الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: خطبة الكتاب
…
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الذي لا يتكثر بالأعداد، الماجد1 الذي لا تضارعه الأشكال والأنداد، المقدس عن الشريك والصاحبة والأولاد، المنَزَّه الذات والصفات عما يقول أهلُ الإلحاد، الصمد المتعالي عن الأكل والشرب كما اعتقد من حاد، القديم2 لا بِكُرور العصور ومرور الدهور والآباد، العظيم لا بِكبر أجسام وأجساد، القيوم الذي لو نام فشا في الكون الفساد، خالق الآباء والأبناء والأزواج والأحفاد، سامك السماء بالملائكة الكرام وماسك الأرض بالأطواد، مظلم الليل ومضيء النهار ومفجِّر الأنهار من الصلد الجماد، مقدِّر الأقوات
1 بمعنى: المجيد، كالعالم بمعنى العليم، لكن الفعيل أكثر مبالغة، وهو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. (ر: المقصد الأسنى، لأبي حامد الغزالي، ص93، 103) .
ولم يرد الاسم الشريف "الماجد" في القرآن الكريم ولكنه ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سرد الأسماء الحسنى، وقد أخرجه الترمذي 5/496، وابن ماجه. (ر: صحيح ابن ماجه 2/330) ، وابن حبان (ر: الموارد ص 592) ، والحاكم 1/16، 17، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 15، وغيرهم، وقد اختلف في تصحيح الحديث، فإن مداره على الوليد بن مسلم. (للتوسع في تصحيح الحديث، ر: رسالة الترشيد في اعتبار الأسماء برواية الوليد - تصنيف رجائي بن محمّد المصري) .
2 "القديم" ليس من أسماء الله الحسنى فإنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة فإن أسماء الله عزوجل توقيفية. قال العلامة ابن أبي العزّ الحنفي: "وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى فهو مشهور عند أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف. ولا ريب أنه كان مستعملاً في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره، لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه: "الأوّل" وهو أحسن من القديم؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له بخلاف القديم، والله تعالى له الأٍسماء الحسنى لا الحسنة". (ر: شرح العقيدة الطحاوية ص 114، 115، بتصرُّفٍ بسيط) .
ومدبِّر الأوقات الانتقاص والازدياد، مالك السماوات والأرض وواهب الرفع / (1/3/أ) والخفض والبسط والقبض الملك الجواد، مرسل أنبيائه بلطائف أنبائه لإرشاد العباد، مهلك كسرى1 وقيصر2 وتبع3وحمير4 وعاد5 وشداد6، واهب موسى النصر والعون وخاذل فرعون ذي الأوتاد7، جاعل بنَ مريم
1 كسرى: لقب ملوك الساسانيّين، وهو معرَّب (خسرو) أي: واسع الملك، جمعه: أكاسره وكساسرة، والقياس كسرون. (ر: القاموس المحيط ص604،الصحاح 2/807) .
2 قيصر: اسم أسرة قديمة من أشراف روما، ولما تبنى يوليوس قيصر (44 ق. م) ابن بنت أخته أوكتافيوس، اتّخذ الأخير اسم قيصر، وجرى خلفاؤه الأباطرة على اتّخاذ هذا الاسم، إلى أن قرر هادريان الاحتفاظ للأمبراطور وحده بلقب أغسطس معناه:"المبجل"،وتلقيب ولي العهد بـ:"قيصر". (ر: الموسوعة العربية الميسرة2/1411) .
3 ورد ذكرهم في القرآن الكريم بموضعين قال تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} . [الدخان 37] ، وفي [سورة ق 12-14] .
وأما تبع فقد ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أدري تبع أنبيّاً كان أم لا؟
…
"، أخرجه الحاكم 1/36، وصحّحه ووافقه الذهبي والألباني. (ر: صحيح الجامع الصغير 1/969) .
وفي التاريخ أن تبع: ملك في الزمان الأوّل، والتتابعة: ملوك اليمن، قيل: لا يسمى تبعاً حتى يملك حضرموت وسبأ وحمير. (ر: النهاية لابن الأثير 1/18) ، وسمّوا بذلك لاتباع بعضهم بعضاً في الرئاسة والسياسة، والتبع: الظل لأنه يتبع الشمس، وضرب من اليعاسيب. (ر: المفردات للراغب ص 72، والقاموس ص 912) .
4 حمير بطن عظيم من القحطانية ينتسب إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، واسم حمير العرنج، وبلادهم اليمن أما أديانهم فقد انتشرت فيهم اليهودية، وكانوا يعبدون الشمس. (ر: معجم قبائل العرب - عمر كحالة 1/305-306) .
5 قبيلة يقال لهم: عاد بن عوص بن سالم بن نوح، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف. (وهي جبال الرمل) وكانت باليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها: الشحر، واسم واديهم مغيث، وقد أرسل الله إليهم نبيّه هوداً عليه السلام، فكذّبوه فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية. (ر: قصص الأنبياء - لابن كثير 1/89) .
6 شداد: من قبائل اليمن تقيم في شرقي صنعاء اليمن، ومنهم بطن من الأنبج بن هلال ابن عامر صعصعة، من العدنانية وكانت بلادهم في بلاد بونه من المغرب. (المرجع السّابق 2/585) .
7 فرعون: كلمة من لفظتين: (بر - عو)، أي:(البيت الأعظم) ، وكانت نعتاً للقصر الملكي منذ أيام الدولة القديمة، ثم أصبحت علماً على ملوك مصر منذ الألف الأولى. ق. م. (ر: الموسوعة العربية الميسرة 2/1290) ، وبعد دخول الإسلام إلى مصر فإن لقب (فرعون) يطلق على الكافر الذي ملك مصر، ولا يلقب به المسلم، وقيل: لفرعون ذي الأوتاد؛ لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت، وقيل: لأنه كان يوتد أيدي وأرجل أعدائه في أوتاد من حديد ويعلقهم بها، وقيل: بأن الأوتاد هم الجنود الذين يشدون أمره. (ر: تفسير ابن كثير 3/543) .
وأمَّه آية للعالم وما هما بأعجب من حواء وآدم، فتعسا لعباد الأنداد، ضلّوا بالمشي على الماء، وصعود السماء وإحياء الموتى وتكثير الأزواد، هذا موسى قد فلق وإدريس قد صعد وإلياس قد أحيا من أنتن وداد1، ولم يكونوا أرباباً بذلك، فكيف يغلط فيما هنالك لولا الشقاء والعناد؟!.
أحمده على ما أسدى وأفاد، وأمدحه على ما أبدى وأعاد، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة تضمن للصدر الثَّلَج، وكلمة تعصم المهج بأوفى الدَّرَج2 وأقوى الحجج، وأشهد أنّ محمّداً عبده الذي نصّ عليه موسى، ونبيّه الذي طرق بين يديه عيسى، وصفيه الذي أخدمه جبريل، ونجيّه الذي رسمه في التوراة والإنجيل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة/ (1/3/ب) تزيدهم تبجيلاً إلى تبجيل وتخلد جيلاً بعد جيل.
قال من عفا الله له3 عن ذنبه وحباه بحبّه: "حضرت محفلا تحفَّل بالمعارف [أخلافه] 4 وتكفَّلبالعوارف5 [أُلَاّفُه] 6، فأذاعوا مزائد الفوائد وأعادوا ودائع العوائد وأفاضوا في العلوم الدينية، وأضافوا إلى ذلك ذكر الأمة النصرانية
1 في ش: داد الطعام إذا وقع فيه السوس، أي: الدودة.
2 دَرّجَ وأَدْرَج: صعد في المراتب، ولزم المحجة من الدين أو الكلام. (ر: القاموس المحيط ص 240) .
3 في ش: عبارة عن المؤلِّف - رحمة الله عليه.
4 في ص (أخلاقه) ، والذي أثبته (أخلافه) بالفاء حيث يدل عليه الفعل (تحفل) ففيه تشبيه المحفل (المجلس) المملوء علماً ومعرفة بالضرع الممتلئ بالحليب، كما أن كلمة (أخلافه) موافقة لسياق الكلام وللجناس الذي يكثر منه المؤلِّف في كلامه. أخلاف - مفرده:(خلف) من ذوات الخف كالثدي للإنسان، وحلمة ضرع الناقة أو طرفه أو المؤخر من الأطباء أو هو للناقة كالضرع للشاة. (ر: القاموس المحيط ص 1042، المصباح المنير ص 180) .
5 العارفة: المعروف كالعُرف، ج: عوارف. (ر: القاموس المحيط ص 1081) .
6 في ص (الأفة)، وفي ش:(الآفه) بالفاء أو بالقاف فَظ، والآفة بالفاء فَظ أيضاً أو بالقاف فمن ألف البرق إذا لمع أو من الألوقة وهي طعام يصلح من الزبد. اهـ.
قلت: الصواب ما أثبته؛ لأنه الموافق لسياق الكلام، فإن الإلف، بالكسر: الأليف وجمعه: آلاف. ويجوز أن يكون: (أُلَاّفه) من الإلف الإلفه وجمعه أُلَاّف. (ر: القاموس ص 1024) . وتوضيح معنى عبارة كالآتي: وتكفل بالمعروف من يأْلِفون فعل المعروف أو يألفون المحفل ويعتادونه.
فتعجب مَنْ حضر كيف زلت بهم القدم، حتى اعتقدوا اتّحاد العَدَم بالقِدَم؟ ومن أين قادهم الخبيث إلى القول بالتثليث وروَّج عليهم المحال، فدانوا بعبادة الرجال؟ واستعبدوا أن يعتقد لبيب أن الإله يصلب على صليب، أو يستقرّ في الأحلام أن تشتمل على القديم الأرحام!!!.
فقلت: إن من المستحيل أن يضلّ السالك مع وجود الدليل، وعيسى عليه السلام فهو خِرِّيت1 عارف بالطريق، وله من ربّه تعالى أوفى رفيق، وقد شهد له المصطفى - وهو المُزكَّى المعدَّل - بأنه بلغ عن الله، ولم يبدِّل، قال ربّنا جلّ اسمه حكاية عنه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُم وَكُنْتُ عَلَيْهُم شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِم
…
} . [سورة المائدة، الآية: 117] .
لكن ربما خلف من بعده خُلُوف2 كالخلوف3 واستعوص4/ (1/4/أ) عليهم كلامه فتناولوا بأيدي التحريف الحروف، وأتاهم العدوّ من قبل الألفاظ فغلظهم وجرأهم على الكفر بإجرائها على الظاهر فورطهم. ومعلوم أنّ كلّ تنْزِيل [لا يخلو] 5 عن جملة من الظواهر لعرض التأويل يضلّ بها الجاهلون وما يعقلها إلاّ العالمون.
1 في ش: أي: دليل حاذق ماهر.
2 الخلَف - بالتحريك والسكون -: كلّ من يجيء بعد من مضى، إلاّ أنه بالتحريك في الخير، والتسكين في الشرّ، يقال: خلَف صِدق، وخَلف سوء. ومعناهما جميعاً القرن من الناس، وخَلف جمعه خلُوف.
3 الخِلفَة - بالكسر -: تغير ريح الفم، لأنها رائحة حدثت بعد الرائحة الأولى، يقال: خَلف فمه يخلف خِلفة وخلوفاً. ومنه الحديث: "لخلوف فم الصائم
…
". (ر: النهاية لابن الأثير 2/65-68) ، القاموس ص 1043، 1044) .
4 في ش: استصعب.
5 في ص: (لا يخلوا) والتصويب من المحقِّق.
وهذا كما هفا1 قوم في لفظ الاستواء2 والنُّزُول إلى سماء الدنيا3 ولفظ الوجه4 والعين5 واليد6 والقدم7 وغير ذلك فحملوا الأمر في هذه
1 في ش: من الهفوة وهي الزلة لفظاً ومعنى.
2 قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، [سورة طهَ، الاية: 5] ، والآيات كثيرة في إثبات صفة استواء لله عزوجل على العرش وعلوّه على خلقه، ومعنى {اسْتَوَى} ، - كما فسرّه السلف رحمهم الله:"ارتفع وعلا واستقرّ وصعد".
3 قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} . [سورة الفجر، الآية: 22] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينْزِل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل
…
" الخ. أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري 3/29، ومسلم 1/521، 523) ، والروايات كثيرة ومتواترة في إثبات صفة نزول الله عزوجل إلى السماء الدنيا كما شاء وكيف شاء.
إن صفتي الاستواء والنُّزُول إلى السماء الدنيا من الصفات الخبرية الثبوتية الفعلية الاختيارية التي تتعلق بمشية الله عزوجل إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها.
4 قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَام} . [سورة الرحمن، الآية: 27] . والأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة في إثبات صفة الوجه لله عزوجل.
5 قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} . [سورة طهَ، الآية:39] .وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} . [سورة القمر، الآية:14] . وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة على أن الله تعالى موصوف بأن له عينين حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته عزوجل.
6 قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} . [سورة ص، الآية: 75] . وقال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . [سورة المائدة، الآية:64] .وغيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تثبت صفة اليدين حقيقة لله عزوجل بما يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى.
7 قال عليه السلام: "لا يزال يلقى فيها - يعني النار - وتقول: هي من مزيد؟ حتى تضع فيها ربّ العالمين قدمه فينْزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قطٍ قطٍ قطٍ بعزّتك وكرمك".أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري13/434،ومسلم4/2186-2188) .
وجملة القول في ذلك: إنّ إطلاق صفات الله عزوجل توقيفية، وتنقسم إلى قسمين:
1-
صفات بإثبات مفصل (الصفات الثبوتية) .
2-
صفات بنفي مجمل (الصفات السلبية) .
فالصفات السّلبية؛ هي: ما نفاها الله في كتابه الكريم، أو على لسانه نبيّه صلى الله عليه وسلم، وكلّها صفات نقص في حقّه عز وجل، كالموت، والنوم، والجهل، والعجز وغيرها، فيجب نفيها عن الله تعالى لما سبق مع إثبات ضدّها على وجه الأكمل.
أما الصفات الثبوتية الخبرية فهي: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات الكمال لا نقص فيها، وتنقسم إلى قسمين:
أ- صفات ذاتية قائمة بذات الله العلية، وهي التي لم يزل ولا يزال متّصِفاً بها كالوجه والعينين واليدين والقدم وغير ذلك مما وردت به النصوص الصحيحة.
ب- صفات فعلية تتعلق بمشيئته عزوجل إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها، كالاستواء والنُّزول والمجيء والقبض والبسط.
وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمته إثبات ما أثبته الله ورسوله من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه عزوجل مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته.
(ر: للتوسع: الرسالة التدمرية والجزء الثاني والثالث من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، لوامع الأنوار البهية 1/123، وما بعدها للسفاريني شرح العقيدة الطحاوية ص 127، وما بعدها، ومن المراجع الحديثة: كتاب الصفات الإلهية - د. محمّد أمان، وشرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان، والقواعد المثلى في صفات الله أسمائه الحسنى، للشيخ محمّد بن عثيمين) .
التّسميات على ما يبتدر إلى أفهامالعوام1 فزلوا.
وإذا كان النصارى إنما أتوا2 من قبل الألفاظ وعدم الحفَّاظ فيتعين على من له دُرْبة3 بهذا الشأن حل إشكالهم وفكّ الشبهات التي أعانت على ضلالهم، فزعم الجماعة أني عارف بكتبهم خبير بمخاريقهم وكذبهم دَريّ بمرادهم بالجوهر والأقنوم، دَرِب بالفَرق بين فِرَق النسطور واليعاقبة والروم، وقالوا: لو أَنرتَ لَمعا تكون على الحق علما فرب كلمة واحدة تهدي أمماً، فأجبتهم لوجوب حقّهم ورجوت الحيا4 عند رميض برقهم، واستخرت الله تعالى وشجعت جنانا جبانا وأطلقت من ضعيف / (1/4/ب) العناية ودأبت5 في تحصيل ما لم أقف عليه من كتب القوم ولم أجتز6 بما كان في يدي منها حتى استكملت
1 قول المؤلِّف: "فحملوا الأمر في هذه التسميات على ما يبتدر إلى أفهام العوام فزلوا"، لا بدّ من تقييده بأنهم العوام الذين انحرفت فطرتهم وتلوثت أفهامهم بالتشبيه والتمثيل أو التعطيل أو التأويل. (أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف، لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان وينشأ عليها المسلم بلا تلقين ولا تعليم (من حيث الأصل) فكل من لم يلقنه المبتدعة بدعتهم ويدرسوه كتبهم فليس من حقّ أي فرقة أن تدعيه إلاّ أهل السنة الجماعة) . (ر: العلم الشامخ ص 271-273، للشيخ صالح المقبلي، منهج الأشاعرة في العقيدة - د. سفر الحوالي ص 23) .
2 في ص: (أوتوا) والصواب ما أثبته.
3 في ش: درية بالمنقوط التحتانية واحدة أو اثنتين، فأما بالباء فمن التدرب وأما بالياء فمن الدراية.
4 في ش: أي: المطر. اهـ. وفي مختار الصحاح ص 167: "الحيا" مقصور - أي: المطر والخصب.
5 في ش: أي: تعبت.
6 أي: لم أقطع، ولم أكتف. (كما في القاموس المحيط ص 449) .
التوراة1 الخمسة الأسفار
1 التوراة: كلمة عبرية معناها الشريعة، وتسمّى الناموس أي: القانون. كما تسمى أيضاً: (البانتاتيك) وهي كلمة يونانية تعني: الأسفار الخمسة وهي:
1-
سفر التكوين: يقع في (50) إصحاحاً، وسمي بذلك لاشتماله على قصة خلق العالم، ثم قصص آدم وذريته ونوح وإبراهيم وذريته ينتهي، هذا السفر باستقرار بني إسرائيل بمصر وموت يوسف عليه السلام.
2-
سفر الخروج: ويقع في (40) ، إصحاحاً، وسمي بذلك نسبة إلى حادثة خروج بني إسرائيل من مصر إلى أرض سيناء بقيادة موسى عليه السلام، وفيه ذكر الحوادث التي جرت لبني إسرائيل في أرض التيه، والوصايا العشر والكثير من الأحكام والتشريعات.
3-
سفر اللاويّين: ويقع في (27) ، إصحاحاً، ويحتوى على شؤون العبادات وخاصة القرابين والطقوس الكهنوتية وكانت الكهانة موكولة إلى سبط لاوي بن يعقوب، فلذلك نسب السفر إليهم.
4-
سفر العدد: ويقع في (36) إصحاحاً، وسمي بذلك لأنه حافل بالعد والإحصاء لأسباط بني إسرائيل ومما يمكن إحصاؤه من شؤونهم ويتخلل ذلك بعض الأحكام والتشريعات.
5-
سفر التثنية: ويقع في (34) ، وسمي بذلك لإعادة ذكر الوصايا العشر وتكرار الشريعة والتعاليم مرة ثانية على بني إسرائيل عند خروجهم من أرض سياء، وهذا السفر الذي ينهي التوارة المنسوبة إلى موسى عليه السلام ورد في آخرها النص الآتي: "فمات هناك موسى، عبد الرّبّ في أرض مؤاب بأمر الرّبّ وتَمَّ دفنه في الوادي في أرض مؤاب تجاه بيت فاعور ولم يعرف إنسان قبره إلى اليوم وكان موسى بن مائة وعشرين سنة حين مات
…
".
ر (: السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم 1/1، قاموس الكتاب المقدس ص 235، 239، 609، 801، 808) ، والنص السابق صريح في أن كاتبه ليس موسى عليه السلام، وهو ما صرح به الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوز (ت 1677م)، في كتابه: رسالة في اللاهوت والسياسة ص:266-267، حيث ذكر ملاحظات ابن عزرا (ت: 1167) ، وهو عالم يهودي شَكَّ في نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى-وأضاف إليها ملاحظاته الشخصية ثم ذكرسبينوزاالنتيجةالتي توصل إليهامن خلال أبحاثه فيقول:"ومن هذه الملاحظات كلها يبدو واضحاً وضوح النهار أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة بل كتبها شخص عاش بعد موسى بقرون عديدة". اهـ.
وقد توصل إلى هذه النتيجة أيضاً المؤرخ ول ديورانت وذكرها في موسوعته قصة الحضارة 2/376.
وتذكر دائرالمعارف الفرنسية (معجم لاروس) تحت عنوان توارة:"أن العلم العصري ولاسيما النقد الألماني قد أثبت بعد دراسات مستفيضة في الآثار القديمة والتاريخ وعلم اللغات أن التوراة لم يكتبها موسى وإنما كتبها أحبار لم يذكروااسمهم عليها ألفوهاعلى التعاقب ومعتمدين على روايات سماعية سمعوها قبل أسر بابل".اهـ.
فهذه بعض اعترافات محقِّقيهم وعلمائهم في عدم صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى عليه السلام.
علماً بأن هذه التوراة تعتبر جزءاً رئيساً من (الكتاب المقدس) عند اليهود - والذي يسمّيه النصارى بالعهد القديم - وينقسم بحسب محتوياته إلى أربعة أقسام هي: 1- التوراة. 2- الأسفار التاريخية وهي: (12)، سفر تعرض لتاريخ بني إسرائيل منذ دخولهم فلسطين حتى فترة السبي البابلي وهذه الأسفار هي: سفر يوشع، القضاة، راعوث، صموئيل الأوّل والثاني، الملوك الأول والثاني، أخبار الأيام الأوّل والثاني وعزرا ونحميا وأستير. 3- أسفار الأناشيد الأسفار الشريعة: وعددها (5)، أسفار هي: أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد. 4- أسفار الأنبياء وعددها (17) ، سفرا تنسب إلى أنبيائهم ومنهم أشعيا وأرميا وحزقيال وغيرهم.
ونبوة داود1، ونبوة
1 داود عليه السلام: اسم عبري معناه (محبوب) وهو ابن يسي وثاني ملوك بني إسرائيل ومن أنبيائهم الكرام، إلاّ أن الأسفار المقدسة عند اليهود والنصارى تتهمه بارتكاب الكبائر وفعل الفواحش. وتنسب إليه (سفر المزامير) وهي مجموعة من الأشعار الملحنة وغرضها تمجيد الله وشكره وكانت ترنم على صوت المزمار وغيره من الآلات الموسيقية، وفي العبرانية يسمى (كتاب الحمد) وقد عرفت باسم (مزامير داود) بالنسبة لعدد المزامير التي نسبت إليه وبلغت 73 من 150 مزموراً. وتنقسم هذه المزامير إلى خمسة أقسام هي:
1-
يتضمن القسم الأوّل (41) ، مزموراً، منها) (37) ، لداود، أما أربعة منها وهي:(1، 2، 10، 33) ، لمؤلفين غير معروفين لذلك يدعونها المزامير اليتيمة نظراً لعدم وجود أب لها.
2-
القسم الثاني يتضمن (31) مزموراً (أي: من 42-72) ، (7) لبني قورح و (مزمور واحد) لآساف و (18) لداود و (4) لمؤلِّفين غير معروفين ومزمور لسليمان.
3-
القسم الثالث: يتضمن (17)، مزموراً (أي: من 73-89) ، منها:(11) لآساف و (3) لبني قورح وواد لداود وواحد لهيمان وبني قورح وواحد لايثان.
4-
القسم الرابع يتضمن (17) مزمورا (أي: من 90-106) ، منها مزمور لموسى، و (2) لداود والبقية لمؤلِّفين غير معروفين.
5-
القسم الخامس يتضمن (44) مزمور (أي: 107-150)، منها:(15) لداود وواحد لسليمان والبقية لمؤلِّفين غير معروفين. وتقرأ هذه المزامير في الكنيسة والعبادات الفردية والجماعية.
(ر: ترجمته في سفر صومئيل الأوّل وسفر الملوك الأوّل، السنن القويم الجزء (16) ، قاموس الكتاب المقدس ص 430، 361-366) .
أقول: من العجب، ومن غير المعقول أن تضاف مزامير آساف وبني قورح وغيرهما إلى الأسفار المقدسة وهم ليسوا أنبياء حسب ما ورد في تراجم!!! والأدهى من ذلك أن عدداً كبيراً من المزامير يبلغ عددها (50) مزموراً تنسب لمؤلِّفين غير معروفين - باعتراف مفرسيهم ومحقِّقيهم بذلك - فبأي حقٍّ يضفي على تلك المزامير صفة القداسة والوحي، وهم لا يعرفون قائلها؟!! وهل ذلك إلاّ اتباع الهوى واتّخاذ أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؟!!.
وأما سيرة هذا النبيّ الكريم في المصادر الإسلامية فهي مبسوطة في كتب التفسير وتاريخ الطبري1/231-256،وقصص الأنبياء لابن كثير ص196-229، وغيرها وفيها وصفه بما هو أهل له من التكريم والتعظيم لنبيّ من أنبياء الله الكرام والعصمة في التبليغ ومن كبائر الذنوب وتنْزِيهه مما نسبه أهل الكتاب إليه من الإفك والبهتان.
أشعيا1، ونبوة ميخا2، ونبوة حبقوق3،
1 أشعيا بن آموص، ومعنى اسمه (الرّبّ يخلص)، ويعتبره النصارى نم أعظم أنبياء العهد القديم ويلقبونه بـ:(النبيّ الإنجيلي) لكثرة نبواته عن المسيح، ويغلب على ظنّ المؤرخين بأن أشعياء قد مات مقتولاً في اضطهاد الملك منسي الإسرائيي.
وينسب إلى أشعياء سفر باسمه عدد إصحاحاته (66) إصحاحاً، ويعتبر ضمن أسفار الأنبياء المتأخرين الذي يشمل عدداً من أنبيائهم كـ: ميخا وحبقوق وصفنيا وزكريا وحزقيال وأرميا ودانيال وهنوشع وغيرهم وتحتوي هذه الأسفار بصفة عامة على وصايا الأنبياء ومناجاتهم لله عزوجل والتنديد بفساد سلوك بني إسرائيل وكثرة ذنوبهم والتهديد بزوال دولتهم ونصحهم بالتوبة والرجوع إلى الله. (ر: سفر أشعيا، السنن القويم 8/66، وما بعدها، قاموس الكتاب ص 81-85) .
وعن سفر أشعيا يقول الكاتب المصري النصراني حبيب سعيد في كتابه المدخل إلى الكتاب المقدس ص 103: "اختلفت آراء الشراح والباحثين حول هذا السفر اختلافاً لا نظير له في أي سفر آخر، هذا ويجمع الدارسون في العهد القديم على أن أشعيا قد يكون كتب جزءاً من هذا السفر، بينما يرى بعض الدارسين أن كُتَّاب السفر ثلاثة أو أكثر.
والإصحاحات من رقم: (40) إلى رقم: (66) تمثل مشكلة حادة أمام الباحث ذلك أن فيها براهين قوية وأدلة صريحة تؤكّد عدم صلة هذه الأصحاحات من السفر لأشعيا، ولا تتصل بالزمن الذي يدعيه المؤرخين عصراً لأشعيا وهو الفترة من: 765-700 ق. م. ذلك أن اسم أشعيا في بدية هذه الإصحاحات لم يذكر تماماً، ويبدو أن الإصحاحات من رقم:(1-39) كانت كتاباً منفصلاً وأدمجا بطريق الصدفة عند نسخ أسفار الأنبياء". اهـ. وبنحو ذلك أشار إليه سبينوزا في رسالته ص 311، وفي مقدمة السفر من الكتاب المقدس للكاثوليك - منشورات دار المشرق 1983م. فلا حاجة بنا إلى المزيد من التعليق بعد هذا الاعتراف الصريح منهم في شكّهم بنسبة هذا السفر إلى أشعياء.
2 ميخا معناه: (من مثل يهوه؟!) ويلقب بالمورشتي نسبة إلى قرية مورشه مسقط رأسه، وهو في العهد القديم سادس الأنبياء الصغار، وينسب إليه سفر باسمه (سفر ميخا) وعدد إصحاحات (7) إصحاحات. (ر: سفر ميخا، السنن القويم 12/90، وما بعدها، قاموس ص 936، 937) .
3 حبقوق معناه: (يعانق) ، وهو عند أهل الكتاب ثامن الأنبياء الصغار الذين ظهروا في مملكة يهوذا، وما يعرفونه من سيرة حبقوق إنما هو مجرد استنتاجات من السفر المنسوب إليه بأنه كان أحد المغنيين في الهيكل ومن سبط اللاويّين، وعدد إصحاحات السفر المسمَّى باسمه (سفر حبقوق) ثلاثة إصحاحات. (انظر: ترجمته في: سفر حبقوق، السنن القويم 12/116، قاموس ص 287، 288) .
أقول: هذا سفر منسوب إلى شخص فيه جهالة ظاهرة فلا يعرف شيء عن مكان أو زمان ولادته أو عن سيرته إلاّ عن طريق التخمين والظن. (ر: مقدمة طبعة الكتاب المقدس بالإنجليزية سنة 1971م) .
ونبوة صفنيا1، ونبوة زكريا2، ونبوة أرميا3، ونبوة
حزقيال4،
1 صفنيا: اسم عبري معناهك (يهوه يستر) ، وهو في العهد القديم يعتبر تاسع الأنبياء الصغار، ويعود نسبه إلى الملك حزقيا، وقد كان صغفنيا معاصراً لحقبوق، وينسب إليه سفر باسمه:(سفر صفنيا) عدد إصحاحاته ثلاث إصحاحات. (ر: ترجمته في: سفر صفنيا، السنن القويم 12/136، قاموس الكتاب المقدس ص 544، 545) .
2 زكريا: معنه: (يهوه قد ذكر) وهو ابن برخيا - وهو ليس زكريا أبو يحيى عليهما السلام-وهو في العهد القديم يعتبر الحادي عشر بين الأنبياء الصغار، ويظهر أنه كان من نسل لاوي فكان مستحقاً لوظيفة كاهل أو نبي، وقد كان معاصراً لحجي- أحد أنبيائهم-الذي كان في عهد الملك داريوس في فترة ما بعد السبي البابلي، وينسب إليه سفر باسمه:(سفر زكريا) عدد إصحاحاته (14) إصحاحاً. (ر: سفر كزريا، السنن القويم 12/160، قاموس ص 428-429) .
3 أرميا: معناه: (الرّبّ يؤسس أو يثبت)، وهو ابن حلقيا الكاهن. وهو في العهد القديم أحد الأنبياء الكبار مثل:(أشعيا وحزقيال ودانيال وقد ظهر في زمن الملك يوشيا إلى سقوط أورشليم، ولا يعرف شيء عن تاريخ ومكان موته. وينسب إليه (سفر أرميا) الذي كتبه صديقه باروخ بن نيريا وعدد إحاحاته (52) إصحاحاً، كما ينسب إليه أيضاً (مراثي أرميا) وعدد إصحاحاته (5) إصحاحاً. (سفر أرميا قاموس ص 52-56) . ويرى سبينورزا أن سفر أرميا مجموعة مأخوذة من كتب أخرى متعددة، ويكون خليطاً من نصوص بلا ترتيب ودون مراعاة للأزمنة وبعض الإصحاحات مستمدة من سفر باروخ، ويرى معظم النقاد - كإيسفيلت وهالر وأدولف - أن أرميا لم يكتب المراثي. (ر: رسالة في اللاهوت ص 311-313) .
4 حزقيال: معناه: (الله يقوي) ، وهو ابن بوزى من عشيرة كهنونية، ويعتبرونه أحد الأنبياء الكبار، وقد نشأ في فلسطين زمن النبيّ أرميا، ثم حمل مسبياً مع ملك يهوذا (يهو ياكين) إلى أرض بابل أثناء الغزو البابلي، ولا يعرف وقت ومكان موته، وينسب إليه (سفر حزقيال) عدد إصحاحاته (48) إصحاحا. (ر: سفر حزقيال، قاموس ص 301-304) .
وقد يبدو من النظرة الأولى أن هذا السفر الطويل من وضع حزقيال وحده، على أن الرّأي السائد بين المهتمين بأخبار ودراسة العهد القديم أن بعض أجزاء من هذا السفر كتبت في وقت متأخر كثيراً عن زمن حزقيال، وأن حزقيال نفسه لم يضع السفر الذي بين أيدينا كلّه فضلاً عما في قضايا السفر من حوادث ومراحل تاريخية تنفي صلتها بحزقيال، والباحث في السفر يرى نفسه أمام أساليب مختلفة وصياغات عديدة مما يؤكّد أنه من المتعذر أن تكون كتابة هذا السفر في نفس عصر حزقيال بل بعد فترة طويلة. (ر: رسالة في اللاهوت - سبينوزا ص 313-314، المدخل إلى الكتاب المقدسة، حبيب سعيد، ص 116) .
ونبوة دانيال12، والأناجيل
1 دانيال: معناه: (الله قضى) ، عاش في فترة السبي البابلي، ونال مكانة عالية عند نبوخد نصر بعد أن فسر له دانيال حلماً قد أزعجه، وتوفي دانيال في عهد الملك كورش ملك الفرس، وينسب إليه سفر باسمه عدد إصحاحاته (12) إصحاحاً يحتوي - إضافة إلى ما ذكر - على تاريخ بني إسرائيل في فترة السبي وعلى تنؤات مستقبلية. (ر: سفر دانيال، قاموس ص 357-360) .
يقول سبينوزا في رسالته ص: 316: "كتب دانيال سفره ابتداء من الأصحاح الثامن، أما الإصحاحات السبعة الأولى فمجهولة المؤلِّف" اهـ. ويؤكّد ذلك ما ورد في مقدمة التعريف بهذا السفر في الكتاب المقدس للكاثوليك ونصّه: "ليس دانيال مؤلِّف السفر الذي يحمل اسمه، إن هو إلاّ شخصه الرئيسي
…
إن مؤلِّفاً ملهماً لم يترك اسمه قد ضم إلى هذه الصورة الشهيرة الماضي عدة رؤى ذات إنشاء روائي". اهـ.
2 إن الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم يجب علينا الإيمان بهم تفصيلاً أي: بأشخاصهم وأسمائهم وهم: آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب وإدريس ويونس وهود وشعيب وصالح ولوط وإلياس واليسع وذو الكفل وزكريا ويحيى وعيسى ومحمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وكذلك يوشع بن نون الذي ثبت نبوته بالسنة النبوية الصحيحة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأما بقية الأنبياء فإنه يجب الإيمان بهم جملة كما قال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
…
} . [سورة النساء، الآية: 164] . وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ
…
} . [سورة فاطر، الآية: 24] .
أما ما ورد عن بني إسرائيل وفي كتبهم المقدسة لديهم من أخبار بتسمية بعض الأشخاص بالأنبياء كأشعياء، وأرميا وصفنيا وهوشع وغيرهم، مما لم يقم على نبوتهم دليل من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة فإننا لا نكذبه ولا نصدّقه؛ لأن خبرهم يحتمل الصدق والكذب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا
…
} الآية. [سورة البقرة، الآية: 136] . (أخرجه البخاري فتح الباري 8/170) .
قال الحافظ ابن حجر: "أي: إذا كان ما يخبرونكم به محتملاً لئلا يكون في نفس الأمر صدقاً فتكذّبوه، أو كذباً فتصدّقوه فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاته، نبّه على الشافعي رحمه الله". اهـ.
وأيضاً لوجود الاضطراب والانحراف في نظرة اليهود والنصارى نحو النبوة والأنبياء - وهو ناشئ من كتبهم المقدسة عندهم - فإن لفظ (النبي) في كتبهم الحرفة تطلق على النبيّ من الله. (ر: تكوين20/7، وغيرها كثير) . وعلى كهنة الهيكل وأحبارهم. أخبار الأيام الأول 25/1، أرميا 6/13، أشعيا 9/14) ، وعلى الساحر والمنجم. (حزقيال 13/19) ، وعلى الأنبياء الكاذبة. (أرميا 5/31) ، كما تطلق أيضاً على كهنة الآلهة الوثنية. (الملوك الأوّل 18/19، والثاني 3/13-10) . وعلى نسائهم أيضاً. (الخروج 15/20، القضاه 4/4، صموئيل 2/1) .
ويؤكّد هذا الاضطراب تصريح أريك ويليام هيتون - أستاذ دراسات العهد القديم بجامعة أوكسفود - في كتابه: (أنبياء العهد القديم ص 35)، إذ يقول:"إن أي محالة لتمييز الأنبياء الحقيقيّين بناء على التعريف النظري المجرد للنبوة، إنما هو عمل مقضي عليه بالفشل، ذلك أن تعريف النبوة كغيره من تعاريف بض الكلمات المذكورة في العهد القديم مثل عقيدة وكاهن - لن يقودنا على أحسن الفروض إلاّ إلى ربط النبوة بمظاهر خاريجة عرفها الناس في حياتهم العادية". اهـ. (نقلاً من النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية ص 15، لأحمد عبد الوهّاب) . كما أنهم يتهمون بعض أنبيائهم بالشرك وارتكاب الكبائر من الذنوب كالزنى والسرقة والقتل بغير حقٍّ ونحوه، وهذا مما نجزم بكذبه ولا تجوز روايته إلاّ لبيان بطلانه وكذبه.
وينفون النبوة عن بعض أنبيائهم كسليمان عليه السلام فهو في نظرهم مجرد ملك وليس بنبيٍّ. لذلك فإن موقفنا نحو ما ورد في كتبهم المقدسة المحرفة هو أن ما وافق منه شرعنا فنصدقه أو نقبله، وأما ما خالفه وظهر بطلانه فنرده ونرفضه، وأما ما سكت عنه شرعنا فلا نصدِّقه ولا نكذِّبه.
الأربعة1، ورسائل
1 إنّ الأناجيل تمثل جزءاً رئيساً من (الكتاب المقدس) عند النصارى، الذي ينقسم عندهم إلى قسمين رئيسين هما:
أوّلاً: العهد القديم: الذي يحتوي على أسفار الأنبياء الذين كانوا قبل المسيح عليه السلام ومنها التوراة.
ثانياً: العهد الجديد: ويحتوي على الأسفار التي تبدأ بظهور المسيح عليه السلام، وتنقسم بحسب محتوياتها إلى ثلاثة أقسام هي: 1- قسم الأسفار التاريخية: وتشمل: الأناجيل الأربعة، وسفر أعمال الرسل. 2- الأسفار التعليمية: وتشمل: رسائل الحواريّين وتلاميذ المسيح. 3- رؤيا يوحنا اللاهوتي.
أما الإنجيل لغة، فهي: كلمة مأخوذة من اللفظ اليوناني: (إيفا نجليون EVANGELION) ومعناه: (الخبر الطيب) أو البشارة.
واصطلاحاً: يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام قد استعمل كلمة الإنجيل بمعنى (بشرى الخلاص من خطيئة آدم الأزلية) التي حملها إلى الشر، واستعملها تلاميذه من بعده بالمعنى نفسه، ثم استعملت هذه الكلمة على الكتاب الذي يتضمن هذه البشرى وهي سيرة المسيح عليه السلام، وقد غلب استعمالها بهذا المعنى على إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا. (ر: كتاب يسوع المسيح ص 14، للأب بولس إلياس، قاموس الكتاب ص 120، 121، قصة الحضارة 11/206، لديورانت) .
وأما محتويات هذه الأناجيل فيمكن تقسيمها إلى خمسة موضوعات، وهي باختصار كالآتي:
1-
القصص: ويشغل الحيز الأكبر منها، وتتحدث عن قصة المسيح عليه السلام، بدءاً بولادته ثم دعوته ثم موته على الصليب ودفنه ثم قيامه من القبر ثم صعوده إلى السماء - حسب زعمهم.
2-
العقائد: وتتركز بشكل رئيسي حول ألوهية المسيح وبنوته لله وتقرير أسس العقيدة النصرانية المنحرفة، وأكثر الأناجيل صراحة في تقرير ذلك إنجيل يوحنا.
3-
الشريعة: يفهم من الأناجيل أنها أقرت شريعة موسى عليه السلام إلاّ ما ورد عن المسيح
التلاميذ المعروف
بتعديله أو نسخه في أمور محددة وهي: الطلاق وقصاص الجروح ورجم الزانية.
4-
الأخلاق: يفهم منها الغلو والإمعان في المثالية والتسامح والعفو ودفع السيئة بالحسنة. (ر: متى الإصحاح 5) ، ولا يمنع هذا من وجود بعض النصوص في الأناجيل التي تدعو إلى القتال، إلاّ أنّ جانب المثالية والتسامح هو الأغلب.
5-
الزواج وتكوين الأسرة: لم تهتم الأناجيل كثيراً بمسألة الزواج، ولكن يفهم منها عموماً أن المتبتل الأعزب أقرب إلى الله من المتزوج الذي يعاشر النساء.
وقد تَمَّ اعتماد هذه الأناجيل الأربعة عند النصارى بموجب قرار مجمع نيقية عام 325هـ، - وهو مما يدل على أن العقيدة النصرانية المنحرفة قد أقرت أوّلاً ثم بحث من بين الأناجيل المعروضة على المجمع ما يوافقها - مع أنّها لم تكن الأناجيل الوحيدة التي دونت في القرون الأولى للمسيحية وعرضت على مجمع نيقية، وعلى الرغم من أن الكنيسة قد أعلنت بعد المجمع أن ما عدا الأناجيل الأربعة والأسفار المعتمدة فإنّها هرطقات أو أسفار خفية غير قانونية اصطلح على تسميتها بـ:(أبو كريفا (APOCYRPHAL)، فقد بقيت بعض الأناجيل المحرفة متداولة ومشتهرة بين النصارى حتى عهد قريب. ومنها: إنجيل المصريّين، إنجيل نيكوديم (نيقوديموس) ، إنجيل العبرانيّين، إنجيل توما، إنجيل برنابا، إنجيل الأبيونيّين وقد عدّها بعضهم فبلغت أكثر من خمسمائة إنجيلاً - علماً بأن الكتب الممنوعة الاطلاع في مكتبات الكنائس وخاصة في الفاتيكان أكثر من أن تحصى والتي لا يطلع عليها إلاّ الخاصة من كبار القساوسة وإن قيمة بعض تلك الأناجيل المحرمة من حيث السند والمتن ليست بأسوأ حال من الأناجيل المعتمدة إن لم تكن أفضل منها، ولكن النصارى اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
(ر: دائرة المعارف الأمريكية 13/70، 71، قاموس الكتاب ص 122، دائرة معارف القرن العشرين 1/655، 656 لفريد وجدي، المسيح في مصادر ص 36-38، أحمد عبد الوهّاب، ملحق الجزء الأوّل لشكيب أرسلان على تاريخ ابن خلدون ص 59-64، الإنجيل والصليب ص – ط، للأستاذ المهتدي عبد الأحد داود - الذي كان قسيساً فأسلم -) .
وأما تعريف الإنجيل في الإسلام فهو كما قال الله عزوجل: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} . [سورة المائدة، الآية: 46] . فهو إذن: وحيٌ وكتابٌ أنزل الله على عبده عيسى عليه السلام فيه هدىً ونورٌ وموعظة ومصدِّقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهو إنجيلٌ واحدٌ وليس أناجيل متعددة، وقد كان المسيح يدعو بني إسرائيل للإيمان بهذا الإنجيل كما ورد التصريح بذلك في إنجيل متى 26/13، ومرقس 14/9، وورد في رسالة بولس إلى رومية 15/19، نسبة الإنجيل إلى المسيح فقال:"قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح". إلاّ أنّ هذا الإنجيل قد فقد واندثر أو لعبت به أيدي التحريف والتبديل والنسيان والإهمال حتى انطمست آثاره ومعالمه باختلاط الحقّ بالباطل.
أما هذه الأناجيل الأربعة فإنه ليس واحداً منها هو الإنجيل الصحيح، لأنها تنسب إلى غير المسيح ولِمَا فيها من الباطل الذي قد بينا بعضه ولأسباب أخرى سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى، ومع ذلك فإنه لا ينفي وجود بعض بقايا الوحي الإلهي في خطب المسيح، ومواعظه التي نقلها تلاميذه وتوافق ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وفيها البشارة بالنّبي ّ محمّد صلى الله عليه وسلم.
بفراكسيس1، ورسائل فولس2 الرسول وصلوات النصارى وشريعة إيمانهم
1 إن الأسفار المتبقية من العهد الجديد - عدا الأناجيل الأربعة، هي: رسائل يزعم النصارى بأن تلاميذ المسيح قد كتبوها إلى كنائس معينةٍ أو أشخاص أو النصارى عامة، ثم اعتبرتها الكنيسة أسفاراً قانونياً وأنها كتبت بإلهام من الروح القدس لمؤلِّفيها، وتفصيلها كما يأتي:
أ- سفر أعمال الرسل - ويسمى سفر براكسيس (PRAXIS) وهي كلمة يونانية تعني الأعمال - وينسب هذا السفر إلى لوقا - صاحب الإنجيل الثالث - وعدد إصحاحاته (28) أصحاحاً، يحتوي على سير الحواريّين وتلاميذ المسيح وجهودهم في سبيل نشر تعاليم المسيح بعد رفعه عليه السلام.
ب- رسائل الحواريّين والتلاميذ - وتعتبر من الرسائل التعليمية لأنها توضح تعاليم النصرانية ومبادئها - تشتمل على (21) رسالة موزعة كالآتي: (14) رسالة لبولس عدد إصحاحاتها (99) إصحاحاً، رسالة واحدة ليعقوب عدد إصحاحاتها (5) ، رسالتان لبطرس عدد إصحاحاتها (8) ، (3) رسائل ليوحنا عدد إصحاحاتها (7) ، رسالة واحدة ليهوذا مكونة من إصحاح واحد فقط.
ج- رؤيا يوحنا - صاحب الإنجيل الرابع - وهو عبارة عن تنبؤات مستقبلية، عدد إصحاحاتها (22) إصحاحاً. وقد يتصور الإنسان أن هذه الرسائل أو الأسفار قد اعتمدت - أي: أصبحت قانونية مقدسة - دفعة واحدة وفي قائمة واحدة من قبل رجال اللاهوت ومجامعهم المسكونية لكن الواقع غير ذلك وتفصيله كالآتي: عندما انعقد مجمع نيقية المشهور سنة 325م، تم فيه اعتماد معظم أسفار العهد القديم والأناجيل الأربعة وأغلب رسائل العهد الجديد ما عدا رسالة يعقوب، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالتان الثانية والثالثة ليوحنا، ورسالة يهوذا، ورسالة بولس إلى العبرانيّن، وسفر رؤيا يوحنا، وظلت مشكوكاً بها ومدرجة ضمن الكتب المفروضة.
ثم انعقد مجمع لوديسيا سنة 364م، اعتمدت فيه الأسفار المذكورة آنفاً ما عدا سفر رؤيا يوحنا الذي ظل مدرجاً ضمن الكتب المشكوك فيها والمرفوضة.
ثم انعقد مجمع قرطاج سنة 397م، وتم فيه اعتماد سفر رؤيا يوحنا، وكذلك بعض أسفار العهد القديم، ثم تأيدت قرارات تلك المجامع السابقة بمجامع ثلاثة أخرى هي: مجمع ترلو سنة 692م، مجمع فلورنس سنة 1439م، مجمع ترنت من سنة 1542م-1563م تم فيها اعتبار الأسفار المشكوك فيها مسلمة بين جمهور النصارى. (ر: تاريخ الكنسية ص 152، 153، يوسابيوس القيصري ترجمة القمص مرقس داود، كتاب الغفران بين الإسلام والمسيحية ص 33-35، للأستاذ إبراهيم خليل - الذي كان قسيساً وأستاذ اللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط ثم هداه الله إلى الإسلام - أظهار الحقّ ص 76-82، للشيخ رحمة الله الهندي - بتصرف) .
فهذه حال كتب القوم، تصبغ بالقداسة والتعظيم حسب أهواء شياطينهم وأحبارهم، ولا مستند لهم في قبول الأسفار ورفضها إلاّ اتباع الهوى والشيطان.
2 هو: (بولس) - ومن عادة العرب أن يقلبوا الباء فاء حين الترجمة عن اللغة اليونانية ومعنى: (الصغير) ، وكان اسمه في اليهودية شاؤول ويلقبه النصارى بالرسول على الرغم من أنه لم يكن من تلاميذ المسيح، ولم تثبت له رؤية المسيح عليه السلام في حياته، وقد كان بولس في بداية أمره من أشدّ الناس اضطهاداً وتعذيباً لأتباع المسيح عليه السلام، ثم زعم بولس وهو طريقه إلى دمشق بأن المسيح قد ظهر له يقظة في عمود من نور وذلك بعد رفع المسيح بسع سنين - وأمره باتباعه وتبليغ رسالته إلى الأمم - وبذلك أصبح بولس من أكبر الدعاة فأخذ يطوف البلاد وينشأ الكنائس ويلقي الخطب ويكتب الرسائل حتّى قتل في اضطهاد دنيرون سنة 67 أو 68م، وتنسب إليه (14) رسالة من أسفار العهد الجديد تعتبر مصدراً رئيساً للعقائد والتشريعات النصرانية المحرفة. (ر: سفر أعمال الأصحاح (9) وما بعدها، قاموس ص 196-199، المسيحية نشأتها وتطورها - شارل جينبر ص 67-111، تاريخ المسيحية (فجر المسيحية) - حبيب سعيد ص 40-45) .
وكما يقول حبيب سعيد: "بأن بولس صاحب الفضل الكبير في وضع أركان المسيحية الأولى". اهـ.
فإننا نجد في رسائل بولس النصرانية المنحرفة وأوّل من غرس بذرة التثليث، فهو قد دعا إلى تأليه المسيح وبأنه ابن الله. (ر: رسالته إلى رومية2/23-27، 5/10-12) .
وبأن المسيح سيحاسب الناس يوم القيامة. (ر: رسالته إلى أفسس 1/22، ورسالته إلى رومية 14/10) .
ونسخ الختان. (ر: رسالته إلى كونثوس 7/18، 19) . وجعل المسيحية ديناً عالمياً. (ر: رسالته إلى رومية 1/5، 14-16، وإلى غلاطية 3/26-29) . وغير ذلك من الانحرافات التي أدت إلى افتراق برنابا الحواري عنه في رحلاته وكتابته لإنجيل برنابا. (انظر: مقدمة إنجيل برنابا 1-9) .
وقد أدرك حقيقة بولس وتأثيره في أتباع المسيح الكثيرون من المحقِّقين والمفكِّرين مثل بيري في كتابه: (ديانات العالم ص 68-76)، وويلز في كتابه:(المحيط في التاريخ 3/679) . حيث يقولون عن بولس: "إن كثيراً من الثقات العصريّين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية". (نقلاً من المسيحية - د. شلبي ص 79-86) .
ويقول الأستاذ شارل جنيبر - أستاذ المسيحية بجامعة بارس - في كتابه السابق ص 84، 111:"بدون بولس كان من المحتمل أن لا توجد المسيحية وأن بولس كان منشئ المستقبل". اهـ.
الملقبة بالأمانة وسير الحواريّين، فقلبتها ظهراً لبطن دفعات، فإذا ظواهرها مأولة، وكلماتها على غير النحو الذي صار إليه أربابها منْزِلة.
فأجدت في تأويل ما أجراه النصارى على الظاهر، وبينت بالدليل من التوراة والنبوات والإنجيل غلط الكافر، بعد أن قدرت صحّة كتبهم وإن كانت سقيمة وسلمت وجودها وإن كانت في حكم العديمة، وأظهرت من كتبهم فساد معتقدهم وكشفت ما أخفوه من بشارة الأنبياء عليهم السلام بمحمّد صلى الله عليه وسلم، وأكذبتهم فيما نسبوه إلى المسيح صلى الله عليه وسلم من نقائص ورذائل / (1/5/أ) يجل قدره عنها، وأوضحت أن ما جاء به من الخوارق والمعجزات قد سبقه بها من تقدمه من إخوانه الأنبياء، ونبهت على إنكاره قول من غلا فيه ونسبه إلى ما لا
يليق من الربوبية، وأكذبت اليهود في تخرصهم عليه وعلى والدته العذراء البتول بما حققت من معجزاته.
وأديت تناقض الأناجيل الأربعة التي بأيدي النصارى وتكَاذُبَها وفضائح القسيسين ومخاريق الرهبان وما أحدثه النصارى بعد المسيح عليه السلام في صلواتهم ومتعبداتهم [وروجوا] 1 به من المدكات2 والمخاريق على ضعفائهم ليقووا به واهي أباطيلهم، وبينت بالأدلة الواضحة تناقض شريعة إيمانهم التي يزعمون أنه لا يتمّ لهم حرب ولا سلم ولا عيد ولا قربان إلاّ بها ومجانبتها لما كان عليه المسيح عليه السلام وتلاميذه، وأفسدت عليهم ما أجمعوا عليه من القول بالثالوث بما أبديته من التوحيد المحفوظ عن المسيح وأصحابه وأبديت عوار صلواتهم الثمانية3 وما اشتملت عليه من الكفر والضلال وعبادة غير الله تعالى، وأوضحت زللهم فيما صاروا إليه من قتل / (1/5/ب) المسيح وبينت من الإنجيل أن المفعول به ذلك غير المسيح تحقيقاً لقوله تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُم} . [سورة النساء، الآية: 157] .
فاشتمل الكتاب على فوائد منها: رسوخ الإيمان للمسلم بموافقة ما في أيديهم للكتاب العزيز كما نبه عليه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} . [سورة الشعراء، الآية: 196] . وقوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} 4. [سورة الأعلى، الآية: 19] . وقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُم فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} . [سورة الأعراف، الآية: 157] . وكثرة الأدلة توجب
1 في الأصل: (ورد جوابه) ولعله تحريف من الناسخ، فإن سياق الكلام يدل على ما أثبته.
2 المدك: اسم آله من الدك: أي: الهدم والدق، والمرادبه هنا: الهدم. (ر: القاموس ص1212) .
3 سيأتي تفصيل هذه الصلوات.
4 {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} . [سورة الأعلى، الآية: 18-19] .
الطمأنينة وتثلج الصدور.
ومنها: تعلم الحجّة عليهم من كتبهم وإلزامهم على مقتضى أصولهم وذلك أفحم لهم.
ومنها: قصد إرشادهم ببيان احتمال الألفاظ التي اقتضت غلطهم، فعسى الله أن يقدر هداية بعضهم، ونحن مأمورون بدعائهم إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة1.
ومنها: الوقوف على سرّ قول نبيّنا عليه السلام وقد رأى في يد بعض أصحابه صحيفة من كتبهم فغضب عليه السلام وقال له: "ألقها فوالله جئتكم بها بيضاء نقية"2.
1 يشير إلى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . [سورة النحل، الآية: 125] .
2 أخرجه الإمام أحمد 3/387، وابن أبي شيبه 5/521 ح 26421 كلاهما نمت طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي عن جبار بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب فقال:"أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحقّ فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلاّ أن يتبعني".
وذكره الهيثمي في المجمع 1/179، وعزاه إلى أبي يعلى والبزار وقال:"فيه مجالد بن سعيد ضعَّفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما". اهـ. ووافقه الحافظ في فتح الباري 13/334.
وهناك أدلة أخرى تفيد ما أفاده الحديث في منع النظر في كتب أهل الكتاب نمها: ما رواه البخاري (ر: فتح الباري 5/291)، عن ابن عباس قال: "يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله تقرؤونه لم يُشَبْ؟ وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيّروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هذا من عند الله. ليشتروا به ثمناً قليلاً أفلا ينهاكم بما جاء من العلم عن مساءلتهم؟
…
". وما أخرجه عبد الرزاق في مسنده عن عبد الله بن مسعود قال: "لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم، فتكذبوا بحقّ أو تصدقوا بباطل".
وأخرجه سفيان الثوري بلفظ قريب منه. وقال الحافظ: "وسنده حسن". (ر: فتح الباري 6/334) .
وأنت - رحمك الله - إذا شاهدت ما انطوت عليه كتب القوم من التكرار / (1/6/أ) والتطويل واشتمال اللفظ الكثير على المعنى القليل وضرب الأمثال بالكلمات الركيكة السوقية عرفت سرّ قوله عليه السلام: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية" إلى غير ذلك كما يوضحه الكشف.
فإن قيل: كيف استجزت النظر إلى هذه الكتب وصحبتها محظورة والأمّة بالنظر فيها غير مأمورة، وقد نهى الصحابي عنها وبحر منقوله عجاج وبنية معقولة مركبة من أعدل مزاج؟
قلنا: المحظور هو النظر فيها على وجه التعظيم والتفخيم وإجراؤها على ظواهرها الموهمة لاسيما للعامي الغر والحدث الغمر، فأما من نظر فيها على المقصد الذي قصدته والنحو الذي أردته وأوردته فهو إن شاء الله من أمهات القربات. فأما نهيه عليه السلام الصحابي عن ذلك فلأن الأمر كان في ابتدائه والشرك بعد لم يمت بدائه1، فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن غير ذلك أولى بالصحابة في ذلك الوقت، ولأن الصحابة - رضوان الله عليهم - هم أعيان الأمّة فلو أكبوا على تلك الكتب المبدلة والصحف المحرفة لا شكّ / (1/6/ب) أن يتابعهم الناس في ذلك وقد قال عليه السلام لأصحابه:"إنكم أئمة يقتدى بكم"2.
1 قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/498 في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حجر
…
" "أي: لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار".
2 أخرجه الإمام أحمد 1/346 قال: "ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - موقوفاً -: دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام قال: إني صائم، قال: إنكم أئمة يقتدى بكم قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب. قال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح". (ح 3239) .
قلت: وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب إلاّ أنّه موقوف أيضاً. أخرجه الإمام مالك في الموطّأ ص 236 عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوباً مصبوغاً وهو مجرم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أنّ رجلاً رأى هذا الثوب لقال: إنّ طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة.
وقال أصحابي كالنجوم
…
"1. فلهذا نهى الصحابي وندبه إلى الاشتغال بالكتاب العزيز بقوله: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية".
قلت: وقد ذكر الفقهاء تردداً في جواز استصحاب هذه الكتب للوقوف عليها وتوجيه وجوه الرد إليها، وبالجملة فالأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى2، والحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها خطبها،3 ومطية تنهج سواء السبيل بمن ركبها، وربنا المسؤول أن يصحح منا المقاصد ويبعث رائد التوفيق فيقف لنا بالمراصد4.
1 أخرجه ابن عبد البر في جامع العلم 2/191، وابن حزم في الأحكام 6/82، من حديث جابر رضي الله عنه وقال ابن عبد البر:"هذا الإسناد لا تقوم به الحجة؛ لأن فيه الحارث بن غصين مجهول". وأخرجه البيهقي في (لمدخل 1/162) من طرق عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ثم قال البيهقي: "هذا حديث متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد". اهـ. وذكره الألباني في (الأحاديث الضعيفة 1/78، 82، 439) . من طرق أخرى ثم حكم عليه بأنه موضوع.
2 يشير إلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى
…
". الحديث. أخرجه البخاري (ر: فتح الباري 1/9) ، ومسلم 3/1515، 1516.
3 يشير المؤلِّف إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقّ بها". أخرجه الترمذي 5/49، وابن ماجه. (ر: ضعيف ابن ماجه للألباني ص 343) . قال الترمذي: "هذا حديث غريب". وإبراهيم بن الفضل الراوي يضعف في الحديث من قبل حفظه، وقال الألباني:"ضعيف جداً". (ر: المشكاة 1/75) .
4 أدلة جواز النظر في كتب أهل الكتاب كثيرة، منها: - قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . [سورة آل عمران، الآية: 43] . قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} . [سورة يونس، الآية: 94] .
ومنها: ما أخرجه البخاري (ر: فتح الباري 6/496)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلّغوا عن ولو آية، وحدّثوا عن نبيّ إسرائيل ولا حرج
…
". وهذا يستلزم النظر في كتبهم. وما ثبت من رجوع بعض الصحابة رضي الله عنهم إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب يسألونهم عن بعض ما جاء في كتبهم كأبي هريرة وابن عباس وابن مسعود وغيرهم.
وما ورد أن عبد الله بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدّث منها. (ر: مجموع فتاوى لابن تيمية 13/366) .
وللتوفيق بين ما ذكرنا سابقاً من أدلة ظاهرها النهي عن النظر في كتب أهل الكتاب وبين الأدلة التي ظاهرها الجواز نقول: إن الأمر للإباحة والجواز ليس على إطلاقه فإن جاء ما في كتبهم موافقاً لما في شرعنا صدّقناه وجازت روايته، وما جاء مخالفاً لما شرعنا كذّبناه، وحرمت روايته إلاّ لبيان بطلانه، وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه، فلا نحكم عليه بصدق أو بكذب. وأما الأمر بالنهي فقد سبق ذكر كلام الحافظ ابن حجر بأنه وقع قبل استقرار الأحكام والقواعد الإسلامية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في ذلك من الاعتبار. وقد نقل ابن بطال عن المهلب أنه قال:"هذا النهي إنما هو سؤالهم عما لا نص فيه؛ لأن شرعنا مكتف بنفسه، فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غني سؤالهم ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدّقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة". اهـ.
والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان والعلم فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك، بخلاف الراسخ فيجوز له، ولاسيما عند الاحتجاج إلى الردّ على المخالف، ويدل على ذلك نقل الأئمة قديماً وحديثاً من التوراة والأناجيل وإلزامهم اليهود والنصارى بطلان كتبهم ودينهم المحرف والتصديق بمحمّد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتبهم، ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه - وهذا ما عناه المؤلِّف رحمه الله وفعله - كما أن النظر في كتب أهل الكتاب لبيان ما فيها من التحريف الذي به يهدم أساس دينهم المحرف ونسخه بالإسلام داخل ضمن ما أمرنا به من مجادلة أهل الكتاب بقول تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن
…
} . [سورة العنكبوت، الآية: 41]، وقوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ، [سورة النحل، الآية: 125] .
(للتوسع في هذا الموضوع يراجع: فتح الباري 6/498، 13/333-335، مصنف ابن أبي شيبة 5/313، 318، مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، والإسرائيليات في التفسير والحديث. د. محمّد حسين الذهبي، الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير - د. رمزي نعناعة) .
وقد كنت وقفت لجماعة من العلماء على عدة كتب في الباب وأرجو ألاّ يكون هذا المختصر مقصراً عن شأوهم وقد سمَّيته: (تخجيل مَنْ حَرَّفَ الإنجيل) ورتّبته في عشرة أبواب. والله الموفِّق للصواب.
الباب الأوّل:
في كون المسيح عبداً من عبيد الله بقوله وفتواه لقول ربنا جلّ اسمه حكاية / (1/7/أ) عنه: {قَالَ إِنَّي عَبْدُ اللهِ
…
} 1. {إِنْ هُوَ إِلَاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} . [سورة الزخرف، الآية: 59] .
1 قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} . [سورة مريم، الآية: 30] .
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
…
} . [سورة النساء، الآية: 172] . ونظائرها.
الباب الثّاني:
في إثبات نبوة المسي عليه السلام وتحقيق رسالته نذكر فيه من أقوال المسيح وأفعاله ما يشهد له بالنبوة والرسالة ويخصم اليهود في افترائهم عليه وعلى والدته لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلِيكُم
…
} . [سورة الصف، الآية: 6] . وقوله: {آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً
…
} . [سورة مريم، الآية: 30] . ونظائرها.
الباب الثّالث:
في تأويل ظواهر الإنجيل نبدأ بعون الله تأويل لفظ الأب والابن والإله والرب والسجود والغفران وغير ذلك ومساوة المسيح غيره من أنبياء الله تعالى وأصفيائه لقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه
…
} . [سورة المؤمنون، الآية: 41] . {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم} . [سورة المائدة، الآية: 17، والآية 72] . {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} . [سورة النساء، الآية: 171] . ونظائرها.
الباب الرّابع:
في تعريف مواضع التحريف نحكي فيه تكاذيب الأناجيل الأربعة التي بأيدي النصارى يومنا هذا1 وتناقضها / (1/7/ب) بحيث يقطع من وقف على ذلك أنه ليس الإنجيل المنَزَّل من الله ليتحقق قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الكَلْمَ عِن
1 قول المؤلِّف (يومنا هذا) كان ذلك في القرن السابع الهجري، وأما في زماننا هذا فقد زاد التحريف على ما كان محرفاً، فمثلاً كلمة (فارقليط) كانت موجودة في النسخ القديمة في زمان المؤلف وقبله وبعده بيسير، ثم حرفها النصارى إلى كلمة:(المعزى أو الوكيل. (ر: اختلاف ف تراجم الكتاب المقدس - للمهندس أحمد عبد الوهّاب) .
مَوَاضِعِهِ} . [سورة النساء، الآية: 46، والمائدة، الآية: 13] . {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تَبْدُونَهَا وَتَخْفُونَ كَثِيراً} . [سورة الأنعام، الآية: 94] . {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} . [سورة البقرة، الآية: 159] . {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} . [سورة آل عمران، الآية: 77] . ونظائرها.
الباب الخامس:
في بيان أنّ المسيح وإن قصد وطلب فما قتل وما صلب نذكر فيه حماية الله تعالى نبيّه المسيح عيسى بن مريم من أعدائه، واشتباه أمره على اليهود الذين أرادوا قتله ووقوع شبهه على رجل سواه شغلوا به عنه فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه ورفع الله نبيّه المسيح ليتحقق قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
…
} . الآية، [سورة النساء، الآية: 157] . ونظائرها.
الباب السّادس:
في الأجوبة المسعدة عن الأسئلة الملحدة نسطر أسئلة عبثوا بالسؤال عنها ونشفعها بالجواب لينتفع بذلك من أحبّ مكالمتهم عملاً بقول ربنا جل اسمه: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ
…
} . / (1/8/أ) . [سورة محمّد، الآية: 7] . {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} . [سورة الحجّ، الآية: 40] . {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَونَ
…
} . [سورة آل عمران، الآية: 139] . ونظائرها.
الباب السّابع:
إفساد دعوى الاتّحاد، نحكي فيه مقالات فرقهم في اتّحاد اللاهوت بالناسوت وتناقض الروم والنسطور واليعاقبة، ثم نعكر على الجميع بالإبطال ليتضح قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
…
} . [سورة المائدة، الآية: 72] . {لَقَدْ كَفَرَ الَّّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ
…
} . [سورة المائدة، الآية: 73] . ونظائرها.
الباب الثّامن:
في الإبانة عن تناقض الأمانة، نبيّن فيه فساد أمانتهم التي يلقبونها بشريعة إيمانهم ويسمّونها التسبيحة، وهي التي لا يتم لهم عيد ولا قربان بدونها، وكيف أكذب بعضها بعضاً وناقضه وعارضه، وأنه لا أصل لها في شرع المسيح البته، وإنما ألفها قوم من بعده بدهر طويل، قال ربنا تعالى:{يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِيْنِكُم غَيْرَ الحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَومٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} . [سورة المائدة، الآية: 77] . ونظائرها / (1/8/ب) .
الباب التّاسع:
في الوضع المعهود من فضائح النصارى واليهود، نذكر فيه حيل القسيسين ومخاريق الرهبان ومدكاته وما يقرؤونه في صلواتهم الثمانية من السخف والهذيان وما افتراه اليهود على أنبياء الله الأبرار وصفوته الأطهار مما ذلك مزبور مسطور في توراتهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ
…
} . [سورة التوبة، الآية: 34] . وقال: {اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُم وَرُهبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ والمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً
…
} . [سورة التوبة، الآية: 31] . ونظائرها.
الباب العاشر:
في البشائر الإلهية بالتسمية المحمّدية، نذكر في هذا الباب ما اشتملت عليه التوراة والإنجيل ونبوات الأنبياء من البشرى بسيِّدنا محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنصيص على اسمه وأرضه التي يبعث منها وبلده ودينه وملته وأنه خاتم الأنبياء، وأنّ أمته خير أمةٍ وملته أفضل ملة وأن / (1/9/أ) شريعته تدوم إلى قيام القيامة ليتحقق قول ربنا تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُم عَنِ المُنْكَرِ وَيَحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
…
} . [سورة الأعراف، الآية: 157] . ونظائرها.
فصل:
أعلم أنّ الكتاب الذي بأيدي النصارى اليوم ليس هو إنجيلاً واحداً1 بل أربعة أناجيل: إنجيل مَتَّى - وهو من الاثني عشر حوارياً2، كتبه بالعبراني
1 في ص (إنجيل واحد) والصواب ما أثبته.
2 في ص (حواري) والصواب ما أثبته.
والحواريّون: هم أنصار عيسى عليه السلام، والحواري: الناصر، على الصحيح من الأقوال. (ر: تفسير ابن كثير 1/373، المفردات للراغب ص 635، ويسمّيهم النصارى رسلاً، أي: رسل المسيح عليه السلام ويشترط عندهم في الرسول شرطان:
أوّلاً: أن يكون قد اتّصل بالمسيح وعاشره وتلقى تعاليمه منه مباشرة.
ثانياً: أن يكون المسيح قد دعاه إلى هذه الخدمة. (ر: قاموس ص 403) . غير أن روايات الأناجيل في أسماء الحواريّين متعارضة. (كتاب المسيح في مصادر العقائد المسيحية ص 84، للمهندس أحمد عبد الوهّاب) .
بفلسطين، وكتبه بعد صعود المسيح إلى السماء بثمان سنين1. وإنجيل مرقس - هو من السبعين كتبه بالرومية، بالروم بعد صعود المسيح إلى السماء باثنتي
1 إنّ كلام المؤلّف يوحي بصحّة نسبة الأناجيل الأربعة إلى أصحابها، والمؤلِّف إنما ينقل ذلك من المصادر النصرانية ومن أبرزها (نظم الجوهر) - لسعيد ابن البطريق - بطريك الإسكندرية - غير أن الدراسات النقدية - قديماً وحديثاً - قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشّكّ عدم صحّة نسبة هذه الأناجيل إلى أصحابها المزعومين، وسوف أذكر بعض الأدلة على ذلك باختصار - إن شاء الله تعالى -.
فأما إنجيل متى: فهو عند معظم النصارى منسوب إلى متى الحواري الذي كان عاشراً أي: جابياً للضرائب للؤومان ومات بالحشبة سنة 70م. (ر: الكنْز الجليل في تفسير الإنجيل 1/1ـ د. وليم أدى، قاموس ص 832-833) لكن يقول المؤرخ ول ديورانت في قصة الحضارة 1/208: "إنّ النقاد يميلون إلى القول بأنه من تأليف أحد أتباع متى وليس من أقوال العشار (متى) نفسه". اهـ.
ويقول فيلبس - القسيس بالكنيسة الإنجيليكانية بإنجلترا - في تقديمه لإنجيل متى: تنسب التقاليد القديمة جداً هذا الإنجيل إلى الحواري متى، ولكن علماء العصر الحاضر غالباً ما يرفضون هذا الرأي".
ويقول. موريس بوكاي: "إنه لم يعد مقبولاً اليوم القول بأن (متى) أحد حواريّ المسيح، ولم يعد أحد يعتقده في عصرنا". اهـ.
هذه بعض أقوالهم في هذا الإنجيل الذي يواجه انتقادات ومشاكل كثيرة من أبرزها:
أ- الاختلاف في تاريخ تدوين هذا الإنجيل ما بين سنة 37م إلى سنة 64م.
ب- الاختلاف في لغة التوين، فقيل: بالعربية، وقيل: الآرامية، وقيل: اليونانية.
ج- الجهالة التامة لمترجم النسخة الأصلية المفقودة للإنجيل - سواء كانت بالعبرية أو الآرامية - إلى اللغة اليونانية.
د- جهالة مكان تأليفه.
هـ إيراده لروايات خالف بها بقية الأناجيل الأخرى يصعب تصديقها أو إيجاد تعليل لها، خصوصاً عن قيامة المسيح من قبره، وأيضاً خطأ الاستشهاد بنبؤات العهد القديم.
(ر: للتوسع: إظهار الحقّ ص 250-253، لرحمة الله الهندي الذي نقل أقوالاً كثيرة لعلماء النصارى في إنكار نسبة هذا الإنجيل إلى متى الحواري، المسيح في مصادر ص 57-61، لأحمد عبد الوهّاب، رسالة الغفران بين الإسلام والمسيحية ص 16، المهتدي إبراهيم خليل أحمد، هل الكتاب المقدس كلام الله؟ ص 155-156، لأحمد ديدات، دراسة الكتب المقدسة ص 80، 81، موريس بوكاي) .
عشرة سنة1. وإنجيل لوقا - وهو من السبعين، كتبه باليونانية
بالإسكندرية2. وإنجيل يوحنا - وهو من الاثني
1 إنجيل مرقس: ينسب إلى مرقس الذي لم يكن حوارياً ولا من تلاميذ المسيح - وإنما كان تلميذ بطرس ومرافقه، وظن بعضهم أنه استشهد بالإسكندرية. (ر: الكَنْز الجليل 2/5-7) . ويقول د. بوكاي عن إنجيل مرقس: "إنه ليس كتاب أحد الحواريّين، هو على أكثر تقرير كتاب حرره تلميذ أحد الحواريّين". اهـ.
وعن حقيقة شخصية مرقس يقول نينهام - أستاذ اللاهوت بجامعة لندن - في تفسير إنجيل مرقس ص 39: "لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في اكنيسة الأولى
…
ومن غير المؤكّد صحّة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الأنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل 12/12، 25، أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى 5/13 - ثم يقول: لقد كان من عادة الكنيسة أن تفترض أن جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية
…
فعندئذٍ نتحق من مقدار الشّكّ في تحديد الشخصية في هذه الحالة". اهـ.
كما أن صاحب الأنجيل مجهول الهوية فإنه لا واسطة لتحقيق زمن كتابة الإنجيل، ولا دليل على مكان كتابته فقيل: رومية، وقيل: أنطاكية، وقيل: الإسكندرية. (ر: الكنْز الجليل 1/6) .
يضاف إلى ما سبق اعتقاد الكثير من المحقّقين أن خاتمة هذا الإنجيل 16/9-20، مؤلّف مضاف إليه، لأنها ليست موجودة في أقدم مخطوطتين كاملتين للأناجيل ويرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وقال وارد الكاثوليكي في كتابه:"صرح جيروم في كتبه أن بعض العلماء كانوا يشكّون في الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس". (ر: دراسة الكتب المقدسة ص 84-87، المسيح في مصادر ص 53، إظهار الحقّ ص 100، محاضرات في النصرانية ص 46، 47، محمّد أبو زهرة".
2 إنجيل لوقا: اختلف الباحثون في شخصية لوقا، وفي صناعته، وفي القوم الذين كتب لهم إنجيله، ولا يعرف شيء عن زمن وكيفية موته، وإن كان الباحثون قد اتّفقوا على أن لوقا ليس من تلاميذ المسيح ولم يكن أحد السبعين الذين أرسلهم المسيح للتبشير، وإنما كان الصديق المخلص والمرافق لبولس. (ر: الكنْز الجليل 2/131، 132، قاموس ص 822) .
يضاف إلى ما سبق من الجهالة في شخصية لوقا، الخلاف في تاريخ تدوينه ما بين سنة 53م إلى سنة 64م، كما أن مقدمة إنجيله 1/1-5 تثير عدة ملاحظات من أهمّها: أن هذا الإنجيل لم يكن إلهامياً، وإنما هو عبارة عن رسالة شخصية من لوقا إلى شخصية اسمها ثاوفيلس، وبأن كثيرين قد أخذا في تأليف أناجيل، اعتراف لوقا بأنه لم ير المسيح ولم يكن من تلاميذه.
ويؤكّد بعض الباحثين تطرق الشّكّ إلى بعض إصحاحات وفقرات هذا الإنجيل، فقد صرح جيروم في كتبه أن بعض العلماء المتقدمين وبعض القدماء كانوا يشكّون في بعض الآيات من الإصحاح (22) من إنجيل لوقا، وبعض القدماء كانوا يشكّون في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل، إذ إنهما لم يكونا في نسخة فرقة مارسيوني.
وأخيراً ما نقل عن اتّفاق المؤرخين المسيحين بان لوقا كبت إنجيل بإرشاد بولس، ولا يخفى على أحد الدور الخطير الذي لعبه بولس في انحراف النصرانية وتحويلها إلى ديانة وثنية شركية!!!. (ر: دراسة الكتب المقدسة ص 87، 88، محاضرات في النصرانية ص 48، 49، الأسفار المقدسة، د. عليّ وافي ص 85-88، إظهار الحقّ ص 100، المسيح في مصادر ص 63) .
عشر [حوراياً] 1 كتبه باليونانية، بمدينة2 أفسس بعد صعود المسيح بثلاثين سنة3.
1 في ص (حواري) والصواب ما أثبته.
2 مدينة قديمة على بحر إيجه بتركيا عقد فيها مجمع كنسي سنة 431م، وأعلن فيها أن العذراء (أم الله) - تعالى الله عن كفرهم علوّاً كبراً - وأن في المسيح أقنوماً واحداً. (ر: المنجد في الأعلام ص 54) .
3 تزعم المصادر النصرانية بأن كاتب إجيل يوحنا هو الحواري يوحنا بن زبدي، وبأنه مات بمدينة أفسس، وتنسب إليه كذلك ثلاث رسائل وسر رؤيا يوحنا من العهد الدديد. (ر: الكنْز الجليل 3/5، 6، قاموس ص 1108-1114) . إلاّ أن عدداً كبيراً من الباحثين وعلماء النصارى يقطعون بعدم صحة النسبة لهذا الإنجيل ووجهوا إليه انتقادات عنيفة فيقول الأستاذ إبراهيم خليل عن إنجيل يوحنا: "كتبه كاتب مجهول، ولايوجد عالم من العلماء المتحررين من يعتبرهذا الإنجيل من أعمال يوحنا بن زيدي.
وجاء في دائرة المعارف الكبرى الفرنسية 16/871، 872،: "أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض وهما: القديسان يوحنا ومتى
…
وإننا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا ولو بأوهى رابطة، ذل الرجل الفلسفي - الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني - بالحواري يوحنا الصياد الجليل، وإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى". اهـ.
ويرى إستادلين في العصور المتأخرة: "إن كاتب إنجيل يوحنا طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية بلا ريب". وهناك الكثير من هذه الاعترافات التي تنفي نسبة هذا الإنجيل إلى الحواري يوحنا، كما أن حال هذا الإنجيل لا يختلف عن الأناجيل الأخرى من حيث الجهالة في مكان كتابة، والخلاف في تاريخ تدوينه ما بين سنة 68م إلى سنة 98م.
يضاف إلى ما سبق شيء خطير هو كثرة الاختلافات المهمة بين إنجيل يوحنا والأناجيل الأخرى كالاختلافات في الفترة الزمنية لبعثة المسيح وظهور لتلاميذه بعد قيامه من الموت وغيرها، وهي اختلافات صريحة لا تجد لها حلاً ولا تأويلاً إلاّ بتصديق أحد الأناجيل وتكذيب الآخر. وهو ما دفع د. موريس بوكاي أن يتساءل:"إذن فمن يجب أن نصدّق؟! أنصدق متى أو مرقص أو لوقا أو يوحنا؟!!! ". والجواب معروف لكلّ ذي لب وهداية هو رفض هذه الإناجيل المتناقضة لعدم التمكن من التمييز بينها ولأن الوحي الإلهي لا يكون فيه تناقض.
(ر: دراسة الكتاب ص 93، إظهار الحقّ ص 83-100، المسيح في مصادر ص 70، الأسفار المقدسة ص 88، 89، محاضرات في النصرانية ص 50، ما هي النصرانية - محمّد تقي العثماني ص 142-145، وانظر أيضاً فيما سبق الملحق الأوّل لتحقيق كتاب: (النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية - للمهتدي نصر المتطبب) ، رسالة مقدمة من المحقِّق لنيل درجة العالية) .
وعدة هذه الأناجيل تسعة آلاف واثنان وستون آية1. وعدة فرخس2 أربعة ألف ومائة وتسع وأربعين آية. وعدة كتاب فولوس3 ستة آلف وأربع مائة وإحدى وسبعون آية / (1/9/ب) وقد ذكر أن لهم إنجيلاً خامساً ولم أقف عليه، وذكر لي بعض النصارى أنه يسمى إنجيل الصبورة ذكر فيه الأشياء التي صدرت من المسيح عليه السلام في حال طفوليته4.
1 كان الأولى بالمؤلِّف رحمه الله أن يعبِّر عن فقرات الأناجيل بـ: (فقرة) - وهو ما اصطلح عليه النصارى - وليس بـ: (آية) فإن لفظ آية، أصبحت اصطلاحاً إسلامياً تطلق على آيات القرآن الكريم. وقد قيل بأن نصوص القرآن سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها. (ر: تفسير ابن كثير 1/9) .
وقد عددت فقرات الأناجيل الأربعة في النسخة التي بيدي فوجدتها (3778) ، فقرة، وإن تقسيم الكتاب المقدس إلى إصحاحات (فصول) -الذي يبدو شائعاً اليوم-قد ظهرلأوّل مرة سنة1200م، هو يرجع إلى أسقف كانتربري (CANTERBURY) ستيفن لانجتون رئيس أساقفة كنْتربري ت سنة: 1228م.
أما تقسيم الإصحاحات إلى أعداد (فقرات) مرقمة فهو يرجع إلى الناشر الباريسي روبرت ستيفنون وظهر لأوّل مرة في طبعة 1551م بخنيف. (ر: قاموس الكتاب ص 765، الغفران بين الإسلام والمسيحية ص 36، لإبراهيم خليل) .
2 هكذا في ص، ولعل صوابه:(فراكسيس) وهو سفر أعمال الرسل المنسوب إلى لوقا، وقد عددت نصوصه فبلغت (1007) ، فقرة.
3 كتاب بولس يحتوى على (14) رسالة في أسفار العهد الجديد وهي كالآتي: رسالته إلى أهل رومية، ورسالتان إلى أهل كورنثوس، رسالة إلى أهل غلاطية، وإلى أهل أفسس، وإلى أهل فليبي، وإلى أهل كولوسي، ورسالتان إلى أهل تسالونيكي، ورسالتان إلى تيموثاوس، ورسالة إلى تيطس، وإلى فليمون، والعبرانيين. وقد عددت نصوص تلك الرسائل فبلغت (2363) ، فقرة.
4 ش: قال المؤلّف: وقع لي بعد ذلك وقرأته دفعات وهو يحكي عن بطرس عن مريم عليه السلام وفيه زيادة ونقصان وقد أغفل نقلته أشياء كثيرة من كلام المسيح ومشاهير معجزاته يذكر فيه قدوم المسيح وأمه ويوسف النجار إلى صعيد مصر ثم عوده إلى الناصرة". اهـ.
قلت: إنجيل الصبوة يسمى أيضاً: (إنجيل بطرس) ، وقد وجدت قطعة منه سنة 1887م في قبر راهب ببلدة أخميم في مصر. وقد كان يوستينوس يقول بصحّة هذا الإنجيل ما بين سنة 160، و170م، والفرق بينه وبين إنجيل متى يسير، وقد كان معتمداً معمولاًبه إلى سنة190م. (ر: كتاب الديانات والعقائد3/473،لأحمد عطار) .