المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والحق سبحانه هو القائل: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ - تفسير الشعراوي - جـ ١٣

[الشعراوي]

الفصل: والحق سبحانه هو القائل: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ

والحق سبحانه هو القائل: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [الصافات: 22] .

وبطبيعة الحال لن تشعرَ تلك الحجارةُ ببعْث مَنْ عبدوها.

ويُصفِّي الحق سبحانه من بعد ذلك المسألة العقدية، فيقول: {إلهكم إله وَاحِدٌ

} .

ص: 7860

وقَوْله الحق:

{إلهكم إله وَاحِدٌ

} [النحل:‌

‌ 22]

.

تمنع أنْ يكونَ هناك أفراد غيره مثله، وقد يتصوَّر البعض أنها تُساوي كلمة «أحد» . وأقول: إن كلمة «أحد» هي منع أن يكونَ له أجزاء؛ فهو مُنزَّه عن التَّكْرار أو التجزيء.

وفي هذا القول طَمْأنةٌ للمؤمنين بأنهم قد وصلوا إلى قِمَّة الفهم والاعتقاد بأن الله واحد.

أو: هو يُوضِّح للكافرين أن الله واحدٌ رغم أنوفكم، وستعودون

ص: 7860

إليه غَصْباً، وبهذا القول يكشف الحق سبحانه عن الفطرة الموجودة في النفس البشرية التي شهدتْ في عالم الذَّرِّ أن الله واحد لا شريك له، وأن القيامة والبعث حَقٌّ.

ولكن الذين لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم مَنْ ستروا عن أنفسهم فطرتهم، فكلمة الكفر كما سبق أنْ قلنا هي ستر يقتضي مستوراً، والكفر يستر إيمانَ الفطرة الأولى.

والذين يُنكرون الآخرة إنما يَحْرِمون أنفسهم من تصوُّر ما سوف يحدث حَتْماً؛ وهو الحساب الذي سيجازي بالثواب والحسنات على الأفعال الطيبة، ولعل سيئاتهم تكون قليلة؛ فيجبُرها الحق سبحانه لهم وينالون الجنة.

والمُسْرفون على أنفسهم؛ يأملون أن تكون قضيةُ الدين كاذبة، لأنهم يريدون أن يبتعدوا عن تصوُّر الحساب، ويتمنَّوْنَ ألَاّ يوجدَ حساب.

ويَصِفُهم الحق سبحانه:

{قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 22] .

أي: أنهم لا يكتفُون بإنكار الآخرة فقط؛ بل يتعاظمون بدون وجه للعظمة.

و «استكبر» أي: نصَّب من نفسه كبيراً دون أنْ يملكَ مُقوِّمات الكِبر، ذلك أن «الكبير» يجب أن يستندَ لِمُقوِّمات الكِبَر؛ ويضمن لنفسه أنْ تظلَّ تلك المُقوِّمات ذاتيةً فيه.

ولكِنَّا نحن البشر أبناءُ أغيارٍ؛ لذلك لا يصِحُّ لنا أنْ نتكَبَّر؛

ص: 7861

فالواحد مِنَّا قد يمرض، أو تزول عنه أعراض الثروة أو الجاه، فصفات وكمالات الكبر ليست ذاتية في أيٍّ مِنَّا؛ وقد تُسلب ممَّنْ فاء الله عليه بها؛ ولذلك يصبح من اللائق أن يتواضعَ كُلٌّ مِنَّا، وأنْ يستحضرَ ربَّه، وأنْ يتضاءلَ أمام خالقه.

فالحق سبحانه وحده هو صاحب الحق في التكبُّر؛ وهو سبحانه الذي تبلغ صفاته ومُقوِّماته منتهى الكمال، وهي لا تزول عنه أبداً.

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {لَا جَرَمَ أَنَّ الله

} .

ص: 7862

وساعة نرى {لَا جَرَمَ} فمعناها أنَّ ما يأتي بعدها هو حَقٌّ ثابت، ف «لا» نافية، و «جرم» مأخوذة من «الجريمة» ، وهي كَسْر شيء مُؤْمَن به لسلامة المجموع. وحين نقول «لا جرم» أي: أن ما بعدها حَقٌّ ثابت.

وما بعد {لَا جَرَمَ} هنا هو: أن الله يعلم ما يُسِرون وما يُعلِنون.

وكُلُّ آيات القرآن التي ورد فيها قوله الحق {لَا جَرَمَ} تُؤدِّي هذا المعنى، مثل قوله الحق:{لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} [النحل: 62] .

ص: 7862

وكذلك قوله الحق: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الخاسرون} [النحل: 109] .

وقد قال بعض العلماء: إن قوله الحق {لَا جَرَمَ} يحمل معنى «لا بُدَّ» ، وهذا يعني أن قوله الحق: {لَا جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ

} [النحل: 23] . .

لا بُدَّ أن يعلم الله ما يُسِرون وما يُعلِنون، ولا مناصَ من أن الذين كفروا هم الخاسرون. وقد حَلَّلَ العلماء اللفظ لِيصِلوا إلى أدقِّ أسراره.

وعِلْم الله لا ينطبق على الجَهْر فقط، بل على السِّر أيضاً؛ ذلك أنه سيحاسبهم على كُلِّ الأعمال. ويُنهِي الحق سبحانه الآية بقوله:

{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المستكبرين} [النحل: 23] .

وإذا سألنا: وما علاقةُ عِلْم الله بالعقوبة؟ ونقول: ألم يقولوا في أنفسهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ. .} [المجادلة: 8] .

وإذا ما نزل قول الحق سبحانه لِيُخبرهم بما قالوه في أنفسهم؛ فهذا دليل على أن مَنْ يُبلِغهم صادقٌ في البلاغ عن الله، ورغم ذلك فقد استكبروا؛ وتأبَّوْا وعاندوا، وأخذتهم العزة بالإثم، وأرادوا بالاستكبار الهرب من الالتزام بالمنهج الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم َ.

ص: 7863