الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّحَّاكُ وَابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ مِنَ الْغُرْمِ، وَالْمُغْرَمُ الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَيْ غَرِمْنَا الْحَبَّ الَّذِي بَذَرْنَاهُ. وَقَالَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ: مُحَاسَبُونَ. (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أَيْ حُرِمْنَا مَا طَلَبْنَا مِنَ الرِّيعِ. وَالْمَحْرُومُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الرِّزْقِ. وَالْمَحْرُومُ ضِدُّ الْمَرْزُوقِ وَهُوَ الْمُحَارِفُ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِأَرْضِ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: (مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْحَرْثِ) قَالُوا: الْجُدُوبَةُ، فَقَالَ:(لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا الزَّارِعُ إِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْمَاءِ وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالرِّيحِ وَإِنْ شِئْتُ زَرَعْتُ بِالْبَذْرِ) ثُمَّ تَلَا (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ). قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا يُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ أَدْخَلَ الزَّارِعَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحسنى).
[سورة الواقعة (56): الآيات 68 الى 74]
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) لِتُحْيُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، وَتُسَكِّنُوا بِهِ عَطَشِكُمْ، لِأَنَّ الشَّرَابَ إِنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْمَطْعُومِ، وَلِهَذَا جَاءَ الطَّعَامُ مُقَدَّمًا فِي الْآيَةِ قَبْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَسْقِي ضَيْفَكَ بَعْدَ أَنْ تُطْعِمَهُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ عَكَسْتَ قَعَدْتَ تَحْتَ قَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ:
إِذَا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضًا
…
سَقَوْا أَضْيَافَهُمْ شَبِمًا زُلَالَا «1»
وَسُقِيَ بَعْضُ الْعَرَبِ فَقَالَ: أَنَا لَا أَشْرَبُ إِلَّا عَلَى ثَمِيلَةٍ. (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أَيِ السَّحَابِ، الْوَاحِدَةُ مُزْنَةٌ، فَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَنَحْنُ كَمَاءِ الْمُزْنِ مَا فِي نصابنا
…
كهام ولا فينا يعد بخيل «2»
(1). المحض: اللبن الخالص: والماء الشبم: البارد.
(2)
. نصاب كل شي: أصله. ورجل كهام وكهيم: ثقيل، لا غناء عنده.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُزْنَ السَّحَابُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالثَّوْرِيِّ: الْمُزْنُ السَّمَاءُ وَالسَّحَابُ. وَفِي الصِّحَاحِ: أَبُو زَيْدٍ: الْمُزْنَةُ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ وَالْجَمْعُ مُزْنٌ، وَالْمُزْنَةُ الْمَطْرَةُ، قَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مُزْنَةً
…
وَعُفْرُ الظِّبَاءِ فِي الْكِنَاسِ تَقَمَّعُ «1»
(أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ بِأَنِّي أَنْزَلْتُهُ فَلِمَ لَا تَشْكُرُونِي بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِي؟ وَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَتِي عَلَى الْإِعَادَةِ؟. (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) أَيْ مِلْحًا شَدِيدَ الْمُلُوحَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الْحَسَنُ: مُرًّا قُعَاعًا «2» لَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي شرب ولا زرع ولا غيرهما. (فَلَوْلا) أَيْ فَهَلَّا تَشْكُرُونَ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ بِكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) أَيْ أَخْبِرُونِي عَنِ النَّارِ الَّتِي تُظْهِرُونَهَا بِالْقَدْحِ مِنَ الشَّجَرِ الرَّطْبِ (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) يَعْنِي الَّتِي تَكُونُ مِنْهَا الزِّنَادُ وَهِيَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعَفَارُ، أَيِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا، كَأَنَّهُمَا أَخَذَا مِنَ النَّارِ مَا هُوَ حَسْبُهُمَا. وَيُقَالُ: لِأَنَّهُمَا يُسْرِعَانِ الْوَرْيَ. يُقَالُ: أَوْرَيْتُ النَّارَ إِذَا قَدَحْتُهَا. وَوَرَى الزَّنْدُ يَرِي إِذَا انْقَدَحَ مِنْهُ النَّارُ. وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: وَوَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي بِالْكَسْرِ فِيهِمَا. (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) أَيِ الْمُخْتَرِعُونَ الْخَالِقُونَ، أَيْ فَإِذَا عَرَفْتُمْ قُدْرَتِي فَاشْكُرُونِي وَلَا تُنْكِرُوا قُدْرَتِي عَلَى الْبَعْثِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) يَعْنِي نَارَ الدُّنْيَا موعظة للنار الكبرى، قال قَتَادَةُ. وَمُجَاهِدٌ: تَبْصِرَةً لِلنَّاسِ مِنَ الظَّلَامِ. وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ، قَالَ:(فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا). (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ مَنْفَعَةً لِلْمُسَافِرِينَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُزُولِهِمُ القوى وهو القفر. الفراء: إنما يقال
(1). البيت لأوس بن حجر. وتقمع: تحرك رءوسها لتطرد القمعة وهى ذباب أزرق يدخل في أنوف الدواب.
(2)
. في ل: (زعاقا) ومعنا هما واحد، وهو الماء الشديد المرارة والملوحة.
لِلْمُسَافِرِينَ: مُقْوِينَ إِذَا نَزَلُوا الْقِيَّ وَهِيَ الْأَرْضُ الْقَفْرُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْقَوَى وَالْقَوَاءُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَمَنْزِلٌ قَوَاءٌ لَا أَنِيسَ بِهِ، يُقَالُ: أَقْوَتِ الدَّارُ وَقَوِيَتْ أَيْضًا أَيْ خَلَتْ مِنْ سُكَّانِهَا، قَالَ النَّابِغَةُ:
يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ
…
أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَمَدِ
وَقَالَ عَنْتَرَةَ:
حُيِّيَتِ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
…
أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَمِ
وَيُقَالُ: أَقْوَى أَيْ قَوِيَ وَقَوِيَ أَصْحَابُهُ، وَأَقْوَى إِذَا سَافَرَ أَيْ نَزَلَ الْقَوَاءَ وَالْقِيَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:(لِلْمُقْوِينَ) الْمُسْتَمْتِعِينَ بِهَا مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالِاصْطِلَاءِ وَالِاسْتِضَاءَةِ، وَيُتَذَكَّرُ بِهَا نَارُ جَهَنَّمَ فَيُسْتَجَارُ بِاللَّهِ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لِلْجَائِعِينَ فِي، إِصْلَاحِ طَعَامِهِمْ. يُقَالُ: أَقْوَيْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، أَيْ مَا أَكَلْتُ شَيْئًا، وَبَاتَ فُلَانٌ الْقَوَاءَ وَبَاتَ الْقَفْرَ إِذَا بَاتَ جَائِعًا عَلَى غَيْرِ طُعْمٍ، قَالَ الشَّاعِرُ «1»:
وَإِنِّي لَأَخْتَارُ الْقَوَى طَاوِيَ الْحَشَى
…
مُحَافَظَةً مِنْ أَنْ يُقَالَ لَئِيمُ
وَقَالَ الرَّبِيعُ وَالسُّدِّيُّ: (الْمُقْوِينَ) الْمُنْزِلِينَ [الَّذِينَ «2»] لَا زِنَادَ مَعَهُمْ، يَعْنِي نَارًا يُوقِدُونَ فَيَخْتَبِزُونَ بِهَا؟ وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: الْمُقْوِيُّ مِنَ الْأَضْدَادِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَقِيرِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْغَنِيِّ، يُقَالُ: أَقْوَى الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَادٌ، وَأَقْوَى إِذَا قَوِيَتْ دَوَابُّهُ وَكَثُرَ مَالُهُ. الْمَهْدَوِيُّ: وَالْآيَةُ تَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ، لِأَنَّ النَّارَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. الْقُشَيْرِيُّ: وَخَصَّ الْمُسَافِرَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمُقِيمِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ النَّارِ يُوقِدُونَهَا لَيْلًا لِتَهْرُبَ مِنْهُمُ السِّبَاعُ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ حَوَائِجِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أَيْ فَنَزِّهِ اللَّهَ عَمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْأَنْدَادِ، وَالْعَجْزِ عَنِ الْبَعْثِ.
(1). هو حاتم طى.
(2)
. زيادة من ب.