الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قال الحق سبحانه: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [الأعراف: 85] .
وقال عن أصحاب الأيكة: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 176 - 177] .
وهكذا نعلم أن شعيباً قد بُعِث لأُمتين مُتجاورتين.
ويقول سبحانه عن هاتين الأُمتين: {فانتقمنا مِنْهُمْ
…
} .
ويُقال: إن ما كان يفصل بين مدين وأصحاب الأيكة هو هذا الشجر المُلْتف الكثيف القريب من البحر. ولذلك نجد هنا الدليل على أن شعيباً عليه السلام قد بُعِث إلى أُمتين هو قوله الحق:
{وَإِنَّهُمَا. .} [الحجر:
79]
.
وقد انتقم الله من الأُمتين الظالمتين؛ مَدْين وأصحاب الأيكة.
ويقول الحق سبحانه:
{وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} [الحجر: 79] .
والإمام هو ما يُؤتَم به في الرأي والفتيا، أو في الحركات والسَّكنات؛ أو: في الطريق المُوصِّل إلى الغايات، ويُسمَّى «إمام» لأنه يدلُّ على الأماكن أو الغايات التي نريد أن نصل إليها، ذلك أنه يعلم كل جزئية من هذا الطريق.
وفيما يبدو أن أصحاب الأَيْكة قد تَمادَوْا في الظُّلْم والكفر، وإذا كان سبحانه قد أخذ أهل مَدْين بالصيحة والرجفة؛ فقد أخذ أصحاب الأيكة بأن سلط عليهم الحَرَّ سبعة أيام لا يُظِلهم منه ظِلٌّ؛ ثم أرسل سحابة وتمنَّوْا أن تُمطر، وأمطرتْ ناراً فأكلتهم، كما قالت كتب الأثر.
وهذا هو العذاب الذي قال فيه الحق سبحانه: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189] .
وهكذا تكون تلك العِبَر بمثابة الإمام الذي يقود إلى التبصُّر بعواقب الظلم والشرك.
وينقلنا الحق سبحانه إلى خبر قوم آخرين، فيقول تعالى:{وَلَقَدْ كَذَّبَ. .} .
وأصحاب الحِجْر هم قوم صالح، وكانت المنطقة التي يقيمون فيها
كلها من الحجارة؛ ولا يزال مُقَامهم معروفاً في المسافة بين خيبر وتبوك. وقال فيهم الحق سبحانه: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128 - 129] .
وهم قد كذّبوا نبيهم «صالح» وكان تكذيبهم له يتضمن تكذيب كل الرسل، ذلك أن الرسل يتواردون على وحدانية الله، ويتفقون في الأحكام العامة الشاملة، ولا يختلف الأنبياء إلا في الجزئيات المناسبة لكل بيئة من البيئات التي يعيشون فيها.
فبيئة: تعبد الأصنام، فيُثبِت لهم نبيُّهم أن الأصنام لا تستحق أن تُعبد.
وبيئة أخرى: تُطفِّف الكيْل والميزان؛ فيأتي رسولهم بما ينهاهم عن ذلك.
وبيئة ثالثة: ترتكب الفواحش فيُحذِّرهم نبيهم من تلك الفواحش.
وهكذا اختلف الرسل في الجزئيات المناسبة لكل بيئة؛ لكنهم لم يختلفوا في المنهج الكُليّ الخاص بالتوحيد والمنهج، وقد قال الحق سبحانه عن قوم صالح أنهم كذَّبوا المُرْسلين؛ بمعنى أنهم كذّبوا صالحاً فيما جاء به من دعوة التوحيد التي جاء بها كل الرسل.