الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا يَقُولُونَ هُوَ خَيْرُ قَوْمِهِ، وَهُوَ شَرُّ النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)«1» وَقَالَ: (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً)«2» . وَعَنْ أَبِي حَيْوَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ضَمُّ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَالتَّخْفِيفُ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ مَعْنَى (الْأَشِرُ) ومثله رجل حذر وحذر.
[سورة القمر (54): الآيات 27 الى 32]
إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
قوله تعالى: (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنَ الْهَضْبَةِ الَّتِي سَأَلُوهَا، فَرُوِيَ أَنَّ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا فَانْصَدَعَتِ الصَّخْرَةُ الَّتِي عَيَّنُوهَا عَنْ سَنَامِهَا، فَخَرَجَتْ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ [وَبْرَاءُ «3»]. (فِتْنَةً لَهُمْ) أَيِ اخْتِبَارًا وَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ. (فَارْتَقِبْهُمْ) أَيِ انْتَظِرْ مَا يَصْنَعُونَ. (وَاصْطَبِرْ) أَيِ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، وَأَصْلُ الطَّاءِ فِي اصْطَبِرْ تَاءٌ فَتَحَوَّلَتْ طَاءً لِتَكُونَ مُوَافِقَةً لِلصَّادِ فِي الْإِطْبَاقِ. (وَنَبِّئْهُمْ): أَيْ أَخْبِرْهُمْ (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ آلِ ثَمُودَ وَبَيْنَ النَّاقَةِ، لَهَا يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:(لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)«4» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ لَا تَشْرَبُ النَّاقَةُ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ وَتَسْقِيهِمْ لَبَنًا وَكَانُوا فِي نَعِيمٍ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّاقَةِ شَرِبَتِ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلَمْ تُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا. وَإِنَّمَا قَالَ:(بَيْنَهُمْ) لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ بَنِي آدَمَ مَعَ الْبَهَائِمِ غَلَّبُوا بَنِي آدَمَ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلْنَا الْحِجْرَ فِي مَغْزَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبُوكَ، قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُمْ نَاقَةً فَبَعَثَ اللَّهُ عز وجل
(1). راجع ج 4 ص 170.
(2)
. راجع ج 11 ص 144.
(3)
. في الأصول جرداء والذي في قصص الأنبياء للثعلبي وغيره من كتب التفسير (وبراء) فلذا أثبتناه. [ ..... ]
(4)
. راجع ج 13 ص 127.
إِلَيْهِمُ النَّاقَةَ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ ذَلِكَ الْفَجِّ فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وِرْدِهَا وَيَحْلُبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ يَوْمَ غِبِّهَا) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ). (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) الشِّرْبُ- بِالْكَسْرِ- الْحَظُّ مِنَ الْمَاءِ، وَفِي الْمَثَلِ:(آخِرُهَا أَقَلُّهَا شِرْبًا) وَأَصْلُهُ فِي سَقْيِ الْإِبِلِ، لِأَنَّ آخِرَهَا يَرِدُ وَقَدْ نَزِفَ الْحَوْضُ. وَمَعْنَى (مُحْتَضَرٌ) أَيْ يَحْضُرُهُ مَنْ هُوَ لَهُ، فَالنَّاقَةُ تَحْضُرُ الْمَاءَ يَوْمَ وِرْدِهَا، وَتَغِيبُ عَنْهُمْ يَوْمَ وِرْدِهِمْ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ ثَمُودَ يَحْضُرُونَ الْمَاءَ يَوْمَ غِبِّهَا فَيَشْرَبُونَ، وَيَحْضُرُونَ اللَّبَنَ يَوْمَ وِرْدِهَا فَيَحْتَلِبُونَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) يَعْنِي بِالْحَضِّ عَلَى عَقْرِهَا (فَعَقَرَ) ها وَمَعْنَى تَعَاطَى تَنَاوَلَ الْفِعْلَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: عَطَوْتُ أَيْ تَنَاوَلْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ:
كِلْتَاهُمَا حَلَبُ الْعَصِيرِ فَعَاطِنِي
…
بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَكَمِنَ لَهَا فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةَ سَاقِهَا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبَهَا، فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاءَةً وَاحِدَةً تَحَدَّرَ سَقْبُهَا مِنْ بَطْنِهَا ثُمَّ نَحَرَهَا، وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا حَتَّى أَتَى صَخْرَةً فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَرَغَا ثُمَّ لَاذَ بِهَا، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ عليه السلام، فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ بَكَى وَقَالَ: قَدِ انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْأَعْرَافِ)«1» بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَحْمَرَ أَزْرَقَ أَشْقَرَ أَكْشَفَ أَقْفَى. وَيُقَالُ فِي اسْمِهِ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ. وَقَالَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ:
أَوْ قَبْلَهُ «2» كَقُدَارٍ حِينَ تَابَعَهُ
…
عَلَى الْغِوَايَةِ أَقْوَامٌ فَقَدْ بَادُوا
والعرب تسمي الجزار قدارا تشبيها بمقدار بْنِ سَالِفٍ مَشْئُومِ آلِ ثَمُودَ، قَالَ مُهَلْهِلٌ:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم
…
ضرب القدار نقيعة القدام «3»
(1). راجع ج 7 ص 241.
(2)
. الذي في شعراء النصرانية: (أو بعده).
(3)
. القدار: الجزار. والنقيعة: ما ينحر للضيافة. والقدام: القادمون من سفر جمع قادم. وقيل: القدام الملك. ويروى:
انا لنضرب بالصوارم هامهم
وَذَكَرَهُ زُهَيْرٌ فَقَالَ:
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ
…
كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ «1»
يُرِيدُ الْحَرْبَ، فَكَنَّى عَنْ ثَمُودَ بِعَادٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) يُرِيدُ صَيْحَةَ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَقَدْ مَضَى فِي (هُودٍ) «2». (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ (الْمُحْتَظَرِ) بِفَتْحِ الظَّاءِ أَرَادُوا الْحَظِيرَةَ. الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِبَ الْحَظِيرَةِ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْمُحْتَظِرُ الذي يعمل الحظيرة. وقرى (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِلُ وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُولُ بِهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْقَلِيلِ الْخَيْرِ: إِنَّهُ لَنَكِدٌ الْحَظِيرَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَالَهُ حَظِيرَةً لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْدَهُ وَمَنَعَهَا، وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ فَتَحَ الظَّاءَ مِنْ (الْمُحْتَظِرِ) فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الْمُحْتَظِرِ) هُوَ الشَّجَرُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ الْحَظِيرَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(الْمُحْتَظِرِ) هُوَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِغَنَمِهِ حَظِيرَةً بِالشَّجَرِ وَالشَّوْكِ، فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَمُ فَهُوَ الْهَشِيمُ. قَالَ:
أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَارٍ
…
تَشِبُّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمٍ
وَعَنْهُ: كَحَشِيشٍ تَأْكُلُهُ الْغَنَمُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الْمُحْتَرِقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ التُّرَابُ الْمُتَنَاثِرُ مِنَ الْحِيطَانِ فِي يَوْمِ رِيحٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنَ الْحَظِيرَةِ إِذَا ضَرَبْتَهَا بِالْعَصَا، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شي كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا. وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ، وَالْمُحْتَظِرُ الْمُفْتَعِلُ يُقَالُ مِنْهُ: احْتَظَرَ عَلَى إِبِلِهِ وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَرَ وَوَضَعَ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ لِيَمْنَعَ بَرْدَ الرِّيحِ وَالسِّبَاعَ عَنْ إِبِلِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَى جِيَفَ الْمَطِيِّ بِجَانِبَيْهِ
…
كَأَنَّ عِظَامَهَا خشب الهشيم
(1). تنتج لكم يعنى الحرب. (غلمان أشأم) في معنى غلمان شؤم أو كلهم في الشؤم كأحمر عاد. (ثم ترضع فتفطم) يريد أنه يتم أمر الحرب، كالمرأة إذا أرضعت ثم فطمت فقد تممت.
(2)
. راجع ج 9 ص 61.