الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالكتاب هو القرآن الكريم.
وقَوْل الحق سبحانه:
{لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ. .} [النحل:
64]
.
دليل على أن أتباع الرسل السابقين نشأ بينهم خلاف، فأيُّ خلاف هذا طالما أنهم تابعون لنبي واحد؟ ما سببه؟
قالوا: سبب هذا الخلاف ما يُسمُّونه بالسلطة الزمنية. . ولتوضيح معنى السلطة الزمنية نضرب مثلاً بواحد كان شيخاً لطريقة مثلاً، بواحد كان شيخاً لطريقة مثلاً، فلما مات تنازع الخلافة أبناؤه من بعده. . كُلٌ يريدها له، وأخذ يجمع حوله مجموعة من أتباع أبيه. . فلو كانت الخلافة هذه واضحة في أذهانهم ما حدث هذا الخلاف.
وكذلك السلطة الزمنية حدثت في أتباع الرسل الذين أخذوا يكتبون الصكوك، ويذكرون ما يحبون وما يرونه صواباً من وجهة نظرهم، كل هؤلاء كان لهم نفوذ بما نُسميه السلطة الزمنية.
فكيف إذن يتركون محمداً صلى الله عليه وسلم َ يأخذ منهم هذه السلطة، ويُضيع عليهم ما هم فيه من سيادة، فقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم َ لِيُبيّن لهم. أي: يردّهم إلى جَادّة الحق، وإلى الطريق المستقيم.
وقوله تعالى:
{وَهُدًى وَرَحْمَةً. .} [النحل: 64] .
الهدى: معناه بيان الطريق الواضح للغاية النافعة، والطريق
لا يكون واضحاً إلا إذا خَلا من الصِّعاب والعقبات، وخلا أيضاً من المخاوف، فهو طريق واضح مأمون سهل، وأيضاً يكون قصيراً يُوصّلك إلى غايتك من أقصر الطرق.
وضد الهدى: الضلال. وهو أنْ يُضلّك، فإنْ أردتَ طريقاً وجَّهك إلى غيره، ودَلّك على سواه، أو دَلّك على طريق به مخاوف وعقبات.
أما الرحمة، فقد وصف الحق تبارك وتعالى القرآن بأنه رحمة فقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
…
} [الإسراء: 82] . فكيف يكون القرآن شفاءً؟ وكيف يكون رحمة؟
الشفاء: إذا أصابنا داء ربنا سبحانه وتعالى يقول: طيّبوا داءكم وداووا أمراضكم بكذا وكذا، ورُدُّوا الحكم إلى الله. . هذا شفاء.
أما الرحمة: فهي أن يمنع أن يأتي الداء مرة أخرى، فتكون وقاية تقتلع الداء من أصله فلا يعود.
ومِثْل هذا يحدث في عالم الطب، فقد تذهب إلى طبيب لِيُعالجك من داء معين. . بثور في الجلد مثلاً، فلا يهتم إلا بما يراه ظاهراً، ويصف لك ما يداوي هذه البثور. . ثم بعد ذلك تُعاودك مرة أخرى.
أما الطبيب الحاذق الماهر فلا ينظر إلى الظاهر فقط، بل يبحث عن سببه في الباطن، ويحاول أن يقتلع أسباب المرض من جذورها، فلا تُعاودك مرة أخرى.
ولذلك، لو نظرنا إلى قصة أيوب عليه السلام وما ابتلاه الله به نرى فيها مثالاً رائعاً لعلاج الظاهر والباطن معاً، فقد ابتلاه ربُّه ببلاء ظهر أثره على جسمه واضحاً، ولما أذن له سبحانه بالشفاء قال له:
{اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] .
(مُغْتَسَلٌ) : أي. يغسل ويُزيل ما عندك من آثار هذا البلاء.
(وَشَرَابٌ) : أي. شراب يشفيك من أسباب هذا البلاء فلا يعود.
وكذلك الحال في علاج المجتمع، فقد جاء القرآن الكريم وفي العَالَم فساد كبير، وداءاتٌ متعددة، لا بُدَّ لها من منهج لشفاء هذه الداءاتِ، ثم نعطيها مناعاتٍ تمنع عودة هذه الداءات مرة أخرى.
وقوله تعالى:
{لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64] .
أي: أن هذا القرآن فيه هدى ورحمة لمَنْ آمن بك وبرسالتك؛ لأن الطبيب الذي ضربناه مثلاً هنا لا يعالج كل مريض، بل يعالج مَنْ وثق به، وذهب إليه وعرض عليه نفسه ففحصه الطبيب وعرف عِلّته.
وهكذا القرآن الكريم يسمعه المؤمن به، فيكون له هدىً ورحمة،
ويترك في نفسه إشراقات نورانية تتسامى به وترتفع إلى أعلى الدرجات، في حين يسمعه آخر فلا يَعي منه شيئاً، ويقول كما حكى القرآن الكريم: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً
…
} [محمد: 16] .
وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ. .} [فصلت: 44] . {والذين لَا يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى. .} [فصلت: 44] .
إذن: فالقرآن واحد، ولكن الاستقبال مختلف.
ثم يقول الحق سبحانه: {والله أَنْزَلَ مِنَ
…
} .
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية ينقلنا إلى آية مادية مُحسّة لا ينكرها أحد، وهي إنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض الميتة بهذا المطر؛ ليكون ذلك دليلاً محسوساً على قدرته تعالى، وأنه مأمون على خَلْقه.
وكأنه سبحانه يقول لهم: إذا كنتُ أنا أعطيكم كذا وكذا، وأُوفّر لكم الأمر المادي الذي يفيد عنايتي بكم، فإذا أنزلتُ لكم منهجاً ينفعكم ويُصلح أحوالكم فصدّقوه.
فهذا دليل ماديّ مُحَسّ يُوصِّلهم إلى تصديق المنهج المعنوي الذي جاء على يد الرسول صلى الله عليه وسلم َ في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ. .} [الإسراء: 82] .
وقوله: {والله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً
…
} [النحل: 65] .
هذه آية كونية مُحسَّة لا ينكرها أحد.
ثم يقول: {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ
…
} [النحل: 65] .
موت الأرض، أي حالة كَونْها جدباء مُقفرة لا زرعَ فيها ولا نبات، وهذا هو الهلاك بعينه بالنسبة لهم، فإذا ما أجدبتْ الأرض استشرفوا لسحابة، لغمامة، وانتظروا منها المطر الذي يُحيي هذه الأرض الميتة. . يُحييها بالنبات والعُشْب بعد أنْ كانت هامدة ميتة.
فلو قبض ماء السماء عن الأرض لَمُتُّمْ جوعاً، فخذوا من هذه الآية المحسَّة دليلاً على صدق الآية المعنوية التي هي منهج الله إليكم على يد رسوله صلى الله عليه وسلم َ، فكما أمِنْتَنِي على الأولى فأْمَنِّي على الثانية.
وقوله: {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65] .
مع أن هذه الآية تُرَى بالعين ولا تُسْمع، قال القرآن:
{لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65] .
. . لماذا؟
قالوا: لأن الله سبحانه أتى بهذه الآية لِيلْفتَهم إلى المنهج الذي سيأتيهم على يد الرسول صلى الله عليه وسلم َ، وهذا المنهج سَيُسمع من الرسول المبلّغ لمنهج الله.