الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ فِي (سُبْحَانِ) «1» عِنْدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). قوله تعالى: أَيِ انْفَرَدَ بِذَلِكَ. وَالْمُلْكُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَلْكِ وَنُفُوذِ الْأَمْرِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمَلِكُ الْقَادِرُ الْقَاهِرُ. وَقِيلَ: أَرَادَ خَزَائِنَ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ وَسَائِرِ الرِّزْقِ. (يُحْيِي وَيُمِيتُ) يُمِيتُ الْأَحْيَاءَ فِي الدُّنْيَا وَيُحْيِي الْأَمْوَاتَ لِلْبَعْثِ. وَقِيلَ: يُحْيِي النُّطَفَ وَهِيَ مَوَاتٌ وَيُمِيتُ الْأَحْيَاءَ. وَمَوْضِعُ (يُحْيِي وَيُمِيتُ) رُفِعٌ عَلَى مَعْنَى وَهُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِمَعْنَى (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مُحْيِيًا وَمُمِيتًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي (لَهُ) وَالْجَارُّ عَامِلًا فِيهَا. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي الله لا يعجزه شي. قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) اخْتُلِفَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى. وَقَدْ شَرَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرْحًا يُغْنِي عَنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ، فَقَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:(اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فليس قبلك شي وأنت الآخر فليس بعدك شي وأنت الظاهر فليس فوقك شي وأنت الباطن فليس دونك شي اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) عَنَى بِالظَّاهِرِ الْغَالِبَ، وَبِالْبَاطِنِ الْعَالِمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بِمَا كَانَ أَوْ يَكُونُ فلا يخفى عليه شي.
[سورة الحديد (57): الآيات 4 الى 6]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6)
(1). راجع ج 10 ص 266 فما بعد.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) تَقَدَّمَ فِي (الْأَعْرَافِ)«1» مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أَيْ يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ (وَما يَخْرُجُ مِنْها) مِنْ نَبَاتٍ وَغَيْرِهِ (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) مِنْ رِزْقٍ وَمَطَرٍ وَمَلَكٍ (وَما يَعْرُجُ فِيها) يَصْعَدُ فِيهَا مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَعْمَالِ الْعِبَادِ (وَهُوَ مَعَكُمْ) يَعْنِي بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعِلْمِهِ (أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَيَرَاهَا ولا يخفى عليه شي مِنْهَا. وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) وَبَيْنَ (وَهُوَ مَعَكُمْ) وَالْأَخْذُ بِالظَّاهِرَيْنِ تَنَاقُضٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ التَّأْوِيلِ اعْتِرَافٌ بِالتَّنَاقُضِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي: إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمْ يَكُنْ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى حِينَ كَانَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هَذَا التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ هُوَ الْمَعْبُودُ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أَيْ أُمُورُ الْخَلَائِقِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَيَعْقُوبُ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ (تَرْجِعُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ. الْبَاقُونَ (تُرْجَعُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ)«2» . (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أَيْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ أن يعبد من سواه.
(1). راجع ج 7 ص 218.
(2)
. راجع ج 4 ص 56.