الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَ (خُشَّعاً) جَمْعُ خَاشِعٍ وَالنَّصْبُ فِيهِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي (عَنْهُمْ) فَيَقْبُحُ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى (عَنْهُمْ). وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُضْمَرِ فِي (يَخْرُجُونَ) فيوقف على (عَنْهُمْ). وقرى (خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ) عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَمَحَلُّ الْجُمْلَةِ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، كَقَوْلِهِ: [
وَجَدْتُهُ «1» [حَاضِرَاهُ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أَيِ الْقُبُورُ وَاحِدُهَا جدث. (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ). وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ)«2» فَهُمَا صِفَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَحَدُهُمَا- عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ، يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ، فَيَدْخُلُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَهُمْ حِينَئِذٍ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ لَا جِهَةَ لَهُ يَقْصِدُهَا] الثَّانِي «3» [- فَإِذَا سَمِعُوا الْمُنَادِيَ قَصَدُوهُ فَصَارُوا كَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ، لِأَنَّ الْجَرَادَ لَهُ جِهَةٌ يَقْصِدُهَا. وَ (مُهْطِعِينَ) مَعْنَاهُ مُسْرِعِينَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ:
بِدِجْلَةَ دَارُهُمْ «4» وَلَقَدْ أَرَاهُمْ
…
بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاعِ
الضَّحَّاكُ: مُقْبِلِينَ. قَتَادَةُ: عَامِدِينَ. ابْنُ عَبَّاسٍ: نَاظِرِينَ. عِكْرِمَةُ: فَاتِحِينَ آذَانَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. يُقَالُ: هَطَعَ الرَّجُلُ يَهْطَعُ هُطُوعًا إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْءِ بِبَصَرِهِ لَا يُقْلِعُ عَنْهُ، وَأَهْطَعَ إِذَا مَدَّ عُنُقَهُ وَصَوَّبَ رَأْسَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ «5»:
تَعَبَّدَنِي نِمْرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ أَرَى
…
وونمر بْنُ سَعْدٍ لِي مُطِيعٌ وَمُهْطِعُ
وَبَعِيرٌ مُهْطِعٌ: فِي عُنُقِهِ تَصْوِيبٌ خِلْقَةً. وَأَهْطَعَ فِي عَدْوِهِ أَيْ أَسْرَعَ. (يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَا يَنَالُهُمْ فِيهِ مِنَ الشدة.
[سورة القمر (54): الآيات 9 الى 17]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
(1). الزيادة من اعراب القرآن للسمين.
(2)
. راجع ج 20 ص 165.
(3)
. الزيادة من مفصل اعراب القرآن وغيره.
(4)
. في اللسان: (أهلها).
(5)
. قائله تبع. [ ..... ]
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) ذَكَرَ جُمَلًا مِنْ وَقَائِعِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ تَأْنِيسًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَعْزِيَةٌ لَهُ. (قَبْلَهُمْ) أَيْ قَبْلَ قَوْمِكَ. (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) يَعْنِي نُوحًا. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَكَذَّبُوا) بَعْدَ قَوْلِهِ: (كَذَّبَتْ)؟ قُلْتُ: مَعْنَاهُ كَذَّبُوا فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا، أَيْ كَذَّبُوهُ تَكْذِيبًا عَلَى عَقِبِ تَكْذِيبٍ، كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ قَرْنٌ مُكَذِّبٌ تَبِعَهُ قَرْنٌ مُكَذِّبٌ، أَوْ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الرُّسُلَ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا، أَيْ لَمَّا كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ جَاحِدِينَ لِلنُّبُوَّةِ رَأْسًا كَذَّبُوا نُوحًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ. (وَقالُوا مَجْنُونٌ) أَيْ هُوَ مَجْنُونٌ (وَازْدُجِرَ) أَيْ زُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بِالسَّبِّ وَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ. وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ:(وَازْدُجِرَ) بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ. (فَدَعا رَبَّهُ) أَيْ دَعَا عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ نُوحٌ وَقَالَ: رب (أَنِّي مَغْلُوبٌ) أَيْ غَلَبُونِي بِتَمَرُّدِهِمْ (فَانْتَصِرْ) أَيْ فَانْتَصِرْ لِي. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا لَا يَدْعُونَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِالْهَلَاكِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل لَهُمْ فِيهِ. (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَمَرْنَاهُ بِاتِّخَاذِ السَّفِينَةِ وَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) أَيْ كَثِيرٍ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ الْهَوَامِرِ
…
عَلَى خَيْرِ بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِرِ
وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمُنْصَبُّ الْمُتَدَفِّقُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ يصف غيثا:
رَاحَ تَمْرِيهِ الصَّبَا ثُمَّ انْتَحَى
…
فِيهِ شُؤْبُوبُ جَنُوبٍ مُنْهَمِرْ «1»
الْهَمْرُ الصَّبُّ، وَقَدْ هَمَرَ الْمَاءُ وَالدَّمْعُ يَهْمِرُ هَمْرًا. وَهَمَرَ أَيْضًا إِذَا أَكْثَرَ الْكَلَامَ وَأَسْرَعَ. وَهَمَرَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أَيْ أَعْطَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ [مُنْهَمِرٍ «2»] مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ لَمْ يُقْلِعْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: (فَفَتَحْنا) مُشَدَّدَةً عَلَى التَّكْثِيرِ. الْبَاقُونَ (فَفَتَحْنا) مُخَفَّفًا. ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ فَتْحُ رِتَاجِهَا وَسَعَةُ مَسَالِكِهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمَجَرَّةُ وَهِيَ شَرَجُ السَّمَاءِ وَمِنْهَا فُتِحَتْ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، قَالَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه. (فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) قال عبيد ابن عُمَيْرٍ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ أَنْ تُخْرِجَ مَاءَهَا فَتَفَجَّرَتْ بِالْعُيُونِ، وَإِنَّ عَيْنًا تَأَخَّرَتْ فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَجَعَلَ مَاءَهَا مُرًّا أُجَاجًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (فَالْتَقَى الْماءُ) أَيْ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَرْضِ (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أَيْ عَلَى مِقْدَارٍ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. أَيْ كَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ سَوَاءً. وَقِيلَ:(قُدِرَ) بِمَعْنَى قُضِيَ عَلَيْهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: قَدَّرَ لَهُمْ إِذَا كَفَرُوا أَنْ يَغْرَقُوا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانَتِ الْأَقْوَاتُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، وَكَانَ الْقَدَرُ قَبْلَ الْبَلَاءِ، وَتَلَا هَذِهِ الآية. وقال:(فَالْتَقَى الْماءُ) وَالِالْتِقَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، لِأَنَّ الْمَاءَ يَكُونُ جَمْعًا وَوَاحِدًا. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمَا لَمَّا اجْتَمَعَا صَارَا مَاءً وَاحِدًا. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ: (فَالْتَقَى الْمَاءَانِ). وَقَرَأَ الْحَسَنُ: (فَالْتَقَى الْمَاوَانِ) وَهُمَا خِلَافُ الْمَرْسُومِ. الْقُشَيْرِيُّ: وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ (فَالْتَقَى الْمَاوَانِ) وَهِيَ لُغَةُ طَيِّئٍ. وَقِيلَ: كَانَ مَاءُ السَّمَاءِ بَارِدًا مِثْلَ الثَّلْجِ وَمَاءُ الْأَرْضِ حَارًّا مِثْلَ الْحَمِيمِ. (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) أَيْ عَلَى سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ. (وَدُسُرٍ) قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الْمَسَامِيرَ الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَةُ أَيْ شُدَّتْ، وَقَالَهُ الْقُرَظِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَرَوَاهُ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَعِكْرِمَةُ: هِيَ صَدْرُ السَّفِينَةِ الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الْمَوْجَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُرُ الْمَاءَ أَيْ تَدْفَعُهُ، وَالدَّسْرُ الدَّفْعُ وَالْمَخْرُ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الدَّسْرُ كلكل «3» السفينة.
(1). راح: أي عاد في الرواح، كأن المطر كان في أول النهار ثم عاد في آخره. وتمريه: تستدره، وأصله من مرى الضرع وهو مسحه ليدر. والشؤبوب: الدفعة من المطر. وخص الصبا لأنهم يمطرون بها.
(2)
. الزيادة من ط.
(3)
. الكلكل: الصدر.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الدِّسَارُ خَيْطٌ مِنْ لِيفٍ تُشَدُّ بِهِ أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ. وَفِي الصِّحَاحِ: الدِّسَارُ وَاحِدُ الدُّسُرِ وَهِيَ خُيُوطٌ تُشَدُّ بِهَا أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ، وَيُقَالُ: هِيَ الْمَسَامِيرُ، وَقَالَ تَعَالَى:(عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). وَدُسْرٌ أَيْضًا مِثْلَ عُسْرٍ وَعُسُرٍ. وَالدَّسْرُ الدَّفْعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَنْبَرِ: إنما هو شي يَدْسُرُهُ الْبَحْرُ دَسْرًا أَيْ يَدْفَعُهُ. وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ. وَرَجُلٌ مِدْسَرٌ. (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أَيْ بِمَرْأًى مِنَّا. وَقِيلَ: بِأَمْرِنَا. وَقِيلَ: بِحِفْظٍ مِنَّا وَكِلَاءَةٍ: وَقَدْ مَضَى فِي (هُودٍ)«1» . وَمِنْهُ قَوْلُ النَّاسِ لِلْمُوَدَّعِ: عَيْنُ اللَّهِ عَلَيْكَ، أَيْ حِفْظُهُ وَكِلَاءَتُهُ. وَقِيلَ: بِوَحْيِنَا. وَقِيلَ: أَيْ بِالْأَعْيُنِ النَّابِعَةِ مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: بِأَعْيُنِ أَوْلِيَائِنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا، وَكُلُّ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: أَيْ تَجْرِي بِأَوْلِيَائِنَا، كَمَا فِي الْخَبَرِ: مَرِضَ عَيْنٌ مِنْ عُيُونِنَا فَلَمْ تَعُدْهُ. (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ ثَوَابًا وَجَزَاءً لِنُوحٍ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَهُوَ الْمَكْفُورُ بِهِ، فَاللَّامُ فِي (لِمَنْ) لَامُ الْمَفْعُولِ لَهُ، وَقِيلَ:(كُفِرَ) أَيْ جحد، ف (لِمَنْ) كِنَايَةٌ عَنْ نُوحٍ. وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ وَالْجَزَاءُ بِمَعْنَى الْعِقَابِ، أَيْ عِقَابًا لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ بِمَعْنَى: كَانَ الْغَرَقُ جَزَاءً وَعِقَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَمَا نَجَا مِنَ الْغَرَقِ غَيْرُ عُوجِ بْنِ عُنُقٍ «2» ، كَانَ الْمَاءُ إِلَى حُجْزَتِهِ. وَسَبَبُ نَجَاتِهِ أَنَّ نُوحًا احْتَاجَ إِلَى خَشَبَةِ السَّاجِ لِبِنَاءِ السَّفِينَةِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ حَمْلُهَا، فَحَمَلَ عُوجٌ تِلْكَ الْخَشَبَةَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، وَنَجَّاهُ مِنَ الْغَرَقِ. (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) يُرِيدُ هَذِهِ الْفَعْلَةَ عِبْرَةً. وَقِيلَ: أَرَادَ السَّفِينَةَ تَرَكَهَا آيَةً لِمَنْ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ يَعْتَبِرُونَ بِهَا فَلَا يُكَذِّبُونَ الرُّسُلَ. قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَاهَا اللَّهُ بِبَاقِرْدَى مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ عِبْرَةً وَآيَةً، حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَمْ مِنْ سَفِينَةٍ كَانَتْ بَعْدَهَا فَصَارَتْ رَمَادًا. (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) مُتَّعِظٍ خَائِفٍ، وَأَصْلُهُ مُذْتَكِرٌ مُفْتَعِلٌ مِنَ الذِّكْرِ، فَثَقُلَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَقُلِبَتِ التَّاءُ دَالًا لِتُوَافِقَ الذَّالَ فِي الْجَهْرِ وَأُدْغِمَتِ الذَّالُ فِيهَا. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي إنذاري،
(1). راجع ج 9 ص 30.
(2)
. عوج بن عنق هو المشهور والذي صوبه صاحب القاموس هو ابن عوق لا عنق.