المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النسخ 1: قوله: ونسخ التوجه، والوصية للأقربين بالمواريث2. سيأتي الكلام على هذا - تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌تمهيد:

- ‌القسم الأول: الدراسة

- ‌الفصل الأول: دراسة حياة المؤلف "الإمام الحافظ ابن كثير

- ‌المبحث الأول: حياته العامة

- ‌أولا: اسمه ونسبه

- ‌ثانيا: مولده

- ‌ثالثا: أسرته

- ‌رابعا: زوجته وأولاده

- ‌المبحث الثاني: حياته العلمية

- ‌أولا: طلبه العلم

- ‌ثانيا: حياته العلمية

- ‌ثالثا: تلاميذه

- ‌رابعا: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه

- ‌خامسا: مؤلفاته

- ‌وفاته:

- ‌الفصل الثاني: دراسة حياة المؤلف الأصل "الإمام ابن الحاجب

- ‌المبحث الأول: حياته العامة

- ‌المبحث الثاني: حياته العلمية

- ‌الفصل الثالث: التخريج وأهميته

- ‌أولا: معنى التخريج

- ‌ثانيا: أهمية هذا الفن

- ‌ثالثا: جهود الحافظ ابن كثير في هذا الفن

- ‌جهود الحافظ ابن كثير في التخريج، فهي على ضربين:

- ‌الفصل الرابع: دراسة الكتاب

- ‌المبحث الأول

- ‌اسم الكتاب

- ‌صحة نسبة الكتاب للمؤلف:

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌المبحث الثاني

- ‌أولا: من قام على تخريج الكتاب غير الإمام ابن كثير

- ‌ثانيا: بعض مزايا كتاب تحفة الطالب

- ‌ثالثا: منهج الحافظ ابن كثير في كتاب تحفة الطالب

- ‌ملاحظات عامة على الكتاب:

- ‌رابعا: منهج التحقيق

- ‌القسم الثاني: التحقيق

- ‌مدخل

- ‌مبادئ اللغة

- ‌الإجماع

- ‌الأمر

- ‌العام والخاص

- ‌التخصيص

- ‌المجمل

- ‌البيان والمبين

- ‌الظاهر والمؤول

- ‌المفهوم

- ‌النسخ

- ‌القياس

- ‌الاعتراضات

- ‌الاستدلال

- ‌الفهارس:

- ‌فهرس الآيات القرآنية مرتبة وفق سور القرآن الكريم:

- ‌فهرس الأحاديث النبوية

- ‌فهرس الآثار:

- ‌فهرس الأعلام مرتب وفق حروف المعجم

- ‌فهرس أسماء الكتب التي ورد ذكرها في كتاب تحفة الطالب، عدا المشهور منها من كتب السنة وكتب رجال الحديث، مرتبة حسب حروف المعجم:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ‌النسخ 1: قوله: ونسخ التوجه، والوصية للأقربين بالمواريث2. سيأتي الكلام على هذا

‌النسخ

1:

قوله: ونسخ التوجه، والوصية للأقربين بالمواريث2.

سيأتي الكلام على هذا في مسألتين من هذا الباب3.

قوله: وأيضا فإنه وقع "كنسخ وجوب الإمساك بعد الفطر"، "وتحريم ادخار لحوم الأضاحي"4.

1 النسخ لغة: الإزالة، وهو الرفع يقال: نسخت الشمس الظل أي: أزالته ورفعته.

وفي اصطلاح الأصوليين: نسخ حكم شرعي بدليل متراخٍ.

انظر مادة "نسخ" في القاموس المحيط 1/ 281، وشرح الكوكب المنير 3/ 525، 526.

وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص24.

2 انظر مختصر المنتهى ص"163 و164".

3 انظر صفحة "390-395 و398-401".

4 انظر مختصر المنتهى ص"165".

ص: 320

هذان حديثان، الأول:

264-

روى أبو عبيد القاسم بن سلام، في كتاب الناسخ والمنسوخ، عن حجاج بن محمد الأعور1، عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء2، عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني3 عن ابن عباس في قوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 4 قال: كان كتابه على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن المرأة أو الرجل كان يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلي العتمة أو يرقد. فإذا صلى العتمة أو رقد، منع ذلك إلى مثلها من القابلة، فنسختها هذه الآية:

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 5.

هذا الإسناد فيه شيئان:

1 هو: حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد، الترمذي الأصل. نزل بغداد، ثم المصيصة. ثقة، ثبت، لكنه اختلط قبل موته. من التاسعة، مات ببغداد سنة ست ومائتين.

تذكرة الحفاظ 1/ 345، التقريب 1/ 154، التهذيب 2/ 205، الكواكب النيرات ص456.

2 هو: عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، أبو مسعود المقدسي. ضعيف من السابعة، مات سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين ومائة.

التقريب 2/ 12، التهذيب 7/ 138، الميزان 3/ 48.

3 هو: عطاء بن أبي مسلم أبو عثمان الخراساني، واسم أبيه ميسرة، وقيل: عبد الله. صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس. من الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، ولم يصح أن البخاري أخرج له.

التقريب 2/ 23، التهذيب 7/ 212، الميزان 3/ 73.

4 من الآية "183" في سورة البقرة، وتتمتها:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

5 من الآية "187" في سورة البقرة.

والحديث رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ، باب ذكر الصيام وما نسخ منه "خ ل20 ب و21".

ص: 321

أحدهما: أنه قد تكلم البخاري في عطاء الخراساني وقال: أحاديثه مقلوبة1. ووثقه أحمد بن حنبل2، ويحيى بن معين3، وأحمد بن عبد الله العجلي4، وغيرهم5.

الثاني: أن رواية عطاء هذا عن ابن عباس فيها انقطاع، فإنه لم يسمع منه6.

265-

لكن يسدد هذا ما روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري7 كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال:

1 انظر الضعفاء الصغير ص89.

وقد ذكر الحافظ الذهبي في الميزان 3/ 74 عن الإمام الترمذي عنه ذلك.

2 انظر ميزان الاعتدال 3/ 74، وشرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 780.

3 في تاريخ يحيى بن سعيد الدارمي عنه ص146.

4 في ترتيب ثقات العجلي "خ ل39 أ".

5 قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 335: سألت أبي عن عطاء الخراساني فقال: لا بأس به، صدوق، قلت: يحتج به؟ قال: نعم.

6 وفي الميزان عنه 3/ 74: ثقة، محتج به.

وقال ابن سعد في الطبقات 7/ 360: ثقة.

وقال الترمذي: "

إن عطاء الخراساني ثقة عالم رباني، وثقه كل الأئمة ما خلا البخاري ولم يوافق على ما ذكره، وأكثر ما فيه أنه كان في حفظه سوء".

انظر شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 780.

قال أبو داود: لم يدرك ابن عباس. وقال الدارقطني: ثقة في نفسه، إلا أنه لم يلق ابن عباس. انظر ميزان الاعتدال 3/ 74.

"قلت": والحديث قد تقوى بمتابعة ابن جريج لعثمان بن عطاء، والله أعلم.

7 اختلف رواة الأخبار في اسم هذا الصحابي وكنيته واسم أبيه؛ فقيل: هو صرمة بن قيس. وقيل: قيس بن صرمة. وقيل: قيس بن مالك. وقيل: قيس بن أنس. وقيل: أبو صرمة. وقيل: قيس بن عمرو. وقيل غير ذلك. وذكر في ترجمته أنه كان شيخا كبيرا. ترهّب في الجاهلية، واغتسل من الجنابة، ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان قوّالا بالحق، وله شعر حسن، وعمّر.

الإصابة 3/ 423 و5 478.

ص: 322

أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل فغلبته عينه، فجاءت امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك. فلما انتصف النهار غُشِي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 1 ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} "2.

وأما الثاني:

وهو تحريم ادخار لحوم الأضاحي.

266-

فعن بريدة بن [الحصيب] 3 الأسلمي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم

الحديث " ".

1 الآية: "187" من سورة البقرة وتمامها:

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .

2 رواه البخاري في كتاب الصوم، باب "15" قول الله، جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ

} إلخ 2/ 230 بمثله.

وأخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب مبدأ فرض الصيام، حديث "2314" 2/ 737.

وأخرجه الترمذي في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، حديث "2968" 5/ 210 وقال أبو عيسى:"هذا حديث حسن صحيح".

وأخرجه النسائي في كتاب الصيام، باب تأويل قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا

} إلخ 4/ 147.

وأخرجه الدارمي في كتاب الصوم، باب متى يمسك المتسحر من الطعام والشراب 2/ 5.

3 في الأصل "الخصيب" بالمعجمة، وهو خطأ.

وهو: بريدة بن الحصيب -بضم المهملة وفتح الصاد- بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، صحابي كريم، أسلم قبل بدر ولم يشهدها وشهد خيبر والفتح، وكان معه اللواء واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقة قومه. توفي سنة ثلاث وستين، رضي الله تعالى عنه.

الإصابة 1/ 286، التهذيب 1/ 432، السير 2/ 469.

ص: 323

رواه مسلم1.

قوله:

لنا ما تقدم، وبأنه نسخ التخيير في الصوم والفدية، وصوم عاشوراء: برمضان، والحبس في البيوت: بالحد2.

هذه ثلاثة أحكام:

الأول: هو نسخ التخيير بين الصوم والفدية برمضان.

267-

عن سلمة بن الأكوع3 قال: "لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 4 كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت

1 مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه.

حديث "106" 2/ 672، وسيأتي في الحديث رقم "279".

وأخرجه أبو داود: في كتاب الأضاحي، باب ما كان النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، حديث "3698" 4/ 97.

وأخرجه الترمذي في أبواب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور، حديث "1054" 3/ 361.

وفي أبواب الأضاحي، باب ما جاء في الرخصة في أكلها -أي الأضحية- بعد ثلاث، حديث "1510" 4/ 94، 95.

وقال أبو عيسى: حديث بريدة حسن صحيح.

وسيأتي في الحديث رقم "279".

وأخرجه النسائي: في كتاب الجنائز، باب زيارة القبور 4/ 89.

وفي كتاب الضحايا، باب الإذن في ذلك 7/ 234.

وفي كتاب الأشربة، باب الإذن في شيء منها 8/ 310 و311.

وأخرجه ابن ماجه: في كتاب الأشربة، باب ما رخص فيه من ذلك، حديث "3405" 2/ 1126.

وأخرجه الإمام أحمد 5/ 350 و355 و356 و359.

2 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"156".

3 هو: سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله أبو مسلم وأبو إياس، الأسلمي الحجازي المدني، صحابي شهد بيعة الرضوان. مات سنة أربع وسبعين، رضي الله تعالى عنه.

الإصابة 3/ 151، التهذيب 4/ 150، السير 3/ 326.

4 من الآية "184" في سورة البقرة.

ص: 324

الآية التي بعدها [فنسختها] 1".

وفي رواية، حتى نزلت هذه الآية:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 2.

رواه البخاري ومسلم3.

وأما الثاني: وهو نسخ صوم عاشوراء برمضان.

فسيأتي في هذا الباب4.

وأما الثالث: وهو نسخ الحبس في البيوت بالحد.

268-

فقال أبو عبيد: ثنا عبد الله بن صالح5 -هو كاتب الليث بن

1 ساقطة من النسختين، وما أثبته من الصحيحين.

2 من الآية "185" في سورة البقرة.

3 البخاري في كتاب تفسير القرآن "تفسير سورة البقرة" باب "25" قوله: {أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ

} إلخ 5/ 155.

ومسلم في كتاب الصيام، باب بيان نسخ قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} حديث "149" 2/ 802" وفيه لفظه.

وعند مسلم الرواية التي أشار إليها المصنف، أخرجها بنحو حديث الباب، حديث رقم "150" 2/ 802.

وأخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب نسخ قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} حديث "2315" 2/ 737.

وأخرجه الترمذي في أبواب الصوم، باب ما جاء:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} حديث "798" 3/ 153.

وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

وأخرجه النسائي في كتاب الصيام، باب تأويل قول الله عز وجل:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 4/ 190.

وأخرجه الدارمي في كتاب الصيام، باب تفسير قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 2/ 15.

4 انظر الحديث رقم "288".

5 هو: عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابته وكان فيه غفلة. من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين.

التقريب 1/ 423، التهذيب 5/ 256، الميزان 2/ 440.

ص: 325

سعد- عن معاوية بن صالح الحضرمي1، عن علي بن أبي طلحة2، عن ابن عباس في هذه الآية، يعني قوله تعالى:{وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} 3.

وفي قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا} 4.

قال: كانت المرأة إذا زنت، حُبست في البيت حتى تموت. وكان الرجل إذا زنى، أُوذي بالتعيير والضرب بالنعل. قال: فنزلت: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} 5.

قال: وإن [كانا] 6 محصنين، رُجما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فهو سبيلهما الذي جعله الله لهما، يعني قوله تعالى:{حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} 7.

1 هو: معاوية بن صالح بن حدير -بالمهملة مصغرا- الحضرمي، أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، الحمصي، قاضي الأندلس، صدوق له أوهام. من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.

التقريب 2/ 259، التهذيب 10/ 209، الميزان 4/ 135.

2 هو: علي بن أبي طلحة سالم بن المخارق الهاشمي مولاهم -مولى بني العباس- سكن حمص، أرسل عن ابن عباس ولم يره. من السادسة، صدوق يخطئ. مات سنة ثلاث وأربعين.

التقريب 2/ 39، التهذيب 7/ 339، الميزان 3/ 134.

3 الآية "15" من سورة النساء، وهي غير مذكورة في الناسخ والمنسوخ، النسخة الخطية التي اعتمدتها "انظر ل89 ب".

4 من الآية "16" في سورة النساء.

5 من الآية "2" في سورة النور.

6 في الأصل "كان" وفي ف كما أثبته.

7 من الآية "15" في سورة النساء.

وهذا الأثر أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ "ل89 ب و90 أ".

ص: 326

هذا الإسناد فيه انقطاع؛ لأن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس1.

269-

لكن روى مسلم في صحيحه ما يسدد هذا عن عبادة بن الصامت2 قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه كرب لذلك وتربَّد وجهه، فأنزل عليه ذات يوم، فلقي كذلك. فلما سري عنه قال: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر، جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم" "3.

1 قال ابن معين في رواية أبي خالد الدقاق ص85: روى عنه بديل في التفسير، ولم يسمع من ابن عباس شيئا، فروى مرسلا.

وقال دحيم: لم يسمع علي بن أبي طلحة التفسير عن ابن عباس.

وقال الذهبي في الميزان: روى معاوية بن صالح، عنه، عن ابن عباس تفسيرا كبيرا ممتعا.

انظر الميزان 3/ 134.

2 هو: عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي صحابي جليل مشهور، كان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات بالرملة، سنة أربع وثلاثين رضي الله تعالى عنه.

الإصابة 3/ 624، التهذيب 5/ 111، السير 2/ 5.

3 مسلم: في كتاب الحدود، باب حد الزنى، حديث "12-14" 3/ 1316، 1317.

وأخرجه أبو داود: في كتاب الحدود، باب في الرجم، حديث "4415، 4416" 4/ 569-571.

وأخرجه الترمذي: في أبواب الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب، حديث "434" 4/ 41.

وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح".

وأخرجه ابن ماجه: في كتاب الحدود، باب حد الزنا، حديث "2550" 2/ 852.

وأخرجه الإمام أحمد: 5/ 317 و318 و321 و327.

وأخرجه أبو عبيد: في الناسخ والمنسوخ ل90 ب.

توضيح:

قوله في الحديث: كرب لذلك وتربد وجهه. الكرب: الشدة، أي: اشتدّ عليه الوحي وثقل. وتربد وجههأي: تغير إلى الغبرة، وقيل: الربدة: لون بين السواد والغبرة.

انظر مادة "ربد" في النهاية 2/ 183. =

ص: 327

قوله: وأيضا الوقوع. عن عمر رضي الله عنه قال: "كان فيما أُنزل: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة""1.

270-

عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل2: لا نجد حدين في كتاب الله تعالى؛ فلقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم[ورجمنا] 3. فوالذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" فإنا قد قرأناها".

رواه الشافعي وهذا لفظه، والترمذي بنحوه4.

= "قلت": فالوحي شاق وأمره عظيم، فليس هو بالأمر الهين أو السهل. قال تعالى:{إِ نَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 73] ثقيل في وقت نزوله، وثقيل التبعات. فالرسالة لا يحملها أو يتحملها إلا من ثبّت الله فؤاده، وآتاه الله تعالى القوة، في الجسم والعقل والقلب وهيأه لحملها، وهم الأنبياء والرسل، عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. فما أسرع ما انكشف وينكشف الكذبة والأدعياء وفضح أمرهم، وذاع شين تقولهم وفعالهم؛ فوصموا بالكذب والزور إلى يوم الدين، وأنهم في الآخرة هم الأخسرون.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث سبيل من زنى.

قال النووي: وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة جلدة، ورجم المحصن -وهو الثيب- حتى الموت -والزانية كذلك- واختلف في التغريب والنفي.

انظر شرح الحديث في شرح النووي على مسلم 11/ 188-190.

1 انظر مختصر المنتهى ص"166".

2 في ف زيادة "أنا" بعدها، وهي غير موجودة في الأصل ولا في مسند الشافعي ولا في موطأ مالك.

3 ساقطة من النسختين، وأثبتها من المسند ومن الموطأ.

4 الشافعي في مسنده ص163، 164.

والترمذي في أبواب الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم على الثيب 4/ 38، حديث "1431".

وقال أبو عيسى: "حديث عمر حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن عمر".

وأخرجه الإمام في الموطأ، في كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم، حديث "10" 2/ 824 بلفظ حديث الباب وفي حديثه قصة. =

ص: 328

271-

وللبخاري ومسلم عن ابن عباس، عن عمر، قريب من هذا1.

272-

وروى النسائي في السنن بإسناد جيد، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف2، عن خالته3، قالت: "لقد أقرأناها رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم:

= توضيح:

"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" أي: إذا زنيا وكانا محصنين، وهذه الآية منسوخة التلاوة ثابتة الحكم؛ ولذلك أكد سيدنا عمر رضي الله عنه حكمها، لئلا يتوهم متوهم أن حكم الزاني الجلد وحده، محصنا كان أو غير محصن. وقد تقدم في التوضيح في الحديث قبله قول الإمام النووي: الإجماع على هذا.

وسيأتي في الحديث بعده عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما ما يزيد ذلك وضوحا، وانظر تفصيل هذا الموضوع في الفتح 12/ 137-159.

1 البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفارة والردة، باب "30" الاعتراف بالزنا 8/ 25. ولفظه:

"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحمل، أو الاعتراف.

قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده".

وفي باب "31" رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت 8/ 25-28 في حديث السقيفة الطويل.

وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب "16" ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضّ على اتفاق أهل العلم، وما أجمع عليه الحرمان مكة والمدينة

إلخ 8/ 152 مختصرا جدا، وفيه قصة.

ومسلم في كتاب الحدود، باب رجم الثيب من الزنا، حديث "15" 3/ 1317.

وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم على الثيب، حديث "1432" 4/ 38.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، في الرجم.

انظر تحفة الأشراف 8/ 49.

وأخرجه ابن ماجه في كتاب الحدود، باب الرجم، حديث "2553" 2/ 853.

2 هو: أسعد بن سهل بن حنيف -بضم المهملة- الأنصاري أبو أمامة، معروف بكنيته معدود في الصحابة، له رؤية، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. مات سنة مائة، رضي الله تعالى عنه.

الإصابة 1/ 181، التهذيب 1/ 263.

3 خالته هي: العجماء الأنصارية. وذكر ابن حجر في الإصابة في ترجمتها الحديث المتقدم، وعزاه للطبراني وابن مندة.

الإصابة 8/ 23.

ص: 329

"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من لذتهما""1.

قوله: ونسخ الإعداد بالحول2.

273-

عن عبد الله بن الزبير3 قال: "قلت لعثمان4: هذه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} 5 إلى قوله: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قد نسختها الآية الأخرى، فلِمَ تكتبها؟ قال: ندعها يابن أخي، لا نغير6 شيئا7 من مكانه".

رواه البخاري8.

1 لم أقف عليه عند النسائي في السنن الصغرى، وقول المصنف: وروى النسائي في السن، لعله أراد سننه الكبرى حيث إن فيها كتاب الرجم والتفسير دو الصغرى.

ونسبه الزركشي في المعتبر إلى الطبراني، انظر: ل "77 ب".

وقال الحافظ في الموافقة ل203 ب: أخرجه الطبراني وابن مندة في المعرفة، من رواية أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن خالته العجماء، قالت:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشيخ والشيخة

" " الحديث.

وقال: وسنده حسن.

2 انظر مختصر المنتهى ص"166".

3 هو: عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر وأبو خبيب -بالتصغير- صحابي جليل مشهور، وأمه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما وكان أول مولد للمهاجرين بالمدينة. توفي سنة ثلاث وسبعين، رضي الله عنه.

الإصابة 4/ 89، التهذيب 5/ 213، السير 3/ 363.

4 أمير المؤمنين، رضي الله عنه.

5 من الآية 240 في سورة البقرة، وتتمتها: {

وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

6 كذا في النسختين "نغير"، والذي في الصحيح "أغير".

7 الذي في الصحيح: "شيئا منه من مكانه".

8 البخاري في كتاب تفسير القرآن "تفسير سورة البقرة" باب "45": {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ

} إلخ 5/ 163.

وفي باب "41": {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا

} إلخ 5/ 160.

توضيح:

قوله: فلِمَ تكتبها؟ أي: لِمَ تكتبها وقد علمت أنها منسوخة. وفي جواب سيدنا عثمان =

ص: 330

قوله: وعن عائشة رضي الله عنها: "كان فيما أنزل: عشر رضعات محرمات"1.

274-

روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات تحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن".

وقد تقدم هذا في الباب قبله2.

قوله: قالوا: وقع، فإن أهل قباء سمعوا مناديه صلى الله عليه وسلم: ألا إن القبلة قد حُولت، فاستداروا3.

275-

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذا جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر

= لابن الزبير رضي الله عنهم، دليل على أن ترتيب آي القرآن توقيفي ولا يجوز تبديله إلا بوحي، وقد انقطع الوحي والترتيب كان على هذا. فقال له سيدنا عثمان: لا أغير شيئا من القرآن من مكانه.

قال الحافظ: وكأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب. فأجابه عثمان بأن ذلك ليس بلازم، والمتبع فيه التوقيف.

انظر فتح الباري 8/ 193-195.

وتجدر الإشارة إلى أن أقسام القرآن الكريم من حيث النسخ والإثبات، تنقسم إلى أربعة أقسام:

1-

قسم ثبت لفظه وحكمه.

2-

قسم ارتفع حكمه ولفظه.

3-

قسم ارتفع لفظه وبقي حكمه.

4-

قسم ارتفع حكمه وبقي لفظه.

ويكون النسخ في القسم الثاني والثالث والرابع، أما القسم الأول فلا نسخ فيه.

انظر مقدمة الاعتبار للحازمي ص5، 6.

1 انظر مختصر المنتهى ص"166" وفيه زيادة: "فنسخن بخمس".

2 في الحديث رقم "261".

3 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"167".

ص: 331

أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة". رواه البخاري ومسلم1.

276-

ولهما عن البراء مثله2.

277-

ولمسلم عن أنس مثله3.

قوله: قالوا: كان يرسل الآحاد، بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة4.

1 البخاري: في كتاب الصلاة، باب "32" ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة

إلخ 1/ 105.

وفي كتاب تفسير القرآن "تفسير سورة البقرة" باب 14": {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ

} إلخ.

وفي باب "16": {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ

} إلخ.

وفي باب "17": {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ

} إلخ.

وفي باب "18": {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ

} إلخ.

وفي باب "19": {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ

} إلخ.

وفي باب "20": {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 5/ 151-153.

وفي كتاب خبر الواحد، باب "1" ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق

إلخ 8/ 133.

ومسلم: في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث "13، 14" 1/ 375.

وأخرجه الترمذي: في أبواب الصلاة، باب ما جاء في ابتداء القبلة، حديث "341" 1/ 170.

وقال أبو عيسى: "حديث ابن عمر حديث حسن صحيح".

وأخرجه النسائي: في كتاب القبلة، باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد 2/ 61.

وأخرجه الإمام مالك: في كتاب القبلة، باب ما جاء في القبلة، حديث "6" 1/ 195.

وأخرجه الدارمي: في كتاب الصلاة، باب في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة 1/ 281.

2 سيأتي كاملا في الحديث رقم "282" وتخريجه.

3 سيأتي كاملا في الحديث رقم "283" وتخريجه.

4 انظر مختصر المنتهى ص"168".

ص: 332

تقدم بيان هذا في مسائل الإخبار1.

قوله: قالوا: {قُلْ لَا أَجِدُ} 2 نسخ "بنهيه عن كل ذي ناب من السباع"3.

278-

عن أبي ثعلبة الخشني4 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع".

رواه الجماعة5.

1 انظر ص"162-165".

2 إشارة إلى الآية 145 من سورة الأنعام، في قوله تعالى:

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

3 انظر مختصر المنتهى ص"168".

4 هو: أبو ثعلبة الخشني -بضم المعجمة- صحابي مشهور بكنيته. اختلف في اسمه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه جرثوم أو جرثومة، أو جرهم، أو لا شر، وقيل غير ذلك، وكذلك اختلف في اسم أبيه. مات سنة خمس وسبعين، وقيل: قبل ذلك بكثير، أو في خلافة معاوية بعد الأربعين، رضي الله تعالى عنه.

الإصابة 7/ 58، التقريب 2/ 404، التهذيب 12/ 49.

5 البخاري: في كتاب الصيد، باب "29" أكل كل ذي ناب من السباع 6/ 230.

وفي كتاب الطب، باب "57" ألبان الأتن 7/ 33.

ومسلم: في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، حديث "12-14" 3/ 1533.

وأبو داود: في كتاب الأطعمة، باب الأكل في آنية الكفار، حديث "3802/ 159".

والترمذي: في أبواب الأطعمة، باب الأكل في آنية الكفار، حديث "1796" 4/ 255 بنحوه، وفي أوله زيادة.

والنسائي: في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل السباع.

وفي باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية 7/ 200-204.

وابن ماجه: في كتاب الصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، حديث "3232" 2/ 1077.

وأخرجه الإمام مالك: في كتاب الصيد، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث "13" 2/ 496.

بلفظ: "أكل ذي ناب من السباع حرام".

وأخرجه الدارمي: في كتاب الأضاحي، باب ما لا يؤكل من السباع 2/ 85.

ص: 333

279-

ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله1.

280-

وله مثله عن ابن عباس، وزيادة:"وكل ذي مخلب من الطير"2.

قوله: ويتعين الناسخ بعلم تأخره، أو بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا ناسخ3.

لم يرد المصنف أن هذا حديث، وإنما خرج ذلك مخرج المثال.

قوله: أو ما في معناه، مثل:"كنت نهيتكم"4.

282-

عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

1 مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع

إلخ، حديث "15" 3/ 1534.

ولفظه: $"كل ذي ناب من السباع فأكله حرام".

وأخرجه النسائي: في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل السباع 7/ 200.

وأخرجه ابن ماجه: في كتاب الصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، حديث "3233" 2/ 1077.

وأخرجه الإمام مالك: في كتاب الصيد، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث "14" 2/ 496.

2 مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ناب

إلخ، حديث "16" 3/ 1534.

وأخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل السباع، حديث "3803 و3805" 4/ 159، 160.

وأخرجه النسائي: في كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة أكل لحوم الدجاج 7/ 206.

وأخرجه ابن ماجه: في كتاب الصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، حديث "3234" 2/ 1077.

وأخرجه الدارمي: في كتاب الأضاحي، باب ما لا يؤكل من السباع 2/ 85.

وأخرجه الإمام أحمد: 1/ 244 و289 و302 و327 و332 و339 و373.

3 أو يكون لفظ الصحابي ناطقا به، أو أن تجتمع الأمة في حكم على أنه منسوخ.

انظر الحازمي في الاعتبار ص26-29.

وانظر القولة في مختصر المنتهى ص"168".

4 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"168".

ص: 334

"نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوث ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم. ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا".

رواه مسلم وهذا لفظه1، والترمذي وصححه ولفظه:

"قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أُذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فزوروها فإنها تذكر الآخرة"2.

قوله: وأيضا التوجه إلى المقدس بالسنة ونسخ القرآن، والمباشرة بالليل كذلك، ويوم عاشوراء3.

هذه ثلاثة أحكام:

الأول: اختلف العلماء في أصل شرعية التوجه إلى المقدس في ابتداء الإسلام: هل كان بالسنة، أو بالقرآن؟ على قولين حكاهما الحافظ أبو بكر

1 تقدم تخريجه في الحديث رقم "266".

2 الترمذي في أبواب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور، حديث "1054" 3/ 361.

وقال أبو عيسى: "حديث بريدة حديث حسن صحيح".

وأخرجه، في أبواب الأضاحي، باب ما جاء في الرخصة في أكلها بعد ثلاث، حديث "1510" 4/ 94، 95.

وقال أبو عيسى: "حديث بريدة حديث حسن صحيح" ولفظه:

"كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ليتسع ذو الطول على من لا طول له. فكلوا ما بدا لكم واطعموا وادخروا".

وذو الطول في الحديث: صاحب القدرة والسعة، على من لا قدرة له.

انظر تحفة الأحوذي 5/ 99.

3 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"168" وفيه: "التوجه إلى بيت المقدس

وصوم يوم عاشوراء".

ص: 335

محمد بن موسى الحازمي1 في الناسخ والمنسوخ2:

دليل من قال بالأول، وهو أن [أصله] 3 السنة: ظواهر أحاديث4، منها:

282-

عن البراء بن عازب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو5 أخواله من الأنصار، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا. وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت".

وذكر الحديث إلى أن قال: "وكانت اليهود قد أعجبهم6 إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس وأهل الكتاب. فلما وجه إلى البيت أنكروا ذلك

الحديث".

رواه البخاري ومسلم7.

1 هو: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن الحازمي الهمذاني. كان ثقة، حجة، نبيلا، زاهدا، عابدا، ورعا، مصنفا. مات سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

تذكرة الحفاظ 4/ 1364.

2 انظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص126.

"قلت": ومنشأ الخلاف في المسألة:

هو: هل السنة تنسخ بالكتاب والكتاب بالسنة، أم لا بد من التجانس بين الناسخ والمنسوخ؟ فيكون لا ينسخ القرآن إلا بالقرآن، وكذلك السنة، ويتفرع عليه نسخ التوجه إلى بيت المقدس.

فمن ذهب إلى أن الكتاب ينسخ السنة، والسنة المتواترة تنسخ الكتاب، يرى أن التوجه إلى بيت المقدس في ابتداء الهجرة كان ثابتا بالسنة ثم نسخ بالقرآن. ومن يرى أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، والسنة لا تنسخ إلا بالسنة، يرى أن التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة كان ثابتا بالقرآن ثم نسخ بالقرآن.

وقد ذكر المصنف بعض ما استدل به كلا الفريقين على رأيه.

وانظر الاعتبار ص125-128.

3 في الأصل "أصل".

4 في ف "الأحاديث".

5 في صحيح البخاري: "أو قال".

6 في نسخة ف: جاء زيادة لفظ "ذلك" بعدها، والذي في الأصل وفي صحيح البخاري كما أثبته.

7 البخاري: في كتاب الإيمان، باب "30" الصلاة من الإيمان

إلخ 1/ 15 باختلاف يسير في بعض ألفاظه. وتمامه "

وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر =

ص: 336

283-

وعن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1

الحديث".

رواه مسلم2.

= وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت.

وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك".

وفي كتاب الصلاة، باب "31" التوجه نحو القبلة حيث كان

إلخ 1/ 104.

وفي كتاب تفسير القرآن "تفسير سورة البقرة"، باب "12": {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ

} إلخ 5/ 150.

وفي باب "18": {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ

} إلخ 5/ 152 مختصرا جدا.

وفي كتاب أخبار الآحاد، باب "1" ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق 8/ 134.

ومسلم: في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث "11، 12" 1/ 374.

وأخرجه الترمذي: في أبواب الصلاة، باب ما جاء في ابتداء القبلة، حديث "340" 2/ 169.

وقال أبو عيسى: "حديث البراء حديث حسن صحيح".

وأخرجه النسائي: في كتاب القبلة، باب استقبال القبلة 2/ 60.

وأخرجه ابن ماجه: في كتاب إقامة الصلاة، باب القبلة، حديث "1010" 1/ 322.

وأخرجه الإمام أحمد 4/ 283.

1 من الآية 144 في سورة البقرة.

2 مسلم: في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة

إلخ، حديث "15" 1/ 375 وتتمته:

"

فمر رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت؛ فمالوا كما هم نحو القبلة".

وأخرجه أبو داود: في كتاب الصلاة، باب من صلى لغير القبلة ثم علم، حديث "1045" 1/ 633.

توضيح:

تقدم في حديث البراء رضي الله عنه أنه أول صلاة صلاها العصر، وهنا في حديث أنس:"وهم ركوع في صلاة الصبح" وقد أجاب الحافظ في الفتح 1/ 506 على هذا فقال:

والجواب: أن لا منافاة بين الخبرين؛ لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء.

ص: 337

- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يصلي نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه. وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا

ثم انصرف1 إلى الكعبة" رواه أحمد2.

دليل القول الثاني: وهو أن أصل3 شرعيته بالقرآن:

285-

ما رواه أبو عبيد، عن4 حجاج بن محمد، عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: "أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تعالى5:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 6 قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق7. وقال تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 8 يعنون: بيت المقدس، فأنزل الله تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 9 فصرفه الله تعالى إلى البيت العتيق، فقال تعالى: {وَمِنْ

1 كذا في النسختين، وفي المسند "صُرِفَ".

2 مسند الإمام أحمد 1/ 325 وإسناده صحيح.

3 في ف: "أصله بالقرآن".

4 عند أبي عبيد: "قال: حدثنا" بدل عن".

5 في ف: "جل ثناؤه".

6 من الآية "115" من سورة البقرة، وتتمتها:{إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .

7 وعند أبي عبيد بعد ذلك هذه الزيادة:

"قال: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] . قال: قال ابن عباس: يعني أهل اليقين من أهل الشك والريبة، قال الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143] قال: يعني تحويلها عن أهل الشك، {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} قال: يعني الصادقين بما أنزل الله عز وجل".

8 الآية "142" من سورة البقرة.

9 الآية "142" من سورة البقرة.

ص: 338

حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} "1.

286-

وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال:"أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة -وكان أكثر أهلها اليهود- أمره أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود بذلك، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم [صلى الله عليه وسلم] 2 وكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تعالى3: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} "4.

وأما الحكم الثاني: وهو المباشرة بالليل.

ومراد المصنف أن المباشرة في ليل رمضان كانت محرمة بالسنة، ثم نسخ ذلك وأبيحت بالقرآن.

287-

فعن البراء بن عازب قال: "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله عز

1 من الآية 149 من سورة البقرة.

والأثر في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد، في باب ذكر الصلاة ومعرفة ما فيها من الناسخ والمنسوخ، كتاب الكتاب والسنة "خ ل9 أ".

"قلت": وفيه: عثمان بن عطاء وهو ضعيف، ومتابعة ابن جريج له تقوية والله أعلم.

2 غير مسطورة في الأصل وفي ف.

3 في ف: "عز وجل".

4 من الآية 144 في سورة البقرة.

"قلت": لم أقف على هذه الرواية في النسخة المخطوطة التي وقفت عليها. والإسناد المذكور منقطع؛ لأن علي بن أبي طلحة أرسل عن ابن عباس ولم يره. وعبد الله بن صالح، ومعاوية صدوقان يخطئان.

وقد تقدم الإسناد نفسه في الحديث "رقم "268".

ص: 339

وجل1: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية"2. رواه البخاري3.

وأما الحكم الثالث:

وهو يوم عاشوراء يعني: أن [صوم] 4 يوم عاشوراء، كان واجبا في ابتداء الإسلام بالسنة، ثم نسخ وجوبه بما أوجبه القرآن من صوم رمضان، فأجود ما ههنا:

288-

ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت عاشوراء يوما يصومه قريش في الجاهلية، [وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه] 5 فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض رمضان كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء من شاء صامه ومن شاء تركه"6.

1 في ف: "الله تعالى".

2 من الآية 187 في سورة البقرة.

3 البخاري في كتاب تفسير القرآن "تفسير سورة البقرة" باب "27"{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 5/ 156.

وفيه لفظه، إلا أن حديثه ينتهي بـ "وعفا عنكم".

4 ساقطة من الأصل.

5 ساقطة من النسختين، وما أثبته من الصحيحين.

6 البخاري في كتاب الصوم، باب "69" صوم يوم عاشوراء 2/ 250 وفيه لفظه.

وفي كتاب مناقب الأنصار، باب "26" أيام الجاهلية 4/ 234.

وفي كتاب التفسير "تفسير سورة البقرة" باب "24"{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} 5/ 155.

ومسلم: في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، حديث "113-116" 2/ 792.

وأخرجه أبو داود: في كتاب الصوم، باب في صوم يوم عاشوراء، حديث "2442" 2/ 817.

وأخرجه الترمذي، في أبواب الصوم، باب ما جاء في الرخصة في ترك الصوم يوم عاشوراء، حديث "753" 3/ 118. وقال أبو عيسى:"حديث صحيح".

وأخرجه النسائي: في السنن الكبرى في الصوم، وفي التفسير.

انظر تحفة الأشراف 12/ 220.

وأخرجه الإمام مالك: في كتاب الصيام، باب صيام يوم عاشوراء، حديث "33" 1/ 299.

وأخرجه الدارمي: في كتاب الصوم، باب في صيام يوم عاشوراء 2/ 23. =

ص: 340

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن يوم عاشوراء لم يكن واجبا أصلا.

289-

لحديث معاوية رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر" ".

رواه البخاري، ومسلم1.

= وأخرجه الإمام أحمد 6/ 162.

توضيح:

عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر محرم الحرام.

قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشر؛ للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد، واليوم مضاف إليها، والأكثرون على هذا وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية.

وقيل: هو اليوم التاسع. فعلى الأول: فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني: هو مضاف لليلته الآتية. وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام التاسع والعاشر من شهر محرم الحرام من كل سنة، أو يوما قبله ويوما بعده مخالفة لليهود. ورأى بعض أهل العلم: استحباب صيام التاسع والعاشر والحادي عشر من الشهر.

انظر النهاية مادة "تسع وعشر" 1/ 189، 190 و3/ 240، وفتح الباري 4/ 245 وما بعدها.

1 البخاري في كتاب الصوم، باب "69" صوم يوم عاشوراء 2/ 250 وفيه لفظه، وفيه قصة.

ومسلم: في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، حديث "126" 2/ 795.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، في الصيام.

انظر تحفة الأشراف 8/ 437.

توضيح:

قال الحافظ في الفتح 4/ 247:

قوله: "ولم يكتب عليكم صيامه

إلخ" هو كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كما بينه النسائي في روايته، وقد استدل به على أنه لم يكن فرضا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام، كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا

ثم قال: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك. ثم يقول: وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: "لما فرض رمضان ترك عاشوراء""2/ 794 بنحوه" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باقٍ، فدل على أن المتروك وجوبه

إلخ.

ص: 341

قوله: واستدل: "بأن لا وصية لوارث" نسخ: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 1.

أما الحديث:

290-

فعن عمرو بن خارجة2 قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" ".

رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وصححه3.

291-

وعن أبي أمامة مثله.

رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وحسنه4.

1 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"169" والآية في سورة البقرة، ورقمها "180".

2 هو: عمرو بن خارجة الأسدي، ويقال: الأشعري أو الأنصاري، وقيل: خارجة بن عمرو، والأول أصح. وكان حليف أبي سفيان، صحابي له أحاديث، رضي الله تعالى عنه وعن صحابة رسول الله أجمعين.

الإصابة 4/ 627، التهذيب 8/ 25.

3 النسائي: في كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث 6/ 247 من طرق وفي لفظه:"ولا" بدل "فلا" وفي إحداها قصة.

وابن ماجه: في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث "2712" 2/ 905 وفيه قصة.

والترمذي: في أبواب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، حديث "2121" 4/ 434.

وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح".

وأخرجه الإمام أحمد: 4/ 186 و187 و238 و239، وفيه قصة أيضا.

وأخرجه البيهقي: في كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين 6/ 264، وفيه قصة أيضا.

4 أبو داود: في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث، حديث "2870" 3/ 290 بمثل حديث عمرو بن خارجة.

وفي كتاب البيوع، باب في تضمين العارية، حديث "3465" 3/ 824 وفيه زيادة.

وابن ماجه: في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث "2713" 2/ 905.

ولفظه عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع

الحديث".

والترمذي: في أبواب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، حديث "2120" 4/ 433 بمثل حديث ابن ماجه وزاد عليه. =

ص: 342

292-

ولابن ماجه أيضا عن أنس مثله1.

= وقال أبو عيسى: "وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس، وهو حديث حسن صحيح" كذا في المطبوع، تحقيق إبراهيم عطوة.

وفي تحفة الأحوذي 6/ 312 جاء قول الإمام الترمذي: "هذا حديث حسن".

ونقل الحافظ المزي عنه قوله: "حسن" في تحفة الأشراف 4/ 169. وكذلك الحافظ ابن حجر ذكر تحسين الترمذي للحديث، في الفتح 5/ 372 كما ذكر المصنف.

وأخرجه الإمام أحمد: 5/ 257 بمثل حديث الترمذي.

وأخرجه البيهقي: في كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين

إلخ 6/ 264.

ومدار حديثهم جميعا على إسماعيل بن عياش. وقد وقع كلام بين الأئمة في إسناد هذا الحديث، حيث جاء من طريقه. وإسماعيل متكلم فيه. قال الإمام الترمذي بعد حديث الباب 4/ 434: ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل العراق وأهل الحجاز، ليس بذاك فيما ينفرد به؛ لأنه روى عنهم مناكير، وروايته عن أهل الشام أصح ا. هـ.

وقال الحافظ في التقريب 1/ 73: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم. ا. هـ.

وروايته في حديث الباب، عن شرحبيل بن مسلم، وهو شامي ثقة، كذا قال المباركفوري في تحفة الأحوذي 6/ 308 وابن حجر في الفتح 5/ 372. وفي الموافقة أيضا "ط 2/ 317" إلا أنه قال في التقريب فيه 1/ 349: صدوق فيه لين.

وقال الزيلعي في نصب الراية 4/ 403: قال في التنقيح، أي ابن عبد الهادي: قال أحمد والبخاري وجماعة من الحفاظ: ما رواه إسماعيل بن عياش عن الشاميين فصحيح، وما رواه عن الحجازيين فغير صحيح، وهذا رواه عن شامي ثقة. انتهى.

وقد وثّق الشيخ أحمد محمد شاكر رواية إسماعيل بن عياش، عن الشاميين وغيرهم، وذلك في تعليقه على جامع الإمام الترمذي 2/ 237، 238.

وقد روى حديث أبي أمامة أيضا، ابن الجارود في المنتقى، في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصايا، حديث "949" ص317 من طريق آخر.

وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الرسالة للإمام الشافعي المطلبي ص141 في الحديث: وإسناده صحيح، تكلموا في بعض رجاله بما لا يُضعف حديثهم

إلخ ا. هـ.

"وأقول": وقد حسن إسناد حديث أبي أمامة هذا، الحافظ في التلخيص 3/ 92.

1 ابن ماجه في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث "2714" 2/ 906، من طريق هشام بن عمار، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جاء، عن سعيد بن أبي سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك، وذكر الحديث.

قال الحافظ في الموافقة "ط2/ 314": ورجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن أبي سعيد، فاختلف فيه، فقيل: هو المقبري. فلو ثبت هذا؛ لكان الحديث على شرط الصحيح، لكن الأكثر على أنه شيخ مجهول من أهل بيروت.

وقد وقع في بعض طرقه: عن ابن جابر، حدثني شيخ بالساحل يقال له: سعيد بن أبي سعيد. والمقبري لا يقال فيه مثل هذا لشهرته.

ص: 343

وقول المستدل: إن1 هذا الحديث نسخ قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 2 غير سديد لوجهين:

أحدهما: أن الناسخ لهذه الآية إنما هو آيات المواريث في سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

} الآية3، والتي تليها4. وقوله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} 5.

293-

كما روى ذلك الإمام أبو عبيد6 عن [عبد الله] 7 بن عباس، رضي الله عنهم8.

1 وفي نسخة في: "على أن".

2 من الآية "180" في سورة البقرة، وتتمتها:{بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .

3 من "11" في سورة النساء.

4 هي الآية "12" قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} .

5 الآية "7" في سورة النساء.

6 في ف: "عبيد الله" وهو خطأ.

7 زيادة من ف.

8 قال أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ، باب الوصية وناسخها ل166 أوب:

حدثنا حجاج عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} نسختها هذه الآية: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} . =

ص: 344

الوجه الثاني:

بتقدير أن يكون هذا الحديث هو المعارض للآية، فإنما هو مخصص لها لا ناسخ.

لأن الناسخ في الإصلاح المتأخر: هو الرافع لجميع أفراد ما دل عليه الخطاب الأول.

وهذا ليس كذلك، فإنه إنما رفع حكم الوصية للوالدين والأقربين الوارثين، ولم يرفع حكم الوصية في حق الأقربين غير الوارثين.

294-

ولهذا قال أبو عبيد: ثنا هشيم1، قال: أنا يونس2، عن الحسن قال:"كانت الوصية للوالدين والأقربين، فنُسخ ذلك3 وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون، ونسخ منها كل وارث"4.

= "قلت": هذا الإسناد منقطع؛ لأن عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس كما تقدم، وابن جريج ثقة يدلس، وقد روى بالعنعنة، وعثمان بن عطاء متابعه ضعيف، وحجاج ثقة قد اختلط بأخرة.

وهذا الأثر مروي عن مجاهد أيضا، أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ل166 ب:

قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال:"كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله عز وجل من ذلك ما أحب، فجعل للولد الذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد، وللزوجة الثمن أو الربع، وللزوج الشطر أو الربع" ا. هـ.

"قلت": وفيه عنعنة ابن جريج، وكان يدلس ويرسل.

1 هو هشيم -بالتصغير- بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازم -بمعجمتين- الواسطي. ثقة، ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي. من السابعة، مات سنة ثلاث وثلاثين.

التقريب 2/ 320، التهذيب 11/ 59.

2 هو: يونس بن عبيد بن دينار العبدي، مولاهم البصري أبو عبيد، ثقة، ثبت، فاضل، ورع. من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين.

التقريب 2/ 385، التهذيب 11/ 442.

3 في الناسخ والمنسوخ زيادة "منها" بعدها.

4 الناسخ والمنسوخ، باب الوصية وناسخها ومنسوخها. ل166 ب و167 أ.

ص: 345

قال أبو عبيد: وإلى هذا القول صارت السنة القائمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليه انتهى قول العلماء، وإجماعهم في قديم الدهر وحديثه، أن الوصية للوارث منسوخة لا تجوز. وكذلك أجمعوا على أنها جائزة للأقربين معا1، إذا لم يكونوا من أهل الميراث2.

ثم حكى أبو عبيد قوله في أنه: هل تصح الوصية للأجانب3؟

ثم قال: ثم اجتمع العلماء على القول بالصحة، وبه نقول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث" 4 فقد تبين بهذا5 أن السلف رضي الله عنهم لم يجعلوا الآية -أعني قوله: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 6- كلها منسوخة، وإنما المنسوخ عندهم بعضها.

وهم يطلقون النسخ على التخصيص كثيرا، بخلاف اصطلاحنا اليوم7.

1 أي: الأقربين غير الوارثين أو المحجوبين من الميراث أو ذوي الأرحام غير الوارثين، فإن لهم الوصية مجتمعين أو متفرقين.

وانظر المحلى 10/ 421.

2 الناسخ والمنسوخ ل167 أ.

3 قال أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ:

ثم اختلفوا في الأجنبيين؛ فقالت طائفة من السلف: لا تجوز لهم الوصية، وخصوا بها الأقارب

ثم ساق روايات عن السلف ممن يجيز وممن يمنع.

انظر الناسخ والمنسوخ ل167 ب و168 أ، وانظر المحلى 10/ 421-432.

4 تقدم تخريجه في الحديث رقم "290".

5 في ف: "من هذا".

6 إشارة إلى الآية "180" في سورة البقرة، في قوله تعالى:

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .

7 في الناسخ والمنسوخ ل168 ب و169 أ:

قال: وعلى هذا اجتمعت العلماء من أهل الحجاز، وتهامة، والعراق، والشام، ومصر، وغيرهم، منهم: مالك وسفيان والأوزاعي والليث، وجمع أهل الآثار والرأي، وهو القول المعمول به عندنا، أن الوصية جائزة للناس كلهم ما خلا الورثة خاصة، والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية لوارث

" إلخ. انتهى.

ص: 346

قوله: والرجم للمحصن1.

يعني: أن آية الجلد، وهي قوله سبحانه وتعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} 2 دلت على جلد كل زانٍ، محصنا كان أو غيره، وجاءت السنة المتواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم المحصن.

295، 296- كماعز3 والغامدية4.

1 انظر مختصر المنتهى ص"169".

2 من الآية "2" في سورة النور.

3 تقدم تخريج حديث رجم ماعز في الحديث رقم "181".

4 وحديث رجم الغامدية أخرجه:

الإمام مسلم: في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، حديث "22" و"23" 3/ 1322- 1324.

بعد قصة ماعز عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، رضي الله عنهم جميعا.

ولفظ حديثه الثاني المرقم "23": "

قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها. فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، قال:"إمَّا لا، فاذهبي حتى تلدي". فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:"اذهبي فارضعيه حتى تفطميه" فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام. "فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحُفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها". فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضّح الدم على وجه خالد فسبها. فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها. فقال:"مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفِر له" ثم أمر بها فصُلي عليها ودُفنت".

وأخرجه أبو داود: في كتاب الحدود، باب رحم ماعز بن مالك، حديث "4442" 4/ 588، 589، وفيه قصتها وحدها.

وأخرجه النسائي: في السنن الكبرى، في الرجم.

انظر تحفة الأشراف 2/ 74.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إما لا، فاذهبي" وهو بالهمزة وتشديد الميم أي: إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي فترجعي بعد ذلك. وكلمة "إما لا" تأتي في المحاورات كثيرا.

انظر تعليق المحقق على الحديث عند مسلم، وانظر مادة "أَمَّ" في النهاية "1/ 72، وشرح النووي على مسلم 11/ 203.

ص: 347

297-

وكما تقدم من حديث عبادة: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"1.

فكانت السنة المتواترة ناسخة للقرآن، وهو المطلوب.

والأولى أن يقال: لا نسلم أن هذا نسخ، وإنما هذا تخصيص؛ لأن الآية دلت على جلد كل زانٍ، والسنة قضت برجم بعض الزناة وهم المحصنون، وبقي الزناة غير2 المحصنين، حكمهم3 الجلد للآية.

وهذا معنى التخصيص قطعا في اصطلاحنا، والكلام فيه.

قوله: ولو سُلِّم، فالسنة بالوحي4.

الدليل على أن السنة [بالوحي] 5 قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} 6.

298-

وما روى البخاري ومسلم، عن يعلى بن أمية "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل متضمخ بطيب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي، ثم سري عنه فقال: "أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟ " فالتمس الرجل فجيء به، فقال: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة [فانزعها] 7 ، ثم اصنع في العمرة 8 ما تصنع في حجك" "9.

1 انظر الحديث رقم "269".

2 في ف: "الغير".

3 في ف: "حكم".

4 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"169".

5 ساقطة من الأصل.

6 الآيتان "3 و4" في سورة النجم.

7 في الأصل: "فاغسلها" وكتب في حاشية الأصل: "لعله فانزعها" وقد سقطت العبارة من ف وما أثبته من الصحيحين.

8 في الصحيحين: "عمرتك" والحديث في الصحيحين بنحوه.

9 انظر البخاري: في كتاب فضائل القرآن، باب "2" نزل القرآن بلسان قريش =

ص: 348

299-

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله

" فذكر1 الحديث إلى أن قال: "فقال رجل: يا رسول الله أَوَيأتي الخير بالشر؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك! فرأينا أنه ينزل عليه، قال: فمسح عنه الرحضاء، وقال2:"أين السائل؟ " وكأنه حمده، فقال: "إنه لا يأتي الخير بالشر

الحديث " " رواه البخاري ومسلم3.

= والعرب

إلخ 6/ 97، 98 وفيه قصة يعلى في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي.

وفي كتاب الحج، باب "10" يفعل في العمرة ما يفعل في الحج 2/ 202.

وفي باب "19" إذا أحرم جاهلا وعليه قميص

إلخ 2/ 217.

وفي الحج أيضا، معلقا في باب "17" غسل الخلوق

2/ 144.

وفي كتاب المغازي، باب "56" غزوة الطائف في شوال سنة ثمان 5/ 103.

ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح.. إلخ، حديث "6-10" 2/ 836-838.

وأخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه، حديث "1819-1822" 2/ 407-409.

وأخرجه الترمذي، في أبواب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة، حديث "835، 836" مختصرا جدا.

وأخرجه النسائي: في كتاب الحج، باب الجبة في الإحرام 5/ 130.

وفي باب الخلوق للمحرم 5/ 142.

وأخرجه: في السنن الكبرى في فضائل القرآن، وفي المناسك.

انظر تحفة الأشراف 9/ 112.

1 في ف "وذكر".

2 في ف "فقال".

3 البخاري: في كتاب الزكاة، باب "47" الصدقة على اليتامى 2/ 127، والحديث بتمامه: عن عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث "أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم من بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل: يا رسول الله، أويأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك! فرأينا أنه ينزل عليه قال: فمسح عنه الرحضاء فقال: "أين السائل؟ " وكأنه حمده فقال: "إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يُلم إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا =

ص: 349

......................................................................................

= امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت ورتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم، ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل" أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وإنه من يأخذه بغير حقه، كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة" ".

ورواه البخاري: في كتاب الجمعة، باب "28" يستقبل الإمام القوم

إلخ 1/ 221 مختصرا جدا.

وفي كتاب الجهاد، باب "37" فضل النفقة في سبيل الله 3/ 213.

وفي كتاب الرقاق، باب "7" ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها 7/ 173.

ومسلم في كتاب الزكاة، باب تخوف مما يخرج من زهرة الدنيا، حديث "122، 123" 2/ 727-729.

وأخرجه النسائي: في كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتيم 5/ 90.

وأخرجه الإمام أحمد 3/ 21 و91.

توضيح:

قوله في الحديث: "زهرة الدنيا" مأخوذة من زهرة الشجرة، والمراد ما فيها من أنواع المتاع، والعين، والثياب، والزروع، مما يفتخر الناس بحسنه.

و"الرحضاء" بضم الراء وفتح المهملة: هو العرق، وقيل: الكثير منه.

وأصل الرحض: الغسل. وقد فسره الخطابي بأنه عرق يرحض الجلد لكثرته.

وقوله: "إنه لا يأتي الخير بالشر" يؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير، وإنما يعرض له شر بعارض البخل به عمن يستحقه، والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع له.

و"يقتل أو يلم" أي: يهلك، أو يقرب من الهلاك.

والمعنى: أن الدابة إذا أصابت مرعى طيبا، فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتهلك، أو تقرب من الهلاك.

و"آكلة الخضراء": هو ضرب من الكلأ يعجب الماشية.

قال الطيبي: ويؤخذ من الحديث أربعة أصناف: فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك، حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع؛ فيسرع إليه الهلاك.

ومن أكل كذلك، لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم، فغلبه فأهلكه.

ومن أكل كذلك، لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم.

ومن أكل غير مفرط ولا منهمك، وإنما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه.

فالأول: مثال للكافر.

والثاني: مثال للعاصي الغافل عن الإقلاع والتوبة إلا عند فواتها.

والثالث: مثال للمخلط المبادر للتوبة، حيث تكون مقبولة.

والرابع: مثال الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة ا. هـ.

وانظر شرح الحديث مفصلا في الفتح 11/ 245-249.

ص: 350

300-

وعن أبي قتادة1 قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن قُتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، كَفَّر الله خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، كفر الله خطاياك إلا الدَّيْن، كذا قال جبريل" ".

رواه مسلم2.

301-

ولأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أبسط3 من هذا، وفي آخره:"نعم إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام سارَّني بذلك"4.

1 أبو قتادة هو الحارث. ويقال: عمرو أو النعمان بن ربعي -بكسر الراء وسكون الموحدة- بن بلدمة -بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة- السلمي -بفتحتين- الأنصاري، المدني صحابي جليل، شهد أحدا وما بعدها. مات سنة أربع وخمسين، رضي الله عنه.

الإصابة 7/ 327، التهذيب 12/ 204، السير 2/ 449.

2 مسلم: في كتاب الإمارة، باب من قُتل في سبيل الله كُفِّرت خطاياه إلا الدين، حديث "117، 118" 3/ 1501، 1502 بنحوه، وفيه زيادة وفي أخره:"فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك".

وأخرجه الترمذي: في أبواب الجهاد، باب ما جاء فيمن يستشهد وعليه دين، حديث "1712" 4/ 212.

وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح".

وأخرجه النسائي: في كتاب الجهاد، باب من قاتل في سبيل الله وعليه دين 6/ 34.

وأخرجه الإمام أحمد 5/ 303، 304.

3 أي: أطول.

4 مسند الإمام أحمد 2/ 308.

وفي إسناده:

محمد بن بكر البرساني، صدوق ربما أخطأ "انظر التقريب 2/ 148" وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري، صدوق ربما وهم "انظر التقريب 1/ 467".

وأخرجه النسائي: في كتاب الجهاد، باب من قاتل في سبيل الله وعليه دين 6/ 33، وفي إسناده: سعيد بن أبي سعيد بن كيسان المقبري، ثقة، تغير قبل موته بأربع سنوات.

"انظر التقريب 1/ 297".

ومحمد بن عجلان المدني صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.

انظر التقريب 1/ 190.

"قلت": وحديث أبي هريرة "حسن" ويعضّده ما قبله.

ص: 351

302-

وقد تقدم عن عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [أُنزل] 1 عليه كُرب لذلك وتربّد وجهه، فأُنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك، فلما سري عنه قال: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ".

رواه مسلم2.

قوله: قالوا:

قال ابن عباس لعثمان: "كيف تحجب الأم بالأخوين، وقد3 قال [الله] 4 تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} 5 والأخوان ليسا إخوة؟ فقال: حجبها قومك يا غلام"6.

303-

هكذا روى هذا الأثر أبو محمد بن حزم، في كتابه المحلى من حديث ابن أبي ذئب7، عن شعبة -مولى ابن عباس- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعثمان، فذكره إلى أن قال: فقال عثمان: لا أستطيع

1 في الأصل: "نزل".

2 تقدم في الحديث رقم "269".

3 في ف "قال" بدل "وقد" وهو وهم من الناسخ، والله أعلم.

4 غير مذكورة في الأصل، وهي في ف والمختصر.

5 من الآية "11" في سورة النساء.

6 انظر القولة في مختصر المنتهى ص"170".

7 هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، أبو الحارث المدني، ثقة، فقيه، فاضل. من السابعة، مات سنة ثمانٍ وخمسين، وقيل: تسع وخمسين ومائة.

التقريب 2/ 184، التهذيب 9/ 303.

ص: 352

أن أنقض أمرا كان قبلي، وتوارثه1 الناس، ومضى في الأمصار2.

شعبة هذا مولى ابن عباس، هو شعبة بن دينار.

قال النسائي: ليس بالقوي3.

1 في ف: "وتواتره".

2 الأثر حسن.

وهو في المحلى 10/ 322، 323 في كتاب المواريث، ولفظه:

عن ابن عباس "أنه دخل على عثمان بن عفان، فقال له: إن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس، إنما قال الله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} والأخوان في لسان قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان

إلخ".

وأخرجه الحاكم: في المستدرك، في كتاب الفرائض 4/ 335، من طريق ابن أبي ذئب به.

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وأخرجه البيهقي: في كتاب الفرائض، باب فرض الأم 6/ 227 من طريق ابن أبي ذئب به، أيضا.

توضيح:

قال ابن حزم -عليه رحمة الله- في المحلى 10/ 322: لا خلاف في أن الأم لا ترد من الثلث إلى السدس بأخ واحد، ولا بأخت واحدة، ولا في أنها ترد إلى السدس بثلاثة من الإخوة، إنما الخلاف في ردها إلى السدس باثنين من الإخوة.

انظر المسألة في المحلى 10/ 322-325.

3 في الضعفاء والمتروكين ص56.

"قلت": وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسا.

وقال الدوري عن ابن معين: ليس به بأس، وهو أحب إليَّ من صالح، مولى التوءمة. قلت له: ما كان مالك يقول في شعبة؟ قال: كان يقول: ليس هو من القراء.

وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لا يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: لم أجد له حديثا منكرا فأحكم عليه بالضعف، وأرجو أن لا بأس به.

وقال الحافظ في التقريب 1/ 351: صدوق سيئ الحفظ، من الرابعة، مات في وسط خلافة هشام.

وانظر فيما تقدم تاريخ ابن معين، رواية الدوري 3/ 238، وتهذيب التهذيب 4/ 347.

ص: 353