الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاء ومعه غيره، وإذا جاءت جماعة، ثم تبعتْهَا جماعة أخرى نقول: وجاءت ضيف أخرى.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نعلم أنهم ليسوا ضيفاً من الآية التي تليها؛ التي قال فيها الحق سبحانه: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ
…
} .
ونلحظ أن كلمة (سلاماً) جاءت هنا بالنَّصبْ، ومعناها نُسلّم سلاماً، وتعني سلاماً متجدداً. ولكنه في آية أخرى يقول:{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [الذاريات: 25] .
ونعلم أن القرآن يأتي بالقصة عَبْر لقطات مُوّزعة بين الآيات؛ فإذا جمعتَها رسمَتْ لك ملامح القصة كاملة.
ولذلك نجد الحق سبحانه هنا لا يذكر أن إبراهيم قد رَدَّ سلامهم؛ وأيضاً لم يذكر تقديمه للعجل المَشْويّ لهم؛ لأنه ذكر ذلك في موقع آخر من القرآن.
إذن: فمِنْ تلك الآية نعلم أن إبراهيم عليه السلام قد ردَّ السلام، وجاء هذا السلام مرفوعاً، فلماذا جاء السلام في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها منصوباً؟
أي: قالوا هم: {سَلاماً} [الحجر:
52]
.
وكان لا بُدَّ من رَدٍّ، وهو ما جاءتْ به الآية الثانية:
{قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [الذاريات: 25] .
والسلام الذي صدر من الملائكة لإبراهيم هو سلام مُتجدّد؛ بينما السلام الذي صدر منه جاء في صيغة جملة اسمية مُثْبتة؛ ويدلُّ على الثبوت.
إذا رَدَّ إبراهيم عليه السلام أقوى من سلام الملائكة؛ لأنه يُوضِّح أن أخلاق المنهج أنْ يردَّ المؤمنُ التحيةَ بأحسنَ منها؛ لا أنْ يردّها فقط، فجاء رَدُّه يحمل سلاماً استمرارياً، بينما سلامُهم كان سلاماً تجددياً، والفرق بين سلام إبراهيم عليه السلام وسلام الملائكة: أن سلام الملائكة يتحدد بمقتضى الحال، أما سلام إبراهيم فهو منهج لدعوته ودعوة الرسل.
ويأتي من بعد ذلك كلام إبراهيم عليه السلام:
{قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52] .
وجاء في آية أخرى أنه: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود: 70] .
وفي موقع آخر من القرآن يقول: {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [الذاريات: 25] .
فلماذا أوجسَ منهم خِيفةَ؟ ولماذا قال لهم: إنهم قومْ مُنْكَرون؟ ولماذا قال:
{إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52] .
لقد جاءوا له دون أن يتعرّف عليهم، وقدَّم لهم الطعام فرأى أيديهم لا تصل إليه ولا تقربه كما قال سبحانه:{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] .
ذلك أن إبراهيم عليه السلام يعلم أنه إذا قَدِم ضَيْفاً وقُدِّم إليه الطعام، ورفض أن يأكل فعلَى المرء ألَاّ يتوقع منه الخير؛ وأن ينتظر المكاره.
وحين عَلِم أنهم قد أرسلوا إلى قوم لوط؛ وطمأنوه بالخبر الطيب الذي أرسلهم به الله اطمأنتْ نفسه؛ وفي ذلك تأتي الآية القادمة: {قَالُواْ لَا تَوْجَلْ. .} .
هكذا طمأنت الملائكة إبراهيم عليه السلام، وهَدَّأَتْ من رَوْعه، وأزالتْ مخاوفه، وقد حملوا له البشارة بأن الحق سبحانه سيرزقه بغلام سيصير إلي مرتبة أن يكون كثير العِلْم.