الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرّابع: في تعريف مواضع التّحريف
نبيّن - بعون الله - في هذا الباب من تناقض إنجيل النصارى وتعارضه وتكاذبه وتهافته ومصادمة بعضه بعضاً ما يشهد معه من وقف عليه أنه ليس هو الإنجيل الحق المنَزَّل من عند الله1، وأن أكثره من أقوال الرواة وأقاصيصهم، وأن نقلته أفسدوه ومزجوه بحكاياتهم، وألحقوا به أموراً غير مسموعة من المسيح ولا من أصحابه مثل ما حكوه من صورة الصلب والقتل واسوداد الشمس وتغير لون القمر وانشقاق الهيكل، وهذه أمور إنما جرت في زعم النصارى بعد المسيح، فكيف تجعل من الإنجيل ولم تسمع من المسيح؟!.
والإنجيل الحقّ إنما هو الذي نطق به المسيح2، وإذا كان / (1/98/أ) ذلك كذلك فقد انخرمت الثقة بهذا الإنجيل وعدمت الطمأنينة بنقلته.
1 لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بتحريف أهل الكتاب وكتمانهم وإخفائهم لما أنزله الله من البيّنات والهدى فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . [سورة آل عمران، الآية: 71] . وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
…
} . [سورة المائدة، الآية: 13] . وغيرهما من الآيات الكريمة.
ولقد أجمع المسلمون على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المتقدمة إما عمداً وإما خطأ في ترجمتها وفي تفسيرها وشرحها وتأويلها، إلاّ أنهم اختلفوا في مقدار التحريف فيها؛ قال بعضهم: إن كثيراً مما في التوراة والإنجيل باطل ليس شئاً من كلام الله. ومنهم من قال: بل ذلك قليل، وقيل لم يحرف أحد من حروف الكتب، وإنما حرفوا معانيها بالتأويل، وقال بعضهم: إنه كانت توجد نسخ صحيحة من التوراة والإنجيل بقيت إلى عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ونسخ كثيرة محرفة.
والذي نراه أن تحريفاً كثيراً قد وقع في كتبهم إلاّ أنه لا تزال فيها بقايا الوحي الإلهي المنَزّل على أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - وهذه البقايا ليست بالشيء القليل أيضاً - وطريق معرفتها هو موافقتها لما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
وأما أنواع التحريف في كتبهم فهو: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقصان، أي: بالحذف (والكتمان والخفاء) ، وتحريف بتغيير المعنى دون تغيير اللفظ، والشواهد على ذلك كثيرة جدّاً. (ر: مجموع الفتاوى 13/104، 105، والجواب الصحيح 1/356، 367، 2/5، 3/264، لابن تيمية، تفسير ابن كثير 1/520، تفسير الرازي 10/118، هداية الحياري ص 105، لابن القيم، التوراة دراسة تحليل ص 64-68، د. محمّد شلبي شتيوي) .
2 قوله: "والإنجيل الحقّ
…
"، نقله الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه: "إظهار الحق ص 190) .
وقد قدمنا أنه ليس إنجيلاً واحداً، بل الذي في [أيدي] 1 النصارى اليوم أربعة أناجيل جمع كل إنجيل منها في قطر من أقطار الأرض بقلم غير قلم الآخر، وتضمن كلّ كتاب من الأقاصيص والحكايات ما غفله الكتاب الآخر مع تسمية الجميع إنجيلاً.
وقد ذكر العلماء أن اثنين من هؤلاء العلماء الأربعة وهما: (مرقس) و (لوقا) لم يكونا من الاثني عشر الحواري أصحاب المسيح، وإنما أخذا عن من أخذ عن المسيح، وإذا كان الأمر كذلك، فهذان الإنجيلان ليسا من عندالله؛ إذ لم يسمعا من لفظ المسيح، والحجّة إنما تقوم بكلام الله وكلام رسوله وإجماع أصحاب رسوله.
وقد صرّح لوقا في صدر إنجيله بذلك فقال: "إن ناساً راموا ترتيب الأمور التي نحن بها عارفون كما عهد إلينا أولئك الصفوة الذين كانوا خداماً للكلمة، فرأيت أنا إذ كنت تابعاً أن أكتب لك أيّها الأخ العزيز [ثاوفيلس] 2 لتعرف به حقائق الأمر الذي وعظت به"3./ (1/98/ب) .
فهذا لوقا قد اعترف أنه لم يلق المسيح ولا خدمه، وأن كتابه الذي ألفه إنما هو تأويلات جمعها مما وعظه به خدام الكلمة4.
1 في ص (أيد) والتصويب من المحقِّق.
2 في ص (ثاوفيلا) والتصويب من النّصّ. وثاوفيلس: اسم يوناني معناه: "محبوب من الله". ولا يملك النصارى أية معلومات صحيحة عن شخصية وترجمته، وأقصى ما لديهم عنه نظريات تفتقر إلى الدليل. (ر: قاموس ص 233) .
3 لوقا 1/1-5.
4 إن الاعتراض الذي أورد المؤلِّف على كلام لوقا صحيح، وقد سبق لنا بيان الانتقادات الأخرى التي توجه إلى هذا النّصّ. (ر: ص 30) .
واعلم أن هؤلاء الأربعة تَوَلوا النقل عن رجل واحد فلا بدّ وأن يكون الاختلاف إما من قبل المنقول عنه أو من قبل الناقل، وإذا كان المنقول عنه معصوماً تعيَّن الخطأ في الناقل.
1-
تكاذيب:
قال متى: "من يوسف خطيب مريم - وهو الذي يسمى يوسف النجار - إلى إبراهيم الخليل اثنتان وأربعون ولادة".
قال لوقا: "لا ولكن بينهما أربعة وخمسون ولادة"، وذلك تكاذب قبيح، ولعل التوريك على لوقا أولى؛ لأن متى [صحابي] 1 ولوقا ليس بصحابي، إلاّ أنه لا فرق بينهما عند النصارى وذلك يقتضي بانخرام الثّقة بهما جميعاً.
قال المؤلِّف: "صواب النسب الذي عددته في إنجيل متى تسعة وثلاثون رجلاً، وفي إنجيل لوقا خمسة وخمسون رجلاً، وذلك من يوسف خطيب مريم إلى إبراهيم الخليل بشرط دخول الجدين يوسف وإبراهيم في العدد، وقد اختلفا في الأسماء أيضاً وذلك / (1/99/أ) زلل ظاهر"2.
1 في ص: صحابياً، والتصويب من المحقِّق.
2 أن قضية التناقض الواضح في نسب المسيح بين إنجيل متى 1/1-8، وإنجيل لوقا 3/23-38، مما اتّفق على ذكره العلماء في نقدهم الأناجيل. (ر: الفصل لابن حزم 2/27-24، الإعلام للقرطبي ص 207، مقامع هامات للخزرجي ص 147، وهداية الحياري لابن القيم ص 215، والنصيحة الإيمانية لنصر بن يحيى ص 191، وتحفة الأريب لعبد الله الترجمان ص 185،وإظهار الحقّ ص 114، 152، وغيرهم.
وقدر وردت أنساب آباء المسيح المزعومين في أسفار العهد القديم وخاصة سفري التكوين وأخبار الأيام الأوّل، ولمعرفة حقيقة التناقض في ذلك فإننا سنقارن بين ما ورد في سفر أخبار الأيام الأوّل (الإصحاح الثالث) وبين إنجيل متى وإنجيل لوقا في الجدول الآتي:
_________
أخبار الأيام الأوّل
إنجيل لوقا
تسلسل
إنجيل متى
أخبار الأيام الأوّل
إنجيل لوقا
1
داود
داود
داود
22
زربابل
زربابل
شلتائيل
2
سليمان
سليمان
ناثان
ناثان
23
أبهود
حنقيا
زربابل
3
رحبعام
حبعام
متاثا
24
الباقيم
ريا
4
أيا
أبيا
مينان
25
عازور
يوحنا
5
آسا
آسا
مليا
26
صادوق
يهوذا
6
يهوشافاط
بهرشافا
الباقيم
27
أخيم
يوسف
7
يورام
يورام
يونان
28
البود
شمعي
8
عزيا
أخزيا
يوسف
29
اليعازر
متاثيا
9
-
يوآش
يهوذا
30
متان
مآث
10
-
أمصيا
شمعون
31
يعقوب
نجاى
11
-
عزريا
لاوي
32
يوسف
حلى
12
بوثام
يوثام
متثات
33
ناحوم
13
آحاز
آحاز
بوريم
34
عاموص
14
حزقيا
حزقيا
اليعازر
35
متاثيا
15
منسى
منسى
برسى
36
يوسف
16
آمون
آمون
عير
37
ينا
17
يوشيا
يوشيا
المردام
38
ملكى
18
-
يهوباقيم
قصم
39
لاوي
19
يكنبيا
بكنيا
أدى
40
متثات
20
شلتائيل
شلتائيل
ملكى
41
هالي
21
-
فدايا
نيرى
42
يوسف
وخلاصة تلك المقارنة الانتقادات الآية:
1-
يعلم من متى أن يوسف بن يعقوب، ومن لوقا أنه ابن هالي.
2-
اختلف متى مع لوقا اختلافاً جوهرياً، حين جعل يوسف - زوج مريم حسب زعمهم - ينحدر من نسل سليمان داود، بينما جعله لوقا ينحدر من نسل ناثان بن داود.
3-
يعلم من متى أن جميع آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل سلاطين مشهورون، ومن لوقا أنهم ليسوا سلاطين ولا مشهورين غير داود وناثان.
4-
يعلم من متى أن اسم زور بابل (أبيهود) ، ومن لوقا أن اسمه (ريسا) ، والعجب أن كلا الاسمين غير موجودين في نسب سفر أخبار الأيام الأوّل.
5-
يعلم من متى أن شتائيل بن يكينا، ومن لوقا أنه ابن نيري.
6-
أخطأمتى في سلسلة نسب المسيح حين أسقط منها في المواقع خمسة أسماء (المسلسلات أرقام: 9، 10، 11، 18، 21) .
1-
إن عدد الأجبال المذكورة من داود إلى يوسف (27) حسب رواية متى، (42) حسب رواية لوقا.
وأمام هذه التناقضات الواضحة فقد اعترف به جماعة من محقِّقي أحبارهم مثل: "أكهارن، وكيسر، وهيس، وديوت، وجون فنتون في كتابه: (تفسير إنجيل متى ص 39، 40) ، د. جورج بردوفوردكيرد في كتابه: (تفسير إنجيل لوقا ص 19) ، وغيرهم". مما دفع بـ: "آدم كلارك" أن ينقل اعتذار (مستر هارمرسي) ونصّه: "ويعلم كلّ ذي علم أن متى ولوقا اختلفا في بيان نسب الرّبّ اختلافاً تحير فيه المحقِّقون من القدماء والمتأخرين وكما أعترض على المؤلِّفين لهذه الأسفار، ثم أزال العلماء الاعتراضات، فكذلك ربما يأتي من العلماء من يزيل هذه الاعتراضات في المستقبل. والزمان سيحقِّق هذا". اهـ.
ولكن هيهات هيهات أي يجود الزمان بمن يزيل هذه التناقضات الساطعة، فإنه لا يمكن الأخذ برواية أي من متى أو لوقا عن نسب المسيح إلاّ إذا اعتبرنا أحدهما صحيحاً والآخر مخطئاً ولا شكّ، وعند عدم التمييز بينهما؛ فإن الخطأ والبطلان ينسحب عليهما جميعاً.
(ر: إظهار الحقّ ص 114، المسيح في مصادر العقائد المسيحية ص 78-83، لأحمد عبد الوهّاب. بتصرف".
2-
نوع آخر:
قال لوقا: "قال جبريل الملك لمريم الناصرة: إنك ستلدين ولداً اسمه يسوع يجلسه الرّبّ على كرسي أبيه داود ويملكه على بيت يعقوب"1.
وأكذبه يوحنا وغيره فقال: "حُمل يسوع هذا الذي وعده الله بالملك إلى القائد فيلاطس، وقد ألبسوه شهرة الثياب وتوَّجوه بتاج من الشوك وصفعوه وسخروا منه ففاوضه فيلاطس طويلاً فلم يتكلم فقال له: أما تعلم أن لي عليك سلطاناً، إن شئت صلبتك وإن شئت أطلقتك، فأجابه يسوع: لولا أنك أعطيت ذلك من السماء لم يكن لك علي سلطان ومن أجل ذلك خطيئة الذي أسلمني إليك عظيمة"2.
1 لوقا 1/30-33.
2 يوحنا 19/1-11، في سياق طويل وقد ذكره المؤلِّف مختصراً، وقد ورد نحوه في إنجيل لوقا الإصحاح (23) ،وإنجيل مرقص إصحاح (15) ،وإنجيل متى إصحاح (27) .
وهذا تكاذب قبيح؛ لأن أحدهما يقول: إن يسوع يملك على بني إسرائيل، والآخر يصفه بصفة ضعيف ذليل1.
3-
موضع آخر:
قال لوقا: "لما نزل بيسوع الجزع من اليهود ظهر له ملك من السماء ليقوِّيه وكان يصلى متوارياً وصار عرقه كعبيط الدم"2.
ولم يذكر ذلك متى ولا مرقس / (1/99/ب) ولا يوحنا، وإذ تركوا ذلك لم يؤمن أن يتركوا ما هو أهمّ منه فتضيع السنن وتذهب الفرائض وترفع الأحكام.
فإن كان ذلك صحيحاً، فكيف تركه الجماعة؟ وإن لم يصحّ ذلك عندهم لم يُؤمن أن يُدخِل لوقا في الإنجيل أشياء أُخَر أفظع من هذا.
ولعل لوقا قد صدق في نقله، فإن ظهور الملك علامة دالة وأمارة واضحة على رفع المسيح إلى السماء وصونه عن كيد الأعداء.
1 إن واقع حياة المسيح كما يزعمهما النصارى في الأناجيل تفيد أن المسيح عليه السلام لم يكن ملكاً ولا متسلطاً على بني إسرائيل يوماً واحداً، فقد "قال له واحد من الجمع: يا معلم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث، فقال له: يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً؟ ". لوقا 12/13، 14، وحين علم المسيح: "بأنهم مزمعون أن يأتوا ويخطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده". يوحنا 6/15، كما نجد الأناجيل المحرفة تصف المسيح بخلاف صفة الملوك التي يدعونها له حيث إن الأناجيل المحرفة تزعم بأن المسيح قد قبض عليه وضرب وأهين وشتم ثم قتل مصلوباً. إذن فحقيقة الأمر وواقع الحال في الأناجيل المعتمدة عند النصارى تكذب وتخالف ما ادّعاه لوقا على لسان جبريل عليه السلام. يضاف إلى ما سبق أن المسيح من أولاد "يهوياقيم" حسب النسب الذي ذكره متى في إنجيله 1/10، 11، وأن أي واحد من أولاد يهوياقيم وسلالته لا يجوز له الجلوس على كرسي داود كما ورد النّصّ بذلك في سفر أرميا 36/30: "لذلك هكذا قال الرّبّ: عن يهوياقيم ملك يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود
…
".
2 لوقا 22/43، 44.
مناقشة:
اعلم أن المسيح عند النصارى عبارة عن لاهوت اتّحد بناسوت فصارا بالاتّحاد شيئاً واحداً، وإذا كان ذلك كذلك فظهور الملك ليُقوِّي مَن منهما؟
فإن قيل: ليقوِّي اللاهوت، كان ذلك باطلاً إذ لا حاجة بالإله إلى مساعدة عبده وتقويته.
وإن قالوا: ليقوِّي الناسوت، أبطلوا الاتّحاد إذ لم يبق ناسوت متميّز عن لاهوت حتى يفتقر إلى التقوية والنصرة، ثم ذلك يشعر بضعف اللاهوت عن تقوية الناسوت المتّحد به حتى احتاج إلى التقوية، وكيف يحتاج الإله إلى عبد من عبيده ليقوِّيه - وكلّ عباد الله إنما قوتهم بالله / (1/100/أ) عزوجل -؟! ".
4-
موضع آخر:
ذكر يوحنا - الذي هو أصغر الأربعة سنا - "أن أوّل آية أظهرها المسيح تحويل الماء خمراً"1. ولم يذكر أصحابه الثلاثة ذلك. وإذا أغفلوا مثل هذه الآية
1 يوحنا 2/1-11، ونصّه كالآتي: "ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر، قال لها: ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتي بعد، قالت أمه للخدام: مهما قال لكم فافعلوه، وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كلّ واحد مطرين أو ثلاثة قال لهم يسوع: املأوا الأجران ماء، فملأوها إلى فوق ثم قال لهم: استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ، فقدموا فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً، ولم يكن يعلم من أين هي لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا
…
هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه".
قلت: في هذه القصّة افتراء وتجروء على عيسى وأمه عليهما السلام، والأدلة على كذب هذه القصّة كثرة منها:
أ- ما ذكره المؤلِّف من انفراد يوحنا بذكرها عِلماً بأنها قد حدثت في عرس والحاضرون كثيرون، وهذا من أدلة كذب هذه القصّة حسب المعايير التي وضعها علماء مصطلح الحديث في معرفة الحديث الموضوع ومنها: أن يكون خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله بمحضر الجمع العظيم، ثم لا يرويه إلاّ واحد. (ر: النكت على كتاب ابن الصلاح 2/845، لابن حجر) .
ب- أنه قد ورد في إنجيل لوقا 7/33-35، مدح يوحنا العمداني بأنه لا يشرب الخمر ويتهمون عيسى بأنه يشر بها ويبالغ في ذلك، فكيف يعقل أن يفعل المسيح وأمه هذا المنكروالله تعالى يذمّ الخمر وشاربيها؟! كلاوحاشاهما من ذلك.
ج- وردت نصوص كثيرة في النهي عن الخمر وأن السكر بها خطيئة في الكتب المقدسة عندهم ومنها: في سفر اللاويين 10/8: "وكلّم الرّبّ هارون قائلاً: خمرا ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكيلا تموتوا". وفي سفر أشعيا 5/11-17: "ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر، للمتأخرين في العتمة تلهبهم الخمر
…
". وفي سفر ميخا 6/15: "ولا تشرب خمراً". وفي رسالة بولس إلى أهل أفسس 5/18: "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاصة". وفي رسالته الأولى إلى كورنثوس /10: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله". وغير ذلك.
د- ثم انظر إلى كذبهم وجرأتهم على القول بأن المسيح قال لأمه: ما لي ولك يا امرأة، فهذا من سوء الأدب والعقوق لأمه إن كان خاطبها بهذه القسوة والجفاء، ولكن حاشاه أن يفعل ذلك ولكنه كان عليه السلام كما قال عنه عزوجل على لسان عيسى:{وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} . [سورة مريم، الآية: 32] . وبعد ذلك كلّه يزعم النصارى أن عيسى عليه السلام فعل كلّ ذلك وهو يعلم أنه نبيّ ولم تحن ساعته بعد وأن عمله كان آية ومعجزة وهم يضمرون غير ذلك من الافتراء والكذب عليه. (ر: دراسة تحللية لإنجيل مرقس - د. محمّد عبد الحليم ص 318، الفارق بين المخلوق والخالق، باجة جِي زاده ص 328، 370) .
مع شهرتها دلَّ ذلك على غفلة عظيمة وقلة اعتناء بأمر الدّين، وإذا كانت لم تصحّ عندهم فتحرَّجوا من تسطيرها، فكيف ثبتت من الإنجيل بقول واحد وشرط ثبوت كلام الله التواتر - وهو النقل من قوم لا تجمعهم رابطة التواطؤ على الكذب.
5-
موضع آخر:
ذكر يوحنا هذا: "أن المسيح غسل أقدام تلاميذه ومسحها بمنديل كان في وسطه وأمرهم أن يقتدوا به في التواضع وترك التكبر"1. ولم يذكر ذلك أصحابه الثلاثة، فإن لم تصحّ عندهم فهو طعن على يوحنا، وإن كان ذلك صحيحاً فهو طعن عليهم.
1 يوحنا13/4-18في سياق طويل وقدذكره المؤلِّف مختصراً بالمعنى. وهذه الحادثة أيضاً من الأمورالتي تتوافرالدواعي على نقلها بمحضرالجمع العظيم، ثم لا يوريها إلاّ واحد.
وكيف يُعدُّ ذلك من الإنجيل والأكابر من التلاميذ لم يعرفوه، ولم يدوِّنونه في أناجيلهم؟! والتوريك على واحد صغيرأولى منه على ثلاثةكبار.
6-
موضع آخر / (1/100/ب) في غاية الفساد:
حكوا أن يوحنا هذا قال في الفصل الخامس من إنجيله: "إن يسوع قال: إني لو كنت أنا الشاهد لنفسي لكانت شهادتي باطلة ولكن غيري يشهد لي1، فأنا أشهد لنفسي وأبي أيضاً يشهد لي أنه أرسلني، وقد قالت توراتكم: إن شهادة رجلين صحيحة"2.
فانظر - رحمك الله - ما أفسد هذا الكلام وأقربه من كلام المجانين!!. وذلك أنهم جعلوا الله رجلاً وجعلوا شهادته لنفسه تقوم مقام شهادة شاهد بعد قوله: "لو كنت أنا أشهد لنفسي لكانت شهادتي باطلة"، والتوراة تقول:"إن شهادة شاهدين صحيحة"، ولم تقل:"إن شهادة الإنسان لنفسه صحيحة".
وإذا كان المسيح وتلاميذه [منَزِهين] 3 عن هذا الكلام الفاسد فليرم به جانباً وليعلم أنه ليس من الإنجيل الحقّ.
7-
موضع آخر:
نقل يوحنا: "أن المسيح مضى إلى المعمداني ليعتمد منه فقال له المعمداني حين رآه: هذا خروف الله الذي يحمل خطايا العالم وهو الذي قلت لكم: إنه
1 يوحنا 5/31، 32، ثم نقض قوله في الإنجيل نفسه /14، فقال:"أجاب يسوع وقال لهم: وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ"، قال العلامة ابن حزم: فأعجبوا لهذا الاختلاط. (ر: الفصل 2/180، 189) .
2 يوحنا 8/17، 18، ونصّ التوراة في سفر التثنية 19/15.
3 في ص (منَزِهون) والصواب ما أثبته.
يأتي بعدي، وأنه أقوى مني وأن بيده / (1/101/أ) الرفش ينقي بيدره فيجمع الحنطة إلى أهرائه1 ويحرق الأتبان2 بالنار التي لا تطفئ"3.
وخالفه في ذلك متى ولوقا، أما متى فقال:"إن المعمداني حين رأى المسيح قال له: إني لمحتاج أن أنصبغ على يدك، فكيف جئتني تنصبغ على يدي؟ "4. "وأنه أرسل بعد ذلك إلى المسيح يقول له: أأنت الآتي أو ننتظر غيرك"5.
فأما مرقس: فلم يذكر شيئاً من ذلك البتة6، وهذا تكاذب قبيح؛ لأن يوحنا جزم أنه هو ولم يحتج إلى سؤاله، ومَتَّى: ما عَلَم حتى أرسل يسأل المسيح، والآخر أغفل القصّة بالجملة7، وهذا القدر منفر موجب لسوء الظن.
1 الهرى: بيت كبير يجمع فيه السلطان، وجمعه: أهراء. (ر: القاموس ص 1734) .
2 التبان: من يبيع التبن. (م. س ص 1527) والمراد بالأتبان الفجار والمشركين. (ر: النصيحة الإيمانية - لنصر المتطبب، ص 190) .
3 يوحنا 1/29، 30، بلفظ مخلتف.
4 متى 3/11-13.
5 متى 11/2-4.
6 أشار مرقس إلى الحادثة 1/9، بقوله:"جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن".
7 ذكر الشيخ رحمة الله الهندي ف إظهار الحقّ ص 123: "هذا التناقض في حادثة تعميد المسيح بقوله:
1-
يعلم من إنجيل متى: "الإصحاح الثالث"، بأن يوحنا المعمداني (يحيى) كان يعرف المسيح قبل نزول الروح عليه في شكل حمامة.
2-
ولكن ذكر إنجيل يوحنا "اًلإصحاح الأوّل"، بأن يوحنا ما عرف المسيح إلاّ بعد نزول الروح عليه في مثل حمامة.
3-
ثم تناقض إنجيل متى "الإصحاح الحادي عشر" مع نفسه فذكر بأن يوحنا لم يعرف المسيح بعد نزول الروح أيضاً، وإنما أرسل له يوحنا تلميذين من تلاميذه يسألانه عن حاله. وهذا كلّه متناقض ظاهر الاختلاف والفسد".اهـ. ثم إننا نجد بمقاربة النصوص التي أوردها المؤلِّف وبين النسخةالحالية للأناجيل نلاحظ ما يلي:
1-
انفرد إنجيل يوحنا عن سائر الأناجيل بذكر عبارة: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم".
2-
إن النّصّ الذي نسبه المؤلِّف إلى إنجيل يوحنا قوله: "وأن بيده الرفش ينقي بيدره..الخ".لانجده في النسخةالحاليةلإنجيل يوحنا، وإنمانجده في إنجيلي متى ولوقا.
8-
موضع آخر:
ذكر متى: "أن يوسف خطيب مريم كان أبوه يسمى يعقوب بن ماتان"1. وذكر لوقا غير ذلك فقال: "أقام يسوع ثلاثين سنة وهو يظن أنه ابن يوسف بن هالي بن مطب"2. وهذا تناقض عجيب3.
9-
موضع آخر:
ذكر متى: "أن المسيح صلب وصلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وأنهما جميعاً كانا يهزءان بالمسيح مع اليهود ويُعيِّرانه"4. / (1/101/ب) .
وذكر لوقا خلاف ذلك فذكر: "أن أحدهما كان يهزأ بالمسيح والآخر يقول له: أما تتقي الله؟ أما نحن فبعدل جوزينا وأما هذا اللّصّ فلم يعمل قبيحاً، ثم قال للمسيح: يا سيد اذكرني في ملكوتك. فقال: حقّاً إنك تكون معي اليوم في الفردوس"5.
وهذا تكذيب لقول متى أنهما جميعاً كانا يعيران المسيح ويهزءان به وأغفل هذه القصّة مرقص ويوحنا، ومن المحال أن يحدث مثل هذا في ذلك الوقت ولا
1 متى 1/15، ونصّه:"ومتان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف".
2 لوقا 3/23.
3 ثم إن قول لوقا: "إن المسيح كان يظن أنه ابن يوسف"، شكّ منه وقبيح بمثله أن ينسب المسيح إلى ما يظن به الجهال أنه مولود من أبٍّ ولا يرفع قدره عن ذلك. (ر: النصيحة الإيمانية - لنصر المتطبب ص 192) . وقد سبقت الإشارة إلى التناقضات الظاهرة في سلسلة نسب المسيح الواردة في إنجيلي متى ولوقا.
4 متى 27/38، 44، في سياق طويل.
5 لوقا 23/32-44، في سياق طويل، وقد ذكر هذا التناقض عبد الله الترجمان في كتابه تحفة الأريب ص 210، وابن حزم في الفصل 2/125.
يكون شائعاً ذائعاً، فإن كان صحيحاً فلم تركاه؟ وإن أهملاه سهواً لم يؤمن أن يهملا شيئاً كثيراً من الإنجيل ولعلّهما لم يصحّ عندهما، والدليل على عدم صحته تناقض متى ولوقا، فإن اللّصين عند مَتّى [كافران] 1 بالمسيح وعند لوقا إن أحدهما كافر والآخر مؤمن وذلك قبيح جداً.
10-
تكاذب قبيح:
قال لوقا: "قال يسوع للمؤمن به: حقّاً إنك اليوم معي في الفردوس"2.
وأكذبه سائر أصحابه فقالوا: أقام يسوع بعد هذا القول في الأرض أربعين يوماً ثم صعد في الجنة3. / (1/102/أ) وذلك تكذيب لما نقله لوقا من أنه معه من يومه.
11-
تناقض واضح:
قال لوقا: "قال يسوع: إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك نفوس الناس، ولكن ليحيي"4.
وخالفه أصاحبه، فقالوا:"بل إن الإنسان لم يأت ليلقي على الأرض سلامه لكن سيفاً ويضرم فيها ناراً"5.
وهذا تناقض وتكاذيب لا خفاء به6، ونحن نُنَزِّه التلاميذ عن هذا التناقض القبيح والنقل الغير صحيح. إذ بعضهم يجعله جاء رحمة للعالمين، والآخرون يقولون: بل جاء نقمة على الخلائق أجمعين.
1 في ص (كافرين) والصواب ما أثبته.
2 لوقا 23/43.
3 سفر أعمال الرسل 1/3.
4 لوقا9/56.
5 متى 10/34.
6 وقد ذكر هذا التناقض ابن القيم في هداية الحياري ص 214، وابن حزم في الفصل 2/62، 63.
12-
موضع آخر:
ذكر متّى: "أن مريم خادمة المسيح جاءت لزيارة قبره عشية السبت ومعها امرأة أخرى، وإذا ملك قد نزل من السماء وقال لهما: لا تخافا فليس يسوع هاهنا قد قام من بين الأموات وهو يسبقكم إلى الجليل، فمضتا مسرعتين فإذا المسيح قد لقيهما وقال: لا بأس عليكما قولاً لإخوتي ينطلقون إلى الجليل"1.
وخالفه يوحنا فقال: "جاءت مريم وحدها يوم الأحد بغلس فرأت الصخرة وقد رفعت عن القبر فأسرعت إلى شمعون م (1/102/ب) الصفا وإلى تلميذ آخر فقالت لهما: إن المسيح قد أُخِذَ من تيك المقبرة ولا أدري أين دفن. فخرج شمعون وصاحبه فأبصر الأكفان موضوعة ناحية من القبر فرجعا وجلست مريم تبكي عند القبر فبينا هي كذلك اطلعت في القبر فرأت ملكين جالسين - حيث كان يسوع - عليهما ثياب بيض فقالا: ما يبكيك؟ فقالت: أخذوا سيدي ولا أدري أين وضعوه. فبينا هي كذلك التفتت فرأت المسيح قائماً فلم تعرف وحسبته حارس البستان قالت له: بالله إن كنت أخذته فقل لي أين وضعته حتى أذهب إليه. فناداها المسيح: يا مريم. فعرفته، وقالت: بالعبرانية: ربوني تفسيره يا معلم. فقال لها: لا تدن مني فإني لم أصعد بعد [إلى أبي] 2، اذهبي إلى إخوتي فقولي إني منطلق إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم. فذهبت وبشرت التلاميذ"3.
وهذا نقل يكذب بعضه بعضاً، وذلك أن أحدهما يذكر أن الملك هو الذي أرسل مريم إلى التلاميذ، والآخر يذكر أن الذي أرسلها هو المسيح نفسه،
1 متى 28/1-11.
2 ليس في (ص) والتصويب من نصّ الإنجيل.
3 يوحنا 20/1-18.
وأحدهما يقول: إن ذلك كان عشية السبت،/ (1/103/أ) والآخر يقول: لا بل اليوم الأحد بغلس، وأحدهما يحكي عن مريم وحدها، والآخر يحكي عن أخرى معها1.
والعجب من قبول النصارى قول امرأة واحدة في مثل هذا الأمر العظيم. وقد جاء على هذا الوجه من الاضطراب!!، وهذا الفصل حَرِي بأن يُسطر في حكايات المغفلين والعجائز المثكلين، وبعد - يرحمك الله - فما سمعنا قط بربٍّ يصفع ويضرب ويقتل ويصلب ويبكى عليه ويندب ويتردّد بين خلقه في زيّ إنسانٍ ويشتبه على من رآه بناطور بستان، فلو أن اليهود نصبوا جماعة من المجان على السخرية بدين النصارى والغض منه ما بلغوا منهم ما بلغوا من أنفسهم وهذا كما قيل:
1 من الواضح أن هناك اختلافاً بين ما ترويه الأناجيل عن زيارة النساء للقبر وملابساتها يتلخص بعضها - إضافة على ما ذكره المؤلِّف - في الأمور الآتية:
أ- يذكر متى 28/1-8 أن الزائرات للقبر كن اثنتين من النسوة.
لكن يذكر مرقس 16/1-8 أن الزائرات للقبر كن ثلاثاً من النسوة.
بينما يقول لوقا 27/1-10 أن الزائرات للقبر كن جمعاً من النسوة.
أما يوحنا 20/1-3 فجعل مريم المجدلية الزائرة الوحيدة للقبر، ثم ذهبت فأحضرت معها التلميذين بطرس ويوحنا.
والاتّفاق الوحيد يبن الأناجيل في ذلك هو وجود مريم المجدلية في موضع الصدارة بين الزائرات، وقد صارت بذلك المصدر الرئيسي لكلّ ما قيل عن قيامة المسيح من الأموات.
ب- أن النساء رائين عند القبر شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء - حسب رواية مرقس -. بينما هو في متى: "ملاك الرّبّ
…
وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج". أما في لوقا فهما: "رجلان بثياب برأقه". وفي يوحنا نجدهما: "ملايكن بثياب ببعض جالسين".
ج- حسب رواية مرقس، فإن النساء قد حَمَلن رسالة لإبلاغها للتلاميذ وقد فشلن في توصليها لأنهن كن خائفات.
بينما يخبرنا لوقا أنهن قَدَّمْنَ تقريراً كاملاً عما رأينه وسمعنه إلى التلاميذ.
د- من الذي دحرج الحجر عن القبر؟ يقول متى: "بأن الملاك الذي نزل من السماء هو الذي دحرج الحجر الكبير عن باب القبر وجلس عليه".
أما الباقون مرقس ولوقا ويوحنا فذكروا: "بأن الحجر قد دحرج، ولم يذكروا من الذي دحرجه". (ر: رسالة للشيخ أحمد ديدات بعنوان: "من دحرج الحجر؟ ".
ما بلغ الأعداء من جاهل ما بلغ الجاهل من نفسه
13-
موضع آخر:
قال متى في إنجيله: "إن يوحنا المعمداني أفضل من نبيٍّ"1. ثم نسي نفسه فقال بعد ذلك: "وكان المعمداني مثل نبيٍّ"2.
فليت شعري من في بني آدم تسمو رتبته على رتبة النّبيّ حتى يقال: إنه أفضل من نبي؟!، هل ذلك إلاّ من / (1/103/ب) سوء التعبير، وسوء التعبير من سوء الفهم.
14-
موضع آخر:
قال نقلة الإنجيل: "قال يسوع لبطرس: طوبى لك"3. ثم نقضوا ذلك فقالوا في آخر: "قال يسوع لبطرس هذا: اذهب عني يا شيطان لا تشككني لأنك ما تفكر فيما لله بل فيما للناس"4.
فبينا بطرس عنده لطوبى مالكاً إذ جعله في الدركات هالكاً5.
15-
موضع آخر:
قال نقلة الإنجيل عن لوقا: "إن يسوع ليجلس على كرسي أبيه داود ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد"6. ثم نقضوا ذلك فقالوا: قال يسوع: "إنه ينبغي أن أقتل وأصلب"7، وهذا غاية التناقض والتكاذب.
1 متى 11/9.
2 متى 14/5.
3 متى 16/17.
4 متى16/23.
5 ذكرهذاالتناقض أيضاًابن حزم في الفصل2/85،وابن القيم في هدايةالحياري ص214.
6 لوقا 1/32، 33.
7 متى 17/22، 23، مرقس 8/31-33، لوقا 24/46.
وكيف يخبر جبريل عن الله أن المسيح يجلس على كرسي داود ويملك على أسباط بني إسرائيل ويخلف ذلك فلا يجري منه حرف واحد بل يجري نقيضه؟!.
فيرذل يسوع ويقهر ويطاف به مُهاناً ويُشهر، ويأرق من شدّة الفرق ويسهر، ويقرن مع الصوص ويسب وينهر ويقتل ويصلب ويقبر وينصدع شمل أصحابه بمصابه، فلا يجبر هذا ما لا يصدر / (1/104/أ) عن جهال الكهان، فكيف يصدر من رئيس ملائكة الرحمن؟! ثم العجب من قولهم أن يسوع جاء ليقتل ويصلب ويهان، لا والله، ولا كرامة ولا ينبغي لمن عنده أدنى مسكة من عقل أن يعرض دابته وكلبه لهذه المحن، فكيف بالإله الذي تقوم السماء والأرض بأمره ويجري بتقديره حلو العيش ومره؟!.
وكيف إذ عزم على هذا الخاطر الرديء وتنفس بهذا النفس الصدى لم تمنعه التلاميذ ويشيروا عليه بالإضراب عن هذا الرأي الغائل ويعرفوه أن الخلائق تهلك بهلاكه وتعدم بعدمه؟!.
ومن الذي يرزق البغاث1 في عشه إذا حمل الإله على نعشه أو يرسي الجبل في رأسه2 وقد حصد الرّبّ في رمسه3؟!.
فإن أجاب إلى الصواب وإلاّ ربطوه وضبطوه وشدّدوا عليه في الحجر واعتقدوا في ذلك الثواب والأجر.
فانظر - رحمك الله - ما أقبل عقول هؤلاء القوم إلى الترهات التي تمجها الأسماع وتأباها الطباع.
1 البغاث: من الطير ما لا يتصيد ولا يرغب في صيده. لأنه لا يؤكل. قاله الأزهري، وقال ابن السكيت: طائر أبغَث دون الرخمة بطيء الطيران. والجمع: "البغاث"، كالحمام، وفيه قول المثل: إن البغاث بأرضنا يستنسر، أي: الضعيف يصير قويّاً بأرضنا. (ر: المصباح المنير ص 56) .
2 الأس: أصل البناء. (ر: القاموس ص 682) .
3 الرَّمس: كتمان الخبر، والدفن والقبر. (م س ص 208) .
16-
موضع آخر:
قال يوحنا في خاتمة إنجيله: "لقد فعل يسوع أموراً كثيرة لو أنها كتبت واحدة/ (1/104/ب) واحدة لم يسمعها العالم صحفاً مكتوبة"1.
وهذا - لعمرك - من الكذب الذي لا يتجانبه على البوح به إلاّ من أنسل من الحجا واعتزى إلى الحماقة ولجأ، إذ العالم أوسع أكنافاً وأبعد أطرافاً من أن يضيق عن أوراق تتضمن معجزات نبيّ وآيات رسولٍ، وهذا الواضح وشبهه مما يورك على النقلة فيه، وإلاّ فالحواريّون محاشون عندنا عن التفوه بالمحال.
17-
موضع آخر:
قال يوحنا في الفصل العشرين من إنجيله: "كان التلاميذ مجتمعين في غرفة لهم يتحدّثون في قيامة المسيح فقال توما: لا أؤمن بذلك حتى أرى آثار المسامير في يديه بعيني"2.
ولم يذكر ذلك سوى يوحنا وأغفله الباقون، والإنجيل لا يثبت بخبر واحد، وكيف أغفله الأكابر من التلاميذ وظفر به صبيّ واحد؟!.
وإنما النصارى يتعلقون بالقول الضعيف إذا وافق مقصودهم، ونحن بعون الله سنبطل دعواهم في القتل والصلب بحيث لا يبقى لهم حجّة يحتجون بها في ذلك.
1 يوحنا 21/25، وقد ورد النّصّ كالآتي:"وأشياء أخرى صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة". ومن الواضح أن هذا القول قائم على الظن، ومن أمهات الحقائق:"أن الظن لا يغني من الحقّ شيئاً"، ومن المؤكّد أن معجزات المسيح لو كتبت جميعها فإن العالم يسعها وزيادة.
2 يوحنا 20/19، 20، وهذا الخبر كسابقه في أن دليل كذبه معه حيث إن اجتماع التلاميذ في مكان واحد مما تتوافر الدواعي على نقله فإذا انفرد بروايته واحد فإنه يدل على كذب نقله أو غفلة من لم ينقله، ولعدم التمكن من تمييز الصادق أو الثقة منهم فإن البطلان والفساد يسري على الجميع.
18-
موضع آخر:
صعود المسيح إلى السماء أغفله يوحنا ومتى فلم يذكراه وهما من الاثني عشر، وذكره لوقا ومرقس وليسا / (1/105/أ) من الاثني عشر بل من السبعين على أنهما قد اختلفا في ذلك - أعني لوقا ومرقس - فقال مرقس:"إن سيدنا يسوع لما قام كلَّم تلاميذه تكليماً ثم صعد من يومه"1. وخالفه في ذلك لوقا فقال: "إنما صعد بعد قيامه بأربعين يوماً"2. وهذا تكاذب [فظيع] 3 واختلاف فاحش شنيع.
ومما يخرم الثقة بنقلهم قول متي: "قال يسوع: حقّاً أقول لكم إنّ قوماً من القيام هاهنا لا يذوق الموت حتّى يرووا ابن الإنسان آتيا في ملكوته"4.
ومعلوم أنه قد مضى من حين صدور هذا الكلام ما نيف على ألف عام ولم يأت في ملكوته، فإن قالوا: لم يعن إلاّ أنه يقوم من بين الأموات بعد ثلاث متتابعات.
قلنا: إنما قلتم إنه يأتي في ملكوته، وأيُّ ملكوت كان له في اليوم الثالث ومريم المجدلانية تبكي عليه وتسأل من يرشدها إليه؟!، وأيُّ مجد كان له في ذلك اليوم وهو من سوء الحال يشبهه بناطور البستان؟! 5.
1 مرقس 16/9-19، في سياق طويل.
2 سفر أعمال الرسل للوقا 1/3.
3 في ص (فصيح) ولعل الصواب ما أثبته.
4 متى 16/28.
5 إن مسألة وقت صعود المسيح إلى السماء حسب روايات الأناجيل مما وقع الخلاف فيه بين النصارى، ويحدّثنا عن ذلك د. أدولف هرنك - أستاذ تاريخ الكنيسة بجامعة برلين - في كتابه: "تاريخ العقيدة ص 201-204) ، فيقول:
"إن الاعتقاد في أن يسوع صعد إلى السماء بعد أربعين يوماً من القيامة قد أخذ يشقّ طريقه تدريجياً ضدّ المعتقدات القديمة التي كانت تقول بأن القيامة الصعود حدثا في نفس الوقت، وكذلك ضدّ أفكار أخرى كانت تؤمن بوجود فاصل زمني أكبر بين الحاديثن، على أن بولس لا يعلم شيئاً عن الصعود كذلك لم يذكره كلّ من كليمنت وأجناتيوس وهرمس وبوليكارب.
وغالباً ما اتّحدت صيغة الكلام عن القيامة والجلوس عن يمين الله"، (كما في أقسس 1/20، وأعمال الرسل 2/32) .
وحسبما جاء في إنجيل لوقا 24/51، ورسالة برنابا 1/9:"فإن الصعود إلى السماء قد حدث في نفس يوم القيامة".
"ومن المحتمل أن يكون ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا 20/17، أن القول بأن الصعود حدث بعد أربعين يوماً من القيامة قد ذكر لأوّل مرّة في سفر أعمال الرسل".
ثم يقول: "وقد قالت بعض الطوائف والمصادر المسيحية أن الصعود إلى السماء حدث بعد ثمانية عشرشهراً من القيامة، وقال أخرى: حدث بعدأحدعشرعاماً". اهـ.
(نقلاً من: المسيح في مصادر العقائد المسيحية-أحد عبد الوهّاب ص305-306) .
19-
موضع آخر:
قال متى: "قال يسوع للتلاميذ الاثني عشر: أنتم الذين تكونون في الزمن الآتي [جلوسا] 1 على اثني عشر كرسياً / (1/105/ب) تدينون [اثني] 2 عشر سبط إسرائيل"3.
فشهد للكل بالفوز والزعامة في القيامة، ثم نقضَ ذلك متى وغيره وقال:"مضى واحد من التلاميذ الاثني عشر المشهود لهم وهو يهوذا صاحب صندوق الصدقة فارتشى على يسوع ثلاثين درهماً، وجاء بالشرط فسلم إليهم يسوع فقال يسوع: الويل له، خير له ألا يولد"4.
فانظر - رعاك الله - إلى قبح هذا النقل وشناعة هذه الرواية، هذا راوٍ واحدُ بينما يهوذا عنده جالس على كرسي من كراسي المجد يحاسب سبطاً من أسباط بني إسرائيل، إذ جعله كافراً فاجراً بائعاً ربَّه بالثمن البخس طالعاً نجمه بعد السعد بالنحس، وهذا لا يليق بنبيّ الله المسيح أن يخبر عن رجل بمصيره إلى
1 في ص (جلوس) والصواب ما أثبته.
2 في ص (اثنا) وهو خطأ، والتصويب من المحقِّق.
3 متى 19/27، 28.
4 متى الإصحاح (26) ، مرقس الإصحاح (14) ، لوقا الإصحاح (22) ، يوحنا الإصحاح (14، 18) .
السعادة والسيادة ويختاره لحفظ أموال الصدقات وهو من الكفار في دركات النار، هذا مما يحاشي عنه النبيّ، فكيف يصدر ممن تعتقد ربوبيته؟! 1.
20-
موضع آخر:
قال يوحنا: "قال يسوع لتلاميذه: الحقّ أقول لكم أن من يؤمن بيَ يعمل أفضل من أعمالي"2. وأكذب ذلك أصحابه فقالوا: "لما أبرأ يسوع المجنون الأبكم قال والد المجنون / (1/106/أ) لقد سألت تلاميذك فلم يقدروا على إخراج الجني، فقال يسوع: إن هذا لا يقدر عليه إلاّ بصوم وصلاة"3.
فمرة يقول: إنهم يفعلون أفضل من أعماله، وأخرى يقول: إنهم لا يقدرون على مثل أعماله مع شهادته لهم بالإيمان والجلوس معه في القيامة على كراسي المجد وذلك تناقض عظيم وتكاذب جسيم.
21-
موضع آخر:
قال متى: "قال يسوع لأصحابه: لا تهتموا بما تأكلون وتشربون فطيور السماء لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الأهراء والله يطعمها"4.
1 إذا قارنا نصّ متى السابق بنظيره في إنجيل لوقا 22/29، 30، ونصّه يقول المسيح:"أنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط بني إسرائيل الاثني عشر". لوجدنا الأمر كما يقول الأستاذ جون فنتون- عميد كلية اللاهوت بإنجلترا في كتابه: (تفسير إنجيل متى ص 317) : "إن (لوقا) حذف العدد اثني عشر (كرسياً) ولعل ذلك يرجع إلى أنه كان يفكر في يهوذا الإسخريوطي" اهـ. (ر: المسيح في مصادر العقائد - أحمد عبد الوهّاب ص 99) .
2 يوحنا 14/12.
3 متى 17/14-21،مرقس9/17-29،في سياق طويل، وذكره المؤلِّف مختصراً بالمعنى.
4 متى 6/25، 26.
وخالف ذلك الإنجيل فقال: "إذا قمتم إلى الصلاة فقولوا: يا أبانا أعطنا كلّ يوم خبزاً نأكله"1. فالأوّل ينهى عن الاهتمام بالشراب والطعام، والآخر يقول: كذا ولكنه أمر به، وهذا تكاذب عجيب، فإن الأوّل نهيٌ محضٌ، والثاني أمرٌ جزمٌ، والأمر بالشيء والنهي عنه من وجه واحد غير معقول.
22-
تناقض آخر:
قال الرواة: "قال يسوع: أنا وأبي واحد"2. ثم قالوا: "قال يسوع: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم"3.
فإن لم يحملوا الأوّل على التبليغ والسفارة وإلاّ تناقضا لا محالة؛ / (1/106/ب) إذ ذهابه إلى نفسه محال.
23-
فساد إنجيل يوحنا:
رووا عن يوحنا الإنجيلي أنه قال: "إن الكلمة صارت جسداً وحلَّ فينا"4. وهم لا يعنون بالكلمة إلاّ صفة العلم أو النطق وذلك محال، إذ يلزمهم أن يكون القديم صار محدثاً والأزلي عاد زمنياً، وثار الآن عندهم عبارة عن ذات جاهلة ساكتة خرساء وتحولت الألوهية للمسيح؛ لأنه ذات كاملة بالعلم والنطق، وذلك من النصارى عزل لله عن الربوبية وإخراج عن الألوهية الكلّيّة.
قال المؤلِّف: لقد كنت أتعجب من قراءتهم في صلواتهم: "المسيح الإله الصالح الداعي الكلّ إلى الخلاص"، ومن شريعة إيمانهم حيث تقول:"المسيح إله حقّ".
1 متى 6/9-11، لوقا 11/2، 3.
2 يوحنا 17/21، 22.
3 يوحنا 20/17.
4 يوحنا 1/14.
وأقول: من أينَ جاءت النصارى هذه المحنة حتى وقفت على قول يوحنا هذا: "إن الكلمة صارت جسداً وحلّت فينا"، فتحققت أن تلك الصلاة وتلك الشريعة إنما أسست على هذه الكلمة الرذلة.
24-
فساد المنقول عن يوحنا أيضاً:
انفرد يوحنا وحده بفصل ذكره / (1/107/أ) في صدر إنجيله وهو في غاية التهافت والرِّكة فقال: "في البدء كانت الكلمة، والكلمة عند الله، والله هو الكلمة"1. وهذا كما ترى مضطرب من جهة لفظه ومعناه: أما اضطرابه من جهة لفظه فإن ذلك بمنْزِلة قول القائل: الكلام عند المتكلم والمتكلم هو الكلام، والعلم عند العالم والعالم هو العلم، والدينار عند الصيرفي والصيرفي هو الدينار، وذلك هو الجنون.
1 يوحنا 1/1، ونصّه:"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". يقول الأستاذ أحمد عبد الوهّاب في كتابه: (اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ص 42-44: "إن النّصّ السابق هو ما تقوله ترجمة الكتاب المقدس للكاثوليك، والتراجم الإنجليزية والفرنسية التي درجنا على استخدامها.
إلاّ أن ترجمة العهد الجديد للكاثوليك، والعهد الجديد للمطبعة الكاثوليكية تقول:"والكلمة هو الله"، وهناك تراجم أخرى تختلف عن الترجمتين السابقتين، ففي ترجمة حديثة صدرت عام 1985م، بعنوان:"العهد الجديد الأصلي"، تقرأ مقدمة إنجيل يوحنا كالآتي: "في البدء كانت الكلمة، وكانت الكلمة عند الله، وهكذا كان الكلمة السماوية، كانت في البدء عند الله، بها كلّ شيء عمل، وبدونها لم يكن شيء
…
". وكذلك تقول "ترجمة إنجليزية اليوم" الصادرة عن جمعية الكتاب المقدس الأمريكية في افتتاحية إنجيل يوحنا: "وكان الكلمة مثل الله". ثم نقل الأستاذ أحمد عبد الوهّاب كلام د. جون ربنسون - أسقف ولويش بإنجلترا - في إثبات خطأ القول: "وكان الكلمة الله أو والكلمة هو الله"، مستنداً على ترجمة "الكتاب المقدس الإنجليزية الحديثة" التي تترجم العبارة السابقة كالآتي: "وما كان الله، كان الكلمة".
قلت: هذا الخبط والخلط في فهم النصوص ناشئ عن سوء الترجمة وعدم الأمانة والدقة العلمية، وقد سبق لنا نقل كلام الأستاذ شارل جنيبر في الإشارة إلى دور الترجمة في تحريف الأناجيل لفظاً ومعنىً وإبدال المعنى الصحيح بالباطل. (ر: ص 142، 143) .
وأما اضطرابه من جهة معناه، فإن الكلمة عندهم هي العلم أو النطق، وهي التي اتّحدت بالجسد المأخوذ من مريم، فإذا قال يوحنا: إن الله هو الكلمة، فقد صرح بأن الأب قد اتّحد بالجسد وحَلَّ في رحم مريم وناله القتل والصلب وتردد مع الشيطان من مكان إلى مكان، وهذا لا يقول به نصراني، وهو لازم لهم بمقتضى ما رووا عن يوحنا أن الله هو الكلمة، ومما يُرَدُّ به قول يوحنا هذا تصريح المسيح في عدّة مواضع من الإنجيل بأنه نبيّ وأنه رسول ومعلم وأن الله نبَّأه وأرسله، وأنه لا يعلم الغيب والقيامة، وذلك كلّه بخلاف / (1/107/ب) قول يوحنا:"إن الله هو الكلمة".
25-
ومن اللعب البديع:
قول يوحنا: "قال يسوع لتلاميذه: إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي فلا حياة لكم؛ لأن جسدي مأكل حقّ ودمي مشرب حقّ، ومن يأكل جسدي وشرب دمي يثبت فِيَّ وأثبت فيه، فلما سمع تلاميذه هذه الكلمة قالوا: ما أصعبها، من يطيق استماعها؟، فرجع كثير منهم عن صحبته"1.
قلت: الكلام على الشيء بالرّدّ والقبول فرع كونه معقولاً، وهذا الكلام لو أراد البليغ أن يوجهه لأفضى به الحال إلى المحال، فيكفينا في الرّدّ عليه مجرد تسطيره، والكلام على الشيء الركيك لا يجيء إلاّ ركيكاً.
وإذا كان في الأنابيب خلف وقع الطيش في صدور الصعاد
وكيف لا يرجع العقلاء عن صحبة يسوع وهو يقول في الكلام المتقدم على هذا إن الله هو الكلمة والكلمة صارت جسداً؟! وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يأمرهم بأكل ذلك الجسد وشرب دمه؟!
1 يوحنا 6/41-67، في سياق طويل، وقد ذكره أيضاً ابن حزم في الفصل 2/183، وأشار إلى سقوط هذا الكلام واختلاط قائله.
ولا شكّ أن العقلاء من النصارى اليوم لو جمعوا بين قول يوحنا أوّلاً وقوله آخراً لرجعوا أيضاً كما رجع من رجع عن يسوع، إذ يجتمع من الكلامين أكل جسد الله القديم / (1/108/أ) الأزلي وشرب دمه، ومن الذي يسمع ذلك فلا يقضي على قائله بالجنون أو المجون؟.
فساد المنقول عن فولس:
قال في رسالته السادسة وهو يحث على التواضع والتودد: "لا ينظرن أحدكم إلى نفسه دون صاحبه لكن ليعُدَّ صاحبه أفضل منه، واقتدوا بيسوع المسيح الذي كان شبه الله وعدل الله، كيف أخفى نفسه وأخذ شبه العبد وألقى نفسه في زيّ إنسان وشكله حتى مات وصلب"1.
فبينا المسيح عنده [مشابه للإله ومعادل] 2 له إذ حكم عليه بالذلّ والإهانة والقتل والصلب وذلك غاية الجهل والحمق، وإلاّ فأي حاجة بالإله الخالق الباري إلى تلبسه بهذه الأمور؟! وما الذي اضطره إلى ذلك؟! تعالى عن هذا الهذيان.
26-
موضع آخر من التكاذب:
قال متى: "كان يوحنا لا يأكل ولا يشرب"3. وأكذبه الآخرون فقالوا: "كان طعام يوحنا هذا الجراد وعسل البر"4. وهذا من أقبح الكذب.
1 رسالة بولس إلى فيلبي 2/4-8.
2 في ص (مشابهاً للإله ومعادلاً) والصواب ما أثبته.
3 متى 11/18.
4 متى 3/4، ومرقس 1/6.
27-
موضع آخر:
قال يوحنا الإنجيلي: "قال يسوع: أنا هو الراعي الصالح وأنا عارف برعيتي / (1/108/ب) وهي تعرفني"1، وأكذبه متى قال:"قال المعمداني حين رأى يسوع: هذا خروف الله"، وقال مرة أخرى:"هذا حمل الله"2.
فمتى يجعل المسيح خروفاً، ويوحنا يقول: لا ولكنه [راعٍ] 3 للخروف، في الله العجب، هلاّ قال المعمداني حين رأى المسيح: هذا هو الله أو هذا ابن الله أو هذا مسكن الله.
والنصارى تقول: "إن المعمداني إنما جاء شاهداً للمسيح، والمسيح يقول في إنجيله: "لم تقم النساء عن رجل أفضل من المعمداني هذا"4. فكيف يجوز من مثل المعمداني أن يسمى المسيح خروفاً أو حملاً، ويثبت له مالكاً هو الله تعالى؟!، أو تدعي النصارى أنها أعرف بالله من نبيّه يحيى بن زكريا وأعلم بها بما يجب له!! فكيف استجازوا خلافه وسلكوا في المسيح مذهباً غير مذهبه وطريقاً سوى طريقه فقالوا تارة: المسيح هو الله، وأخرى قالوا: هو بيت الله ومسكنه؟!.
وقالوا في شريعة إيمانهم: "المسيح إله حقّ بيده أتقنت العوالم وخلق كلّ شيء". وقالوا في صلواتهم: "يا ربنا المسيح لا تُضيِّع من خلقت بيدك"، وهذا كله بخلاف قول / (1/109/أ) المسيح في نفسه، وبخلاف شهادة يوحنا له؛ لأن يوحنا شهد أن المسيح عبدُ الله، وأن الله مالكه. وقال حين رآه:"هذا الذي قلت لكم إنه يأتي بعدي وأنه أقوى مني وأني لا أستحق أن أحل معقد خفّه". وهذا يدل على
1 يوحنا 10/14.
2 لم يرد وصف المسيح بأنه: "حمل الله"، في إنجيل متى، بل ورد في إنجيل يوحنا 1/29، 36، وأما وصفه بأنه (خروف
…
) فقد ورد في رؤيا يوحنا 15/3. (ر: قاموس الكتاب ص 886) .
3 في ص (راعياً) والصواب ما أثبته.
4 متى 11/11.
مساواته المسيح؛ لأن الرجل الفاضل المتقي قد يذكر ذلك لمن هو دونه في الفضل تواضعاً لله تعالى وفرار من تزكية النفس، وقد يكون القائل أفضل من المقول له وهذا واضح، وإلاّ فيوحنا هذا أكبر من المسيح سناً وأقدمهم تعميداً، ولقد عمَّد المسيح فيمن عمَّد وامتلأ من روح القدس وهو في البطن، ونبأ الله أباه زكريا ببركته، يشهد بجميع ذلك الإنجيل1.
وذلك كلّه يخصم النصارى في دعوى ربوبية المسيح ويفسد عليهم الأمانة التي ادّعوها في إثبات ألوهيته.
28-
موضع آخر:
قالت النصارى: قال داود في مزمور له: "قال الرّبّ لربي: اجلس عن يميني"2. قالوا فقد سمى داود المسيح ربّه.
قلنا: فقد حكيتم / (1/109/ب) لنا عن إنجيل لوقا أنه قال: "قال جبريل لمريم: إنك ستلدين ابناً اسمه: يسوع يجلسه الله على كرسي أبيه داود"3. فإن كان النقل الأوّل صحيحاً، فالثاني باطل، وإن كان الأوّل باطلاً، فالثاني صحيح، وإذا كان المسيح هو ابن داود بإخبار جبريل عن الله فكيف يكون ربّاً لداود؟! أما كان في النصارى من يتدبر ذلك قبل تسطيره، فإنه قد صار سبة عليهم آخر الدّهر.
29-
موضع آخر:
قالوا: قال متى: "قام المسيح من الموتى مساء يوم السبت"4. وخالفه أصحابه فقاوا: "ما قام إلاّ صبيحة يوم الأحد بغلس"5. وذلك مما يخرم الثقة بأصل الخبر، وسأوضح ذلك إن شاء الله إذا انتهيت إلى بابه.
1 لوقا 1/13-17.
2 مزمور 110/1.
3 لوقا 1/30.
4 متى 28/1-7.
5 مرقس 6/16-19، لوقا 24/1-3، يوحنا 20/1، 2، وقد ذكر بان حزم في الفصل 2/127-132 هذا الاختلاف بنحو ما أورده المؤلِّف.
وفي خبر قيامة المسيح ما هو أنكر من هذا وهو أن متى يقول: "إن اليهود سألوا المسيح أن يريهم آية، فقال: إن يونس أقام في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وكذلك ابن الإنسان يكون في بطن الأرض وقلها ثلاثة أيام وثلاث ليال مثلما أقام يونس"1. ثم لم يصحّحوا هذا الخبر إذ رووا كلهم / (1/110/أ) أنه صلب في الساعة الثالثة من يوم الجمعة، ثم أُنزل ودفن مساءً من يومه فمنهم من زعم أنه قام يوم السبت مساءً، ومنهم من قال: قام صبيحة الأحد مغلساً، فإذا لم يقم بطن الأرض سوى يوم واحد وليلة أو ليلتين على الرواية الأخرى2.
1 متى 12/39، 40، إن المراد بآية النبيّ يونان في هذا النّصّ هو نفسه المراد في الإصحاح 16/4 ونصّه:"فأجاب وقال لهم: جيل شرير فاسق يلتمس آية ولا تعطى له آية يونان النبيّ". وهو نفسه المراد أيضاً في قول اليهود لبيلاطس: "يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المفضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم". 27/63.
فهذه الشواهد تدل على أن المراد بمثل آية النبيّ يونان هو المسيح عليه السلام.
2 يوضّح لنا الشيخ رحمة الله الهندي في إظهار الحقّ ص 159 التناقض في روايات الأناجيل للقيامة بقوله: "إن المسيح صلب قريباً إلى نصف النهار من يوم الجمعة، كما يعلم من الإصحاح (19) من إنجيل يوحنا، ومات في الساعة التاسعة (الواحد ظهراً - الثالثة بعد الظهر) وطلب يوسف جسده من بيلاطس وقت المساء فكفنه ودفنه كما جاء في إنجيل مرقس (ومتى) .
فدفنه لا محالة كان في ليلة السبت، وغاب هذا الجسد (المسيح) عن القبر قبل طلوع الشمس من يوم الأحد - كما جاء في إنجيل يوحنا - فما بقي في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، بل يوماً وليلتين، وما قام بعد ثلاثة أيام.
في القبر
أسبوع عيد الفصح
الليالي
الأيام
يوم الجمعة
دفن في القبر قبل غروب الشمس.
ليلة واحدة
لا شيء
يوم السبت
ليلة واحدة
يوم واحد
يفترض أن يكون في القبر.
يوم الأحد
لا شيء
لا شيء
مفقود دفنه قبل طلوع الشمس.
ليلتان
يوم واحد
الإجمالي
ولما كان هذه الأقوال غلطاً فقد اعترف به (بالس وشانر) أن هذا التفسير من جانب متى وليس من قول المسيح. وقالا: "إن مقصود المسيح أن أهل نينوى كما آمنوا بسماع الوعظ وطلبوا المعجزة كذلك فليرضى الناس مني بسماع الوعظ". اهـ. (ر: أيضاً رسالتين للشيخ أحمد ديدات (من دحرج الحجر؟، ما هي آية يونان؟) .
والنصارى قد يقرؤون هذا الفصل في كلّ سنة في آية سبت في الصوم، وهو السبت الذي يكون في صبيحته الفطر1، فيقرأ القارئ الفصل المذكور ثلاث مرات وهو يقول: "الآن وفي هذا الوقت قام المسيح من بين الموتى، وهذا كما نرى نقل مضطرب على أنّا لو أضفنا لهم يوم الصلب وهو يوم الجمعة أيضاً لم يحصل الوفاء بالثلاثة الأيام والثلاث الليالي.
ومن لم يكن عنده من اللب ما يعرف به هذا الخطأ مع وضوحه لم يتعجب من قبوله لكلّ مستحيل.
30-
موضع آخر:
قال المصلوب لأحد اللصين: "حقّاً إنك اليوم تكون معي في الفردوس2، فحكم بأنه يوم الجمعة يكون معه في الجنة، وذلك مناقض لما روى لوقا إذ قال: "إن المسيح / (1/110/ب) لم يصعد من الأرض إلاّ بعد أربعين يوماً"3. وإذا كان قد مكث في الأرض أربعين يوماً قبل الصعود فقد بطل قوله: "إنه معه يوم الصلب في الفردوس".
1 عيد الفطير: ويسمى أيضاً: بـ: (عيد الفصح) ، وهو العيد الرئيسي عند النصارى، وهو ذكرى قيامة المسيح من بين الأموات، ويقع بين 22 مارس و25 إبريل ويرتبط به عدد كبير من الأعياد الأخرى، ويسبق بالصيام الكبير الذي يدوم (40) يوماً بجمعة آلام المسيح.
وهذا العيد أيضاً من أبرز أعياد اليهود ويقع عندهم في 15 نيسان، وفيه خرج بنو إسرائيل من مصر هرباً من فرعون. (ر: قاموس ص 678، الموسوعة العربية الميسرة ص 1247) .
2 لوقا 23/43.
3 سفر أمال الرسل 1/3، وقد سبق للمؤلِّف ذكر هذا التناقض ولعله قد نسي فأورده مرة ثانية. انظر: ص 182 التناقض رقم: (10) .
31-
موضع آخر:
قال متى: "لما حُمل يسوع إلى فيلاطس القائد قال: أي شرّ عمل هذا؟ فصرخ اليهود وقالوا: يصلب يصلب، فلما رأى القائد عزمهم وأنه لا ينفع فيهم شيء أخذ ماء وغسل يده وقال: أنا بريء من دم هذا الصّدِّيق وأنتم أبصر"1.
وأكذب ذلك يوحنا فقال: "لما حمل يسوع إلى فيلاطس القائد قال الهيود: ما تريدون؟ قالوا: يصلب، فضرب يسوع ثم سلمه إليهم"2.
فانظر يا أخي - أسعدك الله بقربه وعصمك من الشيطان وحزيه - ما أقبح هذا التكاذب وأوضح هذا التناقض، أحد التلميذين يقول: إن القائد أثنى على يسوع وغسل يده، والآخر يقول: كلا، ولكن جَلَده.
32-
موضع آخر:
قال يوحنا: "لما حلم يسوع إلى رئيس الكهنة قيافاً موثقاً سأله مستخراً عن حاله فيصيح يسوع / (1/111/) [أنا كلمت العالم علانية أنا علمت كلّ حين في المجمع وفي الهيكل، حيث يجتمع اليهود دائماً، وفي الخفاء لم أتكلم بشيء، لماذا
1 متى 27/22-245.
2 يوحنا 18/38-40، 19/1.
قلت: إن على النصارى الكاثوليك ومن يؤمن منهم بعصمة الباب والكنيسة الكاثوليكية وبحقّها في التشريع أن يحذفوا هذه النصوص وغيرها التي تتهم اليهود بصلب المسيح وتطالبهم بدمه وذلك بعد صدور وثيقة التبرئة عام 1965م، من البابا بولس السادس وفيها التصريح بتبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام. ولا يخفى دور اليهود ومكرهم الخبيث في استصدار هذه الوثيقة من الفاتيكان ولذلك سعت إلى تحريف الأناجيل - زيادة على تحريفه السابق - وتغيير كلمة اليهود واستبدالها في النسخ الحديثة لأسفار العهد الجديد المطبوعة في إسرائيل، فاستبدلت كلمة اليهود في النّصّ السّابق بكلمة الشعب، أو الرعاع. (للتوسع، ر: إسرائيل حرفت الإناجيل - أحمد عبد الوهّاب) .
تسألني أنا أسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا، ولمّا قال هذا] 1 قام إليه رجل من الشرط فلطم يسوع على خده الأيمن وقال: هكذا تجاوب عظيم الكهنة. قال له يسوع: إن كنت قلتُ ردياً فاشهد بالرّدي وإن كنت قلت جيداً فلمَ تضربني؟ "2. وهذا خلاف ما قال لوقا إذ قال: "إن جبريل أخبر عن الله تعالى أن يسوع يكون ملك بني إسرائيل"3. ولم يقل: إنه يحمل في الكبول والقيود إلى اليهود.
33-
موضع آخر:
قال لوقا: "قال جبريل لمريم وهو يبشرها إنك ستلدين ولداً تسمينه يسوع يجلس على كرسي داود ويملك على بيت يعقوب"4. فأخبر عن الله بتمكله على بيت أبيه داود وأكذب ذلك يوحنا فقال: "لما حمل يسوع إلى رئيس الكهنة قال له: أنت ملك اليهود؟ فقال يسوع: أمن عندك قلت هذا؟ أم حُكي لك عني؟ "5. وهذا تكاذب قبيح إذ لوقا جعله ملك إسرائيل، والآخر وسمه بِسِمّة ذليل.
قال المؤلِّف: ألتحقيق عندنا أن هذا جواب الشبه، ألا تراه كيف ورَّى في الجواب، وقد كان الشَّبه شرى نفسه من الله وآثر المسيح / (1/111/ب) بمهجته، وأنت إذا تتبعت ذلك اتّضح لك أن المأخوذ المصلوب هو الذي شبه بالمسيح لا المسيح، وسنَزيده وضوحاً إن شاء الله.
1 في ص (المعاديده بين يديه) وأما المثبت فهو من نصّ الإيجيل.
2 يوحنا 18/19-24.
3 لوقا 1/32، 33.
4 لوقا 1/32، 33.
5 يوحنا 18/33، وفيه أن الذي سأل المسيح: أنت ملك اليهود؟ هو بيلاطس الوالي على اليهودية وليس رئيس الكهنة كما ذكر المؤلِّف.
34-
ومما تفرد به يوحنا دون أصحابه:
قال يوحنا: "لم صلب يسوع واللصان معه قال اليهود: هذا يوم الجمعة وغدا السبت، ولا تبقى هذه الأجساد على الصلب، وسألوه أن يتقدم بكسر أسوقهم، فمضى الشرط ففعلوا ذلك باللصين وانتهوا إلى يسوع فوجدوه ق مات فلم يكسروا ساقيه، بل جاء رجل من الجند بحربة فطعنه في جنبه الأيمن فخرج من جرحه ماء ودم"1. وأغفل الباقون ذلك فلم يخبروا به، وإذ تركوه لم يؤمن أن يتركوا ما هو أهمّ منه ولعلّهم استضعفوا أصل الخبر فأضربوا عن نقل تفاصيله.
35-
قال ابن2 رَبَّن -
وكان من أذكيائهم فأسلم على يدي المتوكِّل3 وردَّ عليهم وعلى اليهود وغيرهم بكتابٍ له حسن -: "إن متى أسقط من نسب المسيح ثلاثة آباء غلطاً4، وأن لوقا زاد في نسب المسيح أباً"5.
واعترف بذلك المفسقان / (1/112/أ) مفسرهم وقال: "هذا غلط وقع في الإنجيل، فاستحيا من ذلك بعض علمائهم وقال: إن هذا الخطأ في الإنجيل؛ لأنه كتب
1 يوحنا 19/31-34.
2 هو: أبو الحسن عليّ بن سهل ويعرف بابن ربن الطبري، المهتدي كان نصرانياً فأسلم، طبيب حكيم، له كتاب:"الرّدّ على أصناف النصارى". و"الدين والدولة في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم". قيل مات سنة 260هـ.
(ر: ترجمته في هدية العارفين للبغدادي 1/669، عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ص 414، مقدمة كتاب الدين والدولة - بتحقيق الأستاذ عادل نويهض) .
3 هو: أبو الفضل جعفر (المتوكّل بالله) بن محمّد بن هارون الرشيد، أحد ملوك الدولة العباسية. اغتيل في سامراء سنة 247هـ. (ر: الأعلام للزركلي 2/127) .
4 ورد في إنجيل متى 1/8 أن: (يورام ولدَ عزيا) ، وليس ذلك صحيحاً؛ لأن غزيا (عزريا) ابن أمصيا بن يو آش بن أخزيا بن يورام، كما ورد ذلك في سفر أخبار الأيام الأوّل 3/10-12، فمتّى أسقط من نسب المسيح ثلاثة أجيال، وهؤلاء الثلاثة كانوا من الملوك المشهورين وأحوالهم مذكورة في سفر الملوك الثاني الأصحاح (8، 12، 14) ، وسفر أخبار الأيام الثاني الأصحاح (22، 24، 25) .
5 ورد في إنجيل لوقا 3/35، 36، أ، "شالح بن قينان بن أوفكشاد"، وهو غلط؛ لأن شالح بن أرفكشاد، وليس ابن ابنه، كما ورد ذلك في سفر التكوين 11/12، 13، فلوقا قد زاد أباً للمسيح هو (قينان) .
بروح القدس ولكنه من التوراة والكتب العتيقة، وذلك باطل، فإن كان الإنجيل قد حضر كتابته روح القدس فالتوراة وسائر النبوات كذلك.
36-
تناقض إنجيل لوقا نفسه:
قال لوقا: "قال جبريل لمريم القول المتقدم في تمليك يسوع على بني إسرائيل وجلوسه على كرسي داود".
ثم أكذب نفسه بنفسه فقال: "جاء الجباة من قبل قيصر إلى بطرس فقالوا: ما بال معلمكم لا يؤدي الغرم؟ فذكر بطرس ذلك ليسوع فقال: يا بطرس [والبنون] 1 أيضاً تؤدّي الغرم، ثم قال له: امض إلى البحر، وألق الصنارة فأول حوت ترفعه افتح فاه وخذ منه ما تؤدي عني وعنك"2.
انظر - رحمك الله - أي قبيح هذا التناقض؟ هذا راوٍ واحدٌ لإنجيلٍ واحدٍ بينما يسوع عنده ملك بني إسرائيل جالس على كرسي داد بشهادة جبريل إذ نسي القصّة فجعله ضعيفاً مسكيناً تحت جزية لتظهر آيته في تناول / (1/112/ب) الذهب أو الورق من فم الحوت.
قلنا: إنما مرادنا أنه ظهر كذبكم وأخلف قولكم ونقلكم عن جبريل، وأن يسوع لم يملك ولم يجلس ولم يطلق، وعلى أن ذلك لا ينفع في إثبات ربوبيته، وما أحسن ربّاً يلتزم الذلة والصغار ويبذل الجزية ليقوي بها الفجار.
37-
تكاذب إنجيل متّى:
قال متى في صدر إنجيله: "هذا مولد يسوع المسيح بن داود"3. فشهد بأن داود أبوه، ثم قال بعده بورقة: "لما خطب يوسف مريم فَقَبل أن يعرفها وجدت
1 في ص (والبنبن) والصواب ما أثبته.
2 ورد هذا النّصّ في إنجيل متى 17/24-27، ولم يرد في إنجيل لوقا كما ذكر المؤلِّف، فلعل نسخة الأناجيل التي كانت بيد المؤلِّف ذكر فيها النّصّ في إنجيل مرقس، أو لعله قد اختلط عليه الأمر في ذلك، فيكون تصويبه حينئذٍ بأن إنجيل لوقا قد تناقض مع إنجيل متى في هذا الأمر. والله أعلم.
3 متى 1/1.
حبلى من روح القدس، وكان يوسف صِدِّيقاً فلم ير أن يشهرها وهَمَّ بتخليتها سِرّاً فظهر له المَلك في الرؤيا فقال له: يا يوسف لا تخف من إمساك خطيبتك، فإن الذي تلده هو من روح القدس وستلد ابناً ويدعى يسوع"1.
وذلك تكاذب قبيح؛ لأنه إن صدق في خبره الأوّل كذب لا محالة في الثاني.
38-
موضع آخر:
قال لوقا: "لما انطلقوا بيسوع ليصلبوه وجدوا سمعان2 القونياني فحملوا عليه الصليب ليحمله وجعل النسوة خلف يسوع يبكين فالتفت إليهن وقال: / (1/113/أ) يا بنات أورشليم لا تبكين علي وابكين على أولادكم، ليأتين عليكن زمان تقولون طوبى للبطون العواقر التي لا يلدن والأيدي التي لا ترضع، إذا كان هذا فعلهم بالعود الرّطب، فكيف يصنعون بالعود اليابس؟ "3.
وخالفه يوحنا فقال: "مضى يسوع ليصلب وهو حامل صليبه إلى موضع يسمى الجمجمة حيث صلبوه"4.
وخالفهما مرقس فزاد في القصّة ونقص وقال: "أخذوا سمعان وهو أبو الكسندروس"5. وخالفهم متى فقال: "وجدوا إنساناً فسخروه لحمل الصليب"6.
1 متى 1/18-21.
2 في الأناجيل: "سمعان القيرواني"، من قريني في ليبيا، ولذا فيجب أن يكون لقبه القريني، وهو أبو الكسندر وروفس. (ر: قاموس الكتاب ص 484) .
3 لقوا 23/26-31.
4 يوحنا 19/16، 17.
5 مرقس 15/20، 21.
6 متى 27/32، 33.
فلوقا يقول: حملوا الصليب على سمعان القرونياني وطوَّل القصّة.
ويوحنا يقول: ما حمل الصليب إلاّ يسوع نفسه.
ومرقس اختصر القصّة جداً وسمى ولد حامل الصليب.
ومتَّى يقول: سخَّروا رجلاً لحملٍ خشبته.
فهذه قصة لطيفة تناقضوا فيها هذا التناقض1، فما ظنك بالمطولات.
واعلم أن هذه الأمور تزعم النصارى أنها جرت بعد المسيح، لم تسمع من المسيح فكيف عَدوها من الإنجيل؟!
قال المؤلِّف - عفا الله عنه - قوله: "يا بنات / (1/113/ب) أورشليم
…
إلى آخر".
هو كلام الشبه ألا ترى إلى قوله: "إذا كان هذا فعلهم بالعود الرّطب"، ولو كان على ما يزعم النصارى لقال: إذا كان هذا فعلهم بالابن الذي قدَّسه الله وأرسله إلى العالم، كما تقدم في قوله لليهود غير مرّة.
فقوله: (يا بنات أورشليم
…
"، يكذب النصارى في دعوى قتل المسيح وصلبه، ولأنهم يقولون في شريعة إيمانهم: "إن المسيح إله حقّ من إله حقّ وإن بيده أتقنت العوالم وخلق كلّ شيء". وإذا كان الأمر كما قالوا فليس هو قائل: "يا بنات أورشليم"، بل غيره؛ ولأن المسيح جاء في زعم النصارى لخلاص العالم، وأقلّ درجات مخلص العالم أن يخلِّص نفسه، فكيف يحسن القول بعطبه وقتله وصلبه؟!.
1 إن هذا التناقض ليس ملزماً للنصارى؛ فإن لهم أن يقولوا: إن المسيح لم يقو على حمل الصليب، فسخروا سمعان ليساعده على حمله، وليس معنى ذلك أن الصليب رفع عن المسيح، بل كان سمعان مساعداً إيّاه فقط، فلا فرق بين القولين. ا. هـ. (ر: حل مشاكل الكتاب المقدس - للقس منسي يوحنا ص: 138، ور: الفصل لابن حزم 2/123) .
39-
وانفرد لوقا بفصل لم يشاركه أصحابه في نقله:
قال لوقا: "لما ولد المسيح وضعته أمّه مقموطاً في معلف من مذاود الدواب وكان هناك رعاة يرعون أغناهم - قال - فنظر الرعاة إلى الملائكة قد نزلوا إليهم وبشرهم فقالوا: نبشركم ببشارة عامة لأهل العالم كله، أنه ولد الليلة لكم [مخلّص/ (1/114/أ) ومنج] 1وهو يسوع المسيح الرّبّ"2. وهذه قصة لم يذكرها سوى لوقا وانفراده بها يوجب سوء الظن به فيها مع أن فيهاما يقضي بردهاوهو بشرى الملائكة للعالم بأسره بأن يسوع مخلّصهم ومنجيهم، وذلك بمطلقه يقضي بأن الهنود والصين والترك والسودان واليهود وفرعون ونمرود وسائر طوائف الكفار وعباد الأنداد من الخشب والحجار قد خلصوا ونجوا بمولد هذا المسيح وبطلت الخطيئة بمجيئه، وهذا القول مع قباحته مردود بنصّ الإنجيل إذ يقول فيه: "إني أقيم الناس يوم القيامة عن يميني وعن شمالي فأقول لأهل اليمين: فعلتم بيَ كذا فاذهبوا إلى النعيم، وأقول لأهل الشماء: فعلتم بيَ كذا فاذهبوا إلى الجحيم"3.
ثم إخبار هؤلاء الملائكة للرعاة يوجب مسرة العالم بمولد يسوع، إذ كان فيه خلاصهم ونجاتهم، ومعلوم أن اليهود وأكثر هذه الطوائف لم يسروا [بمولده]4.
ثم هذه الرواية التي رواها لوقا من كون المسيح / (1/114/ب) مخلصاً للعالم معارضة بقول المسيح: "إني لم أُرسل إلاّ إلى الخراف الضالّة من بيت إسرائيل5، فإن الأصحاء
1 في ص (مخلصاً ومنجياً) والصواب ما أثبته.
2 لوقا 2/6-11.
3 متى 25/31-46، في سياق طويل، وقد ذكره المؤلِّف بالمعنى مختصراً.
4 في ص (بمولوده) والصواب ما أثبته.
5 متى 10/6، 15/24.
لا يحتاجون إلى الدواء وإنما يحتاج إليه المرضى"1. وإذا كان المسيح نفسه قد قال: إنه لم يرسل إلى العالم، بل إلى من ضلّ من بني إسرائيل، فلا يعوَّل على ما قال ونقله لوقا، وما أحسن إلهاً يُستر بخرق الثياب ويشتمل عليه معالف الدواب!!.
40-
تناقض واضح وتعارض فاضح:
قال لوقا: "قال يسوع: من ليس له سيف فليبع ثيابه وليشتر له سيفاً"2. وهذا أمر حزم، وذلك مردود بأقوال أصحابه إذ قالوا: "قال يسوع: لا تقابلوا الشرّ بالشرّ، ولكن من لطمه على خدك الأيمن فحول له الآخر ومن أراد أخذ ثوبك فزده رادءك ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين"3. "ولما كان ليلة الفزع جرد شمعون الصفا من أصحابه سيفه فانتهره وقال: أردده إلى غمده"4.
فإن كان أحد النقلين صحيحاً [فالآخر كذباً] 5 قطعاً. ونسخ الإنجيل بعضه ببعض عندهم لا يجوز.
41-
ومن التكاذب: / (1/115/أ)
قال متى: "لما ذهبوا بيسوع جَرّد واحد من أصحابه سيفاً وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى، فقال له يسوع: أردد سيفك إلى غمده فإنّ كلّ من أخذ بالسيف بالسيف يهلك"6.
1 متى 9/12، مرقس 2/17، لوقا 5/31.
2 لوقا 22/36.
3 متى 5/39-41، لوقا 6/28-30.
4 متى 26/51، 52، لوقا 22/50، 51، يوحنا 18/10، 11.
5 في ص (والآخر كذب) والصواب ما أثبته.
6 متى 26/51، 52.
انظر إلى هذا التصادم البديع والتهافت [الفظيع] 1، لوقا يقول: إن المسيح يحثّ على شراء السيوف لهذا المهم قبل أن يسلم، والآخر يقول: بل نهى صاحب السيف وعنّفه، والثالث، يقول: بل إنه لصق أذن المضروب وبالسلامة شنَّفه.
قال المؤلِّف: قوله: "كلّ من أخذ بالسيف يهلك". فاسد من جملة منطوقه ومفهومه، إذ ذلك يقضي أن يكون كلّ من أخذ بالسيف قتل، فكلّ من لا يأخذ بالسيف لا يقتل، وكلاهما فاسد. فكيف يزعم النصارى أن يسوع قتل وصلب ونكل به منع أنه لم يأخذ بالسيف؟!. فهذا الكلام من المسيح عليه السلام من أقوى الشهود على عصته مما افتراه النصارى عليه من القتل والصلب؛ لأنه لم يأخذ إلاّ ما أتاه الله كما قال في إنجيله عن المعمداني:"إن العبد / (1/115/ب) لن يأخذ إلاّ ما أعطاه الله من السماء"2.
42-
تفرد لوقا:
قال لوقا: "قال الرّبّ: سمعان سمعان هوذا الشيطان يسأل أن يغربلكم كما تغربل الحنطة"3.
قلت: قد أجيب الشيطان إلى سؤاله فغربلهم بغرباله وسربلهم بسرباله وخدمهم بأباطيله، واعتقدوا المحال، ودانوا بالعبادة للنساء والرجال، فالحمد لله الذي عصم من كيده وقصم أحبولة صيده، وفي هذا الكلام ما يقضي أن للحواريين مزية على المسيح إذ يقول في الإنجيل:"إن إبليس سحب يسوع معه من مكان إلى مكان وقال له: اسجد لي وأعطيك الدنيا بما فيها"4. فالشيطان
1 في ص (الفصيح) ولعل الصواب ما أثبته.
2 يوحنا 3/27.
3 لوقا 22/31.
4 متى الإصحاح (4) ، مرقس الإصحاح (1) ، لوقا الإصحاح (4) .
يشاور المسيح ويقول له: اسجد لي، ويسأل ويضرع أن يغربل الحواريين، وهذا يدل على أن الشيطان أهيب لهم منه المسيح.
43-
ومن التكاذب:
قول يسوع: "لا تحقروا أحداً من هؤلاء الصغار المؤمنين فإن ملائكتهم في كلّ حين ينظرون وجه الله الذي في السموات"1. ثم أكذب ذلك فقال: "الله لم يره أحد قط"2. وقال أيضاً: "الله لا يأكل ولا يشرب ولا يراه أحد / (1/116/أ) قطّ إلاّ مات"3.
44-
ومما تفرد به لوقا:
قال لوقا: "لما قطعت أذن العبد لمسها يسوع فأبرأها وأنكر على صاحبه فعله"4. ولم يذكر ذلك أصحابه الثلاثة، ولم يسم صاحب السيف أحدٌ من الجماعة سوى يوحنا فقال: "هو شمعون الصفا"5.
45-
ومما تفرد به مرقس:
قال مرقس: "لما أخذ يسوع وذهبوا به تبعه شاب واحد على عُربه إزار فتعلقوا به، فترك إزاره لهم وذهب عرياناً"6. ولم يذكر ذلك أصحابه الثلاثة.
1 متى 18/10.
2 يوحنا 1/18.
3 تقدم تخريجه. انظر: ص 129.
4 لوقا 22/50، 51.
5 يوحنا 18/10.
6 مرقس 14/51، 52، ويعلق نينهاهم على هاتين الفقرتين في كتابه:(تفسير إنجيل مرقس ص 396)، بقوله:"إن هاتين الفقرتين تدعوان للحيرة، فقد وضعا بطرية مربكة بعد الفقرة (50) ، ولهذا فإن بعض النساخ قد نقحوا الأصل الأغريقي لكي ينصقل الترابط مع قبلهما، كما أن كلاً من مى ولوقا قد حذفهما من إنجيله". اهـ. (نقلاً من: المسيح في مصادر ص 145، لأحمد عبد الوهّاب) .
46-
ومما تفرد به لوقا:
قال لوقا: "لما رأى الذين مع يسوع ما كان قالوا: يا ربّ نضرب بالسيف؟ "1. ولم ينقل هذا الاستئذان سواه وأغفله الباقون.
47-
ومما انفرد به يوحنا:
قال يوحنا: "كان اسم العبد مَلخس"2. ولم يذكر ذلك سواه.
48-
ومما انفرد به يوحنا:
فصول الفارقليط3 فلم ينقلها سواه وأغفلها الباقون، فلم يذكروا منها حرفاً، وذلك يقضي بالمطاعن عليهم.
فلو وجدنا مصفحاً من مصاحف المسلمين قد أسقط منه سورة / (1/116/ب) لأررنا4على فاعله، فكيف أن يهملها الكافلة ويثبتها واحد.
1 لوقا 22/49.
2 يوحنا18/10،ومعنى:(مخلس) :ملك. وهو خادم رئيس الكهنة. (ر: قاموس ص 915) .
3 يوحنا 14/16، 15/26، 16/7، وقد استبدلت كلمة:"الفارقليط" في النسخ الحديثة للأناجيل بكلمة: "المعزى". وقد ذكر قاموس الكتاب ص 626: بأن كلمة: "المعزى" هو الروح القدس، ولم ترد إلاّ في إنجيل يوحنا، وبأن الكلمة الأحلية اليونانية:"براكليتيس" وتعني: "معز، ومعين، وشفيع، ومحام". اهـ.
والصحيح أن كلمة فارقليط تعني: الحمد وهو معنى اسم نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وسوف نوضح ذلك - إن شاء الله في الباب العاشر في موضوع البشارات بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
4 الأزّ: السوق. والطرد، وإيقاد النار، والمراد به هنا الطرد. والله أعلم. (ر: القاموس المحيط ص 437) .
49-
ومما قالوا:
إن متى سها فيه: قوله: "إن يوسف صار بالمسيح إلى قرية يقال لها الناصرة ليتم قول النبي القائل إن المسيح يدعى ناصريا"1. قال العلماء: "ليس لذلك ذكر في نبوة من النبوات البتة"2.
50-
وكذلك قوله - أعني متِّى -:
في الفصل الأوّل: "إن يوسف ومريم هربا بالمسيح إلى مصر خوفاً من هيرودس ليتم ما قيل في نبوة النبيّ القائل من مصر دعوت ابني"3.
قالوا: ليس لهاتين النبوتين صحة4، فما هما إلاّ عنقاءمغرب5.
1 متى 2/23.
2 يقول قاموس الكتاب المقدس ص 647: "ويغلب الظن أن هذا اللقب الذي لُقب به المسيح في إنجيل متى 2/23، يشير إلى النبوة التي يسمى فيها المسيح (قضيب) بالعبري (ينصر) في سفر أشعيا 11/1 ونصّه: "ويخرج قضيب من جذع يسي"....".
قلت: إن هذه محاولة يائسة من مؤلفي قاموس الكتاب لإيجاد نبوءة من النبوات المتقدمة لأنبيائهم في إثبات صحة ما ورد في إنجيل متى، وإن الظن لا يغني من الحقّ شيئاً، والصحيح ما ذكره المؤلِّف بأن كلام متى ليس له ذكر في أقوال الأنبياء المتقدمين وأسفارهم بالعهد القديم، ويؤيّد قول المؤلِّف ما صرح به الأستاذ جون فنتون في كتابه:(تفسير إنجيل متى ص 51)، إذ يقول معلّقاً على نصّ إنجيل متى السابق:"إن مصدر هذه النبوءة غير معلوم" اهـ. إذن فأسفار الأنبياء لم تقل شيئاً مما ادّعاه متّى في إنجيله. والعلماء متّفقون على ذلك، ولا عبرة بمن خالف بظنه في لك، فشهادة متى لا يعرف لها أصل. (ر: المسيح في المصادر العقائد المسيحية - أحمد عبد الوهّاب ص 118) .
3 متى 2/14، 15، 17.
4 يزعم قاموس المقدس ص 861، أن ما ورد في إنجيل متى 2/14، السابق إتمام لنبوءة وردت في سفر هوشع 11/1 ونصّها:"لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني". اهـ.
قلت: للرّدّ على هذه المغالطة أنقل كلام جون فنتون في كتابه السابق ص 48، حيث يقول:"إن هذه الشهادة التي ساقها متى من سفر هوشع إنما تشير إلى دعوة الرّبّ للشّعب الإسرائيلي باعتباره ابناً له للخروج من مصر (على عهد موسى" اهـ. ويؤيّد ذلك أن إطلاق لفظ (الابن) على إسرائيل وبنيه قد ورد في التوراة سفر الخروج 4/21-23 في بدء رسالة موسى عليه السلام وفيه: "عندما تذهب لترجع إلى مصر
…
فتقول لفرعون: هكذا يقول الرّبّ: إسرائيل ابن البكر، قلت لك: أطلق ابني يعبدني"، ولهذا فإن ما ورد في سفر هوشع، إنما هو تذكير ببعض نعم الله على بني إسرائيل حينمنا دعاهم للخروج من مصر وتخليصهم من ذلّ فرعون، وليس هناك ما يجعلها نبوءة تشير إلى عودة للصبي يسوع؛ لأن ما ذكرته أسفار العهد القديم عن دعوة الابن من مصر لا يخرج عن كونه مجرد سرد لحادث مضى في زمن موسى عليه السلام.
5 عنقاء مغرب ومغربة: من الأمثال يقال: حلقت به العنقاء مغرب، يضرب لمن يئس منه، والعنقاء: الداهية وطائر معروف الاسم مجهول الجسم. وقال الدميري: بأن (عنقاء مغرب) من الألفاظ الدالة على غير معنى. (ر: الحيوان الكبرى 2/86، 90، والقاموس المحيط ص 1178) .
51-
حكاية الجحش والأتان وما اشتملت عليه من السخف والهذيان والزيادة والنقصان:
قال متى: "لما قرب يسوع من أورشليم أرسل اثنين من تلاميذه وقال: اذهبا إلى القرية التي أمامكما فإنكما تجدان أتاناً وجحشاً لم يركب مربوطين فحلاهما وأتياني بهما، فإن قيل لكما شيء فقولا الرّبّ يحتاج إليهما وهو يرسلها للوقت. فذهب التلميذان وفعلا ذلك / (1/117/أ) ووضعا الثياب عليهما وركب يسوع وفرشت له الثياب في الطريق وفرش آخرون أغصان الشجر، فلما دخل يسوع أورشليم ارتجلت له المدينة فقال الناس: هذا يسوع النبي الذي من الناصرة الجليل"1.
وقال مرقس: "لما قرب يسوع من أورشليم أرسل من تلاميذه رجلين وقال: امضيا فإنكماتجدان جحشاًمربوطاً"2.وكذلك قال لوقا. فأما يوحنا فقال:"إن [يسوع] 3وجد حماراً فركبه"4.ولم يذكر سوى ذلك.
فمتى يقول: أتاناً وجحشاً، وذكر خطبة طويلة، ومرقس ولوقا لم يذكرا سوى الجحش، لا غير، ويوحنا لم يذكرهما البتة بل قال: إنه وجد حماراً فركبه5.
1 متى 21/1-8.
2 مرقس 11/1-8.
3 في ص (يسوعا) والصواب ما أثبته.
4 يوحنا 12/14.
5 لقد حاول القس منسي يوحنا في كتابه: (حلّ مشاكل الكتاب المقدس ص 125)، إيجاد جواب مقنع لهذا التناقض فقال:"فنجيب: أن متى ذكر ما حدث بالتفصيل، أما البشيرون الآخرون فذكروا فقط الجحش الذي ركبه المخلص".
قلت: إنه جواب غير مقنع، فإن متى ذكر أن المسيح: "قال للتلميذين: اذهبا إلى القرية التي أمامكما
…
تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها فحلاهما". وأما مرقس فقد ذكر: "أن المسيح قال للتلميذين: اذهبا إلى القرية التي أمامكما
…
تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحدٌ من الناس فحلاه". وذكره لوقا كذلك.
يتّضح من ذلك أن أقوال المسيح متناقضة في ذلك، ولا مجال لما زعمه القس منسي بأن متى ذكر ما حدث بالتفصيل، فإن الأناجيل روت الحادثة الواحدة بأمر المسيح وقوله، ثم بفعل تلميذيه، وهي متناقضة في ذلك تماماً. فإن أصر القس منسي على سخافته فإننا ننقل له اعتراف جون فنتون - عميد كلية اللاهوت - في كتابه:(تفسير إنجيل متى ص 329)، حيث يقول:"إن قول متى: (أتاناً مربوطة وجحشاً معها) ، يخالف قول مرقس ولوقا: (جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحدٌ من الناس") . اهـ.
ولم يذكر الثلاثة إرساله إلى أصحاب المركوب واستئذانهم وفرش الثياب وأغصان الشجر، ودخول المدينة واتجاجها لدخوله، وشهادة الناس له، بأنه النبي الذي جاء من الناصرة، وما أحسن رباً يفتقر إلى ركوب الحمير وإلهاً يغتذى بالخمر والخمير. مأ أخلق هذه المواضع من الإنجيل أن / (1/117/ب) يكون اليهود قد أدرجها في أوّل نسخ الإنجيل [ليُضحكوا] 1 الناس من دين النصراينة، ثم تناقلها النصارى بالغفلة وحسن الظن المانعين عن النظر في مقابح الكلام.
52-
موضع آخر من الكتاب الشنيع:
قول إنجيلهم: "قال يسوع: ما جئت إلاّ الأخلص من كان ضالاً"2. ثم أكذب ذل فقال: "ما جئت لألقي على الأرض سلامة لكن سيفاً وأضرم بها ناراً"3.
1 في ص (ليصلحوا) ولعل الصواب ما أثبته.
2 متى 18/11، يوحنا 3/17، 12/47، بنفس المعنى.
3 متى 10/34-35.
فلم يكفه ادعاؤه صلب المسيح حتى لعنه صريحاً، وهب أنه اعتقد بفاسد عقله صلب المسيح، فمن أين له أن كلّ مصلوب ملعون؟! 1 وقد صلب من أولياء الله وأصفيائه جماعة ليس الملعون إلاّ من فعل بهم / (1/118/أ) ذلك2.
فساد عقل إفريم:
قال إفريم - من قدماء الصنارى - إن اليدين التي جبلت طينة آدم هي التي سُمِّرت على الصليب، والشبر التي مسحت السماوات هي التي علقت على الخشبة.
وذلك خطأ بإجماع عقلاء النصارى؛ لأن الذي عُلق علىالصليب إنما هو الجسد المأخوذ من مريم، وأين كانت هذه الأجساد الإنسانية يوم خُمرت طينة آدم ويوم قُدرت السماوات والأرض؟! هل ذلك إلاّ جهل وضلال وغلوّ في عبادة الرجال؟!.
فهذا-رحمك الله-كتاب قد تلاعبت به بنيات الطرق وتزاحكت به [تراجمة] الفرق، وولد من لسان إلى لسان، وعبث به التحريف والتصحيف في كلّ زمان3.
1 قلت: ورد ذلك في سفر التثنية 21/22، كالآتي:"وإذا كان على إنسان خطية حقّها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشب بل تدفنه في ذلك اليوم؛ لأن المعلق ملعون من الله". ولذلك زعم بولس اليهودي بأن المسيح صلب تكفيراً عن خطيئة آدم وفداء عن البشرية وإثمها الذي تحملته بعد ذلك، لكي يجد بولس مبرراً لصلب المسيح حسب ما توهمه وقد أكّد ذلك في رسائله الأخرى. (ر: رسالته إلى أهل رومية 5/16، /18، ورسالته الثانية إلى أهل كورنثوس 3/7-9) .
2 إن اعتراض المؤلِّف على النصارى بذلك صحيح، إنهم يزعمون بأن رئيس الحواريين بطرس، واندراوس أحد الحواريين قد قتلا صلباً. (انظر: قاموس ص 122، 177) ، فإذا كان كلّ مصلوب ملعوناً فعليهم أن يلعنوا بطرس وهم لا يقولون بذلك. فحينئذٍ يتبيّن فساد ما قاله بولس.
3 إن بيان تناقضات الأناجيل وأسفار العهد الجديد بعضها ببعض وتعارضها مع التوراة وبقية أسفار العهد القديم وذكر ما وقع فيها من التبديل والتحريف يحتاج إلى كتاب ضخم لاستيفاء حقّه من البحث والتوضيح؛ وذلك لكثرة التناقض والتحريف فيهما، ولقد اهتمّ علماء المسلمين بهذا الجانب انطلاقاً من القرآن الكريم الذي صرح بتحريف التوراة والإنجيل وإلزاماً لأهل الكتاب بتحريف كتبهم وفساد دينهم، فلا يخلو كتاب في الرّدّ على اليهود والنصارى من باب أو فصل فيه بيان ذلك. (انظر: الفصل لابن حزم، إفحام اليهود للسموءل المغربي، هداية الحياري لابن القيم، الأجوبة الفاخرة للقرافي، وغير ذلك كثير) .
كما أن هناك كتباً ألفت في هذا الموضوع خاصة مثل: كتاب (شفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل، لأبي المعالي الجويني) ، و (على التوراة للباجي) ، و (الفارق بين المخلوق والخالق، لباجه دي زاده الإشراف على مسائل الخلاف زاده) .
وتجدر بنا الإشارة إلى كتاب: (إظهار الحقّ للشيخ رحمة الله الهندي) الذي أثبت وقوع التحريف والأغلاط والاختلاف والتبديل في التوراة والإنجيل بأدلة علمية دامغة، وبأقوال أحبارهم في ذلك مما يجدون معه ردّاً ولا جواب. وذلك في مواضع متعددة تزيد على الثلاثمائة بين الأناجيل ولما هي عليه من الأهمية عند النصارى نردد قول د. موريس بوكاي:"إذن فمن يجب أن نصدق؟! أنصدق متى أم مرقس أم لوقا أو يوحنا؟! ". (ر: دراسة الكتب السماوية ص 93) .
قال المؤلِّف - عفا الله عنه برحمته -: لقد رأيت على حاشية نسخة من نسخ الإنجيل على فصل من فصوله ما مثاله: ليس هذا الفصل في أناجيل القبطي ولا بعض أناجيل الرومي، فاستدللت بذلك على أن علوم القوم تفرقتها أيادي سبأ، وعصفت عليها رياح التبديل فأصارتها كالهباء كما / (1/118/ب) أخبر عن ذلك الكتاب العزيز إذ يقول:{يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ} 1. أي: يميلون بالأحكام عن مواضعها ويسلكون بها غير سننها ويجرونها سوى مجاريها.
والفصل المشار إليه: هو: "أن الكتبة والفريسيين قدموا إلى يسوع امرأة وجدت في زنى فأقاموها في الجمع وقالوا: يا معلم إن هذه المرأة وجدناها تزني وفي ناموس موسى يجب عليها الرجم فما تقول أنت؟ وإنما قالوا ذلك ليجدوا عليه حجّة فأطرق يسوع ينكت الأرض بإصبعه ثم رفع رأسه وقال: من منكم بغير خطيئة فليرجمها أوّلاً بحجر؟ ثم أطرق ثم أطرق ينكت الأرض فلما سمعوا مقالته خرجوا بأسرهم وبقي يسوع وحده والمرأة قائمة فرفع يسوع رأسه إليها وقال: يا امرأة أين أولئك الذين أدانوك؟ قالت: ما أرى منهم أحداً. فقال يسوع: ولا أنا أيضاً أدينك اذهبي الآن ولا تعودي إلى الخطيئة"2.
1 قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الكِلِمَ عَن مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِرُوا بِهِ
…
} . [سورة المائدة، الآية: 13] .
2 يوحنا 8/1-11.
ألا ترى أنهم كتموا ذلك وغيروا حكمه. ولقد مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديين قد زنيا وحمما وطيف بهما فاستدعاهم / (1/119/أ) صلى الله عليه وسلم واستدعى التوراة وأمر بعض أحبارهم بقراءتها فوضع الجريدة على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك أي عدوّ الله، فرفع يده عنها فإذا آية الرجم تلوح فقرأها عبد الله على سول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:"ما حملكم على ذلك؟ ". قالوا: ثقلت علينا فصرنا إذا زنى الشريف منا حممناه وأطفناه، وإذا زنى الضعيف والخامل أقمنا عليه الحدّ. فقال عليه السلام:"أشهد أبي عبد الله ورسوله، ثم أمر بهما فرجما"1.
فإن قيل: كيف أسقط المسيح عنها الحدّ والتّوراة والكتاب العزيز شاهدان بوجوب الحدّ على الزاني.
قلنا: القوم الذين جاءوا بالمرأة وشهدوا عليها بالزنى كانوا كفاراً فلم يقبل شهادتهم المسيح. والدليل على كفركم قوله: "إنهم جاءوا متعبين له شاكين في نبوته مع ظهور أعلامها". وإنما أتو بالمرأة ليجدوا عليه حجّة كا ذكر الفصل المشار إليه وإذا كانوا / (1/119/ب) إنما أتوا طالبين غرته2 ملتمسين عثرته، وهو نبي الله الكريم عليه، فكيف يقبل شهادتهم، وأما المرأة فلم تقر عنده بالزنى ولم تعترف به، والحدّ لا يثبت إلاّ بحجة معتبرة، وهي إما شهادة جازمة أو إقرار صحيح، والكافر مردود القول3. والله أعلم.
1 أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب 37. (ر: فتح الباري 12/166) ، ومسلم 3/1326، 1327. عن عبد الله بن عمر والبراء بن عازب.رضي الله عنهم.
2 غَرَّه: خدعه وأطمعه بالباطل. (ر: القاموس ص 577) .
3 إن هذه الاحتمالات التي ذكرها المؤلِّف من باب التّنْزِل في الناظرة والتسليم الجدلي بصحّة النّصّ السابق، وإلاّ فإنّ النّصّ لا يسلم لهم بصحّته لانفراد يوحنا بذكره مع اشتهاره وتوفر الداعي لتواتر نقله، وكذلك ما ذكره المؤلِّف من عدم وجوجد هذا النّصّ في أناجيل أخرى.