الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفوائد:
القول في هذه الآيات وفي فتنة سليمان بالخيل والجياد لا يتسع له صدر هذا الكتاب وهو خارج عن نطاقه ولكننا سنحاول الالماع الى هذه الفتنة وما قيل فيها وما نسج حولها من أكاذيب وأضاليل لفّقتها اليهودية الضالعة مع الأهواء، وقبل أن نشرع في ذلك ننقل فصلا للإمام فخر الدين الرازي أطاح بكل الأضاليل التي لابست هذا القصص الموشى بنسج الخيال قال:
«التفسير الحق المطابق لألفاظ القرآن أن نقول: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم كما انه كذلك في ديننا ثم ان سليمان عليه السلام احتاج الى غزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر باجرائها وذكر أنني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما أحبها لأمر الله تعالى وتقوية دينه وهو المراد بقوله: عن ذكر ربي ثم انه عليه الصلاة والسلام أمر باعدائها وإجرائها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره ثم أمر برد الخيل إليه وهو قوله: ردوها علي فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور: الأول تشريفها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، الثاني أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والمملكة يبلغ الى أنه يباشر الأمور بنفسه، الثالث أنه كان أعلم الناس بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ذكرنا ينطبق على لفظ القرآن ولا يلزمنا شيء من تلك المنكرات والمحظورات والعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة فإن قيل: فالجمهور قد فسروا الآية بتلك الوجوه فما قولك فيه؟ فنقول لنا هاهنا مقامان: المقام الأول أن ندعي أن لفظ الآية
لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي ذكروها وقد ظهر والحمد لله أن الأمر كما ذكرنا ظهورا لا يرتاب عاقل فيه والمقام الثاني أن يقال:
هب أن لفظ الآية لا يدل عليه إلا أنه كلام ذكره الناس وان الدلائل الكثيرة قد قامت على عصمة الأنبياء ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات» .
أسطورة خاتم سليمان:
هذا وما يروى عن فتنة سليمان من حديث الخاتم والشياطين وعبادة الوثن في بيت سليمان فقد أبي العلماء المحققون قبوله وقالوا انه من نسج خيال اليهود، فقد روت الأساطير أن سليمان بلغه خبر صيدون وهذه مدينة في بعض الجزر وان بها ملكا عظيم الشأن معتصما بالبحر لا يقدر عليه أحد فخرج اليه تحمله الريح حتى أناخ بها بجنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وأصاب بنتا له من أحسن الناس وجها فاصطفاها لنفسه وأسلمت وأحبها وكانت لا يرقا دمعها حزنا على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن له كعادتهن إبان حياته فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة ثم خرج وحده الى فلاة وفرش له الرماد فجلس عليه تائبا متضرعا وكانت له أم ولد يقال لها أمينة إذا دخل عليها للطهارة وضع خاتمه عندها وكان ملكه في خاتمه فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان المارد الذي دل سليمان على الماس حين أمر ببناء بيت المقدس واسمه صخر، على صورة سليمان فقال يا أمينة خاتمي فتختم به وجلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير والجن والإنس ولما أتى سليمان لطلب الخاتم أنكرته وطردته فعرف أن الخطيئة أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف فإذا قال
أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ثم عمد الى السماكين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين فمكث على ذلك أربعين صباحا عدد ما عبد الوثن في بيته فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء سليمان فقلن: ما يدع امرأة منّا في دمها ولا يغتسل من جنابة، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا ورجع اليه ملكه وأمر الشياطين أن يأتوه بصخر فأتوه به فأدخله في جوف صخرة وسد عليه بأخرى ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم أمر به فقذف في البحر الى آخر تلك الأسطورة التي تشبه ما يصوره خيال شهر زاد في ألف ليلة وليلة من حكايات الجن وأساطير القماقم وغيرها وما أجمل ما يقوله القاضي عياض في هذا الصدد:«لا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه وتصرفه في أمته بالجور في حكمه» .
والذي عليه علماء الإسلام أن سبب فتنته ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلهن تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله تعالى فقال له صاحبه: قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن امرأة إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وايم الله الذي نفسي في يده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا» قال الزمخشري «وهذا ونحوه مما لا بأس به» بقي قوله:
«وألقينا على كرسيه جسدا» ما هو؟ ما حقيقته؟ إن الذين يروون الأسطورة على علاتها كالجلال وغيره من أكابر العلماء يقولون: إنه الجني صخر والذين ينكرون الأسطورة يحارون في الجسد الذي ألقي
على كرسيه فتارة يقولون: انه الشق الذي ولدته المرأة قالوا:
…
» .
على أن المسألة ليست مما يمكن البت فيه أو الترجيح بالرأي وإنما هي مسائل تاريخية تضاربت فيها الأقوال والله أعلم.
المراد بالخير:
واختلف العلماء والمفسرون أيضا في المراد بالخير بقوله:
«إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي» الآية فقال قوم هو المال مستدلين بقوله تعالى «إن ترك خيرا» أي مالا وقوله «إنه لحب الخير لشديد» وقيل هو مجاز والمراد به الخيل التي شغلته وأنسته ذكر ربه أو سمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخبر بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» وقال أيضا في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم: «ما وصف لي رجل فرأيته