الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ)
الفاء الفصيحة ولا ناهية وتذهب فعل مضارع مجزوم بلا ونفسك فاعل وعليهم متعلقان بتذهب كما تقول هلك عليه حبا ومات عليه حزنا، ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته، وحسرات مفعول لأجله والمعنى فلا تهلك نفسك للحسرات وقال المبرد انها تمييز وقال الزمخشري: «يجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير:
مشق الهواجر لحمهن مع السرى
…
حتى ذهبن كلا كلا وصدورا
يصف نوقا بالهزال يقال فرس ممشوق أي طويل مهزول وجارية ممشوقة القوام والهاجرة شدة الحر والسرى بالضم سير الليل والكلكل والكلكال الصدر أي صرن من شدة الحر كأنهن عظام فقط لا لحم عليهن وعطف الصدور على الكلاكل للتفسير وسيأتي المزيد من هذا البحث في باب
البلاغة
.
وان واسمها وخبرها وبما يصنعون متعلقان بعليم.
البلاغة:
في قوله: «فلا تذهب نفسك عليهم حسرات» فن الإيغال وهو الإتيان بكلام يعتبر بمثابة التتمة لكلام سبقه احتياطا فقد أقسم الله تعالى بحياة الرسول أكثر من مرة ان الذين أعرضوا عنه وخالفوه قد تجاوزوا كل حدّ بإعراضهم ودللوا على أنهم مفرطون في الغباوة
موغلون في الضلال كما قال تعالى في أكثر من موضع «لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون» وقوله أيضا «ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر» وقوله «فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا» وذهاب النفس حسرة وأسفا تعبير مرموق رمقه الشعراء كثيرا فقال شاعر قديم:
فعلى إثرهم تساقط نفسي
…
حسرات وذكرهم لي سقام
لما أصابه الحزن بعد ذهاب الأحباب وتمكن من نفسه وسيطر بدمه، تخيل أنها تتناثر وتنزل من جسمه حال كونها حسرات متتابعة، وجعل النفس حسرات لامتزاجها بها فكأنها هي، أو تتساقط بعدهم لأجل الحسرات والأحزان، وذكرهم أي تذكرهم سقام لي وهو بالفتح مصدر كالسقم. وقال ابن الرومي مقتبسا هذه اللفظة البديعة في رثاء ابنه محمد وهو أوسط أولاده:
وظل على الأيدي تساقط نفسه
…
ويذوي كما يذوي القضيب من الزند
وإنما يحمل المريض على الأيدي إذا كان صغيرا وقد مات ابنه محمد منزوفا وهو فيما بين الرابعة والخامسة.
أقول روى التاريخ أن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام لما زين له سوء عمله فرآه صوابا أو جميلا فهام في الضلال، وأطلق آمر النهي واعتنق طاعة الهوى حتى رأى الحسن قبيحا والقبيح حسنا كأنما ران عليه وسلبه عقله ولبه وتمييزه وقد رمق أبو نواس سماء هذا المعنى فقال: