدبيره كله فاستقام وبعد ثلاثة أيام صلح فسر بِهِ المأمون سروراً عظيماً ولما كَانَ بعد أيام صلح صلاحاً تاماً وأذن لَهُ جبرائيل فِي الأكل والشرب ففعل ذَلِكَ فقال لَهُ أخوه أبو عيسى يوماً وهو جالس عَلَى الشراب معه مثل هَذَا الرجل الَّذِي لَمْ يكن مثله ولا يكون سبيله أن يكرم فأمر لَهُ المأمون بألف ألف درهم ورد عَلَيْهِ سائر ما قبض عنه من الأملاك والضياع وصار إذَا خاطبه كناه بأبي عيسى جبرائيل وأكرمه زيادة عَلَى مَا كَانَ أبوه يكرمه وانتهى بن الأمر فِي إجلاله إِلَى أن كَانَ كل من تقلد عملاً لا يخرج إلى عمله إِلَاّ بعد أن يلقى جبرائيل ويكرمه.

وَفِي سنة ثلاث عشرة ومائتين مرض جبرائيل مرضاً شديداً فلما رآه المأمون ضعيفاً التمس منه إنفاذ ابنه بختيشوع معه إِلَى بلد الروم فأحضره وَكَانَ مثل أبيه فِي الفهم والعقل ولما خاطبه المأمون فرح بِهِ فرحاً شديداً وأكرمه غاية الإكرام ورفع منزلته وأخرجه إِلَى بلد الرزم وطال مرض جبرائيل إِلَى أن بلغ الموت فصل وصية إِلَى المأمون تشتمل عَلَى سبعمائة ألف دينار هَذَا بعدما نُهب لَهُ وَمَا أنكره أصحاب الودائع وَمَا أخذه الأمين وَمَا بذله فِي الكفالات والمصادرات والنفقات وشراء الضياع والأملاك عَلَى ذكر مَا فِي الدرج الَّذِي وجد بخطه ودفع الوصية إِلَى ميخائيل صهره ومات وَكَانَتْ جنازته مشهورة ودفن فِي دير مارسرجس بالمداين ولما عاد المأمون من بلد الروم دفع الوصية

ص: 112

جميعها إِلَى بختيشوع ابنه فعمد بختيشوع إِلَى الدير فعمره وجمع لَهُ رهباناً وأجرى عليهم الحرايات والنفقات .. وهذا ثبت مَا كان لجبرائيل من الرزق والرسوم والصلات ذكر أن رزقه كَانَ برسم العامة فِي كل شهر من الورق عشرة آلاف درهم وبرسم الخاصة فِي المحرم فِي كل سنة من الورق خمسون ألف درهم وثياب بقيمة عشرة آلاف درهم ولفصد الرشيد دفعتين فِي السنة مائة ألف درهم ولشرب الدواء دفعتين فِي السنة مائة ألف درهم ومن أصحاب الرشيد كل سنة عَلَى مَا فصل مع مَا فِيهِ من قيمة الكسوة وثمن الطيب والدواب من الورق أربعمائة ألف درهم .. تفصيل ذَلِكَ عيسى بن جعفر خمسون ألف درهم زبيدة أم جعفر خمسون ألف درهم العباسة خمسون ألف درهم فاطمة سبعون ألف درهم إبراهيم بن عثمان ثلاثون ألف درهم الفضل بن الربيع خمسون ألف درهم كسوة وطيب ودواب مائة ألف درهم ومن غلة ضياعه بجند يسابور والسوس والبصرة والسواد فِي كل سنة ثمانمائة ألف درهم ومن فضل المقاطعة سبعمائة ألف درهم وَكَانَ يصير إِلَيْهِ من البرامكة فِي كل سنة من الورق ألفا ألف وأربعمائة ألف درهم .. تفصيل ذَلِكَ يحيى بن خالد ستمائة ألف درهم جعفر بن يحيى الوزير ألف ألف ومائتا ألف درهم الفضل بن يحيى ستمائة ألف درهم فيكون جميع ذَلِكَ فِي خدمته للرشيد وهي ثلاث وعشرون سنة وخدمته للبرامة وهي ثلاث عشر سنة سوى الصلات الجسام فإنها لَمْ تذكر فِي هَذَا المدرج من الورق ثمانية ألف ألف درهم وثمانمائة ألف درهم الخرج من ذَلِكَ فِي النفقات والصلات والكفالات والصدقات عَلَى مَا تضمنه المدرج من العين تسعمائة ألف دينار ومن الورق سبعون ألف ألف وستمائة ألف درهم ثُمَّ بعد ذَلِكَ وصى لابنه يختيشوع وجعل المأمون الوصي فِيهَا كما ذكرنا سالفاً سبعمائة ألف دينار وذكر إبراهيم بن المهدي أنه تخلف عن مجلس محمد الأمين فِي أيام خلافته عشية من العشايا لدواء وَكَانَ أخذه وإن جبرائيل باكره غداة اليوم الثاني فأبلغه سلام الأمين وسأله عن حاله كيْفَ كَانَتْ فِي دوائه ثُمَّ دنا منه فقال أمير المؤمنين فِي تجهيز علي بن عيسى إِلَى خراسان ليأتيه بالمأمون أسيراً فِي قيد من

ص: 113

فضة وجبرائيل برئ من النصرانية إن لَمْ يغلب المأمون محمداً ويقتله ويحوز ملكه قال فقلت لَهُ ويحك ولِم قلت هَذَا القول قال لأن الخليفة الموسوس قَدْ سكر فِي هَذِهِ الليلة فدعا أبا عصمة السبيعي صاحب حرسه وأمره بسواد فنزع عنه وألبسه ثيابي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسيفه ومنطقته وأجلسني فِي مجلس صاحب الحرس إِلَى وقت طلوع الفجر وأجلسه فِي مجلسي وقال لكل واحد مني ومن أبي عصمة قَدْ قلدتك مَا كَانَ يتقلده صاحبك فقلت أن الله مغير مَا بِهِ من نعمة لتغيره مَا بنفسه منها وأنه إذَا جعل حجبته وحراسته إِلَى رجل نصراني والنصرانية أذل الأديان لأنه لَيْسَ فِي عقد دين غيرها التسليم لما يراد بِهِ من عدوه من المكروه مثل الإذعان لمن سخره بالسخرة ميلاً وإن لعلم لَهُ قَدْ حول الأخر ليعلم فقضيت أعزك الله أن عز الرجل زائل وقضيت أنه حين أجلس فِي مجلس متطببه الحافظ عنده لحياته والقائم بمصالح بدنه والخادم لطبيعته أبا عصمة الذي لا يفهم من ذَلِكَ قليلاً ولا كثيراً بأنه لا عمر لَهُ وأن نفسه تالفة قال إبراهيم بن المهدي فكان الأمر شهد الله عَلَى مَا قال جبرائيل.

ومن أخبار جبرائيل أنه اجتمع فِي بعض الأوقات مع عشرة أطباء من أهل زمانه وفيهم ابن داوود بن سرافيون وتحادثوا طويلاً وجرى حديث شرب الماء عند الأنبياء من النوم فقال ابن داوود بن سرافيون مَا فِي الدنيا أحمق ممن يشرب الماء عند الانتباه من نومه فقال جبرائيل أحمق منه من يتضرم نار عَلَى كبده فلا يطفئها فقال لَهُ الغلام فكأنك تطلق شرب الماء عند الانتباه من النوم فقال لَهُ جبرائيل أما المحرور المعدة ومن أكل طعاماً مالحاً فأطلقه لَهُ وأمنع المرطوبي المعدة وأصحاب البلغم المالح فإن فِي منعهم شفاء لما يجدونه فقال الحدث وَقَدْ بقيت الآن واحدة وعي أن يكون العطشان يفهم من الطب مثل فهمك فيعرف عطشه من مرارة أَوْ من بلغم مالح فضحك جبرائيل وقال متى عطشت ليلاً فأبرز رجلك من دثارك فاصبر قليلاً فإن تزيد عطشك فهو من حرارة أَوْ من طعام تحتاج إِلَى شرب الماء عَلَيْهِ فاشرب وإن نقص عطشك فأمسك من شرب الماء فإنه بلغم مالح.

وقال يوسف بن الحكم دخلت دار جبرائيل يوماً والمائدة بَيْنَ يديه يأكل فِي يوم من تموز وعليها فراخ طيور مسرولة كبار وَقَدْ عملت كردناك بفلفل فأكل منها وطالبني أن آكل منها فقلت لَهُ كيْفَ آكل فِي مثل هَذَا الوقت من السنة

ص: 114

وسني من الشباب فقال مَا الحمية عندك فقلت تجنب الأغذية الردية فقال لي غلطت لَيْسَ مَا ذكرت حمية ثُمَّ قال لا أعرف أحداً أعظم قدرة ولا أصغر يصل إِلَى الإمساك عن غذاء من الأغذية كل دهره إِلَاّ أن يكون ببغضه ولا تتوق نفسه إِلَيْهِ لأن الإنسان قَدْ يمسك عن أكل شيء برهة ثُمَّ يضطره إِلَى أكله عدم سواء لعلة من العلل أَوْ لمساعدة صديق أَوْ شهوة تتجدد لَهُ فمتى أكله وَقَدْ احتمى منه مدة طويلة لَمْ تقبله طبيعته ونفرت منه فأحدث فِي بدن آكله مرضاً صعباً والأصلح للأبدان تدربها عَلَى الأغذية الردية حَتَّى تألفها وأن تأكل منها كل يوم شيئاً واحداً ولا تجمع بَيْنَ شيئين رديين فِي يوم واحد وإذا أكلت شيئاً منها فِي يوم لَمْ تعاوده فِي غد ذَلِكَ اليوم لأن الأبدان إذَا تربت عَلَى استعمال هَذِهِ الأشياء ثُمَّ اضطر الإنسان إِلَى الإكثار من بعضها لَمْ تنفر من استعماله وإنا قَدْ رأينا الأدوية المسهلة إذَا أدمتها مدمن وألفها بدنه فإن فعلها فِيهِ وَلَمْ تسهله وأهل الأندلس إذَا أراد أحدهم إسهال طبيعته أخذ من السقمونيا وزن ثلاثة دراهم حَتَّى يلين طبيعته مقدار مَا يلينها وزن نصف درهم فِي بلدته وإذا كَانَتْ الأبدان تألف الأدوية حَتَّى تمنعها من فعلها فهي بالأغذية وغن كَانَتْ ردية أشد إلفاً قال يوسف فحدثت بهذا الحديث بختيشوع أباه فسألني إملاءه عَلَيْهِ فكتبه عني بخطه.

جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع بن جبرائيل كَانَ والده عبيد الله بن بن بختيشوع منصرفاً ولما ولي المقتدر استخصه لخدمته وأقام فِي خدمة المقتدر مدة ثُمَّ مات وخلف ولده جبرائيل هذا وأختاً لَهُ صغيرين وانفذ المقتدر ليلة موت عبيد الله بن بختيشوع ثمانين فراشاً حملوا الموجود فِي بيته من رحل وأثاث وآنية وبعد مواراته فِي القبر اختفت امرأته وَكَانَتْ ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالجرشون فقبض عَلَى والدها بسببها وطلب منه ودائع ابنته وأخذ منه مال كثير فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إِلَى عكبرا مستترة من السلطان فتزوجت برجل طبيب فأقامت مديدة عند ذَلِكَ الرجل وماتت وأخذ الرجل جميع مَا كَانَ معها ودفع ولدها عنه فدخل جبرائيل بغداد وَمَا معه إِلَاّ شيء يسير وقصد طبيبها وَكَانَ يعرف بهرمزد فلازمه وقرأ عَلَيْهِ

ص: 115

وَكَانَ من أطباء المقتدر وقرأ عَلَى ابن يوسف الواسطي الطبيب ولازم البيمارستان والعلم والدرس وَكَانَ يأوي إِلَى أخوال لَهُ ثلاثة وكانوا يسكنون بدار الروم وكانوا يسيئون عشرتهم عَلَيْهِ ويلومونه عَلَى تعرضه للعلم والصناعة ويمجنون معه بأنه يريد أن يكون مثل جديه بختيشوع وجبرائيل مَا يرضى أن يكون مثل أخواله وهو لا يلتفت وهو لا يلتفت إِلَى أقوالهم واتفق أنه جاء رسول من كرمان إِلَى معز الدولة وحمل إِلَيْهِ الحمار المخطط والرجل الَّذِي طوله سبعة أشبار والآخر الَّذِي طوله شبران وكتاب الهدايا المعروفة واتفق أنه نزل قصر فرج من الجانب الشرقي فِي قريب من الدكان الذي كَانَ يجلس جبرائيل فِيهِ وصار ذَلِكَ الرسول يجلس إِلَيْهِ كثيراً ويحادثه ويباسطه فلما كَانَ فِي بعض الأيام استدعاه وشاوره فِي الفصد فأشار بِهِ وفصده وتردد إِلَيْهِ يومين فانفذ إِلَيْهِ الرسول عَلَى رسم الديلم الصينية الَّتِي كَانَتْ فِيهَا العصائب والطشت والإبريق وجميع الآلة ثُمَّ استدعاه وقال لَهُ أدخل إِلَى هؤلاء القوم فانظر مَا يصلح لهم وَكَانَ مع الرسول جارية يهواها قَدْ عرض لَهَا نزف الدم وَمَا بقي بفارس ولا بكرمان ولا بالعراق طبيب مذكور إِلَاّ وعالجها ولك ينجع فِيهَا العلاج فلما رآها رتب لَهَا تدبيراً وعمل لَهَا معجوناً وسقاها إياه فما مضي إِلَاّ مديدة حَتَّى برئت وصلح جسمها وفرح بذلك سيدها فرحاً عظيماً ولما كَانَ بعد مدة يسيرة استدعاه الرسول وأعطاه ألف درهم ودراعة سقلاطون وثوباً توزياً وعمامة قصب وقال ادخل إليهم وطالبهم بحقك فأعطته الجارية ألف درهم وقطعتين من كل نوع من الثياب وحمل عَلَى بغلة بمركب واتبع ذَلِكَ بمملوك زنجي فخرج وهو أحسن الناس حالاً ولما رآه أخواله وثبوا لَهُ وتلقوه لقياً جميلاً فقال لهم للثياب تكرمون لَيْسَ لي.

ولما مضى الرسول ذكره بفارس وكرمان بما عمل وَكَانَ ذَلِكَ داعياً إِلَى خروجه إِلَى شيراز وكان هَذَا أول مَا نبغ عضد الدولة وولي شيراز ولما دخل رفع خبره فاستدعي وسئل عن عصبتي العين فتكلم فِيهَا بكلام حسن موقعه فاغتبط بِهِ وقر لَهُ دار وجراية طافيتان ثُمَّ أنه عرض لكوكبين خال عضد الدولة فلما وصل إِلَيْهِ أكرمه وأجعله وَكَانَ بِهِ وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء فركب لَهُ جوارش تفاحي وذلك فِي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فانتفع بِهِ منفعة عظيمة فأعطاه وأجزل إعطاءه ورده إِلَى شيراز مكرماً ثُمَّ أن

ص: 116

عضد الدولة دخل إِلَى بغداد وهو معه فِي خاصته وجدد البيمارستان فصار يأخذ رزقين وهما برسم الخواص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية وكانت نوبته فِي الأسبوع يومين وليلتين لملازمته الدار.

واتفق أن الصاحب أبا القاسم بن عباد عرض لَهُ معرض صعب فِي معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس منه طبيباً فأمر عضد الدولة بجميع الأطباء البغداديين وغيرهم ومشاورتهم فيمن يصلح أن ينفذ إِلَيْهِ قال الأطباء البغداديون عَلَى سبيل الإبعاد لَهُ من بينهم وحسداً لَهُ عَلَى تقدمه مَا يصلح أن يلقي مثل ذَلِكَ الرجل إِلَاّ أبو عيسى لأنه متكلم جيد الحجة عالم باللغة الفارسية فوقعه هَذَا القول موافقاً لعضد الدولة فأطلق لَهُ مالاً ألح أمره وحمل إِلَيْهِ مركوباً جميلاً وبغالاً للحمل وأنفذه ولما وصل إِلَى الري تلقاه الصاحب تلقياً جميلاً وأنزل فِي دار قَدْ أعدت لمثله بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغير ذَلِكَ ولما أقام عنده أسبوعاً استدعاه يوماً وَقَدْ جمع عنده أهل العلم من أصناف العلوم ورتب لمناظرته إنساناً من أهل الري قَدْ قرأ طرفاً من الطب فسأله عن أشياء من أمر النبض فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة وعلل وتعليلات لَمْ يكن فِي الجماعة من سمع بِهَا وأورد شكوكاً ملاحاً فلك يكن فِي الحاضرين إِلَاّ من أكرمه وعظمه وخله عَلَيْهِ صاحب فِي ذَلِكَ اليوم خلعاً حسنة وسأله أن يعمل لَهُ كناشاً يختص بذكر الأمراض الَّتِي تعرض من الرأس وإلى القدم ولا يخلط بِهَا غيرها فعمل كناشة الصغير فحسن موقعه عند الصاحب ووصله بشيء قيمته ألف دينار وَكَانَ دائماً يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إِلَى عضد الدولة فأعجب بِهِ وزاد موضعه فلما عاد من الري دخل إِلَى بغداد بزي جميل صالح وأمر وغلمان وخدم وصادف من عضد الدولة كل مَا سره وقال من يوثق بِهِ أنه دخل الأطباء عَلَيْهِ ليهنئونه بوروده وسلامته فقال أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان يَا أبا عيسى زرعنا فأكلت أردناك تبعد فازددت قرباً فضحك جبرائيل من قوله وقال لَيْسَ الأمور إلينا لَهَا مدبر وصاحب.

وأقام جبرائيل ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خشروشاه ملك الديلم ونحف جسمه وقوي استشعاره وَكَانَ عنده أطباء كلما عالوه ازداد مرضه

ص: 117

فأنفذ إِلَى الصاحب يلتمس منه طبيباً فقال مَا أعرف من يصلح لهذا غير جبرائيل فكاتب الصاحب عضد الدولة وسأله إنفاذه فأنفذه مكرماً ولما وصل إِلَى الديلمان أقام عند الملك وباشر بتدبيره وعلاجه وعاد بأمر الله إِلَى حال الصحة وقابله بما يحتمله ملك فِي حق مثله وسأله أن يعمل لَهُ صورة المرض وتدبيراً يعول عَلَيْهِ ويعمل ب فعمل. مقالة ترجمها فِي ألم لدماغ بمشاركة المعدة والحجاب يعني الحجاب الفاصل بَيْنَ آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيالرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل اسطقسات البدن فقال هَذَا الدم فسأله أن يعمل لَهُ كتاباً يبرهن فِيهِ عَلَى علل ذَلِكَ فعمل لَهُ. مقالة مليحة بيّن فِيهَا البراهين الَّتِي تدل عَلَى هَذَا ودعاه إِلَى بغداد وعمل. كناشه الكبير ووسمه بالكافي ووقف منه نسخة عَلَى دار العلم ببغداد وعمل فِي البيمارستان عَلَيْهَا وأنه عرف بذلك الكتاب فيقال أبو عيسى صاحب الكناش وعمل. كتاب المطابقة بَيْنَ قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لَمْ يعمل للشرع مثله لكثرة احتوائه عَلَى الأقاويل وذكر المواضع الَّتِي استخرجت منها وعمل. مقالة فِي الرد عَلَى اليهود جمع فِيهَا أشياء منها شهادات عَلَى صحة مجيء المسيح عليه السلام وأنه قَدْ كَانَ ويطل انتظارهم ومنها صحة القربان بالخبز والخمر ومناه لم جعل من الخمر قربا وأصلحه محرم رأيان علل التحليل والتحريم.

وعرض لَهُ أن سافر إِلَى أرض المقدس وصام بِهِ يوماً واحداً ومضى منه إِلَى دمشق واتصل خبره بالعزيز بن المعز العلوي المستولي عَلَى مصر وكوتب من حضرته بكتاب جميل واستدعي فامتنع واحتج بأن لَهُ ببغداد أسباباً ينجزها ويعود إِلَى الحضرة قاصداً ليفوز بحق القصد ولما عاد إِلَى بغداد أقام بِهَا وعدل عن المضي إِلَى مصر ثُمَّ أن ممهد الدولة أنفذ إِلَيْهِ ولاطفه حَتَّى توجه إِلَيْهِ إِلَى ميافارقين لأسقاها الله ولا المستولى عَلَيْهَا صوب الغيث وأخجله وجد لَهُ ولا جدّ لَهُ ولا أهمله بعد أن أمهله أعني المستولي عَلَيْهَا الآن ولما وصل إِلَيْهِ إكراماً مشهوراً ومن ظريف مَا جرى لَهُ مه أنه أول ستة ورد فِيهَا سقى الأمير مسهلاً وقال لَهُ يجب أن نأخذ الدواء سحراً فعمد الأمير وأخذه أول الليلي فلما أصبح ركب إِلَى الدار ودخل إِلَيْهِ وأخ نبضه وسأله عن الدواء فقال مَا عمل معي شيئاً امتحاناً لَهُ فقال لَهُ جبرائيل النبض يدل عَلَى نفاذ دوائي والأمير أصدق فضحك وقال لَهُ كم ظنك بالدواء فقال يعمل مع الأمير خمسة وعشرين مجلساً ومع غيره زائداً وناقصاً فقال قَدْ عمل إِلَى

ص: 118

الساعة ثلاثة وعشرين فقال هو يعمل تمام مَا قلت ورتب لَهُ مَا يستعمله وخرج من عنده وأمر بأن يشد رحله ويصلح أسباب الانصراف فبلغ ممهد الدولة ذَلِكَ فأنفذ إِلَيْهِ يستعلم سبب انصرافه فقال مثلي لا يجرب لأنني أشهر من أن أحتاج إِلَى تجربة فترضاه وحمل إِلَيْهِ بغلة ودارهم لَهَا قدر.

وَفِي هَذِهِ المدة كاتبه ملك الديلم بكتب جميلة يسأله فِيهَا أن يزوره وكاتب ممهد الدولة يسأله فِي ذَلِكَ فمنعه من المضي وأقام فِي الخدمة ثلاث سنين وتوفي فِي يوم الجمعة ثامن شهر رجب سنة ست وتسعين وثلاثمائة للهجرة وَكَانَ عمره خمساً وثمانين سنة ودفن فِي المصلى خارج ميافارقين.

جبرائيل الكحال المأموني كَانَ كحالاً واختص بخدمة المأمون وَكَانَتْ وظيفته فِي كل شهر ألف درهم وَكَانَ المأمون يستخف يده وَكَانَ أول من يدخل إِلَيْهِ فِي كل يوم عند تسليمه من صلاة الغداة ويغسل أجفانه ويكحل عينيه وإذا انتبه من قيلولته فعل مذل ذَلِكَ ثُمَّ سقطن منزلته بعد ذَلِكَ فسئل عن سبب ذَلِكَ فقيل أن الحسين الخادم اعتل فلم يكن ياسر عيادته لاشتغاله بالخدمة إِلَى أن وافى ياسر باب الحجرة الَّتِي كَانَ فِيهَا المأمون وَقَدْ خرجت من عند المأمون فسألني ياسر عن خبر المأمون فأخبرته أنه قَدْ أغفى فغنم ياسر مَا أخبرته من نوم المأمون فسار إِلَى الحسين فعاده وانتبه المأمون قبل انصراف ياسر فسأله المأمون عن سبب نخلفه فقال ياسر أخبرت بنوم أمير المؤمنين فسرت إِلَى الحسين فعدته فقال لَهُ المأمون زمن أخبرك برقادي فقال ياسر جبرائيل قال جبرائيل فأحضرني ثُمَّ قال يَا جبرائيل اتخذتك كحالاً أَوْ عاملاً للأخبار عليّ أخرج عن داري فأذكرته حرمتي فقال أن لَهُ حرمة فليقتصر بِهِ عَلَى إجراء مائة وخمسين درهماً فِي الشهر ولا يؤذن لَهُ فِي الوصول فلم يخدم جبرائيل المأمون بعدها حَتَّى توفي.

جعفر بن محمد بن عمر أبو معشر البلخي عالم أهل الإسلام بأحكام النجوم وصاحب التآليف الشريفة والمصنفات المفيدة فِي صناعة الأحكام

ص: 119

وعلم التعديل وَكَانَ أعلم الناس بسير الفرس وأخبار سائر الأمم فمن كتبه فِي صناعة الأحكام. كتاب الطبائع. كتاب الألوف. كتاب المدخل الكبير. كتاب الفرانات. كتاب الدول والملل. كتاب الملاحم. كتاب الأقاويل والأقاليم. كتاب الهيلاج والكذخداه كتبه إِلَى ابن البازيار. كتاب المقالات فِي المواليد. كتاب النكث تحاويل المواليد وغير ذَلِكَ ومن كتبه. زيجه الكبير وهو كثير وجامع أكثر العلم بالفلك بالقول المطلق المجرد من البرهان. وكتاب الزيج الصغير وهو المعروف بزيج القرانات يتضمن معرفة أوساط الكواكب لأوقات اقتران زحل والمشتري مذ عهد الطوفان.

وَكَانَ أبو معشر مدمناً عَلَى شرب الخمر مشتهراً بمعاقرتها وَكَانَ يعتريه صرغ عند أوقات الامتلاءات القمرية وَكَانَ معاصراً لأبي جعفر محمد بن سنان البثاني وَكَانَ منجماً للموفق أخي المعتمد وَكَانَ معه فِي محاصرته الزنج بالبصرة وَلَهُ إصابات حسنة فِي أحكام النجوم مذكورة بَيْنَ العلماء بهذا النوع وَقَدْ قيل أن أبا معشر كَانَ فِي أول أمره من أصحاب الحديث ومنزله فِي الجانب الغربي بباب خراسان وَكَانَ يضاغن الكندي ويغري بِهِ العامة ويشنع عَلَيْهِ بعلوم الفلاسفة فدس عَلَيْهِ الكندي من حسن لَهُ النظر فِي علم الساب والهندسة فدخل فِي ذَلِكَ فلك يكمل لَهُ فعدل إِلَى علم الأحكام وانقطع شره عن الكندي ويقال أنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وَكَانَ فاضلاً حسن القريحة وضربه المستعين أصواتاً لأنه أصاب فِي شيء خبر بِهِ قبل وقته وَكَانَ يقول أصبت فوقعيت وجاوز أبو المعشر المائة من عمره ومات بواسط فيما قيل وَلَهُ من التصانيف غير مَا تقدم ذكره.

كتاب المدخل الصغير. كتاب زيج الهزارات نيف وستون باباً. كتاب المواليد الكبير وَلَمْ يتمه. كتاب هيئة الفلك. كتاب الاختيارات. كتاب الاختيارات عَلَى منازل القمر. كتاب الطبائع الكبير. كتاب السهمين وأعمار الدول. كتاب اقتران النحسين فِي برج السلطان. كتاب الصور والحكم عَلَيْهَا. كتاب المزاجات. كتاب الأنواء. كتاب المسائل. كتاب إثبات علم النجوم. كتاب الكامل والشامل لَمْ يتمه. كتاب الجمهرة جمع فِيهِ أقوال الناس فِي المواليد. كتاب الأصول وادعاه أبو العنبس. كتاب تفسير المنامات من النجوم. كتاب القواطع عَلَى الهيلاجات. كتاب المواليد الصغير مقالتان. كتاب

ص: 120

زيج القرانات والاحتراقات. كتاب الأوقات عَلَى اثني عشرية الكواكب. كتاب السهام سهام المأكولات والملبوسات. كتاب طبائع البلدان. كتاب الأمطار والرياح.

حكاية نقلها الناقل لَهَا من خط ابن المكتفي قال قرأت بخط ابن الجهم مَا هَذِهِ حكايته كتاب المدخل اسند بن علي وهبه لأبي معشر فانتحله أبو معشر لأن أبا معشر تعلم النجوم عَلَى كبر وَلَمْ يبلغ عقل أبي معشر إِلَى صنعة هَذَا الكتاب ولا لسبع مقالات فِي المواليد ولا لكتابي القرانات هَذَا كله لسند بن علي.

جعفر بن المكتفي بالله أبو الفضل من أولاد الخلفاء فاضل كبير القدر بعلوم متعددة من علوم الأوائل متحقق بذلك أتم تحقيق يرفعه عن التبذل فِي تعليمه مَا هو عَلَيْهِ من علو النسب وَكَانَتْ لَهُ فِي العلوم القديمة تعاليق جميلة ومعرفة بأخبار الأوائل من الحكماء وبأخبار المحدثين منهم وبأحوالهم ومقدار مَا يعلمه كل واحد منهم وَمَا يدعيه مَا لا يعلمه قال هلال بن المحسن وَفِي سحرة يوم الثلاثاء الرابع من صفر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة توفي أبو الفضل جعفر بن المكتفي بالله ومولده فِي سنة أربع وتسعين ومائتين وَكَانَ فاضلاً عاقلاً عارفاً بكثير من العلوم القديمة ولما قدم عضد الدولة إِلَى بغداد اشتاقت نفسه إِلَى جعفر بن المكتفي بالله ولقائه فسير إِلَيْهِ سراً وَكَانَ يجتمع بِهِ من خفية ويأتيه فِي خف وإزار فإذا حصل فِي داره أقعد فِي موضع خال بغير أزار خلا عضد الدولة استدعاه فإذا شاهده تطاول لَهُ فِي القيام وأكرمه وخلا بِهِ وسأله عن فنه من علم أحكام النجوم وأخبار الحدثان فيخبره من ذَلِكَ بما يعجب منه ولا يبعد وقوعه.

قال غرس النعمة محمد بن الرئيس هلال بن المحسن الصابي فِي كتابه وجدت بخط جعفر بن المكتفي بالله مَا يتضمن ذكر مَا حدث من الكواكب ذوات الأذناب فِي أوقاتها مَا كَانَ من تأثيراتها فنسخته ثقة بهذا الرجل وتقدمه فِي هَذِهِ الصناعة وتبريزه فِيهَا إِلَى ابعد غاية ثُمَّ أورد المؤلف رسالته ههنا بأجمعها منها وَفِي خمس وعشرين ومائتين فِي خلافة المعتصم ظهرت فِي الشمس نكتة سوداء قريب منن وسطها وذلك فِي يوم الثلاثاء التاسع عشر من رجب سنة خمس وعشرين ومائتين فلما كَانَ بعد يومين من هَذَا التاريخ وذلك بعد إحدى وعشرين يوماً من رجب حدثت الحوادث وذكر الكندي أنها لبثت هَذِهِ النكتة فِي الشمس إحدى وتسعين يوماً ومات المعتصم بعدها وَقَدْ كَانَ أيضاً طلع كوكبان من كواكب الأذناب قبل موت المعتصم كما طلع منها جماعة

ص: 121

قبل موت الرشيد وذكره الكندي أيضاً أن مدة النكتة كَانَتْ كسوف الزهرة للشمس ولصوقها بِهَا هَذِهِ المدة المذكورة ويقال أنه لما شاء الله فِي ذَلِكَ كلام سبيله أن يتأمل ليوقف عَلَى علة هَذِهِ النكتة عَلَى حقها إِن شاء الله تعالى إِلَى ها هنا من رسالة ابن المكتفي ثُمَّ بعدها ذكر فِي هَذِهِ الرسالة تأثيرات كواكب الأذناب عَلَى طلوعها فِي كل شهر من الشهور السريانية.

جعفر القطاع المدعو بالسديد البغدادي كَانَتْ لَهُ معرفة تامة بالكلام والمنطق والهندسة واطلاع عَلَى علوم الأوائل وأقوالهم ومذاهبهم وَلَهُ يد طولى فِي قسمة الأدور وعماراتها وَكَانَ متظاهر بالتشيع وتوفي فِي يوم السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة ببغداد ودفن بداره بقراح ظفر وَقَدْ جاوز السبعين.

جرجيس الفيلسوف الأنطاكي نزيل مصر يزعم أنه قرأ عَلَى علماء بلده واستوطن مصر وطب لَهَا وأدركه أبو الصلت أمية المغربي بمصر وذكره فقال وَكَانَ بمصر طبيب من أنطاكية يسمى بجرجيس ويلقب بالفيلسوف عَلَى نحو مَا قيل فِي الغراب أبي البيضاء وَفِي اللديغ سليم وَقَدْ تفرغ للتولع بأبي الخير سلامة بن رحمون اليهودي الطبيب المصري والأزراء عَلَيْهِ وَكَانَ يزور فصولاً طبية وفلسفية يبرزها فِي معارض ألفاظ القوم وهي محال لا معنى لَهَا وفارغة لا فائدة فِيهَا ثُمَّ ينفذها إِلَى من سأله عن معانيها ويستوضحه أغراضها فيتكلم عَلَيْهَا ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ باسترسال واستسجال وقلة اكتراث وإهمال يوجد فِيهَا عنه مَا يضحك منه وأنشدت لجرجيس هَذَا فِي أبي الخير سلامة وهو من أحسن مَا سمعته فِي هجو طبيب مشؤوم

أن أبا الخير عَلَى جهله

يخف فِي كفته الفاضل

عليله المسكين من شؤمه

فِي بحر هلك مَا لَهُ ساحل

ثلاثة تدخل فِي دفعة

طلعته والنعش والغاسل

جورجيس بن بختيشوع الجند يسابوري ابن بختيشوع فِي صدر الدولة العباسية كَانَ فاضلاً مذكوراً وَلَهُ من الكتب كتاب الكناش وَكَانَ

ص: 122

المنصور فِي صدر أمره عندما بنى مدينة السلام بغداد فِي سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة أدركه ضعف فِي معدته وسوء استمراء وقلة شهوة وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه فتقدم إِلَى الربيع بجمعهم فلما اجتمعوا قال لهم المنصور أريد من الأطباء فِي سائر المدن طبيباً ماهراً فقالوا مَا فِي عصرنا أفضل من جورجيس بن بختيشوع رئيس أطباء جند يسابور فإنه ماهر فِي الطب وَلَهُ مصنفات جليلة فتقدم المنصور بإحضاره فأنفذه العامل بجند يسابور إِلَى حضرة الخلافة بعد مَا امتنع عن الخروج وأكرهه العامل فخرج ووصى ولد بختيشوع بالبيمارستان وأموره الَّتِي تتعلق بِهِ هناك واستصحب معه إبراهيم وسرجيس تلميذيه فقال لَهُ ولده بختيشوع ولا تدع ها هنا عيسى بن شهلافا فإنه يؤذي أهل البيمارستان فترك سرجيس وأخذ عيسى عوضه ولما وصل إِلَى مدينة السلام أمر المنصور بإحضاره فلما وصل إِلَى الحضرة دعا لَهُ بالفارسية والعربية وعجب المنصور من حسن منطقه ومنظره وأمره بالجلوس وسأله عن أشياء أجابه عنها بسكون فقال قَدْ ظفرت منك يَا جورجيس بما كنت أطلب وخبره بابتداء علته وكيف جرى أمره منذ ابتداء المرض وإلى وقته ذَلِكَ فقال لَهُ جرجيس أنا أديرك بمشيئة الله وعونه فأمر لَهُ فِي الوقت بخلعة جليلة وتقدم إِلَى الربيع بإنزاله فِي أجمل موضع من دوره وإكرامه كما يكرم أخص الأهل وَلَمْ يزل جرجيس يتلطف لَهُ فِي تدبيره حَتَّى برئ المنصور وعاد إِلَى الصحة وفرح بِهِ فرحاً شديداً وأمر أن يجاب إِلَى كل مَا يسأل وقال لَهُ يوماً من يخدمك ها هنا فقال تلامذتي فقال الخليفة سمعت أنه ليست لَكَ امرأة فقال لي زوجة كبيرة ضعيفة ولا تقدر عَلَى النهوض من موضعها وانصرف من الحضرة ومضى إِلَى البيعة فأمر المنصور خادمه سالماً أن يختار لَهُ من الجواري الروميات الحسان ثلاثاً ويحملهن إِلَى جورجيس مع ثلاثة آلاف دينار ففعل ذَلِكَ فلما انصرف جورجيس إِلَى منزله عرفه عيسى بن شهلافا تلميذه بما جرى وأراه الجواري فأنكر أمرهن وقال لعيسى يَا تلميذ الشيطان لَمْ أدخلت هؤلاء إِلَى منزلي أردت أن تتجسني امضِ وردهن إِلَى أصحابهن ثُمَّ ركب جورجيس معه عيسى مع الجواري ومضى إِلَى دار الخليفة وردهن عَلَى الخادم فلما اتصل الخبر بالمنصور أحضره وقال لِم رددت الجواري قال لا يجوز أن يكون مثل هؤلاء فِي منزلي لأنا نعشر النصارى لا نتزوج أكثر من امرأة واحدة مَا دامت المرأة حية لا نأخذ غيرها فحسن موقع هَذَا من الخليفة وأمر فِي الوقت أن يدخل جورجيس إِلَى حظاياه

ص: 123

وحرمه بلا إذن وزاده موضعه عنده وهذا ثمرة العفة.

ولما كَانَ فِي سنة اثنتين وخمسين ومائة مرض جورجيس مرضاً صعباً وَكَانَ المنصور يرسل إِلَيْهِ فِي كل يوم يتعرف خبره ولما اشتد مرضه أمر بحمله عَلَى سرير إِلَى دار العامة وخرج ماشياً إِلَيْهِ وتعرف خبره وسأله عن حاله فخبره جورجيس بِهَا وقال أن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي فِي الانصراف إِلَى بلدي لأنظر أهلي وولدي فإن مت قبرت مع آبائي فقال لَهُ يَا جورجيس اتقِ الله وأسلم وأنا أضمن لَكَ الجنة فقال لَهُ رضيت حَيْثُ آبائي فِي الجنة أَوْ فِي النار فضحك المنصور من قوله ثُمَّ قال لَهُ إني منذ رأيتك وجدت رائحة من الأمراض الَّتِي كَانَتْ تعتادني فقال جورجيس أنا أخلف بَيْنَ يدي أمير المؤمنين عيسى وهو تلميذي وتربيتي فقال كَيْفَ علمه فِي الصناعة قال ماهر قال المنصور ألا أحضرت لَنَا ولدك بختيشوع قال جورج البيمارستان بجند يسابور محتاج إِلَيْهِ ومفتقر إِلَى مثله وأهل البلد كذلك فأمر المنصور بإحضار عيسى بن شهلافا فلما مثل بَيْنَ يديه سأله عن أشياء فوجده ماهراً فأمر لجورجيس بعشرة آلاف دينار وأذن لَهُ فِي الانصراف وأنفذ معه خادماً وقال لَهُ إِن مات فِي الطريق فاحمله إِلَى منزله ليدفن هناك كما أحب فوصل إِلَى بلده حياً.

جابر بن حيان الصوفي الكوفي كَانَ متقدماً فِي العلوم الطبيعية بارعاً منها فِي صناعة الكيمياء وَلَهُ فِيهَا تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة وَكَانَ مع هَذَا مشرفاً عَلَى كثير من علوم الفلسفة ومتقلداً للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام كالحارث بن أسد المجاشي وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم .. وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشاط الاصطرلابي الأندلسي أنه رأي لجابر بن حيان بمدينة مصر تآليفاً فِي عمل الاصطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير لَهُ.

ص: 124