الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الطور (52): الآيات 21 الى 24]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) قَرَأَ الْعَامَّةُ (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ التاء وفتح العين وإسكان التاء. وقرا عَمْرٍو (وَأَتْبَعْنَاهُمْ) بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَنُونٍ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ:(أَلْحَقْنا بِهِمْ)، لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُ:(ذُرِّيَّتُهُمْ) الْأُولَى فَقَرَأَهَا بِالْجَمْعِ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَرَوَاهَا عَنْ نَافِعٍ إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَسَرَ التَّاءَ عَلَى الْمَفْعُولِ وَضَمَّ بَاقِيهِمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (ذُرِّيَّتُهُمْ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَضَمِّ التَّاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ نَافِعٍ. فَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَرَأَهَا نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ. الْبَاقُونَ (ذُرِّيَّتَهُمْ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَتْحِ التَّاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا النَّحَّاسُ فِي (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ) ثُمَّ قَرَأَ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) الْآيَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَصَارَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ عز وجل بِمَا يَفْعَلُهُ وَبِمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَهُمْ أَنْوَاعَ السُّرُورِ بِسَعَادَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَبِمُزَاوَجَةِ الْحُورِ الْعِينِ، وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ بِهِمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُلْحِقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يبلغوا الايمان، قاله الْمَهْدَوِيُّ. وَالذُّرِّيَّةُ تَقَعُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَإِنْ جعلت الذرية ها هنا لِلصِّغَارِ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(بِإِيمانٍ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِينَ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ (بِإِيمانٍ) مِنَ الْآبَاءِ. وَإِنْ جُعِلَتِ الذُّرِّيَّةُ لِلْكِبَارِ كَانَ قَوْلُهُ:(بِإِيمانٍ) حَالًا مِنَ الْفَاعِلِينَ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ آمَنُوا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالذُّرِّيَّةُ التَّابِعُونَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِنْ كَانَ الْآبَاءُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رَفَعَ اللَّهُ الْأَبْنَاءَ إِلَى الْآبَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبْنَاءُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رَفَعَ اللَّهُ الْآبَاءَ إِلَى الْأَبْنَاءِ، فَالْآبَاءُ دَاخِلُونَ فِي اسْمِ الذُّرِّيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ سَأَلَ أَحَدُهُمْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَعَنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مَا أَدْرَكْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ فَيُؤْمَرُ بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ. (وَقَالَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَلَدَيْنِ لِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لِي:) هُمَا فِي النَّارِ) فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِي قَالَ: (لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا) قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: (فِي الْجَنَّةِ) ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ)«1» ثُمَّ قَرَأَ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) الْآيَةَ. (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ مَا نَقَصْنَا الْأَبْنَاءَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ لِقِصَرِ أَعْمَارِهِمْ، وَمَا نَقَصْنَا الْآبَاءَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا بِإِلْحَاقِ الذُّرِّيَّاتِ بِهِمْ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ رَاجِعَانِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا). وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) أَلْحَقْنَا بِالذُّرِّيَّةِ أَبْنَاءَهُمُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْعَمَلَ، فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلذُّرِّيَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (وَمَا أَلِتْنَاهُمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ. وَفَتَحَ الْبَاقُونَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (آلَتْنَاهُمْ) بِالْمَدِّ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَلَتَهُ يَأْلِتُهُ أَلْتًا، وَآلَتَهُ يُؤْلِتُهُ إِيلَاتًا، وَلَاتَهُ يَلِيتُهُ لَيْتًا كُلُّهَا إِذَا نقصه.
(1). هذا الحديث كان قبل قوله صلى الله وسلم: (سألت ربى فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة).
وَفِي الصِّحَاحِ: وَلَاتَهُ عَنْ وَجْهِهِ يَلُوتُهُ وَيَلِيتُهُ أَيْ حَبَسَهُ عَنْ وَجْهِهِ وَصَرَفَهُ، وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى، وَيُقَالُ أَيْضًا: مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا أَيْ مَا نَقَصَهُ مِثْلُ أَلَتَهُ وَقَدْ مَضَى بِ (الْحُجُرَاتِ)«1» . (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) قِيلَ: يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ارْتَهَنَ أَهْلُ جَهَنَّمَ بِأَعْمَالِهِمْ وَصَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى نَعِيمِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ:(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ)«2» . وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُرْتَهَنٍ بِعَمَلِهِ فَلَا يُنْقَصُ أَحَدٌ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوَابِ الْعَمَلِ فَهِيَ تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَلَا يَلْحَقُونَ آبَاءَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَكُونُونَ مُرْتَهَنِينَ بِكُفْرِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أَيْ أَكْثَرْنَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةً مِنَ اللَّهِ، أَمَدَّهُمْ بِهَا غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أَيْ يَتَنَاوَلُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ وَزَوْجَاتُهُ وَخَدَمُهُ فِي الْجَنَّةِ. وَالْكَأْسُ: إِنَاءُ الْخَمْرِ وَكُلُّ إِنَاءٍ مَمْلُوءٍ مِنْ شَرَابٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا فَرَغَ لَمْ يُسَمَّ كَأْسًا. وَشَاهِدُ التَّنَازُعِ وَالْكَأْسُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُ الْأَخْطَلُ:
وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي
…
لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ «3»
نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ
…
صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْحَدِيثَ وَأَسْمَحَتْ
…
هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي (وَالصَّافَّاتِ)«4» . (لَا لَغْوٌ فِيها) أَيْ فِي الْكَأْسِ أَيْ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ لغو
(1). راجع ج 16 ص (348)
(2)
. راجع ج 19 ص (85)
(3)
. مربح: ينحر لضيفانه الربح وهى الفصلان، ويروى: مرتج وهو الذي كأسه ملأى بالخمر فيسكر ولا يتغير عن أخلاقه الحميدة. والحصور الضيق البخيل مثل الحصير. والسوار هو المعربد الوثاب، ويروى بسأآر وهو الذي إذا شرب ترك بقية في قعر الإناء. والدجاج هنا المراد به الديكة يريد وقت السحر، يقال هذا دجاج فيريدون الديوك. وهذه دجاج فيريدون الأنثى. ووقعة الساري- ويروى وقفة الساري- من وقعت الإبل إذا بركت. والساري هو السائر بالليل. وفى نسخ الأصل كلها: في الكأس نازعني. والتصحيح كما أثبتناه في صدر الكتاب من ديوان الأخطل طبع اليسوعيين.
(4)
. راجع ج 15 ص 77
…
ففيها الكلام على الكأس.
(وَلا تَأْثِيمٌ) وَلَا مَا فِيهِ إِثْمٌ. وَالتَّأْثِيمُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْإِثْمِ، أَيْ تِلْكَ الْكَأْسُ لَا تَجْعَلُهُمْ آثِمِينَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُمْ. وَقِيلَ:(لَا لَغْوٌ فِيها) أَيْ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَيُّ لَغْوٍ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ مَحَلُّهُ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَسُقَاتُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَشُرْبُهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَرَيْحَانُهُمْ وَتَحِيَّتُهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْقَوْمُ أَضْيَافُ اللَّهِ! (وَلا تَأْثِيمٌ) أَيْ وَلَا كَذِبٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الضَّحَّاكُ: يَعْنِي لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) بِفَتْحِ آخِرِهِ. الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ)«1» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ) أَيْ بِالْفَوَاكِهِ وَالتُّحَفِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَدَلِيلُهُ:(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ)«2» ، (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) «3». ثُمَّ قِيلَ: هُمُ الْأَطْفَالُ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ، فَأَقَرَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ أَعْيُنَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مَنْ أَخْدَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ مِنْ أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمْ غِلْمَانٌ خُلِقُوا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَكْبُرُونَ أَبَدًا (كَأَنَّهُمْ) فِي الْحُسْنِ وَالْبَيَاضِ (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) فِي الصَّدَفِ، وَالْمَكْنُونُ الْمَصُونُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ)«4» . قِيلَ: هُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ نَصَبٌ وَلَا حَاجَةٌ إِلَى خِدْمَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ عَلَى نِهَايَةِ النَّعِيمِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يُنَادِي الْخَادِمَ مِنْ خَدَمِهِ فَيُجِيبُهُ أَلْفٌ كُلُّهُمْ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ (. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:) مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ غُلَامٍ كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ (. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْخَادِمُ كَاللُّؤْلُؤِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَخْدُومُ؟ فَقَالَ:) مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَبَيْنَ أَصْغَرِ الْكَوَاكِبِ (. قَالَ الْكِسَائِيُّ: كَنَنْتُ الشَّيْءَ سَتَرْتُهُ وَصُنْتُهُ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَكْنَنْتُهُ فِي نَفْسِي أَسْرَرْتُهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: كَنَنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ بِمَعْنًى فِي الْكِنِّ وَفِي النَّفْسِ جَمِيعًا، تَقُولُ: كَنَنْتُ الْعِلْمَ وَأَكْنَنْتُهُ فَهُوَ مَكْنُونٌ وَمُكَنٌّ. وَكَنَنْتُ الْجَارِيَةَ وَأَكْنَنْتُهَا «5» فَهِيَ مَكْنُونَةٌ ومكنة.
(1). راجع ج 3 ص (267)
(2)
. راجع ج 16 ص (111)
(3)
. راجع ج 15 ص (77)
(4)
. راجع ص 202 من هذا الجزء.
(5)
. هذه الكلمة ساقطة من ل. [ ..... ]