المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكنى في أسماء الحكماء - إخبار العلماء بأخبار الحكماء

[جمال الدين القفطي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌حرف الهمزة فِي أسماء الحكماء

- ‌الكلام عَلَى كتبه الطبيعيات

- ‌الكتب الَّتِي وجدت فِي خزانة الرجل الَّذِي يسمى ابليقون

- ‌حرف الباء الموحدةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف التاء المثناةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الثاء المثلثةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الجيمفِي أسماء الحكماء

- ‌تسميةكتب جالينوس ونقولها وشروحها

- ‌كتب جالينوسالخارجة عن الستة عشر المتقدم شرحها

- ‌حرف الحاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الخاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الدال المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الذال المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الراء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الزاء المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف السين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الشين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الصاد المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الطاء المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف العين المهملةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الغين المعجمةفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الفاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرق القاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الكاففِي أسماء الحكماء

- ‌حرف اللامفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الميمفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف النونفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الهاءفِي أسماء الحكماء

- ‌حرف الواوفِي أسماء الحكماء

- ‌ونسخة المحضر الثاني

- ‌حرف الياءفِي أسماء الحكماء

- ‌الكنى فِي أسماء الحكماء

- ‌الأبناء فِي أسماء الحكماء

الفصل: ‌الكنى في أسماء الحكماء

‌الكنى فِي أسماء الحكماء

أبو جعفر بن أحمد بن عبد الله ولد حبش كَانَ عالماً بالهيئة قيماً بِهَا خبيراً بصناعة الآلات وَلَهُ من التصنيف. كتاب الاسطرلاب المسطح.

أبو جعفر الخازن كنيته هَذِهِ اشتهر من اسمه عجمي النسبة خبير بالحساب والهندسة والتسيير عالم بالأرصاد والعمل بِهَا مذكور بهذا النوع فِي زمانه وَلَهُ تصانيف منها. كتاب زيج الصفائح وهو أجل كتاب وأجمل مصنف فِي هَذَا النوع. كتاب المسائل العددية.

أبو الحسن بن سنان الطبيب هَذَا طبيب كَانَ معاصراً لأبي الحسن الحراني المقدم ذكره ورفيقاً لع تقدم فِي الدولة البويهية وقبلها وَكَانَ طبيباً عالماً خبيراً بهي المنظر والمخبر لَهُ إصابات مذكورة وولده أبو الفرج طبيب وابن ابنه طبيب.

أبو الحسن بن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سنان طبيب فاضل فِي زمانه لا يقصر عن طبقة جده أبي الحسن بن سنان بل كَانَ أوحد زمانه فِي صناعته وَلَهُ ذكر وشهرة وعلو قدر ونباهة.

أبو الحسن تلميذ سنان كَانَ طبيباً ببغداد قرأ عَلَى سنان بن ثابت وتقدم فِي الطب وعرف لبن الأطباء تلميذ سنان وَكَانَ بطب ببغداد فِي أيام بني بويه وَلَهُ ذكر وتقدم وجودة وعلاج وتوفي ببغداد فِي يوم الاثنين الثالث من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.

أبو الحسن بن سنان الصابئ غير من تقدم ذكره من الجماعة بهذه الكنية وهذا الاسم وثابت بن قرة جده هَذَا من أولاد الصابئة ومن البيت المشهور فِي الطب وهم آل سنان وَكَانَ هَذَا موجوداً فِي حدود سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ببغداد وَكَانَ ساعوراً فِي البيمارستان وَلَهُ إصابات فِي الطب وتقدمة المعرفة والتوفيق فِي العلاج عجيبة وَلَمْ يكن بالمقصر فِي صناعته عن مرتبة أسلافه من آبائه وأجداده ونسبائه قال أخوه أبو الفضل ابن سنان مرضت فِي سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

ص: 293

وَكَانَ قَدْ حدث فِي تِلْكَ السنة أمراض كثيرة وورباء عظيم فِي الدنيا وبلغت إِلَى حد الموت وَكَانَ أخي أبو الحسن بن سنان لا يكلمني ولا يدخل عَلي ولهؤلاء الصابئة من سوء الأخلاق ومعاداة الأهل بعضهم بعضاً مَا لا يكون عَلَيْهِ أحد غيرهم حَتَّى لا يرى منهم اثنان متفقين ولا مجتمعين بل يسعى بعضهم فِي بعض ويقبح كل واحد عَلَى الآخر بكل مَا يجد إِلَيْهِ السبيل قال فحكيت حالي لَهُ وَمَا انتهيت إِلَيْهِ فجاءني وأنا بحيث لا أعقل بِهِ ولا بقي عندي ولا فِي مطمع فلما رآني تقدم بذبح دجاجة وأن يستوي منها كبدها وأطعمتيها وبات عندي أسبوعاً إِلَى أن تماثلت وبرأت ثُمَّ انقطع عني وأنا مسرور بسلامتي عَلَى يده وبرجوعه أي وعوده عن هجراني وتقبيحي فلما برأت مضيت إِلَيْهِ أتعكز عَلَى يد إنسان لأشكره وأسلم عَلَيْهِ فلما عرف ذَلِكَ لَمْ يفتح لي وأطلع عَلَى من روشن فِي داره وقال لي أبا الفضل ارجع إِلَى دارك ولا تعد إلي فقد عدنا إِلَى مَا كنا عَلَيْهِ من المهاجرة قال فرجعت منكسراً وَمَا دخل إلي ولا دخلت إِلَيْهِ مدة حياته .. وحكى غرس النعمة محمد بن الرئيس أبي الحسن هلال بن المحسن ابن إبراهيم الصابئ قال كَانَ والدي اعتل فِي المحرم فِي سنة ست وثلاثين وأربعمائة علة صحبة وَكَانَ أبو الحسن بن سنان جارياً عَلَى عادته فِي هجراته فراسلته وسألته الحضور فوعد وأخلف ومضت إِلَيْهِ نسوة من أهله وأهلنا قبحوا عَلَيْهِ مَا فعله وهو يعد ويخلف والرئيس أبو الحسن يزيد فِي مرضه إِلَى الحد الَّذِي غاص وَلَمْ يعقل وبقي كذلك عشرين يوماً فِي النزع وقام بكسر طارعة خيش كَانَ فِيهَا وإلى أبواب عرضي يروم قلعها وذكر النساء أن ذَلِكَ نوع من النزع يعرفنه ويعهدنه ويعدن عن الدار وتركته واشتغلن بالعلم والبكاء عَلَيْهِ وخرجت إِلَى دار الرجال وجلست جلوس التعزية وإذا بِهِ قَدْ دخل علينا وَكَانَ عندي جماعة من أصدقائنا فبقي داهشاً وقال لِم مات فقالوا هو فِي ذَلِكَ فقلت يَا أبا الحسن مات جالينوس رعاش الناس بعده وأما الرجل فميت وَمَا بنا إِلَى رؤيتك ومشاهدتك من حاجة فلم يجبني ونهض فدخل إِلَيْهِ ورآه وصاح بي إِلَيْهِ وقال دع عنك هَذَا الكلام الفارغ وأحضر من الغلمان من يمسكه ويصرعه ففعلنا ذَلِكَ وصاح بِهِ يَا سيدنا يا أبا الحسن أنا أبو الحسن بن سنان وَمَا

ص: 294

بك بأس ولو كَانَ بك بأس مَا رأيتني عندك فساعدنا عَلَى الدواء وأراد بذلك تقوية فلبه فمد يده إِلَيْهِ وتشبث بِهِ وقال مَا لَمْ يفهم لأن لسانه ثقل وأخذ مجسه فلم يجده وأخذه من كعبه فقال أريد كبد دجاجة مشوية ومزورة وخبزاً فأحضر ذَلِكَ وأطعمه الكبد ثُمَّ قال أردة كمثرات زرجوناً وتفاحة فإن وجدتم ذاك كَانَ صالحاً وكنا ننزل فِي باب المراتب فأنفذت غلاماً إِلَى الجانب الغربي يلتمس ذَاكَ من الكرخ فحين خرج إِلَى باب الدار رأى مركبين لطيفين فيهما الكمثرى والتفاح المطلوبان وأنه لَمْ يكن بيع منهما شيء ولا بلغ إِلَى حد البيع وإنما أهديت إِلَى أبي عبد الله المردوسي وَكَانَ فِي جوارنا أطرافاً لَهُ بِهَا فاتفق من السعادة مصادفتنا لَهَا فعرف الغلام من حمل إِلَيْهِ ذَلِكَ فأنفذ منهما شيئاً وأطعمه كمثراة وتفاحة جعلهما فِي مَاء الورد أولاً وتركه إِلَى وسط النهار وأطعمه خبزاً بمزورة وهو صالح الحال منذ أكل الكبد المشوية ورجع مجسه ونبضه وسكن مما لحقه ونحن قَدْ دهشنا مما اتفق وجري والنساء يقبلن رأس ابن سنان ومنهن من تقبل رجله ثُمَّ قال هؤلاء الأطباء يغدون إليكم ويروحون يأخذون دنانيركم مَا يقولون لكم فِي هَذَا المرض وبأي شيء يطبونكم فقلت أما قولهم فهو أسقوه مَا أردتم فما بقي منه شيء يرجى وأما علاجهم فإن أحدهم سقاه شربة مسهلة فِي ليلة السابع لقال

يكفي هَذَا وهو أصل مَا لحقكم فإن شغل الطبيعة فِي ليلة البحران بدواء مسهل وجرها ودفعها عن التمييز البحراني ومنعها فاختلط الرجل فقلت كذا كَانَ فإنه منذ تِلْكَ الليلة اختلط وغاص لقال لي اعلم يَا سيدي أنني مَا تأخرت عنه إِلَاّ علماً بأنني لا أخاف عَلَيْهِ إِلَى يومنا هَذَا والقطع الَّذِي عَلَيْهِ فِي مولده فالليلة هو ولما تعلق قلبي بِهَا جثت فِيهَا فإما أن يموت وإما أن يصبح معافى لا مرض بِهِ قلت فما علامة السلامة وقال أن ينام الليلة ولا يقلق فإن نام أنبهه سحراً حَتَّى يكلمك ويحدثك ويعقل عَلَيْكَ وأخرجه بالغداة يمشي إِلَى الدار من العرضي ويجلس ويشرب ماء الشعير من يده وإن قلق لَمْ يعش الليلة وجلس عنده لا يأكل ولا يشرب إِلَى العتمة فلما دخل الليل سكن الرئيس من القلق ونام فقال الطبيب لي قم أقر الله عينك فقد برئ وأطلب شيئاً نأكل فأكلنا ونمنا عنده وهو نائم نوماً طبيعياً والطبيب بوصي كل من هناك بأن يوقظوه نصف الليل ويعلمنا صحة قوله فوالله لقد نام الجميع إِلَى السحر فلم يحسوا بشيء إِلَاّ بالعليل بأبي الحسن يَا أبا الحسن بلسان ثقيل وكلام عليل فوقعت البشائر وانتبهت والطبيب فأملى علينا مناماً رآه فقال رأيت الشريف المرتضي أبا القاسم الموسوي نقيب العلويين وَكَانَ حياً فِي الوقت وَقَدْ رثى الرئيس بقصيدة عينية لما بلغه وقوع اليأس منه لما كَانَ فِي نفسه منه وكأنه وأولاده وخلقاً عظيماً قاصدون مقابر قريش وَقَدْ وقع فِي نفسي أن القيامة قَدْ قامت فعدلت إِلَى المرتضى وجلست عنده وجاءه أبو عبد الله ولده فسارع بشيء فقال هاته ففلان منا فأحضره جاماً حلواً وأكلنا ثُمَّ نهض فركب وقال قدموا لَهُ مَا يركب ومضى الناس جميعهم ومعه حَتَّى لَمْ يبق غيري وأنا أطلب شيئاً أركبه فما رأيته وسمعت صائحاً يصيح ورائي النجاة النجاة فأثبتنا المنام وهنأناه بالسلامة وخرج باكراً بنفسه إلى الدار وجلس عَلَى سرير فِي وسطها وشرب ماء الشعير بيده كما قال الطبيب إِلَاّ أنه بقي مدة لا يعرف الدار ويقول يَا أيا الحسن أي دار هَذِهِ من دورنا وأنا أبين لَهُ وأشره وهو لا يعرف ولا يفهم ولا يتحقق وصلنا غدوة تِلْكَ الليلة أبو الفتح منصور بن محمد بن المقدر المتكلم النحوي الأصفهاني متعرفاً لأخباره فقال لَهُ رأيت يَا سيدنا البارحة فِي المنام وكأني عابراً إِلَيْكَ وأنا مشغول القلب بك إنساناً يقول لي إِلَى أَيْنَ تمضي فقلت إِلَى فلان فهو عَلَى صورة من المرض فقال لي قل لَهُ أكتب فِي تاريخك وتقويمك ولد هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال فِي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا يومنا ذَاكَ وعاش إِلَى شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وتوفي بعد الجماعة الَّتِي كَانَتْ فِي تِلْكَ الحال من الأصدقاء والأطباء والرؤساء والكبراء والعلماء الذين كانوا متألمين متحسرين عَلَيْهِ وجلين لمفارقته وتوفي المرتضى ورثاه أبو الحسن بقصيدة عينية. ي هَذَا وهو أصل مَا لحقكم فإن شغل الطبيعة فِي ليلة البحران بدواء مسهل وجرها ودفعها عن التمييز البحراني ومنعها فاختلط الرجل فقلت كذا كَانَ فإنه منذ تِلْكَ الليلة اختلط وغاص لقال لي اعلم يَا سيدي أنني مَا تأخرت عنه إِلَاّ علماً بأنني لا أخاف عَلَيْهِ إِلَى يومنا هَذَا والقطع الَّذِي عَلَيْهِ فِي مولده فالليلة هو ولما تعلق قلبي بِهَا جثت فِيهَا فإما أن يموت وإما أن يصبح معافى لا مرض بِهِ قلت فما علامة السلامة وقال أن ينام الليلة ولا يقلق فإن نام أنبهه سحراً حَتَّى يكلمك ويحدثك ويعقل عَلَيْكَ وأخرجه بالغداة يمشي إِلَى الدار من العرضي ويجلس ويشرب ماء الشعير من يده وإن قلق لَمْ يعش الليلة وجلس عنده لا يأكل ولا يشرب إِلَى العتمة فلما دخل الليل سكن الرئيس من القلق ونام فقال الطبيب لي قم أقر الله عينك فقد برئ وأطلب شيئاً نأكل فأكلنا ونمنا عنده وهو نائم نوماً طبيعياً والطبيب بوصي كل من هناك بأن

ص: 295

يوقظوه نصف الليل ويعلمنا صحة قوله فوالله لقد نام الجميع إِلَى السحر فلم يحسوا بشيء إِلَاّ بالعليل بأبي الحسن يَا أبا الحسن بلسان ثقيل وكلام عليل فوقعت البشائر وانتبهت والطبيب فأملى علينا مناماً رآه فقال رأيت الشريف المرتضي أبا القاسم الموسوي نقيب العلويين وَكَانَ حياً فِي الوقت وَقَدْ رثى الرئيس بقصيدة عينية لما بلغه وقوع اليأس منه لما كَانَ فِي نفسه منه وكأنه وأولاده وخلقاً عظيماً قاصدون مقابر قريش وَقَدْ وقع فِي نفسي أن القيامة قَدْ قامت فعدلت إِلَى المرتضى وجلست عنده وجاءه أبو عبد الله ولده فسارع بشيء فقال هاته ففلان منا فأحضره جاماً حلواً وأكلنا ثُمَّ نهض فركب وقال قدموا لَهُ مَا يركب ومضى الناس جميعهم ومعه حَتَّى لَمْ يبق غيري وأنا أطلب شيئاً أركبه فما رأيته وسمعت صائحاً يصيح ورائي النجاة النجاة فأثبتنا المنام وهنأناه بالسلامة وخرج باكراً بنفسه إلى الدار وجلس عَلَى سرير فِي وسطها وشرب ماء الشعير بيده كما قال الطبيب إِلَاّ أنه بقي مدة لا يعرف الدار ويقول يَا أيا الحسن أي دار هَذِهِ من دورنا وأنا أبين لَهُ وأشره وهو لا يعرف ولا يفهم ولا يتحقق وصلنا غدوة تِلْكَ الليلة أبو الفتح منصور بن محمد بن المقدر المتكلم النحوي الأصفهاني متعرفاً لأخباره فقال لَهُ رأيت يَا سيدنا البارحة فِي المنام وكأني عابراً إِلَيْكَ وأنا مشغول القلب بك إنساناً يقول لي إِلَى أَيْنَ تمضي فقلت إِلَى فلان فهو عَلَى صورة من المرض فقال لي قل لَهُ أكتب فِي تاريخك وتقويمك ولد هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال فِي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا يومنا ذَاكَ وعاش إِلَى شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وتوفي بعد الجماعة الَّتِي كَانَتْ فِي تِلْكَ الحال من الأصدقاء والأطباء والرؤساء والكبراء والعلماء الذين كانوا متألمين متحسرين عَلَيْهِ وجلين لمفارقته وتوفي المرتضى ورثاه أبو الحسن بقصيدة عينية.

أبو الحسن بن غسان الطبيب البصري هَذَا رجل طبيب من أهل البصرة يعلم الطب ويشارك فِي علم الأوائل وخدم بصناعته ملوك بني بويه عَلَى الخصوص عضد الدولة فناخسرو وَكَانَ لأبي الحسن هَذَا أدب متوفر وشعر حسن فمما قاله لعضد الدولة عند مسيره إِلَى بغداد:

يسوس الممالك رأى الملك

ويحفظها السيد المحتنك

فيا عضد الدولة أنهض لَهَا

فقد ضيعت بَيْنَ ششٍ وبك

ص: 296

وذاك لأن عز الدولة بختيار الَّذِي أخذ عضد الدولة الأمر منه كَانَ لهجاً بلعب النرد ومن شعر أبي الحسن أيضاً فِي بختيار الَّذِي أخرجه عضد الدولة عن العراق يهجوه ويستهجن عزمه ويستضعفه:

أقلم عَلَى الأهواز سبعين لسلة

يدبر أمر الملك حَتَّى تدمرا

يدبر أمراً كَانَ أوله عمي

وأوسطه بلوى وآخره خرا

أبو الحسن بن دنخا الطبيب الكاتب هَذَا طبيب مشهور مذكور من أطباء الخاص فِي الأيام البويهية وَكَانَ يصحب الملك بهاء الدولة بن عضد الدولة فِي أسفاره ويتولى أمر البصرة كتابة واشتهر بالكتابة.

أبو الحسن البصري الكحال من أهل البصرة كَانَ قيماً بنوع الكحل خبيراً بِهِ مشهور الذكر فِي الإحسان بمعاناته تقدم فِي الدولة البويهية ومات فِي حدود سنة تسع وعشرين وأربعمائة.

أبو الحسين بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان طبيب مشهور ببغداد لَهُ فطنة ومعرفة بهذا الشأن ولما عمر عضد الدولة البيمارستان المنسوب إِلَيْهِ ببغداد جمع إِلَيْهِ جماعة من الأطباء منهم أبو الحسين بن كشكرايا هَذَا وَقَدْ كَانَ قبل حصوله بالبيمارستان فِي خدمة الأمير سيف الدولة وَلَهُ كناشان أحدهما يعرف بالحاوي والآخر باسم من وضعه لَهُ وَكَانَ كثير الكلام يحب أن يخجل الأطباء بالمساءلة وَكَانَ لَهُ أخ راهب وَلَهُ خقنة تنفع من من قيام الأغراس والمواد الحادة يعرف بصاحب الحقنة.

أبو الحسين بن تفاح الجرائحي مشهور فِي علم الجرائح اختاره عضد الدولة للمقام بالبيمارستان ببغداد عندما عمره وجعله رفيقاً لأبي الحسن الجرائحي وَكَانَ كل واحد منهما موصوفاً بالحذق فِي الصناعة.

أبو حزب الطبيب ويقال لَهُ أبو الحارث كَانَ هَذَا طبيب الأمير مسعود بن محمود ابن سبكتسكين صاحب خراسان وغزنة وَكَانَ عارفاً بهذا الشأن لَهُ تقدم وقرب من الجناب المسعودي ولما جلس بالملك قر خزاد بن مسعود قتل أبا حرب الطبيب هَذَا لفضوله فِي أمر عبد الرشيد بن محمود قبله وذلك فِي سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

أبو الحكم الطبيب الدمشقي هَذَا طبيب من أهل دمشق كَانَ فِي أول الإسلام وهو جد عيسى بن الحكم الطبيب فِي أوائل الدولة العباسية

ص: 297

وَقَدْ مر ذكره مع ذكر ابنه الحكم.

أبو الحكم المغربي الأندلسي الحكيم المرسي نزيل دمشق هو الحكيم الأديب تاج الحكماء أبو الحكم عبد الله بن مظفر بن عبد الله المرسي قرأ علوم الأوائل فأجاد وبحر فِي الآداب فأحسن وزاد وطاف فِي الآفاق غرباً وشرقاً وعرافاً وعمر بالأدب نوعاً ونفق أسواقاً ولما دخل العراق وهو مجهول لا يعرف رأى فِي بعض تطوافه بأزقة بغداد رجلاً جالساً عَلَى باب تشعر بالرئاسة لساكنها وبين يديه شاب يقرأ عَلَيْهِ شيئاً من كتاب إقليدس فقرب منهما أبو الحكم ووقف ليسمع فإذا المعلم يهذي بما لا يعلم فرد عَلَيْهِ خطأه وبين غلطه وعلم الشاب الحقيقة فِي الرد فاستوقف أبا الحكم إِلَى أن يعود ودخل الدار وخرج يستدعي أبا الحكم دون المعلم فدخل إلى دار سرية فلقي والد الشاب وهو أحد أمراء الدولة فأحسن ملتقاه ثُمَّ سأله ملازمة ولده فأجاب واطلعه من حكمته عَلَى فصل الخطاب واشتهر ذكر أبي الحكم فقصده الطلبة وارتفع قدره وفيمن قرأ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ العصر النجم بن السري بن الصلاح المشهور المذكور ثُمَّ أنه بعد ذَلِكَ صحب العزيز أبا نصر أحمد بن حامد بن محمد آلة الأصفهاني فجعله طبيب المارستان الَّذِي كَانَ يحمل فِي العسكر السلطاني عَلَى أربعين جملاً وَكَانَ القاضي بن المرخم يحيى بن سعيد الَّذِي صار أقضى القضاة فِي الأيام المقتفية ببغداد طبيباً فِي هَذَا المارستان المذكور المحمول وقصاداً وَكَانَ أبو الحكم يشاركه ويعاني إصلاح مفرداته فِي التركيب والاختيار وَكَانَ كثير الهزل والمزاح شديد المجون والارتياح ولما جرى عَلَى العزيز مَا جرى كره العراق وفارق عَلَى نية قصد المغرب فلما حل بظاهر دمشق سير غلاماً لَهُ ليبتاع منها مَا يأكلونه فِي يومهم وأصحبه نزراً يكفي رجلين فعاد الغلام ومعه شواء وفاكهة وحلواً وفقاع وثلج فنظر أبو الحكم إِلَى مَا جاء بِهِ وقال لَهُ عند استكثاره أوجدت أحادً من معارفاً فقال لا وإنما ابتعت هَذَا بما كَانَ معي وبقيت منه هَذِهِ البقية فقال أبو الحكم هَذَا بلد لا يحل لذي عقل أن يتعداه ودخل وارتاد منزلاً يسكنه وفتح دكان عطار يبيع العطر ويطب وأقام عَلَى ذَلِكَ

ص: 298

إِلَى أن أتاه أجله وَقَدْ ذكر محمد بن محمد بن حامد فقال أبو الحكم حكم لَهُ بالحكمة العدل وَلَمْ يمنعه حكم حكمته عن الجري فِي ميدان الهزل والجمع فِي نظمه السخيف بَيْنَ الأبريسم والغزل بل مزج السخف بيم الأبريسم والغزل بل مزج السخف بالظرف وَلَمْ يتكلف مكابدة النقد والصرف فخلط المدح بالهجو وشاب الكسر بالصفو ونظمه فِي وقته سلس وللقلوب مختلس وهزله كثير وديوانه مشهور.

أبو بزرة الحاسب هَذَا رجل كَانَ ببغداد وَكَانَ قيماً بعلم الحساب وطرقه وملحه وإخراج خواصه ونوادره وَلَهُ فِيهِ تصانيف واستنباطات توفي ببغداد فِي السابع والعشرين من صفر سنة ثمان وتسعين ومائتين.

أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة عالم بعلوم الأوائل وهو فِي الآداب فاضل لَمْ يبلغ أحد درجته من أهل عصره فِي مصره وَلَهُ تصانيف فِي الرياضيات والمنطق والهندسة أربى فِيهَا عَلَى المتقدمين إِلَاّ أنه كَانَ يتمسك بالسياسة المدنية وينحرف بالأوامر الشرعية استوزره أبو بكر يحيى بن تاشفين مدة عشرين سنة وَكَانَ يشارك الأطباء فِي صناعتهم فحسدوه وقتلوه مسموماً حين كادوه وَكَانَتْ وفاته فِي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وَكَانَ أبو الفتح بن خاقان الغرناطي مؤلف كتاب قلائد العقيان قَدْ أرسل إِلَيْهِ يطلب شيئاً من شعره ليورده فِي كتابه فغالطه أحنقته عَلَيْهِ فذكره ذكراً قبيحاً فِي كتابه.

أبو الخير بن أبي الفرج بن أبي الخير الطبيب النصراني هَذَا طبيب جرائحي عالم بصناعته مشهور من أهل بغداد المقيمين بِهَا المباشرين لأهلها كَانَ مولده فِي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي فِي الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

أبو الخير الجرائحي خبير قيم بِهِ مشهور الصناعة فِيهِ اختاره عضد الدولة للبيمارستان الَّذِي عمره ببغداد عَلَى الجسر بالجانب الغربي.

أبو داود اليهودي المنجم العراقي هَذَا منجم كَانَ ببغداد قتل

ص: 299

سنة ثلاثمائة وَلَهُ يد مبسوطة فِي علم الحدثان والأخبار الكائنات وَقَدْ سلم لَهُ هَذِهِ الصناعة وحكوا أقواله وانتظروا وقوع مَا يشير بِهِ.

أبو سعيد اليمامي نزيل البصرة عالم بعلوم الأوائل قيم بالطب والنجوم بعد مبرزاً فِيهَا تقدم فِي الدولة البويهية ومات مَا بَيْنَ سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وستة وثلاثين.

أبو سعيد الأرجائي الطبيب هَذَا رجل طبيب فارسي من مدينة أرجان معروف بهذا الشأن خدم فِي الدولة البويهية ملوكها ومماليكها وحضر فِي صحبتهم إِلَى بغداد واشتهر بصناعته وَلَمْ يزل مقيماً فِي خدمتهم إِلَى أن توفي فِي أيام بهاء الدين بن عضد الدولة ببغداد فِي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى فِي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.

أبو سعيد عمر بن أبي الوفاء البوزجاني لَهُ يد فِي علوم الأوائل والحساب والهندسة وصنف فِي ذ لَكَ. كتاب مطالع العلوم للمتعلمين نحو ستمائة ورقة.

أبو سهل الأرجاني الطبيب هَذَا طبيب من أهل أرجان من بلاد فارس وَكَانَ طبيباً مجداً حسن العبارة والإشارة مذكوراً مشهوراً فِي الدولة البويهية خدم ملوكها سفراً وحضراً وحضر إِلَى بغداد فِي صحبتهم وجرت لَهُ نبوة فِي شهور ثماني عشر وأربعمائة فقبض عَلَيْهِ واستنفدت بالمصادرة أمواله وأملاكه.

أبو سهل المسيحي المتطبب هَذَا طبيب منطقي فاضل عالم بعلوم الأوائل مذكور فِي بلده كَانَ بخراسان متقدماً عند سلطانها وَكَانَ فاضلاً فِي صناعته وَلَهُ كناش يعرف بالمائة مقالة مذكور مشهور مات فِي سن الكهولة وَقَدْ استكمل أربعين سنة.

ص: 300

أبو سهل بن نوبخت فارسي منجم حاذق خبير باقتران الكواكب وحوادثها وَكَانَ نوبخت أبوه منجماً أيضاً فاضلاً يصحب المنصور فلما ضعف نوبخت عن الصحبة قال لَهُ المنصور أحضر ولدك ليقوم مقامك فسير ولده أبا سهل فلما أدخلت عَلَى المنصور ومثلت بَيْنَ يديه قال لي تسم لأمير المؤمنين فقلت اسمي خرشاذماه طيماذاه مابازاردباد خسروا نهشاه فقال لي المنصور كل مَا ذكرت فهو اسمك قال قلت نعم فتبسم المنصور ثُمَّ قال أبوك شيئاً فاختر من إحدى خلتين إما أن أقتصر بك من كل مَا ذكرت عَلَى طيماذ وإما أن أجعل لَكَ كنية تقوم مقام الاسم وهو أبو سهل فقال أبو سهل قَدْ رضيت بالكنية فتثبتت كنيته وبطل اسمه.

أبو عثمان الدمشقي هو ابن يعقوب من أهل دمشق أحد النقلة المجيدين وَكَانَ منقطعاً إِلَى علي بن عيسى ولع تصانيف فِي الطب.

أبو علي بن أبي قرة كَانَ منجم العلوي الخارج بالبصرة وَكَانَ منجماً لا حظ لَهُ فِي الأحكام وله من الكتب. كتاب العلة فِي كسوف الشمس والقمر عمله للموفق.

أبو العينين الصيمري كَانَ يعلم النجامة ويتكلم فِيهَا وَكَانَ متهماً بالإغارة عَلَى تصانيف الناس يأخذها ويدعيها لنفسه فمن تصانيفه. كتاب المواليد. كتاب المدخل إِلَى علم النجوم.

أبو عبد الله القلانسي المنجم كَانَ هَذَا الرجل منجماً بارعاً حكاماً لَهُ حظ فِي سهم الغيب وَكَانَ العزيز ساكن القصر يسكن إِلَى اختياره فتقدم بذلك تقدماً كبيراً وارتفعت منزلته عَلَى أبناء جنسه توفي فِي ربيع الأول من سنة ست وثمانين وثلاثمائة.

أبو علي المهندس المصري كَانَ بمصر قيماً بعلم الهندسة موجوداً فِي سنة ثلاثين وخمسمائة وكان فاضلاً فِيهِ أدب وَلَهُ شعر تلوح عَلَيْهِ الهندسة فمن شعره:

تقسم قلبي فِي محبة معشر

بكل فتى منهم هواي منوط

ص: 301

كَانَ فؤادي مركز وهم لَهُ

محيط وأهوائي لديه خطوط

وله أيضاً:

إقليدس العلم الَّذِي تحوي بِهِ

مَا فِي السماء معاً وَفِي الآفاق

تزكو فوائده عَلَى اتفاقه

يَا حبذا ذاك عَلَى الاتفاق

هو سلم وكأنما أشكاله

درج إِلَى العلياء للطراق

ترقى بِهِ النفس الشريفة مرتقى

أكرم بذاك المرتقى والراقي

وعلق فِي آخر عمره جارية تعذر وصوله إليها فمات.

أبو العلاء الطبيب هَذَا طبيب كَانَ فِي الدولة البويهية يصحب ملوكها فِي السفر والحضر ولما مرض سلطان الدولة بشيراز فِي شوال سنة خمس عشرة وأربعمائة مرضته الَّتِي توفي فِيهَا وذلك انه شرب أياماً متوالية فعارضه فِي حلقه سيبه بالخناق وأشير عَلَيْهِ بالفصد وقطع الشرب فلم يفعل وزاد مَا عنده حَتَّى ضاق مبلعه وضعف صوته وعرف الأوحد أبو محمد صاحبه خبره فأنفذ إِلَيْهِ أبو العلاء الطبيب هَذَا فلما شاهده حين عن فصده وقال لا أفعل إِلَاّ عند حضور الأوحد فِي أثناء المراجعات وَمَا تصرم فِيهَا من الساعات مات سلطان الدولة.

أبو علي بن السمح المنطقي العراقي كَانَ فاضلاً فِي صناعة المنطق فيماً بِهَا مقصوداً فِي إفادتها شارحاً لغوامضها وَلَهُ شروح جميلة منقولة من كتب أرسطوطاليس اشتهر ذكرها وظهر عَلَى الطلبة أثرها وتوفي فِي جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وأربعمائة.

أبو علي بن سملى الطبيب كَانَ هَذَا طبيباً فاضلاً فِي العلاج وتركيب الأدوية الكبار البيمارستانية ووفق فِي ذَلِكَ وهو الَّذِي ركب الجوارش التكيني ركبه لتكين صاحبه.

أبو علي بن أبي الخير مسيحي بن العطار النصراني النيلي الأصل البغدادي المولد والمنشأ وَقَدْ تقدم ذكر أبيه مسيحي فِي حرف الميم وقرأ ولده

ص: 302

هَذَا شيئاً من الطب وتقدم فِي زمن أبيه بسمعته وجاهه وجعل ساعوراً بالبيمارستان وَكَانَ يسير إِلَى كبار الأمراء إذَا مرضوا فِي جهة من الجهات وَكَانَ مع ذَلِكَ متبدداً غير منضبط وَكَانَ جاء أبيه يستره فلما مات أبوه زال مَا كان يحترم لجله ولازم هو مَا كَانَ عَلَيْهِ من قلة التحفظ فِي أمر دينه ودنياه واتفق أن كَانَ عَلَى بعض مسراته إذ كبس فِي ليلة الجمعة حادي عشر شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة وستمائة وعنده امرأة من الخواطئ المسلمات تعرف بسب شرف فلما قبض عَلَيْهِ قرأ عَلَى جماعة من الخواطيء المسلمات أنهن كن يأتينه لأجل دنياه من جملتهن امرأة تعرف ببنت الجيش الركا بدار واسمها اشتياق وَكَانَ زوجة ابن التجاري صاحب المخزن أو أولاده فخرجت الأوامر بالقبض عَلَى النساء اللواتي ذكرهن فقبض عليهن وأودعن سجن الطرارات ثُمَّ رسم بإهلاك ابن مسيحي ففدى نفسه بستة آلاف دينار وأظهر فِيهَا بيع ذخائره وكتب أبيه.

أبو علي بن سينا الشيخ الرئيس وإنما ذكرته ها هنا لأن كنيته أشهر من اسمه سأله رجل من تلاميذه عن خبره فأملي عَلَيْهِ مَا سطره عنه وهو انه قال أن أبي كَانَ رجلاً من أهل بلخ وانتقل منها إِلَى بخارى فِي أيام فِي أيام نوم بن منصور واشتغل بالتصرف وتولى العمل فِي أثناء أيامه بقرية يقال لَهَا خرميشن من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى وبقربها يقال لَهَا افشنة وتزوج أمي منها بِهَا وقطن بِهَا وولدت منها وولد أخي ثُمَّ انتقلنا إِلَى بخارى وأحضرت معلم القرآن ومعلم الأدب حَتَّى كَانَ يقضي مني العجب وَكَانَ أبي ممن أجاب داعي المصريين ويعد من الإسماعيلية وَقَدْ سمع منهم ذكر النفس والعقل عَلَى الوجه الَّذِي يقولونه ويعرفونه هم وكذلك أخي

ص: 303

وكانا ربما تذاكرا بينهما وأنا أسمع منهما وأدرك مَا يقولانه وابتدءا يدعوانني أيضاً ويجريان عَلَى لشانهما ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند واخذ والدي يوجهني إِلَى رجل كَانَ يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حَتَّى أتعلم منه ثُمَّ جاء إِلَى بخارى أبو عبد الله الناتلي وَكَانَ يدعي الفلسفة وأنزله إِلَى دارنا رجاء تعلمي منه وقبل قدومه كتب اشتغل بالفقه والتردد فِيهِ إِلَى إسماعيل الزاهد وكنت من خيرة السائلين وَقَدْ ألفت طرق المطالبة ووجوه الاعتراض عَلَى الوجه الَّذِي جرت عادة القوم بِهِ ثُمَّ ابتدأت بكتاب ايساغوجي عَلَى الناتلي ولما ذكر لي حد الجلس أنه هو المقول عَلَى كثيرين مختلفين بالنوع فِي جواب مَا هو فأخذت فِي تحقيق هَذَا الحد بما لَمْ يسمع بمثله وتعجب مني كل العجب وحذر والدي من شغلي بغير العلم وَكَانَ أي مسألة قالها أتصورها خيراً منه حَتَّى قرأت ظواهر المنطق عَلَيْهِ وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر ثُمَّ أخذت أقرأ الكتب عَلَى نفسي وأطالع الشروح حَتَّى أحكمت علم المنطق وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أَوْ ستة عَلَيْهِ ثُمَّ توليت حل بقية الكتاب بأسره ثُمَّ انتقلت إلى المجسطي ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إِلَى الأشكال الهندسية قال لي الناتلي تول قراءتها وحلها بنفسك ثُمَّ اعرض علي مَا تقرأه لأبين لَكَ صوابه من خطأه وَمَا كَانَ الرجل يقول بالكتاب وأخذت أحل ذَلِكَ الكتاب فكم من شكل مشكل مَا عرفه إِلَاّ وقت مَا عرضته عَلَيْهِ وفهمته إياه ثُمَّ فارقني الناتلي متوجهاً إِلَى كركاتج واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص والشروح من الطبيعي والإلهي وصارت أبواب العلوم تنفتح علي ثُمَّ رغبت فِي علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فِيهِ وعلم الطب لَيْسَ من العلوم الصعبة فلا جرم أنني برزت فِيهِ فِي أقل مدة حَتَّى بدأ فضلاء الطب يقرؤون عَلَى علم الطب وتعهدت المرضى فانفتح عَلَي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة بِهِ مَا لا يوصف وأنا مع ذَلِكَ أختلف إِلَى الفقه وأناظر بِهِ وأنا فِي هَذَا الوقت من أبناء ست عشرة سنة ثن توفرت عَلَى القراءة سنة ونصفاً فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة وَفِي هَذِهِ المدة مَا تمن ليلة واحدة بطولها ولا اشتغلت فِي النهار

ص: 304

بغيره وجمعت بَيْنَ يدي ظهوراً فكل حجة كنت أنظر فِيهَا أثبت مقدمات قياسه ورتبتها فِي لَكَ الظهور ثُمَّ نظرت فيما عساها تنتج وراعيت شروط مقدماته حَتَّى تحقق لي حقيقة تِلْكَ المسألة وكلما كنت أتحير فِي مسألة أَوْ لَمْ أكن أظفر بالحد الأوسط فِي قياس ترددت إِلَى الجامع وصليت وابتهلت إِلَى مبدع الكل حَتَّى فتح لي المنغلق منه ويسر المتعسر وكنت أرجع بالليل إِلَى داري وأضع السراج بَيْنَ يدي واشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم أَوْ شعرت بضعف عدلت إِلَى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إِلَى قوتي ثُمَّ أرجع إِلَى القراءة ومتى أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسألة بعينها حَتَّى أن كثيراً من المسائل اتضح لي وجوهها فِي المنام وَلَمْ أزل كذلك حَتَّى استحكم معي جميع العلوم ووقفت عَلَيْهَا بحسب الإمكان الإنساني وكل مَا علمته فِي ذَلِكَ الوقت فهو كما علمته الآن لَمْ أزدد فِيهِ إِلَى اليوم حَتَّى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي ثُمَّ عدت إِلَى العلم الإلهي وقرأت كتاب مَا بعد الطبيعة فما كنت أفهم مَا فِيهِ والتبس عَلَى غرض واضعه حَتَّى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذَلِكَ لا أفهمه ولا

المقصود بِهِ وآيست من نفسي وقلت هَذَا كتاب لا سبيل إِلَى فهمه وإذا أنا فِي يوم من الأيام حضرت وقت العصر فِي الوراقين وبيد دلال مجلد ينادى عَلَيْهِ فعرضه عَلَى فردته رد متبرم معتقد أن لا فائدة فِي هَذَا العلم فقال لي اشتر مني هَذَا فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إِلَى ثمنه فاشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي فِي أغراض كتاب مَا بعد الطبيعة فرجعت إِلَى بيتي وأسرعت قراءتي فانفتح علي فِي الوقت أغراض ذَلِكَ الكتاب بسبب أنه قَدْ صار لي عَلَى ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير عَلَى الفقراء شكراً لله تعالى وَكَانَ سلطان بخاري فِي ذَلِكَ الوقت نوح بن منصور واتفق لَهُ مرض حار فِيهِ الأطباء وَكَانَ اسمي اشتهر بينهم بالتوفر عَلَى القراءة فأجروا ذكرى بَيْنَ يديه وسألوه إحضاري فحضرت وشاركتهم فِي مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوماً الإذن لي فِي دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة مَا فِيهَا من كتب الطب فأذن لي فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة فِي كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها عَلَى بعض فِي بيت كتب العربية والشعر وَفِي آخر الفقه وكذلك فِي كل بيت كتب علم مفرد وطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت مَا احتجت إِلَيْهِ ورأت من الكتب مَا لا يقع اسمه إِلَى كثير من الناس قط ولا رأيته قط ولا رأيته أيضاً من بعد قرأت تِلْكَ الكتب وظهرت فوائدها وعرفت مرتبة كل رجل فِي علمه فلما بلغت ثمان عشرة سنة من عمري فرفعت من هَذِهِ العلوم كلها وكتب وكنت إذ ذَاكَ للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لَمْ يتجدد لي بعده شيء وَكَانَ فِي جواري رجل سيقال لَهُ أبو الحس الروضي فسألني أن أؤلف لَهُ كتاباً جامعاً فِي هَذَا العلم فصنفت لَهُ المجموع وسميته بِهِ وأتيت فِيهِ عَلَى سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذَاكَ إحدى وعشرون سنة من عمري وَكَانَ فِي جواري أيضاً رجل يقال لَهُ أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد فِي الفقه والتفسير والزهد مائل إِلَى هَذِهِ العلوم فسألني شرح الكتب لَهُ فصنفت لَهُ. كتاب الحاصل والمحصول فِي قريب من عشرين مجلدة وصنفت لَهُ فِي الأخلاق كتاباً سميته. كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إِلَاّ عنده فلم يعرفهما أحد ينتسخ منهما ثُمَّ مات والدي وتصوفت فِي الأحوال وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إِلَى الارتحال عن بخارى والانتقال إِلَى كركاتج وَكَانَ أبو الحسين السهلي النحب لهذه العلوم بِهَا وزيراً وقدمت إِلَى الأمير بِهَا وهو عَلي بن المأمون وكنت عَلَى زي الفقهاء إذ ذَاكَ بطليسان وتحت الحك وأثبتوا إِلَى مشاهرة دارة تقوم بكفاية مثلي ثُمَّ دعت الضرورة إِلَى الانتقال إِلَى فسا ومنها إِلَى بارود ومنها إِلَى طوس ومنها إِلَى شقان ومنها إِلَى سمنقال ومنها إِلَى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إِلَى جرجان وكل قصدي الأمير قابوس فاتفق فِي أثناء هَذَا أخذ قابوس وحبسه فِي بعض القلاع وموته هناك ثُمَّ مضيت إِلَى دهستان ومرضت بِهَا مرضاً صعباً وعدت إِلَى جرجان واتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت فِي حالي قصيدة فِيهَا بيت القائل: ود بِهِ وآيست من نفسي وقلت هَذَا كتاب لا سبيل إِلَى فهمه وإذا أنا فِي يوم من الأيام حضرت وقت العصر فِي الوراقين وبيد دلال مجلد ينادى عَلَيْهِ فعرضه عَلَى فردته رد متبرم معتقد أن لا فائدة فِي هَذَا العلم فقال لي اشتر مني هَذَا فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إِلَى ثمنه فاشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي فِي أغراض كتاب مَا بعد الطبيعة فرجعت إِلَى بيتي وأسرعت قراءتي فانفتح علي فِي الوقت أغراض ذَلِكَ الكتاب بسبب أنه قَدْ صار لي عَلَى ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير عَلَى الفقراء شكراً لله تعالى وَكَانَ سلطان بخاري فِي ذَلِكَ الوقت نوح بن منصور واتفق لَهُ مرض حار فِيهِ الأطباء وَكَانَ اسمي اشتهر بينهم بالتوفر عَلَى القراءة فأجروا ذكرى بَيْنَ يديه وسألوه إحضاري فحضرت وشاركتهم فِي مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوماً الإذن لي فِي دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة مَا فِيهَا من كتب الطب فأذن لي فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة فِي كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها عَلَى بعض فِي بيت كتب العربية والشعر وَفِي آخر الفقه وكذلك فِي كل بيت

ص: 305

كتب علم مفرد وطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت مَا احتجت إِلَيْهِ ورأت من الكتب مَا لا يقع اسمه إِلَى كثير من الناس قط ولا رأيته قط ولا رأيته أيضاً من بعد قرأت تِلْكَ الكتب وظهرت فوائدها وعرفت مرتبة كل رجل فِي علمه فلما بلغت ثمان عشرة سنة من عمري فرفعت من هَذِهِ العلوم كلها وكتب وكنت إذ ذَاكَ للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لَمْ يتجدد لي بعده شيء وَكَانَ فِي جواري رجل سيقال لَهُ أبو الحس الروضي فسألني أن أؤلف لَهُ كتاباً جامعاً فِي هَذَا العلم فصنفت لَهُ المجموع وسميته بِهِ وأتيت فِيهِ عَلَى سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذَاكَ إحدى وعشرون سنة من عمري وَكَانَ فِي جواري أيضاً رجل يقال لَهُ أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد فِي الفقه والتفسير والزهد مائل إِلَى هَذِهِ العلوم فسألني شرح الكتب لَهُ فصنفت لَهُ. كتاب الحاصل والمحصول فِي قريب من عشرين مجلدة وصنفت لَهُ فِي الأخلاق كتاباً سميته. كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إِلَاّ عنده فلم يعرفهما أحد ينتسخ منهما ثُمَّ مات والدي وتصوفت فِي الأحوال وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إِلَى الارتحال عن بخارى والانتقال إِلَى كركاتج وَكَانَ أبو الحسين السهلي النحب لهذه العلوم بِهَا وزيراً وقدمت إِلَى الأمير بِهَا وهو عَلي بن المأمون وكنت عَلَى زي الفقهاء إذ ذَاكَ بطليسان وتحت الحك وأثبتوا إِلَى مشاهرة دارة تقوم بكفاية مثلي ثُمَّ دعت الضرورة إِلَى الانتقال إِلَى فسا ومنها إِلَى بارود ومنها إِلَى طوس ومنها إِلَى شقان ومنها إِلَى سمنقال ومنها إِلَى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إِلَى جرجان وكل قصدي الأمير قابوس فاتفق فِي أثناء هَذَا أخذ قابوس وحبسه فِي بعض القلاع وموته هناك ثُمَّ مضيت إِلَى دهستان ومرضت بِهَا مرضاً صعباً وعدت إِلَى جرجان واتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت فِي حالي قصيدة فِيهَا بيت القائل:

فأعظمت فليس مصر واسمي

لما غلا ثمني عدمت المشتري

قال أبو عبيد الجوزجاني صاحب الشيخ الرئيس إِلَى ها هنا انتهى مَا حكاه الشيخ عن نفسه .. قال ومن هَذَا الموضع اذكر أنا مَا شاهدته من أحواله فِي حال صحبتي

ص: 306

لَهُ وإلى حين انقضاء مدته والله الموفق قال كَانَ بجرجان رجل يقال لَهُ أبو محمد الشيرازي بحب هَذِهِ العلوم وَقَدْ اشترى للشيخ داراً فِي جواره وأنزله بِهَا وأنا أختلف إِلَيْهِ كل يوم أقرأ المجسطي وأستملي المنطق فأملي عَلَى المختصر الأوسط فِي المنطق وصنف لأبي محمد الشيرازي. كتاب المبدأ والمعاد. وكتاب الأرصاد الكلية وصنف هناك كتباً كثيرة كالأول القانون ومختصر المجسطي وكثيراً من الرسائل ثُمَّ صنف فِي أرض الجبل بقية كتبه وهذا فهرست جميع كتبه. كتاب المجموع مجلدة. كتاب الحاصل والمحصول عشرون مجلدة. كتاب البر والإثم مجلدتان. كتاب الشفاء ثماني عشرة مجلدة. كتاب القانون أربع عشر مجلدة. كتاب الأرصاد الكلية مجلدة. كتاب الإنصاف عشرون مجلدة. كتاب النجاة ثلاث مجلدات. الهداية مجلدة. كتاب الإشارات مجلدة. كتاب المختصر الأوسط مجلدة. كتاب العلائي مجلدة. كتاب القولنج مجلدة. كتاب لسان العرب عشر مجلدات. كتاب الأدوية القلبية مجلدة. كتاب الموجز مجلدة. نقض الحكمة المشرقية مجلدة. كتاب بيان ذوات الجهة مجلدة. كتاب المعاد مجلدة. كتاب المبدأ والمعاد مجلدة. كتاب المباحثات مجلدة. ومن رسائله رسالة القضاء والقدر. الآلة الرصدية. غرض قاطيغورياس. المنطق بالشعر. القضاء فِي العظمة والحكمة. رسالة فِي الحروف. تعقب المواضع الجدلية. مختصر إقليدس مختصر بالعجمية. الحدود. الأجرام السماوية. الإشارة إِلَى علم المنطق. أقسام الحكمة. النهاية واللانهاية عهد كتبه لنفسه محيي بن يقظان. فِي أن أبعاد الجسم غير ذاتية لَهُ. الكلام فِي الهندبا. وَلَهُ خطبة فِي أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً فِي أن علم زيد غير علم عمرو. رسائل لَهُ إخوانية وسلطانية. رسائل فِي مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء. كتاب الحواشي. كتاب عَلَى القانون ثُمَّ انتقل الشيخ الرئيس إِلَى الري واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة وعرفوه بسبب كتب وصلت معه تتضمن تعريف قدره وَكَانَ يمجد الدولة إذ ذَاكَ غلبة السوداء فاشتغل بمداواته ونف هناك كتاب المعاد وأقام بِهَا إِلَى قصد شمس الدولة بعد قتل هلال بن بدر بن حسنويه وهزيمة عسكر بغداد ثُمَّ اتفقت أسباب أوجبت الضرورة لَهَا خروجه إِلَى قزوين ومنها إِلَى همذان واتصاله

ص: 307

بخدمة كذباتويه والنظر فِي أسبابها ثُمَّ اتفق معرفة شمس الدولة وإحضاره مجلسه بسبب قولنج كَانَ قَدْ أصابه وعالجه حَتَّى شفاه الله تعالى وفاز من ذَلِكَ المجلس بخلع كثيرة وعاد إِلَى داره بعد مَا أقام هناك أربعين يوماً بلياليها وصار من ندماء الأمير ثُمَّ اتفق نهوض الأمير إِلَى قرميسين لحرب عناز وخرج الشيخ فِي خدمته ثُمَّ توجه نحو همذان منهزماً راجعاً ثُمَّ سألوه تقلد الوزارة فتقلدها ثُمَّ اتفق تشويش العسكر عَلَيْهِ وإشفاقهم منه عَلَى أنفسهم فكبسوا داره وأخذوه إِلَى الحبس وأغاروا عَلَى أسبابه وأخذوا جميع مَا كَانَ يملكه وساموا الأمير قتله فامتنع منه وعدل إِلَى نفيه عن الدولة طلباً لمرضاتهم فتوارى فِي دار الشيخ أبي سعد بن دخدوك أربعين يوماً فعاود الأمير شمس الدولة علة القولنج وطلب الشيخ فحضر مجلسه واعتذر الأمير إِلَيْهِ بكل الاعتذار فاشتغل بمعالجته وأقام عنده مكرماً مبجلاً وأعيدت إِلَيْهِ الوزارة ثانياً قال أبو عبيد الجوزجاني ثُمَّ سألته أنا شرح كتب أرسطوطاليس فذكر أنه لا فراغ لَهُ إِلَى ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الوقت ولكن قال إِن رضيت مني تصنيف كتاب أورد فِيهِ مَا صح عندي من هَذِهِ العلوم بلا مناظرة مع المخالفين ولا اشتغال بالرد عليهم فعلت ذَلِكَ فرضيت بِهِ فابتدأ بالطبيعيات من كتاب الشفاء وَكَانَ قَدْ صنف الكتاب الأول من القانون وَكَانَ يجتمع كل ليلة فِي داره طلبة العلم وكنت أقرأ من الشفاء نوبة وَكَانَ يقرأ غيري من القانون نوبة فإذا فرغنا حضر المغنون عَلَى اختلاف طبقاتهم وعبي مجلس الشراب بآلاته وكنا نشتغل بع وَكَانَ التدريس بالليل لعدم الفراغ بالنهار خدمة للأمير فقضينا عَلَى ذَلِكَ زمناً ثُمَّ نوجه شمس الدولة إِلَى طارم لحرب الأمير بِهَا وعاودته علة القولنج قرب ذَلِكَ الموضع

واشتدت علته وانضاف إِلَى ذَلِكَ أمراض أخر جليها سوء تدبيره وقلة القبول من الشيخ وخاف العسكر وفاته فرجعوا بِهِ طالبين همذان فِي المهد فتوفي فِي الطريق ثُمَّ بويع ابن شمس الدولة وطلبوا أن يستوزر الشيخ فأبى عليهم وكاتب علاء الدولة سراً يطلب خدمته والمصير إِلَيْهِ والانضمام إِلَى جانبه وقام فِي دار أبي غالب العطار متوارياً وطلبت من إتمام كتاب الشفاه فاستحضر أبا غالب وطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وكتب الشيخ فِي قريب من عشرين جزءاً إلى الثمن بخطه رؤوس المسائل وبقي فِيهِ يومين حَتَّى كتب رؤوس المسائل كلها بلا كتاب يحضره ولا أصل يرجع إِلَيْهِ بل من حفظه وعن ظهر قلبه ثُمَّ ترك الشيخ تِلْكَ الأجزاء بَيْنَ يديه وأخذ الكاغد فكان ينظر فِي كل مسألة ويكتب شرحها فكان يكتب فِي كل يوم خمسين ورقة حَتَّى أتى عَلَى جميع الطبيعيات والإلهيات مَا خلا كتابي الحيوان والنبات وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزء ثن اتهمه تاج الملك بمكاتبته علاء الدولة فأنكر عَلَيْهِ ذَلِكَ وحث فِي طلبه فدل عَلَيْهِ بعض أعدائه فأخذوه وأدوه إِلَى قلعة يقال لَهَا فردجان وأنشأ هناك قصيدة فِيهَا: ت علته وانضاف إِلَى ذَلِكَ أمراض أخر جليها سوء تدبيره وقلة القبول من الشيخ وخاف العسكر وفاته فرجعوا بِهِ طالبين همذان فِي المهد فتوفي فِي الطريق ثُمَّ بويع ابن شمس الدولة وطلبوا أن يستوزر الشيخ فأبى عليهم وكاتب علاء الدولة سراً يطلب خدمته والمصير إِلَيْهِ والانضمام إِلَى جانبه وقام فِي دار أبي غالب العطار متوارياً وطلبت من إتمام كتاب الشفاه فاستحضر أبا غالب وطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وكتب الشيخ فِي قريب من عشرين جزءاً إلى الثمن بخطه رؤوس المسائل وبقي فِيهِ يومين حَتَّى كتب رؤوس المسائل كلها بلا كتاب يحضره ولا أصل يرجع إِلَيْهِ بل من حفظه وعن ظهر قلبه

ص: 308

ثُمَّ ترك الشيخ تِلْكَ الأجزاء بَيْنَ يديه وأخذ الكاغد فكان ينظر فِي كل مسألة ويكتب شرحها فكان يكتب فِي كل يوم خمسين ورقة حَتَّى أتى عَلَى جميع الطبيعيات والإلهيات مَا خلا كتابي الحيوان والنبات وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزء ثن اتهمه تاج الملك بمكاتبته علاء الدولة فأنكر عَلَيْهِ ذَلِكَ وحث فِي طلبه فدل عَلَيْهِ بعض أعدائه فأخذوه وأدوه إِلَى قلعة يقال لَهَا فردجان وأنشأ هناك قصيدة فِيهَا:

دخولي باليقين كما تراه

وكل الشيخ فِي أمر الخروج

وبقي فِيهَا أربعة أشهر ثُمَّ قصد علاء الدولة همذان وأخذها وانهزم تاج الملك ومر إِلَى تِلْكَ القلعة بعينها ثُمَّ رجع علاء الدولة همذان وعاد تاج الملك وابن شمس الدولة إِلَى همذان وحملوا معهم الشيخ إِلَى همذان ونزل فِي دار العلوي واشتغل هناك بتصنيف المنطق من كتاب الشفاء وَكَانَ قَدْ صنف بالقلعة. كتاب الهداية ورسالة حي بن يقظان. وكتاب القولنج وأما الأدوية القلبية فإنما صنفها أول وروده إِلَى همذان وَكَانَ تقضي عَلَى هَذَا وملن وتاج الملك فِي أثناء هَذَا يمنيه بمواعيد جميلة ثُمَّ عن للشيخ التوجه إِلَى أصفهان فخرج متنكراً وأنا وأخوه وغلامان معه فِي زي الصوفية إِلَى أن وصلنا إِلَى طبران عَلَى باب أصفهان بعد أن قاسينا شدائد فِي الطريق فاستقبله الأصدقاء أصدقاء الشيخ ندماء الأمير علاء الدولة وخواصه وحمل إِلَيْهِ الثياب والمراكب الخاصة وأنزل فِي محلة يقال لَهَا كون كنبذ فِي دار عبد الله بابا وفيها من الآلات والفرش مَا يحتاج إِلَيْهِ فصادف فِي مجلسه الإكرام والإعزاز الَّذِي يستحقه مثله ثُمَّ رسم الأمير علاء الدولة ليالي الجمعات مجلس النظر بَيْنَ يديه بحضرة سائر العلماء عَلَى اختلاف طبقاتهم والشيخ أبو علي من جملتهم فما كَانَ يطاق فِي شيء من العلوم واشتغل بأصفهان بتتميم كتاب الشفاء وفرغ من المنطق والمجسطي وَكَانَ قَدْ اختصر إقليدس والارثماطيقي والموسيقى وأورد فِي كل كتاب من الرياضيات زيادات رأى أن الحاجة إِلَيْهَا داعية إما ف المجسطي فأورد عشرة أشكال فِي اختلاف النظر وأورد فِي آخر المجسطي فِي علم الهيئة أشياء لَمْ يسبق إِلَيْهَا وأورد فِي إقليدس شبهاً وَفِي الارثماطيقي خواص حسنة وَفِي الموسيقى مسائل غفل عنها الأولون وتم الكتاب المعروف بالشفاء مَا خلا كتابي النبات واليوان فإنه صنفهما فِي السنة الَّتِي توجه فِيهَا علاء الدولة إِلَى

ص: 309

سابور خواست فِي الطريق وصنف أيضاً فِي الطريق. كتاب النجاة واختص بعلاء الدولة وصار من ندمائه إِلَى أن عزم علاء الدولة عَلَى قصد همذان وخرج الشيخ فِي الصحبة فجرى ليلة بَيْنَ يدي علاء الدولة ذكر الخلل الحاصل فِي التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فأمر الأمير الشيخ بالاشتغال برصد الكواكب وأطلق لَهُ من الأموال مَا يحتاج إِلَيْهِ وابتدأ الشيخ بِهِ وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعها حَتَّى ظهر كثير من المسائل وَكَانَ يقع الخلل فِي أمر الرصد لكثرة الأسفار وعوائقها وصنف الشيخ بأصفهان. كتاب العلائي قال وَكَانَ من عجائب أمر الشيخ أني صحبته وخدمته خمساً وعشرين سنة فما رأيته إِذَا وقع لَهُ كتاب مجدد ينظر فه عَلَى الولاء بل كَانَ يقصد المواضع الصعبة منه والمسائل المشكلة فينظر مَا قاله مصنفه فِيهَا فيتبين مرتبته فِي العلم ودرجته فِي الفهم وَكَانَ الشيخ جالساً يوماً من الأيام بَيْنَ يدي الأمير وأبو منصور الجبان حاضر فجرى فِي اللغة مسألة تكلم الشيخ فِيهَا بما حضره فالتفت الشيخ أبو منصور إِلَى الشيخ يقول إنك فيلسوف وحكيم ولكن لَمْ تقرأ من اللغة مَا رضي كلامك فِيهَا فاستنكف الشيخ من هَذَا الكلام وتوفر عَلَى درس كتب اللغة ثلاث سنين واستدعي بكتب تهذيب اللغة من بلاد خراسان من تصنيف أبي منصور الأزهري فبلغ الشيخ فِي اللغة طبقة فلما يتفق مثلها وأنشأ ثلاث قصائد ضمنها ألفاظاً غريبة فِي اللغة وكتب ثلاثة كتب أحدها عَلَى طريقة ابن العميد والثاني عَلَى طريقة الصاحب والثالث عَلَى طريقة الصابي وأمر بتجليدها وأخلاق جلدها ثُمَّ أوعز إِلَى الأمير بعرض تِلْكَ المجلدة عَلَى أبي منصور الجبان وذكر أنا ظفرنا بهذه المجلدة فِي الصحراء وقت الصيد فيجب أن تتفقدها وتقول لَنَا مَا فِيهَا أبو منصور وأشكل عَلَيْهِ كثير مما فِيهَا فقال الشيخ كل مَا تجهله من هَذَا الكتاب فهو مذكور فِي الموضع الفلاني من كتب اللغة وذكر لَهُ كتباً معروفة فِي اللغة كَانَ الشيخ حفظ تِلْكَ الألفاظ منها وَكَانَ أبو منصور مجازفاً فيما يورده من اللغة غير ثقة فِيهَا ففطن أبو منصور أن تِلْكَ الرسائل من تصنيف الشيخ وأن الَّذِي حمله عَلَيْهِ مَا جبهه بِهِ فِي ذَلِكَ اليوم فتنصل واعتذر إِلَيْهِ ثُمَّ صنف الشيخ فِي اللغة كتاباً سماه بلسان العرب لَمْ يصنف فِي اللغة

ص: 310

مثله وَلَمْ ينقله إِلَى البياض

حَتَّى توفي فبقي عَلَى مسودته لا يهتدي أحد إِلَى ترتيبه وَكَانَ قَدْ حصل للشيخ تجارب كثيرة فيما باشره من المعالجات عزم عَلَى تدوينها فِي كتاب القانون وَكَانَ قَدْ علقها عَلَى أجزاء فضاعت قبل تمام كتاب القانون من ذَلِكَ أنه صدع يوماً فتصور إِن مادة تريد النزول إِلَى حجاب رأسه وأنه لا يأمن ورماً يحصل فِيهِ فأمر بإحضار ثلج كثير ودقه ولفه فِي خرقة وتغطية رأسه بِهَا ففعل ذَلِكَ حَتَّى قوي الموضع وامتنع عن قبول تِلْكَ المادة وعوفي ومن ذَلِكَ أن امرأة مسلولة بخوارزم أمرها أن لا تتناول شيئاً من الأدوية سوى جلنجبين السكر حَتَّى تناولت عَلَى الأيام مقدار مائة من وشقيت المرأة وَكَانَ الشيخ قَدْ صنف بجرجان المختصر الأصغر فِي المنطق وهو الَّذِي وضعه بعد ذَلِكَ فِي أول النجاة ووقعت نسخة إِلَى شيراز فنظر فِيهَا جماعة من أهل العلم هناك فوقعت علم الشبه فِي مسائل منها فكتبوها عَلَى جزء وَكَانَ القاضي بشيراز من جملة القوم فأنفذ بالجزء إِلَى أبي القاسم الكرماني صاحب إبراهيم بن بابا الديلمي المشتغل بعلم الباطن وأضاف إِلَيْهِ كتاباً إِلَى الشيخ أبي القاسم وأنفذهما عَلَى يدي ركابي قاصد وسأله عرض الجزء عَلَى الشيخ واستنجاز أجوبته فِيهِ وإذا الشيخ أبو القاسم دخل عَلَى الشيخ عند اصفرار الشمس فِي يوم صائف وعرض عَلَيْهِ الكتاب والجزء فقرأ الكتاب ورده عَلَيْهِ وترك الجزء بَيْنَ يديه وهو ينظر فِيهِ والناس يتحدثون ثُمَّ خرج أبو القاسم وأمرني الشيخ بإحضار البياض وقطع أجزاء منه فشددت لَهُ خمسة أجزاء كل واحد عشرة أوراق بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وَقَدْ الشمع وأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأمر بمناولة الشراب وابتدأ هو بجواب تِلْكَ المسائل وَكَانَ يكتب ويشرب إِلَى نصف الليل حَتَّى غلبني وأخاه النوم فأمرنا بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو عَلَى المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال وسربها إِلَى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل لَهُ استعجلت فِي الإجابة عنها لئلا يتعوق الركابي فلما حملته إِلَيْهِ تعجب كل العجب وصرف القيج وأعلمهم بهذه الحالة وصار هَذَا الحديث تاريخاً بَيْنَ الناس ووضع فِي حال المرصد آلات مَا سبق إليها وصنف فِيهَا رسالة بقيت أنا ثماني سنين مشغولاً بالرصد وَكَانَ غرضي يتبين مَا يحكيه

ص: 311

بطليموس عن نفسه فِي الأرصاد حَتَّى بان لي بعضها قال وصنف الشيخ كتاب الإنصاف وَفِي اليوم الَّذِي قدم فِيهِ السلطان مسعود إِلَى أصفهان نهب عسكره رحل الشيخ وَكَانَ الكتاب فِي جملته وَمَا وقف لَهُ عَلَى أثر وَكَانَ الشيخ قوي القوي كلها وَكَانَتْ قوة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب وَكَانَ كثيراً مَا يشتغل بِهِ فأثر فِي مزاجه وَكَانَ الشيخ يعتمد عَلَى قوة مزاجه حَتَّى صار أمره فِي السنة الَّتِي حارب فِيهَا علاء الدولة أسير فراش عَلَى باب الكرخ إِلَى أن أخذ الشيخ قولنج ولحرصه عَلَى برئه إشفاقاً من هزيمة يدفع إِلَيْهَا ولا يتأنى لَهُ المسير فِيهَا مع المرض حقن نفسه فِي يوم واحد ثماني مرات فتفرج بعض أمعائه وظهر بِهِ سحج وأحوج إِلَى المسير مع علاء الدولة فأسرعوا نحو إيذج فظهر بِهِ هناك الضرع الَّذِي قَدْ يتبع القولنج ومع ذَلِكَ كَانَ يدبر نفسه ويحقن نفسه لأجل السحج ولبقية القولنج فأمر يوماً باتخاذ دانفين من بزر الكرفس فِي جملة مَا يحقن بِهِ وخلطه بِهَا طلباً لكسر ربح القولنج بِهِ ففصد بعض الأطباء الَّذِي كَانَ يتقدم هو إِلَيْهِ بمعالجته وطرح من بزر الكرفس خمس دوالق لست أدري أعمداً فعله أم خطأ لأني لَمْ أكن معه فازداد السحج بِهِ من حدة ذَلِكَ البزر وَكَانَ يتناول مثروذ يطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح شيئاً كثيراً من الأفيون فيبه وناوله إياه فأكله وَكَانَ سبب ذَلِكَ خيانتهم من مال كثير من خزانته فتمنوا هلاكه ليأمنوا عاقبة أفعالهم ونقل الشيخ كما هو إِلَى أصفهان فاشتغل بتدبير نفسه وَكَانَ من الضعف بحيث لا يقدر عَلَى القيام فلم يزل يعالج نفسه حَتَّى قدر عَلَى المشي وحضر مجلس علاء الدولة لكنه مع ذَلِكَ لا يتحفظ ويكثر التخليط فِي أمر المجامعة وَلَمْ يبرأ من العلة كل البرء فكان ينتكس ويبرأ كل وقت ثُمَّ قصد علاء الدولة همذان وسار معه الشيخ فعاودته فِي

الطريق تِلْكَ العلة إِلَى أن وصل إِلَى همذان وعلم أن قوته قَدْ سقطت وأنها لا تقى يدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الَّذِي كَانَ يدبرني قَدْ عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة وبقي عَلَى هَذَا أياماً ثُمَّ انتقل إِلَى جوار بِهِ ودفن بهمذان وَكَانَ عمره ثمانياً وخمسين سنة وكان موته فِي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. ق تِلْكَ العلة إِلَى أن وصل إِلَى همذان وعلم أن قوته قَدْ سقطت وأنها لا تقى يدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الَّذِي كَانَ يدبرني قَدْ عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة وبقي عَلَى هَذَا أياماً ثُمَّ انتقل إِلَى جوار بِهِ ودفن بهمذان وَكَانَ عمره ثمانياً وخمسين سنة وكان موته فِي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.

أبو الفضل بن يامين اليهودي الحلبي المعروف بالشريطي من يهود حلب قرأ عَلَى شرف الدين الطوسي عند وروده إِلَى حلب وَكَانَ الشرف

ص: 312

مع أحكامه لعلم الرياضة يحكم أشياء أخر من أصول الحكمة فأخذ هَذَا اليهودي عنه أطرافاً من علوم القوم أحكم منها علم العدد وعلم حل الزيج وتسيير المواليد وعملها وشارك فِي غير ذَلِكَ مشاركة غير مفيدة وَكَانَ يعاني فِي أول أمره جر الشريط وَكَانَ محفواً من اليهود وربما عانى شيئاً من الطب لأوساط الناس ثُمَّ غلبت عَلَيْهِ السوداء فأفسدت منه محا النخيل ومات فِي شهور سنة أربع وستمائة وَلَمْ يخلف وارثاً.

أبو الفضل الخازمي المنجم نزيل بغداد كَانَ هَذَا رجلاً منجماً ببغداد يتكلم فِي الأحكام النجومية ويقلده الناس فيما يقول ويدعي أكثر مما يعلم ولما اجتمعت الكواكب السبعة فِي برج الميزان فِي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وحكم فِي قرانها بأنه يحدث هواء شديد يهلك العامر وَمَا فِيهِ من الناس ولهج بذلك فِي سائر أقطار الأرض واهتم العالم بذلك ووافقه كل من سمع قوله من منجمي الأقطار وَلَمْ يخالفه غير رجل يعرف بشرف الدولة العسقلاني نزيل مصر فإنه كَانَ دقيق النظر ووجد فِي اقتران الكواكب والمكافأة مَا يدفع ضرر بعضها عن بعض وقال ذَلِكَ وضمن عَلَى نفسه أن يكون الأمر عَلَى خلافه وشرط أن يكون تِلْكَ الليلة الَّتِي أنذروا بوقوع الهواء فِيهَا لا يهب فِيهَا نسيم واهتم الناس بعمل السراديب فِي البلاد السهلية والمغائر فِي البلاد الجبلية ليتقوا بذلك الرياح العاصفة فلما كَانَ ذَلِكَ اليوم الموعود كَانَ الزمان صيفاً واشتد الحر وَلَمْ يصب نسيم وَلَمْ يظهر مما قالوه شيء فخزي المنجمون وامتحنوا من كذبهم فِي إنذارهم ووبخهم الناس وسبوا أكثرهم وقال الشعراء فِي ذَلِكَ أشعاراً كثيرة فمنهم أبو الغنائم محمد بن المعلم الواسطي قال فِي الخازمي المنجم هَذَا:

قل لأبي الفضل قول نعترف

مضى جماد وجاءنا رجب

وَمَا جرت زعزع كما حكموا

ولا بدا كوكب لَهُ ذنب

ملا ولا أظلمت ذكاء ولا

أبدت أذى من ورائها الشهب

يقضي عَلَيْهَا من لَيْسَ يعلم مَا

يقضي عَلَيْهِ هَذَا هو العجب

فرامِ بتقويمك الفرات والاصطر

لاب خير من صفره الخشب

قَدْ بان كذب المنجمين وَفِي

أي مقال قالوا فما كذبوا

مدبر الأمر واحد لَيْسَ للس

بعة فِي كل حادث سبب

ص: 313

لا المشتري سالم ولا زحل

باقٍ ولا زهرة ولا قطب

تبارك الله حصحص الحق وان

جاب الثمارى وزالت الريب

فليبطل المدعون مَا وصفوا

فِي كتبهم ولتحرق الكتب

أبو الفرج بن أبي الحسن بن سنان حاله فِي الطب كحال أبيه فِي الإصابة وعلو الذكر والتقدم وهو والد أبي الحسن المقدم ذكره وولد أبي الحسن بن سنان.

أبو الفتوج نجم الدين بن السري المعروف بابن الصلاح سميساطي الأصل بغدادي العلم قرأ علم المنطق وأحكم الرياضة وعاتي الطب وتقدم فِي فنه وبرع وسلم إِلَيْهِ الجماعة مَا أحكمه من هَذَا الفن وخرج من بغداد وقدم إِلَى نور الدين محمود بن زنكي رضي الله عنه فأكرمه واحترمه ونزل دمشق عَلَى أوفر منزلة وأجل مرتبة وأدرك بِهَا أبا الحكم الطبيب الشاعر المغربي وقال للجماعة هَذَا أبو الحكم شيخي وأول من قرأت عَلَيْهِ علم الرياضة ببغداد فقال لَهُ أبو الحكم ألا إنني الآن يجب أن أقرأ عليم مَا قرأته علي فإنك أحكمته بصادق فكرك وأنا فقد أنسته وَكَانَتْ أصوله محققة محكمة وحواشيه عَلَى الكتب فِي غاية الجودة تقداً وتحقيقاً وهو من بيت كبير فِي العلم والأصل وتوفي إِلَى رحمة الله فِي دمشق فِي آخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

أبو القاسم الرقي المنجم هَذَا رجل كَانَ من أهل الرقة يعرف النجامة ويقوم بالأحكام ويعلم علم الحوادث ويتحقق بحل الزيج وعلم الهيئة صحب الأمير سيف الدولة عَلَى ابن عبد الله بن حمدان وخدمه واختص بِهِ وحضر مجالس أنه قال ابن نصر الكاتب فِي كتاب المفاوضة حدثني أبو القاسم الرقي منجم الأمير سيف الدولة قال دخلت بغداد أيام عضد الدولة وَقَدْ لبست الطيلسان وتشاغلت بالمنجر عن النجوم قال فاجتزن يوماً بسوق الوراقين وإذا بأبي القاسم القصري جالساً فِي دكان وهو يقوّم فوقفت انظر مَا يعمل فرفع

ص: 314

رأسه وقال انصرف عافاك الله لَيْسَ هنا شيء تفهمه قال فجلست حينئذ وتأملته فإذا بِهِ يقوم المشتري هكذا قال أَوْ غيره من الكواكب فلما شارف الفراغ منه قلت لم فعلت هَذَا وأحوجت نفسك إِلَى عملين وضربين كنت غنياً عنهما قال فأي شيء كنت أفعل قلت تفعل كذا وكذا وَقَدْ خرج مَا تريد ثُمَّ نهضت مسرعاً فقام ولحقني وعلق بي وقبل رأسي واعتذر وقال أسأت العشرة وعجلت وسألني عن اسمي فأعلمته فعرفني بالذكر واستدل عَلَى داري وصار يقصدني ويسألني عن شكوك تعترضه فأفيده إياها واستكثر مني وصار صديقاً وخليلاً.

أبو قريش طبيب المهدي وهذا رجل يعرف بعيسى الصيدلاني وَلَمْ يذكر هَذَا فِي جملة الأطباء لأنه كَانَ ماهراً بالصناعة أَوْ ممن يحب أن يلحق الأجلاء من أهل هَذَا الشأن وإنما يذكر لظريف خبره وَمَا فِيهِ من العبرة وحسن الاتفاق أن هَذَا الرجل اعني أبا قريش كَانَ صيدلانياً ضعيف الحال جداً فتشكت حظية للمهدي وتقدمت إِلَى جاريتها بأن تخرج القارورة إِلَى طبيب غريب لا يعرفها وَكَانَ أبو قريش بالقرب من قصر المهدي فلما وقع نظر الجارية عَلَيْهِ أرته القارورة فقال لمن هَذَا الماء فقالت لامرأة ضعيفة فقال بل لملكة عظيمة الشأن وهي حبلى بملك وَكَانَ هَذَا القول منه عَلَى سبيل الرزق فانصرفت الجارية من عنده وأخبرت الحظية بما سمعته منه ففرحت بما سمعت فرحاً شديداً وقالت ينبغي أن تضعي علامة عَلَى ذكائه حَتَّى إذا صح قوله اتخذناه طبيباً لنا وبعد مدة ظهر الحبل وفرح بِهِ المعدي فرحاً شديداً فأنفذت الحظية إِلَى أبي قريش خلعتين فاخرتين وثلاثمائة دينار وقالت استعن بهذا عَلَى أمرك فإن صح مَا قلته استصحبناك فعجب أبو قريش ومن ذَلِكَ وقال هَذَا من عند الله جل وعز لأنني مَا قلته للجارية إِلَاّ وَقَدْ كَانَ هاجساً من غير أصل ولما ولدت الحظية وهي الخيزران موسى الهادي سر المهدي بِهِ سروراً عظيماً وحدثته جاريته بالحديث فاستدعي أبا قريش وخاطبه فلم يجد عنده علماً بالصناعة إِلَاّ شيئاً يسيراً من علم الصيدلة إِلَاّ أنه اتخذه طبيباً لما جرى منه واستخصه وأكرمه إِلَاّ كرام التام وحظي عنده ولما مرض موسى الهادي جمع الأطباء المتقدمين وهم أبو قريش عيسى وعبد الله وهو الطيفوري وداود بن سرافيون أخو يوحنا صاحب الكناش وَكَانَ سرافيون طبيباً من أهل باجرمي وخرج ولداه طبيبين فاضلين ولما اشتد بِهِ المرض قال لهم أنتم تأكلون أموالي وجوائزي وَفِي وقت الشدة تتغافلون عني

ص: 315

فقال لَهُ أبو قريش علينا الاجتهاد والله يهب السلامة فاغتاظ من هَذَا فقال لَهُ الربيع قَدْ وصف لنا بنهر صرصر طبيب ماهر يقال لَهُ يشوع بن نصر فأمر بإحضاره وبفتل هؤلاء المجتمعين فلم يفعل الربيع ذَلِكَ لعلمه باختلاط عقله من شدة المرض بل أرسل إِلَى نهر صرصر وأحضر المتكبب ولما أدخل إِلَى أمير المؤمنين قال لَهُ رأيت القارورة قال نعم يَا أمير المؤمنين هو ذا أعمل لَكَ دواء تأخذه وإذا كَانَ عَلَى تسع ساعات تبرأ وتخلص وخرج من عنده وقال للأطباء لا تشغلوا قلوبكم فِي هَذَا اليوم تنصرفون إِلَى منازلكم وَكَانَ الهادي قَدْ أمر لَهُ بعشرة آلاف درهم لبتاع لَهُ بِهَا الدواء فأخذها وسيرها إِلَى بيته وأحضر أدوية وجمع الأطباء بالقرب من موضع الهادي وقال لهم دقوا حَتَّى يسمع ويسكن فإنكم فِي آخر النهار تتخلصون وكل ساعة يدعو بِهِ الهادي ويسأله عن الدواء فيقول هو ذا تسمع صوت الدق فيسكت ولما كَانَ بعد تسع ساعات مات وتخلص الأطباء .. ومن أخبار أبي قريش هَذَا مَا رواه يوسف بن إبراهيم ابن عيسى بن الحكم المتطبب قال لحم عيسى بن جعفر المنصور وكثر لحمه حَتَّى كاد يأتي عَلَى نفسه وأن الرشيد اغتم لذلك غماً شديداً وأمر المتطببين بمعالجته وكل منهم دفه أن يعرف فِي هَذَا حيلة وأن عيسى المعروف بأبي قريش سار إِلَى الرشيد وقال هل أن ابن عمك رزق معدة صحيحة وبدناً قابلاً للغذاء وجميع أموره جارية بما يحب والأبدان متى لَمْ تخلط عَلَى أصحابها طبائعهم وأحوالهم فتنال أبدانهم العلل فِي بعض الأوقات والغموم فِي بعضها والمكاره فِي وقت لَمْ يؤمن عَلَى أصحابها زيادة اللحم حَتَّى تضعف عن حمله العظام ويعجز فعل النفس وتبطل قوة الدماغ وهو يؤدي إِلَى عدم الحياة وابن عمك إن لَمْ تظهر التجني عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تقصده بما يغمه من حيازة مال أَوْ أخذ عزيز من خدمه لَمْ يؤمن تزيد هَذَا اللحم حَتَّى يهلك نفسه فقال الرشيد لَهُ أنا أعلم أن الَّذِي ذكرت صحيح لا ريب فِيهِ غير أنه لا حيلة عندي فِي التغير لَهُ أَوْ غمه بما ينهك جسمه فإن كَانَتْ عندك حيلة فِي أمرها فاعملها فإني أكافئك متى رأيت لحمه انحط بعشرة آلاف دينار وآخذ لَكَ منه مثله فقال أبو قريش عندي حيلة فِي مائة إِلَاّ أني أخاف أن يعجل علي فليوجه معي أمير المؤمنين خادماً جليلاً من خدمه حَتَّى يمنعه من العجلة بقتلي ففعل الرشيد ذَلِكَ فلما دخل عَلَى عيسى

بن جعفر أخذ ينبضه وأعلمه انه يحتاج أن يجس نبضه ثلاثة أيام قبل أن يذكر العلاج فانصرف وعاد إِلَيْهِ يومين آخرين وفعل بِهِ مثل ذَلِكَ وقال يه فِي اليوم الثالث أن الوصية أعز الله الأمير مباركة وهي غير مقدمة ولا مؤخرة وأرى أن الأمير يعهد فإن لَمْ يحدث حادث قبل أربعين يوماً عالجته بعلاج يبرأ فِي ثلاثة أيام ونهض من عنده وَقَدْ أودع قلبه من الحزن مَا امتنع معه من أكثر القرار والنوم واستتر أبو قريش خوفاً من إعلام الرشيد لعيسى بن جعفر بتدبيره فيفسد مَا بناه فلم تمض الأربعون يوماً إِلَاّ وَقَدْ انحطت منطقته خمس بشيزكان فلما كَانَ اليوم الأربعون صار أبو قريش إِلَى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك فِي نقصان بدن ابن عمه وسأله الركوب إِلَيْهِ فركب الرشيد ودخل معه أبو قريش فلما رآه عيسى قال للرشيد أطلق لي يَا أمير المؤمنين قتل هَذَا الكافر فقد قتلني وأحضر منطقته وشدها وقال يَا أمير المؤمنين قَدْ نقص بدني هَذَا القدر بما أدخل عَلَى قلبي من الاستشعار المردي فسجد الرشيد شكراً لله تعالى وقال يَا بن عن إن أبا قريش رد عَلَيْكَ الحياة ونعم مَا احتال وَقَدْ أمرت لَهُ بعشرة آلاف دينار فأعطه من عندك مثلها ففعل عيسى بن جعفر ذَلِكَ وانصرف أبو قريش بعشرين ألف دينار .. ومن اخباره مَا رواه العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد كَانَ قَدْ اتخذ جامعاً فِي بستان أم موسى وأمر إخوته وأهل بيته بحضوره فِي كل جمعة ليتولى الصلاة بهم فحضر الرشيد يوماً فِي ذَلِكَ البستان وحضر والدي عَلَى العادة هناك وَكَانَ يوماً شديد الحر وصلى فِي الجامع مع الرشيد وانصرف إِلَى دار لَهُ بسوق يحيى فأكسبه حر ذَلِكَ اليوم صداعاً كاد يذهب بصره فأحضر لَهُ جميع أطباء مدينة السلام وكان أحد من حضر أبا قريش هَذَا فرآهم وَقَدْ اجتمعوا للمناظرة فقال لَيْسَ يتفق لكم رأي حَتَّى يذهب بصر هَذَا ثُمَّ دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وجعلها فِي مضربة وضربها عَلَى راحته حَتَّى اختلط الجميع ووضعها عَلَى وسط رأسه وأمره بالصبر عَلَيْهِ حَتَّى ينشفه الرأس ثُمَّ زاده راحة أخرى فلما فعل ذَلِكَ ثلاث مرات سكن الصداع وعوفي وانصرف الأطباء وَقَدْ خجلوا منه .. ومن أخباره أن إبراهيم بن المهدي اعتل بالرقة من أعمال الجزيرة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بإحضاره إِلَى والدته بمدينة السلام وَكَانَ بختيشوع حد بختيشوع الثاني يزاوله ويتولى علاجه ثُمَّ قدم الرشيد إِلَى مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فأتي أبو قريش بن المهدي عائداً فرأى العلة قَدْ أذهبت لحمه وإذا ذابت شحمه فأصارته إِلَى اليأس من نفسه وَكَانَ أعظم مَا عَلَيْهِ فِي علته شدة الحمية قال إبراهيم فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غداً علاجاً يكون فِيهِ برؤك قبل خروجي من عندك ثُمَّ دعا بالقهرمان بعد خروجه من عنده وقال لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها فِي ريشها حَتَّى آمرك فِيهَا بأمري فِي غد إن شاء الله قال إبراهيم ثُمَّ بكر إِلَى أبو قريش عيسى ومعه ثلاث بطيخات رامشية قَدْ بردها فِي الثلج فِي ليلة ذَلِكَ اليوم ثُمَّ دعا بسكين فقطع لي من إحدى البطيخات قطعة ثُمَّ قال لي كل هَذِهِ القطعة فأعلمته أن بختيشوع يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك كل فإنه لا بأس عَلَيْكَ قال فأكلت القطعة بالتذاذ مني لَهَا ثُمَّ أمرني بالأكل فلم أزل آكل حَتَّى استوفيت بطيختين ثُمَّ قطع من الثالثة قطعة وقال جميع مَا أكلت للذة فكل هَذِهِ القطعة للعلاج فأكلتها بتكره فقطع لي أخرى وأومأ إِلَى الغلمان بإحضار الطشت فذرعني القيء فأحسبني تقيأت أربعة أضعاف مَا أكلت من البطيخ وكل ذَلِكَ مرة صفراء ثُمَّ أغمي عليَّ بعد ذَلِكَ وغلب عليَّ العرق فلم أزل فِي عرق متصل إِلَى أن صلى الظهر ثُمَّ انتبهت وَمَا أعقل جوعاً فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج وَقَدْ طبخ لي منها سكباجاً أجادها وأطلبها فأكلت منها حَتَّى تضلعت ونمت بعد أكلي إياها إِلَى آخر وقت العصر ثُمَّ قمت وَمَا أجد منت العلة إِلَاّ قليلاً ولا كثيراً فاتصل بي البرء وَمَا عادت لَكَ العلة من ذَلِكَ اليوم. جعفر أخذ ينبضه وأعلمه انه يحتاج أن يجس نبضه ثلاثة أيام قبل أن يذكر العلاج فانصرف وعاد إِلَيْهِ يومين آخرين وفعل بِهِ مثل ذَلِكَ وقال له فِي اليوم

ص: 316

الثالث أن الوصية أعز الله الأمير مباركة وهي غير مقدمة ولا مؤخرة وأرى أن الأمير يعهد فإن لَمْ يحدث حادث قبل أربعين يوماً عالجته بعلاج يبرأ فِي ثلاثة أيام ونهض من عنده وَقَدْ أودع قلبه من الحزن مَا امتنع معه من أكثر القرار والنوم واستتر أبو قريش خوفاً من إعلام الرشيد لعيسى بن جعفر بتدبيره فيفسد مَا بناه فلم تمض الأربعون يوماً إِلَاّ وَقَدْ انحطت منطقته خمس بشيزكان فلما كَانَ اليوم الأربعون صار أبو قريش إِلَى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك فِي نقصان بدن ابن عمه وسأله الركوب إِلَيْهِ فركب الرشيد ودخل معه أبو قريش فلما رآه عيسى قال للرشيد أطلق لي يَا أمير المؤمنين قتل هَذَا الكافر فقد قتلني وأحضر منطقته وشدها وقال يَا أمير المؤمنين قَدْ نقص بدني هَذَا القدر بما أدخل عَلَى قلبي من الاستشعار المردي فسجد الرشيد شكراً لله تعالى وقال يَا بن عن إن أبا قريش رد عَلَيْكَ الحياة ونعم مَا احتال وَقَدْ أمرت لَهُ بعشرة آلاف دينار فأعطه من عندك مثلها ففعل عيسى بن جعفر ذَلِكَ وانصرف أبو قريش بعشرين ألف دينار .. ومن اخباره مَا رواه العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد كَانَ قَدْ اتخذ جامعاً فِي بستان أم موسى وأمر إخوته وأهل بيته بحضوره فِي كل جمعة ليتولى الصلاة بهم فحضر الرشيد يوماً فِي ذَلِكَ البستان وحضر والدي عَلَى العادة هناك وَكَانَ يوماً شديد الحر وصلى فِي الجامع مع الرشيد وانصرف إِلَى دار لَهُ بسوق يحيى فأكسبه حر ذَلِكَ اليوم صداعاً كاد يذهب بصره فأحضر لَهُ جميع أطباء مدينة السلام وكان أحد من حضر أبا قريش هَذَا فرآهم وَقَدْ اجتمعوا للمناظرة فقال لَيْسَ يتفق لكم رأي حَتَّى يذهب بصر هَذَا ثُمَّ دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وجعلها فِي مضربة وضربها عَلَى راحته حَتَّى اختلط الجميع ووضعها عَلَى وسط رأسه وأمره بالصبر عَلَيْهِ حَتَّى ينشفه الرأس ثُمَّ زاده راحة أخرى فلما فعل ذَلِكَ ثلاث مرات سكن الصداع وعوفي وانصرف الأطباء وَقَدْ خجلوا منه .. ومن أخباره أن إبراهيم بن المهدي اعتل بالرقة من أعمال الجزيرة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بإحضاره إِلَى والدته بمدينة السلام وَكَانَ بختيشوع حد بختيشوع الثاني يزاوله ويتولى علاجه ثُمَّ قدم الرشيد إِلَى مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فأتي أبو قريش بن المهدي عائداً فرأى العلة قَدْ أذهبت لحمه وإذا ذابت شحمه فأصارته إِلَى اليأس من نفسه وَكَانَ أعظم مَا عَلَيْهِ فِي علته شدة الحمية قال إبراهيم فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غداً علاجاً يكون فِيهِ برؤك قبل خروجي من عندك ثُمَّ دعا

ص: 317

بالقهرمان بعد خروجه من عنده وقال لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها فِي ريشها حَتَّى آمرك فِيهَا بأمري فِي غد إن شاء الله قال إبراهيم ثُمَّ بكر إِلَى أبو قريش عيسى ومعه ثلاث بطيخات رامشية قَدْ بردها فِي الثلج فِي ليلة ذَلِكَ اليوم ثُمَّ دعا بسكين فقطع لي من إحدى البطيخات قطعة ثُمَّ قال لي كل هَذِهِ القطعة فأعلمته أن بختيشوع يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك كل فإنه لا بأس عَلَيْكَ قال فأكلت القطعة بالتذاذ مني لَهَا ثُمَّ أمرني بالأكل فلم أزل آكل حَتَّى استوفيت بطيختين ثُمَّ قطع من الثالثة قطعة وقال جميع مَا أكلت للذة فكل هَذِهِ القطعة للعلاج فأكلتها بتكره فقطع لي أخرى وأومأ إِلَى الغلمان بإحضار الطشت فذرعني القيء فأحسبني تقيأت أربعة أضعاف مَا أكلت من البطيخ وكل ذَلِكَ مرة صفراء ثُمَّ أغمي عليَّ بعد ذَلِكَ وغلب عليَّ العرق فلم أزل فِي عرق متصل إِلَى أن صلى الظهر ثُمَّ انتبهت وَمَا أعقل جوعاً فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج وَقَدْ طبخ لي منها سكباجاً أجادها وأطلبها فأكلت منها حَتَّى تضلعت ونمت بعد أكلي إياها إِلَى آخر وقت العصر ثُمَّ قمت وَمَا أجد منت العلة إِلَاّ قليلاً ولا كثيراً فاتصل بي البرء وَمَا عادت لَكَ العلة من ذَلِكَ اليوم.

أبو مخلد بن بختيشوع الطبيب النصراني هَذَا طبيب من البيت المذكور طب وتصرف فِي هَذِهِ الصناعة ببغداد وعرف بهذا الشأن وَكَانَ مبارك المباشرة وعمر طويلاً وهو محمود الطريقة سالم الجانب وتوفي ببغداد فِي يوم الأحد النصف من جمادى الأولى سنة سبع عشرة وأربعمائة.

أبو يحيى المروروزي ويقال لَهُ المروزي أيضاً هَذَا رجل قرأ عَلَيْهِ أبو بشر متي بن بولس وكان فاضلاً ولكنه كَانَ سريانياً وجميع مَا لَهُ فِي المنطق وغيره بالسريانية وَكَانَ طبيباً بمدينة السلام.

أبو يحيى المروزي غير الأول كَانَ طبيباً مذكوراً عالماً بالهندسة مشهوراً فِي وقته ببغداد.

أبو يعقوب الهوازي كَانَ طبيباً مذكوراً عالماً بهذا الشأن وهو من جملة الأطباء الذين أمر بجمعهم عضد الدولة عند عمارة البيمارستان ببغداد وجعله من جملة المرتبين فِيهِ للطب وَلَهُ مقالة فِي السكنجبين البروزي وَكَانَ خبيراً جميل الطريقة.

ص: 318