الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي ليس من شأن المؤمنين بالله الذي كتب عليهم القتال، وباليوم الآخر الذي يوفى فيه كل عامل جزاء ما عمل، أن يستأذنوك أيها الرسول فى أمر الجهاد فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم إذا جدّ ما يدعو إلى ذلك، بل يقدمون عليه عند وجوبه من غير استئذان كما قال:«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» بل هم يستعدون له وقت السلم بإعداد القوة ورباط الخيل.
وهم بالأولى لا يستأذنوك فى التخلف عنه بعد إعلان النفر العام، وأقصى ما قد يقع من فريق منهم هو التثاقل والتباطؤ إذا كان النصر بعيدا.
روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعا طار على متنة يبتغى القتل والموت فى مظانّه إلخ» .
والمراد أن خير أعمال الرجل أن يعدّ فرسه رباطا فى سبيل الله، كلما سمع صيحة لقتال، أو فزعة (أي دعوة للإغاثة) طار على فرسه يبتغى القتل والموت فى مظانه، أي المواضع التي يظن أنه يلقى القتل فيها.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) أي والله عليم بمن خافه فاتقاه باجتناب ما يسخطه وفعل ما يرضيه بالمسارعة إلى طاعته فى غزو عدوه وجهادهم بماله ونفسه، وليس من دأبهم أن يستأذنوا بالتخلف كراهة للقتال.
وفى الآية إيماء إلى أنه لا ينبغى الاستئذان فى أداء شىء من الواجبات ولا فضائل العادات كقرى الضيف وإغاثة الملهوف وسائر أعمال المعروف.
ثم صرح بما فهم من الكلام السابق زيادة فى التوكيد والتقرير فقال:
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) أي إنما يستأذنك فى التخلف عن الجهاد معك من غير عذر من
لا يصدّقون بالله ولا يقرّون بتوحيده ولا باليوم الآخر، فهؤلاء يرون بذل المال مغرما يفوّت عليهم بعض المنافع، وهم لا يرجون ثوابا عليه كما يرجو المؤمنون، ويرون الجهاد بالنفس آلاما ومتاعب، وقد وقع لهم الريب والشك فى الدين من قبل، فلم تطمئنّ به قلوبهم، ولم تذعن له نفوسهم، فهم متحيّرون فى أمرهم مذبذبون فى عملهم، يوافقون المؤمنين فيما يسهل أداؤه من عبادات الإسلام من صلاة وصيام، ويلتمسون الخلاص فيما يشق عليهم من تكاليفه، ويعتذرون بالمعاذير الكاذبة للهرب من القيام بشىء منها.
وقد جاء فى بعض الروايات أن عدد هؤلاء كان تسعة وثلاثين رجلا.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) أي ولو صحت بيتهم للخروج لاستعدوا له وأخذوا الأهبة من زاد وراحلة ونحو ذلك مما يحتاج إليه المسافر لمثل هذا السفر البعيد وقد كانوا مستطيعين لذلك ولم يفعلوا.
(وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) الانبعاث: توجيه الإنسان أو الحيوان إلى الشيء بقوة كبعث الرسل وبعث الموتى، والتثبيط: التعويق عن الأمر والمنع منه.
أي كره الله نفرهم وخروجهم مع المؤمنين لما فيه من الضرر العائق لهم عما أحبه من نصرهم، فثبطهم بما أحدث فى قلوبهم من المخاوف التي هى مقتضى سننه من تأثير النفاق فيها، ومن ثم لم يعدّوا للخروج عدته، لأنهم لم يريدوه، وإنما أرادوا بالاستئذان ستر ما عزموا عليه من المخالفة والعصيان.
(وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) أي وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بعبارة تدل على السخط لا على الرضا، أي اقعدوا مع الأطفال والزّمنى والعجزة والنساء وهم قد حملوه على ظاهره لموافقته لما يريدون.