الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) يعني القبط و (النُّذُرُ) موسى وهرون. وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ. (كَذَّبُوا بِآياتِنا) مُعْجِزَاتِنَا الدَّالَّةِ عَلَى تَوْحِيدِنَا وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِنَا، وَهِيَ الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسُّنُونَ، وَالطَّمْسَةُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ. وَقِيلَ:(النُّذُرُ) الرُّسُلُ، فَقَدْ جَاءَهُمْ يُوسُفُ وَبَنُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى. وَقِيلَ:(النُّذُرُ) الْإِنْذَارُ. (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ) أَيْ غَالِبٍ فِي انْتِقَامِهِ (مُقْتَدِرٍ) أَيْ قَادِرٌ عَلَى ما أراد.
[سورة القمر (54): الآيات 43 الى 46]
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) خَاطَبَ الْعَرَبَ. وَقِيلَ: أَرَادَ كُفَّارَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ: اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ، أَيْ لَيْسَ كُفَّارُكُمْ خَيْرًا مِنْ كُفَّارِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ. (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أَيْ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ. (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ لَا تُطَاقُ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ مُنْتَصِرِينَ اتِّبَاعًا لِرُءُوسِ الْآيِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أَيْ جَمْعُ كُفَّارِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (سَيُهْزَمُ) بِالْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ (الْجَمْعُ) بِالرَّفْعِ. وَقَرَأَ رُوَيْسٌ عن يعقوب (وسنهزم) بِالنُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ (الْجَمْعَ) نَصْبًا. (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ. وَقَرَأَ عِيسَى وَابْنُ إِسْحَاقَ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ (وَتُوَلُّونَ) بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَ (الدُّبُرَ) اسْمُ جِنْسٍ كالدرهم
وَالدِّينَارِ فَوُحِّدَ وَالْمُرَادُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ رُءُوسِ الْآيِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ضَرَبَ أَبُو جَهْلٍ فَرَسَهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَتَقَدَّمَ مِنَ الصَّفِّ وَقَالَ: نَحْنُ نَنْتَصِرُ الْيَوْمَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:(نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) كُنْتُ لَا أَدْرِي أَيُّ الْجَمْعِ يَنْهَزِمُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْكَ تُحَادُّكَ وتحاد رسولك بفخرها و [خيلائها «1»] فَأَخْنِهِمُ الْغَدَاةَ- ثُمَّ قَالَ- (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فَعَرَفْتُ تَأْوِيلَهَا. وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ: أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ
وَأَخْنَيْتُ عَلَيْهِ: أَفْسَدْتُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ بَدْرٍ سَبْعُ سِنِينَ، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مَكِّيَّةٌ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: (أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا) فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) يُرِيدُ الْقِيَامَةَ. (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أَيْ أَدْهَى وَأَمَرُّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يوم بدر. و (أَدْهى) مِنَ الدَّاهِيَةِ وَهِيَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، يُقَالُ: دَهَاهُ أَمْرُ كَذَا أَيْ أَصَابَهُ دَهْوًا وَدَهْيًا. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: دَهَتْهُ دَاهِيَةٌ دَهْوَاءُ وَدَهْيَاءُ وَهِيَ توكيد لها.
(1). في الأصول: (نجيلها) وهو تحريف والتصويب من سيرة ابن هشام.