المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النجم (53): الآيات 1 الى 10] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٧

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة ق

- ‌[سورة ق (50): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 20 الى 22]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 36 الى 38]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة ق (50): الآيات 41 الى 45]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 24 الى 28]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الذاريات (51): آية 46]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الذاريات (51): الآيات 56 الى 60]

- ‌[تفسير سورة والطور]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 25 الى 28]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 29 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 35 الى 43]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة الطور (52): الآيات 47 الى 49]

- ‌[تفسير سورة والنجم]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 27 الى 30]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 33 الى 35]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 43 الى 46]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة النجم (53): الآيات 56 الى 62]

- ‌[تفسير سورة القمر]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 43 الى 46]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة القمر (54): الآيات 50 الى 55]

- ‌[تفسير سورة الرحمن]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 14 الى 18]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 41 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 48 الى 51]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 52 الى 55]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 62 الى 65]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة الرحمن (55): الآيات 76 الى 78]

- ‌[تفسير سورة الواقعة]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 17 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 63 الى 67]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 68 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 75 الى 80]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 81 الى 87]

- ‌[سورة الواقعة (56): الآيات 88 الى 96]

- ‌[تفسير سورة الحديد]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الحديد (57): آية 10]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 13 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الحديد (57): آية 27]

- ‌[سورة الحديد (57): الآيات 28 الى 29]

- ‌[تفسير سورة المجادلة]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 1]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 2]

- ‌[سورة المجادلة (58): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 7]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 8]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 9]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 10]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 11]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 12]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 13]

- ‌[سورة المجادلة (58): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة المجادلة (58): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة المجادلة (58): آية 22]

الفصل: ‌[سورة النجم (53): الآيات 1 الى 10]

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة النجم (53): الآيات 1 الى 10]

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحى (4)

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)

فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) وَالثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ مَعَ الْفَجْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الثُّرَيَّا نَجْمًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَدَدِ نُجُومًا، يُقَالُ: إِنَّهَا سَبْعَةُ أَنْجُمٍ، سِتَّةٌ مِنْهَا ظَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ «1» خَفِيٌّ يَمْتَحِنُ النَّاسُ بِهِ أَبْصَارَهُمْ. وَفِي (الشِّفَا) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ نَجْمًا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى وَالْقُرْآنِ إِذَا نُزِّلَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ نُجُومًا. وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: يَعْنِي نُجُومَ السَّمَاءِ كُلَّهَا حِينَ تَغْرُبُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ قَالَ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِالنُّجُومِ إِذَا غَابَتْ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنَاهُ جَمْعٌ، كَقَوْلِ الرَّاعِي:

فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ

سَرِيعٌ بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:

أَحْسَنُ النَّجْمِ فِي السَّمَاءِ الثُّرَيَّا

وَالثُّرَيَّا فِي الْأَرْضِ زَيْنُ النِّسَاءِ

وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ النُّجُومُ إِذَا سَقَطَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ النَّجْمَ هَاهُنَا الزُّهْرَةُ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النُّجُومُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ، وَسَبَبُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ بَعْثَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا كَثُرَ انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ، فَذُعِرَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ مِنْهَا وَفَزِعُوا إِلَى كَاهِنٍ كَانَ لَهُمْ ضَرِيرًا، كَانَ يُخْبِرُهُمْ بِالْحَوَادِثِ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَقَالَ: انْظُرُوا البروج الاثني عشر فإن انقض

(1). في ز، ل:(وواحد منها) بزيادة كلمة: (منها).

ص: 82

منها شي فَهُوَ ذَهَابُ الدُّنْيَا، فَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ مِنْهَا شي فَسَيَحْدُثُ فِي الدُّنْيَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَاسْتَشْعَرُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ هُوَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي اسْتَشْعَرُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) أَيْ ذَلِكَ النَّجْمُ الَّذِي هَوَى هُوَ لِهَذِهِ النُّبُوَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ. وَقِيلَ: النَّجْمُ هُنَا هُوَ النَّبْتُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سَاقٌ، وَهَوَى أَيْ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهم:(وَالنَّجْمِ) يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم (إِذا هَوى) إِذَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. وعن عروة ابن الزبير رضي الله عنهما أن عتبة ابن أَبِي لَهَبٍ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ فَقَالَ: لَآتِيَنَّ مُحَمَّدًا فَلَأُوذِيَنَّهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هُوَ كَافِرٌ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، وَبِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى. ثُمَّ تَفَلَ فِي وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ وَطَلَّقَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ) وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ حَاضِرًا فَوَجَمَ لها وقال: ما كان أغناك يا بن أَخِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، فَرَجَعَ عُتْبَةُ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلُوا مَنْزِلًا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَاهِبٌ مِنَ الدَّيْرِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ أَرْضٌ مُسْبِعَةٌ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ لِأَصْحَابِهِ: أَغِيثُونَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ! فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى ابْنِي مِنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ، فَجَمَعُوا جِمَالَهُمْ وَأَنَاخُوهَا حَوْلَهُمْ، وَأَحْدَقُوا بِعُتْبَةَ، فَجَاءَ الْأَسَدُ يَتَشَمَّمُ وُجُوهَهُمْ حَتَّى ضَرَبَ عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ. وَقَالَ حَسَّانُ:

مَنْ يَرْجِعُ الْعَامَ إِلَى أَهْلِهِ

فَمَا أَكِيلُ السَّبْعِ بِالرَّاجِعِ «1»

وَأَصْلُ النَّجْمِ الطُّلُوعُ، يُقَالُ: نَجَمَ السِّنُّ وَنَجَمَ فُلَانٌ بِبِلَادِ كَذَا أَيْ خَرَجَ عَلَى السُّلْطَانِ. وَالْهُوِيُّ النُّزُولُ وَالسُّقُوطُ، يُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا، قَالَ زُهَيْرٌ:

فَشَجَّ بِهَا الْأَمَاعِزَ «2» وهي تهوي

هوي الدلو أسلمها الرشاء

(1). في: ا (من يرجع ألان). [ ..... ]

(2)

. شج: علا. والبيت في وصف عير وأثنه، أي لما وجد العير أن صنيبعات قد انقطع ماؤها انتقل عنها إلى عيرها فجعل يعلو بالاتن الاماعز وهى حزون الأرض الكثيرة الحصى.

ص: 83

وقال آخر «1» :

بينما نحن بالبلا كث فَالْقَا

عِ سِرَاعًا وَالْعِيسُ تَهْوِي هُوِيَّا

خَطَرَتْ خطرة على القلب من ذك

راك وَهْنًا فَمَا اسْتَطَعْتُ مُضِيَّا

الْأَصْمَعِيُّ: هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ انْهَوَى فِي السَّيْرِ إِذَا مَضَى فِيهِ، وَهَوَى وَانْهَوَى فِيهِ لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَقَدْ جَمَعَهُمَا الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ:

وَكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى

بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي «2»

وَيُقَالَ فِي الْحُبِّ: هَوِيَ بِالْكَسْرِ يَهْوَى هَوًى، أَيْ أَحَبَّ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ مَا ضَلَّ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَقِّ وَمَا حَادَ عَنْهُ. (وَما غَوى) الْغَيُّ ضِدُّ الرُّشْدِ أَيْ مَا صَارَ غَاوِيًّا. وَقِيلَ: أَيْ مَا تَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ. وَقِيلَ: أَيْ مَا خَابَ مِمَّا طَلَبَ وَالْغَيُّ الْخَيْبَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ «3»:

فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدُ النَّاسُ أَمْرَهُ

وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَمُ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا

أَيْ مَنْ خَابَ فِي طَلَبِهِ لَامَهُ النَّاسُ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِخْبَارًا عَمَّا بَعْدَ الْوَحْيِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْ أَحْوَالِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ، أَيْ كَانَ أَبَدًا مُوَحِّدًا لِلَّهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي (الشُّورَى) «4» عِنْدَ قَوْلِهِ:(مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى). فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) قَالَ قتادة: وما ينطق بالقرآن عن هواه (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إليه. وقيل: (عَنِ الْهَوى) أي بالهوى، قال أبو عبيدة،

(1). قائله أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بن محرمة كان متوجها إلى الشام فلما كان بالبلا كث- بالمثلثة- تذكر زوجته وكان شغوفا بها فكر راجعا فقال الأبيات، وبعد البيتين:

قلت لبيك إذ دعاني لك الشو

ق وللحاديين حثا المطيا

(2)

. قائله يزيد بن الحكم الثقفي. وقلة كل شي: أعلاه. والنيق- بكسر النون-: أرفع. وضع في الجبل. وقيل: الطويل منه.

(3)

. قائله المرقش.

(4)

. راجع ج 16 ص 55

ص: 84

كقوله تعالى: (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)«1» أَيْ فَاسْأَلْ عَنْهُ. النَّحَّاسُ: قَوْلُ قَتَادَةَ أَوْلَى، وَتَكُونُ (عَنِ) عَلَى بَابِهَا، أَيْ مَا يَخْرُجُ نُطْقُهُ عَنْ رَأْيِهِ، إِنَّمَا هُوَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل، لِأَنَّ بَعْدَهُ:(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى). الثَّانِيَةُ- قَدْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الِاجْتِهَادَ فِي الْحَوَادِثِ. وَفِيهَا أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ كَالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ فِي الْعَمَلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ «2» فِي ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ السَّجِسْتَانِيُّ: إِنْ شِئْتَ أَبْدَلْتَ (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) مِنْ (مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ (إِنْ) الْخَفِيفَةَ لَا تَكُونُ مُبْدَلَةٌ مِنْ (مَا) الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّكَ لَا تَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قُمْتُ إِنْ أَنَا لَقَاعِدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه السلام فِي قَوْلِ سَائِرِ الْمُفَسِّرِينَ، سِوَى الْحَسَنِ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ اللَّهُ عز وجل، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(ذُو مِرَّةٍ) عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ تَمَامُ الْكَلَامِ، وَمَعْنَاهُ ذُو قُوَّةٍ وَالْقُوَّةُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَصْلُهُ مِنْ شِدَّةِ فَتْلِ الْحَبْلِ، كَأَنَّهُ اسْتَمَرَّ بِهِ الْفَتْلُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى غَايَةٍ يَصْعُبُ مَعَهَا الْحَلُّ. ثُمَّ قَالَ:(فَاسْتَوى) يَعْنِي اللَّهَ عز وجل، أَيِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالْفَرَّاءُ:(فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) أَيِ اسْتَوَى جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَهَذَا عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْمُضْمَرِ الْمَرْفُوعِ بِ (هُوَ). وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ إِذَا أَرَادُوا الْعَطْفَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَظْهَرُوا كِنَايَةَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانٌ، وَقَلَّمَا يَقُولُونَ اسْتَوَى وَفُلَانٌ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبْعَ يَصْلُبُ عُودَهُ

وَلَا يَسْتَوِي وَالْخِرْوَعُ الْمُتَقَصِّفُ «3»

أَيْ لَا يَسْتَوِي هُوَ وَالْخِرْوَعُ، وَنَظِيرُ هَذَا:(أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا)«4» وَالْمَعْنَى أئذا كُنَّا تُرَابًا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا. وَمَعْنَى الْآيَةِ: اسْتَوَى جِبْرِيلُ هُوَ وَمُحَمَّدٌ عليهما السلام لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بالأفق الأعلى.

(1). راجع ج 13 ص 63 وص (228)

(2)

. راجع ج 1 ص (37)

(3)

. النبع: شجر في الجبال تؤخذ منه القسي. والخروع معروف. والمتقصف: المتكسر.

(4)

. راجع ج 13 ص 63 وص (228)

ص: 85

وَأَجَازَ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَهُوَ أَجْوَدُ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوِي جِبْرِيلُ فَمَعْنَى (ذُو مِرَّةٍ) فِي وَصْفِهِ ذُو مَنْطِقٍ حَسَنٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذُو صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَلَامَةٍ مِنَ الْآفَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ)«1» . وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

كُنْتُ فِيهِمْ أَبَدًا ذَا حِيلَةٍ

مُحْكَمَ الْمِرَّةِ مَأْمُونَ الْعُقَدِ

وَقَدْ قِيلَ: (ذُو مِرَّةٍ) ذُو قُوَّةٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ جِبْرِيلَ عليه السلام: أَنَّهُ اقْتَلَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْأَرْضِ السُّفْلَى «2» ، فَحَمَلَهَا عَلَى جَنَاحِهِ حَتَّى رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نَبْحَ كِلَابِهِمْ وَصِيَاحَ دِيَكَتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ أَبْصَرَ إِبْلِيسَ يُكَلِّمُ عِيسَى عليه السلام عَلَى بَعْضِ عُقَابٍ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَنَفَحَهُ بِجَنَاحِهِ نَفْحَةً أَلْقَاهُ بِأَقْصَى جَبَلٍ فِي الْهِنْدِ. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ: صَيْحَتُهُ بِثَمُودَ فِي عَدَدِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ، فَأَصْبَحُوا جَاثِمِينَ خَامِدِينَ. وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ: هُبُوطُهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَصُعُودُهُ إِلَيْهَا فِي أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ جَزْلِ الرَّأْيِ حَصِيفِ الْعَقْلِ: ذُو مِرَّةٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:

قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَاكُمُ ذَا مِرَّةٍ

عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ

وَكَانَ مِنْ جَزَالَةِ رَأْيِهِ وَحَصَافَةِ عَقْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ ائْتَمَنَهُ عَلَى وَحْيِهِ إِلَى جَمِيعِ رُسُلِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمِرَّةُ إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، وَالْمِرَّةُ الْقُوَّةُ وَشِدَّةُ الْعَقْلِ أَيْضًا. وَرَجُلٌ مَرِيرٌ أَيْ قَوِيٌّ ذُو مِرَّةٍ. قَالَ:

تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ

وَحَشْوُ ثِيَابِهِ أَسَدٌ مَرِيرُ «3»

وَقَالَ لَقِيطٌ:

حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ

مُرُّ الْعَزِيمَةِ لا رتا ولا» ضرعا

(1). السوي: الصحيح الأعضاء.

(2)

. في ح، س:(من الماء الأسود).

(3)

. قائله العباس بن مرداس. وفى التاج: وفى أثوابه رجل مزير. بالزاي. ويروى: أسد مزير. والمزير كأمير الشديد القلب القوى النافذ في الأمور.

(4)

. كذا في الأصول (لارتا) والرتة ردة قبيحة في اللسان من العيب. والذي في ديوان لقيط بآخر كتاب منتهى الطلب: (لا قحما). والقحم: الشيخ الهرم يعتريه خرق وخرف. والضرع: اللبن الذليل.

ص: 86

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: (ذُو مِرَّةٍ) ذُو قُوَّةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ خُفَافِ بْنِ نَدْبَةَ:

إِنِّي امْرُؤٌ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَبْقِنِي

فِيمَا يَنُوبُ مِنَ الْخُطُوبِ صَلِيبُ

فَالْقُوَّةُ تَكُونُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عز وجل، وَمِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ. (فَاسْتَوى) يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، أَيِ ارْتَفَعَ وَعَلَا إِلَى مَكَانٍ فِي السَّمَاءِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، قاله سعيد ابن الْمُسَيَّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ:(فَاسْتَوى) أَيْ قَامَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا كَانَ يَأْتِي إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ الَّتِي جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَأَرَاهُ نَفْسَهُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ، فَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَفِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحِرَاءٍ، فَطَلَعَ لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ الْأَرْضَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَخَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. فَنَزَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(يَا جِبْرِيلُ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ). فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا نَشَرْتُ جَنَاحَيْنِ مِنْ أَجْنِحَتِي وَإِنَّ لِي سِتَّمِائَةِ جَنَاحٍ سَعَةُ كُلِّ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا لَعَظِيمٌ) فَقَالَ: وَمَا أَنَا فِي جَنْبِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إِلَّا يَسِيرًا، وَلَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْرَ جَمِيعِ أَجْنِحَتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَضَاءَلُ أَحْيَانًا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ بِقَدْرِ الْوَصَعِ. يَعْنِي الْعُصْفُورَ الصَّغِيرَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)«1» وَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَعِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَّا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ مَعْنَى (فَاسْتَوى) أَيِ اسْتَوَى الْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ. وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا فِي صَدْرِ جِبْرِيلَ حِينَ نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ. الثَّانِي فِي صَدْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّ مَعْنَى (فَاسْتَوى) فَاعْتَدَلَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا فَاعْتَدَلَ فِي قُوَّتِهِ. الثَّانِي فِي رِسَالَتِهِ. ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ. قُلْتُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ تَمَامُ الْكَلَامِ (ذُو مِرَّةٍ، وَعَلَى الثَّانِي (شَدِيدُ الْقُوى). وَقَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ مَعْنَاهُ فَارْتَفَعَ. وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جِبْرِيلُ عليه السلام

(1). راجع ج 19 ص 239 [ ..... ]

ص: 87

ارْتَفَعَ إِلَى مَكَانِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا. الثَّانِي أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ارْتَفَعَ بِالْمِعْرَاجِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ (فَاسْتَوى) يَعْنِي اللَّهَ عز وجل، أَيِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي (الْأَعْرَافِ) «1». قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْمَعْنَى فَاسْتَوَى عَالِيًا، أَيِ اسْتَوَى جِبْرِيلُ عَالِيًا عَلَى صُورَتِهِ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ يَرَاهُ عَلَيْهَا حَتَّى سَأَلَهُ إِيَّاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَالْأُفُقُ نَاحِيَةُ السَّمَاءِ وَجَمْعُهُ آفَاقٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَأْتِي مِنْهُ الشَّمْسُ. وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ. وَنَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَيُقَالُ: أُفْقٌ وَأُفُقٌ مِثْلُ عُسْرٌ وَعُسُرٌ. وَقَدْ مَضَى فِي (حم السَّجْدَةِ)«2» . وَفَرَسٌ أُفُقٌ بِالضَّمِّ أَيْ رَائِعٌ وكذلك الأنثى، قال الشاعر:

أُرَجِّلُ لِمَّتِي وَأَجُرُّ ذَيْلِي

وَتَحْمِلُ شِكَّتِي أُفُقٌ كُمَيْتُ «3»

وَقِيلَ: (وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) يَعْنِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانُ، وَلَا يُقَالُ اسْتَوَى وَفُلَانُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَالصَّحِيحُ اسْتَوَى جِبْرِيلُ عليه السلام وَجِبْرِيلُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صلى الله وَسَلَّمَ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَاسْتَوَى فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ فَمَلَأَ الْأُفُقَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) أَيْ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ (فَتَدَلَّى) فَنَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ. الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَظَمَتِهِ مَا رَأَى، وَهَالَهُ ذَلِكَ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ حِينَ قَرُبَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ)

يَعْنِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ وَكَانَ جِبْرِيلُ (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ والحسن وقتادة والربيع وغيرهم. وعن

(1). راجع ج 7 ص 219 وج 1 ص (254)

(2)

. راجع ج 15 ص (374)

(3)

. قائله عمرو بن قنعاس المرادي. والشكة السلاح. وفى اللسان: وتحمل بزتي. والكميت من الخيل ما خلط حمرته سواد غير خالص.

ص: 88

ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى (دَنا) مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (فَتَدَلَّى). وَرَوَى نَحْوَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالْمَعْنَى دَنَا مِنْهُ أَمْرُهُ وَحُكْمُهُ. وَأَصْلُ التَّدَلِّي النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْهُ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْقُرْبِ، قَالَ لَبِيَدٌ «1»:

فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ قَافِلًا

وَعَلَى الْأَرْضِ غَيَابَاتُ الطَّفَلِ

وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ الْفَاءَ فِي (فَتَدَلَّى) بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالتَّقْدِيرُ ثُمَّ تَدَلَّى جِبْرِيلُ عليه السلام وَدَنَا. وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَقُلْتَ فَدَنَا فَقَرُبَ وَقَرُبَ فَدَنَا، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي، لِأَنَّ الشَّتْمَ والإساءة شي وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)«2» الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا، لِأَنَّ التَّدَلِّيَ سَبَبُ الدُّنُوِّ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: ثُمَّ تَدَلَّى جِبْرِيلُ أَيْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَدَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَدَلَّى الرَّفْرَفُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ فَدَنَا مِنْ رَبِّهِ. وَسَيَأْتِي. وَمَنْ قَالَ: الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى قَدْ يَقُولُ: ثُمَّ دَنَا مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ دُنُوَّ كَرَامَةٍ فَتَدَلَّى أَيْ هَوَى لِلسُّجُودِ. وَهَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ عَلَى هَذَا تَدَلَّى أَيْ تَدَلَّلَ، كَقَوْلِكَ تَظَنَّى بِمَعْنَى تَظَنَّنَ، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الدَّلَالَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فِي صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي (فَكانَ) مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ أَوْ مِنْ جِبْرِيلَ (قابَ قَوْسَيْنِ) أَيْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ عَرَبِيَّتَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْفَرَّاءُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) قُلْتُ: تَقْدِيرُهُ فَكَانَ مِقْدَارُ مَسَافَةِ قُرْبِهِ مِثْلَ قَابِ قَوْسَيْنِ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَاتُ كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ «3»:

وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَةَ إِصْبَعَا

(1). البيت في وصف فرس. أراد أنه نزل من مربائه وهو على فرسه راكب.

(2)

. راجع ص 125 من هذا الجزء

(3)

. اختلف في القائل وصدر البيت:

فأدرك إبقاء العرادة ظلعها

وفى ز: (خزيمة) بالخاء المعجمة، وهو تحريف. وحزيمة (بالمهملة): اسم فارس من فرسان العرب. والعرادة: اسم فرس من خيل العرب في الجاهلية.

ص: 89

أَيْ ذَا مِقْدَارِ مَسَافَةِ إِصْبَعٍ (أَوْ أَدْنى) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(أَوْ يَزِيدُونَ)«1» . وَفِي الصِّحَاحِ: وَتَقُولُ بَيْنَهُمَا قَابُ قَوْسٍ، وَقِيبُ قَوْسٍ وَقَادُ قَوْسٍ، وَقِيدُ قَوْسٍ، أَيْ قَدْرُ قوس. وقرا زيد بن علي (قاد) وقرى (قِيدَ) وَ (قَدْرَ). ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَالْقَابُ مَا بَيْنَ الْمَقْبَضِ وَالسِّيَةِ. وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(قابَ قَوْسَيْنِ) أَرَادَ قَابَيْ قَوْسٍ فَقَلَبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: (وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَوْضِعُ قِدِّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) وَالْقِدُّ السَّوْطُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا). وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ بِالْقَوْسِ، لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ فِي الْقَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَةِ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ أَوْ إِلَى اللَّهِ فَلَيْسَ بِدُنُوِّ مَكَانٍ وَلَا قُرْبِ مَدًى، وَإِنَّمَا دُنُوُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبِّهِ وَقُرْبِهِ مِنْهُ: إِبَانَةُ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ، وَتَشْرِيفُ رُتْبَتِهِ، وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ، وَمُشَاهَدَةُ أَسْرَارِ غَيْبِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ: مَبَرَّةٌ وَتَأْنِيسٌ وَبَسْطٌ وَإِكْرَامٌ. وَيُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: (يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا) عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ: نُزُولُ إِجْمَالٍ وَقَبُولٍ وَإِحْسَانٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَوْلُهُ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) فَمَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَى جِبْرِيلَ كَانَ عِبَارَةً عَنْ نِهَايَةِ الْقُرْبِ، وَلُطْفِ الْمَحَلِّ، وَإِيضَاحِ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِشْرَافِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَعِبَارَةً عَنْ إِجَابَةِ الرَّغْبَةِ، وَقَضَاءِ الْمَطَالِبِ، وَإِظْهَارِ التَّحَفِّي، وَإِنَافَةِ الْمَنْزِلَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ، وَيُتَأَوَّلُ فِيهِ مَا يُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام:(مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) قُرْبٌ بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ، وَإِتْيَانٌ بِالْإِحْسَانِ وَتَعْجِيلُ الْمَأْمُولِ. وَقَدْ قِيلَ:(ثُمَّ دَنا) جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلَائِكَةِ مِنَ اللَّهِ جِبْرِيلُ عليه السلام. وَقِيلَ: (أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ قَابَ قَوْسَيْنِ وَأَدْنَى. وَقِيلَ: بِمَعْنَى بَلْ أَيْ بَلْ أَدْنَى. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْقَابُ صَدْرُ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ حَيْثُ يُشَدُّ عَلَيْهِ السَّيْرُ الَّذِي يَتَنَكَّبُهُ صَاحِبُهُ، وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابٌ وَاحِدٌ. فَأَخْبَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ قَرُبَ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَقُرْبِ قَابِ قَوْسَيْنِ. وَقَالَ سعيد بن جبير وعطاء

(1). راجع ج 15 ص 130

ص: 90

وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) أَيْ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، والقوس الذراع يقاس بها كل شي، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْحِجَازِيِّينَ. وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ أَيْضًا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: قَوْلُهُ: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أَرَادَ قَوْسًا وَاحِدًا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ

قَطَعْتُهُ بِالسَّمْتِ لَا بِالسَّمْتَيْنِ «1»

أَرَادَ مَهْمَهًا وَاحِدًا. وَالْقَوْسُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ فَمَنْ أَنَّثَ قَالَ فِي تَصْغِيرِهَا قُوَيْسَةٌ وَمَنْ ذَكَّرَ قَالَ قُوَيْسٌ، وَفِي الْمَثَلِ هُوَ من خير قويس سهما. والجمع قسي وقسي وَأَقْوَاسٌ وَقِيَاسٌ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:

وَوَتَّرَ الْأَسَاوِرُ القياسا «2»

والقوس أيضا بقية النمر فِي الْجُلَّةِ أَيِ الْوِعَاءِ. وَالْقَوْسُ بُرْجٌ فِي السَّمَاءِ. فَأَمَّا الْقُوسُ بِالضَّمِّ فَصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ، قَالَ الشاعر وَذَكَرَ امْرَأَةً:

لَاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوسِ «3»

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى)

تَفْخِيمٌ لِلْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْيِ وَهُوَ إِلْقَاءُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ الْوَحَاءُ «4» الْوَحَاءُ. وَالْمَعْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا أَوْحَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى [(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ)

جِبْرِيلَ عليه السلام (مَا أَوْحى)

«5» ]. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ. قَالَهُ الرَّبِيعُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ. قَالَ قَتَادَةُ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ وَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْوَحْيُ هَلْ هُوَ مُبْهَمٌ؟ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ نَحْنُ وَتُعُبِّدْنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ

(1). السمت: الطريق ومعناه قطعته على طريق واحد.

(2)

. قائله القلاخ بن حزن. وتمامه:

صغدية تنزع الانفاسا

والأساور: جمع أسوار وهو المقدم من أساورة الفرس. والصغد: جيل من العجم ويقال انه اسم بلد. (مادة قوس).

(3)

. قائله جرير. وصدره:

لا وصل إذ صرقت هند ولو وقفت

(4)

. يمد ويقصر فالمقصور الوحى كالوغى ومعناه البدار البدار. راجع ج 4 ص 85 وج 10 ص 133 في معنى الوحى والقول فيه.

(5)

. ما بين المربعين ساقط من ح، ز، ل، هـ.

ص: 91