الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54)
تفسير المفردات
أدبارهم، أي ظهورهم وأقفيتهم، وعذاب الحريق: عذاب النار بعد البعث، والدأب: العادة المستمرة.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه حال هؤلاء الكفار من خروجهم إلى قتال المؤمنين بطرا ورئاء الناس، ومن تزيين الشيطان لهم أعمالهم- قفّى على ذلك بذكر أحوالهم حين موتهم وبيان العذاب الذي يصل إليهم فى ذلك الوقت.
الإيضاح
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي لو عاينت أيها الرسول حال الكفار حين يتوفاهم الملائكة،
فينزعون أرواحهم من أجسادهم ضار بين وجوههم وأقفيتهم، قائلين لهم: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (وهذا الضرب والكلام من عالم الغيب، فلا يقتضى أن يراه الذين يحضرون وفاتهم، ولا أن يسمعوا كلامهم حين يقولون ذلك لهم) لو رأيت ذلك لرأيت أمرا عظيما هائلا يردّ الكافر عن كفره، والظالم عن ظلمه إذا هو علم عاقبة أمره.
وقد روى أن ضرب الوجوه والأدبار كان ببدر، كان المؤمنون يضربون من أقبل من المشركين من وجوههم والملائكة يضربونهم من أدبارهم.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أي هذا العذاب الذي ذقتموه بسبب ما كسبت أيديكم من سىء الأعمال فى حياتكم الدنيا من كفر وظلم، وهذا يشمل القول والعمل.
ونسب ذلك إلى الأيدى وإن كان قد يقع من الأيدى والأرجل وسائر الحواس أو بتدبير العقل، من أجل أن العادة قد جرت بأن أكثر الأعمال البدنية تزاول بها.
(وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي وبأن الله لا يظلم أحدا من عبيده، فلا يعذب أحدا منهم إلا بجرم اجترمه، ولا يعاقبه إلا بمعصيته إياه وقد وقع ذلك منكم، فأنتم الظالمون لأنفسكم فلوموها، ولا لوم إلا عليها.
روى مسلم عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» .
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي فعل هؤلاء المشركين من قريش الذين قتلوا ببدر كعادة قوم فرعون وفعلهم وفعل من قبلهم من الأمم الخالية، كفروا بآيات ربهم فأخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر ولم يظلم أحدا منهم مثقال ذرة، ونصر رسله والمؤمنين.
وكما كانت سنته تعالى فى أولئك أن أخذهم بذنوبهم، فسنته فى هؤلاء كذلك فقد نصر رسوله والمؤمنين فى بدر، وأهلك هؤلاء بذنوبهم.
(إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي إن الله قوىّ لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، شديد العقاب لمن استحق عقابه وكفر بآياته وجحد حججه، وقد جعل لكل شىء أجلا.
روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبى موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله تعالى ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» .
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) أي ذلك الذي ذكر من أخذه لقريش بكفرها بنعم الله عليها، إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته، فكذبوه وأخرجوه من بينهم وحاربوه، كأخذه للأمم قبلهم بذنوبهم- فقد جرت سنة الله ألا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال التي استحقوا بها تلك النعمة.
وفى الآية إيماء إلى أن نعم الله على الأمم والأفراد منوطة ابتداء ودواما بأخلاق وصفات وأعمال تقتضيها، فما دامت هذه الشئون ثابتة لهم متمكنة منهم، كانت تلك النعم ثابتة لهم، والله لا ينتزعها منهم بغير ظلم منهم ولا جرم، فإذا هم غيّروا ما بأنفسهم من تلك العقائد والأخلاق وما يلزم ذلك من محاسن الأعمال، غيّر الله حالهم وسلب نعمتهم منهم فصار الغنى فقيرا والعزيز ذليلا والقوى ضعيفا.
وليست سعادة الأمم وقوتها وغلبتها منوطة بسعة الثروة ولا كثرة العدد كما كان يظن بعض المشركين وحكاه الله عنهم بقوله «وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» .
وكذلك لا يحابى الله تعالى بعض الشعوب والأمم بنسبها وفضل بعض أجدادها على غيرهم بنبوّة أو ما دونها فيؤتيهم الملك والسيادة لأجل الأنبياء الذين ينسبون إليهم كما كان شأن بنى إسرائيل فى غرورهم وتفضيل أنفسهم على جميع الشعوب بنسبهم،