الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورسوله والجهاد فى سبيله على حب أولى القربى والعشيرة والمال والسكن ونحوها مما يحب- إذ أبان فيها أن نصر الله للمؤمنين فى المواطن الكثيرة لم يكن بقوة العصبية ولا بقوة المال ولا بما يشترى به من الزاد والعتاد، بل كان بفضل الله عليهم بهذا الرسول الذي جاءهم بذلك الدين القويم، وأن هزيمتهم وتوليهم يوم حنين كان ابتلاء لهم على عجبهم بكثرتهم ورضاهم عنها، ونصرهم من بعد ذلك كان بعناية خاصة من لدنه، ليتذكروا أن عنايته تعالى للمؤمنين بالقوة المعنوية لا بالكثرة العددية وما يتعلق بها.
الإيضاح
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) أي لقد نصركم الله أيها المؤمنون فى أماكن حرب توطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوكم، ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم فى صعيد واحد للطعان والنزال إحقاقا للحق وإظهارا لدينه.
روى أبو يعلى عن جابر أن عدد غزواته صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرون، قاتل بنفسه فى ثمان: بدر وأحد والأحزاب والمصطلق وخيبر ومكة وحنين والطائف.
وبعوثه وسراياه ست وثلاثون، واختار جمع من العلماء أن المغازي والسرايا كلها ثمانون ولم يقع فى بعضها قتال، ونصرهم فى كل قتال، إما نصرا كاملا وهو الأكثر وإما نصرا مشوبا بشىء من التربية على ذنوب اقترفوها كما فى أحد، إذ نصرهم أولا ثم أظهر عليهم العدو لمخالفتهم أمر القائد الأعظم فى أهم أوامر الحرب وهو حماية الرماة لظهورهم، وكما فى حنين من الهزيمة فى أثناء المعركة والنصر التام فى آخرها.
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) أي ونصركم أيضا فى يوم حنين وهو اليوم الذي أعجبتكم فيه كثرتكم إذ كنتم اثنى عشر ألفا وكان الكافرون أربعة آلاف فقط، فقال قائل منكم:
لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة:
أي فكانت الهزيمة عقوبة على هذا الغرور والعجب وتربية للمؤمنين حتى لا يغتروا بالكثرة
مرة أخرى، فإنها ليست إلا أحد الأسباب المادية الكثيرة المؤدية للنصر.
ومعنى قوله: فلم تغن عنكم شيئا إلخ- أن تلك الكثرة التي غرتكم لم تكن بكافية لانتصاركم ولم تدفع عنكم شيئا من عار الغلب والهزيمة، وضاقت عليكم الأرض على رحبها وسعتها، فلم تجدوا وسيلة للنجاة إلا الهرب والفرار من العدو فولّيتموه ظهوركم منهزمين لا تلوون على شىء.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي ثم أفرغ الله سكينة من لدنه على رسوله (بعد أن عرض له الأسف والحزن على أصحابه حين وقوع الهزيمة لهم) فما ازداد إلا ثباتا وشجاعة وإقداما- وعلى المؤمنين الذين ثبتوا معه وأحاطوا ببغلته الشهباء- وعلى سائر المؤمنين الصادقين فأذهب روعهم وأزال حيرتهم وأعاد إليهم ما كان قد زلزل من ثباتهم وشجاعتهم، وخصوصا حين سمعوا نداءه ونداء عمه العباس إذ دعاهم بأمره- وأنزل مع هذه السكينة جنودا من الملائكة لم تروها بأبصاركم، بل وجدتم أثرها فى قلوبكم بما عاد إليها من رباطة الجأش وشدة البأس- وعذب الذين كفروا بالقتل والسبي والأسر، وذلك هو جزاء الكافرين فى الدنيا ما داموا يستحبون الكفر على الإيمان ويعادون أهله ويقاتلونهم عليه.
ونحو الآية قوله: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ» (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي يكون فى الدنيا على من يشاء من الكافرين فيهديهم إلى الإسلام إذا لم تحط بهم خطيئات الشرك وخرافاته، ولم يختم على قلوبهم بالإصرار على الجحود والتكذيب، وهو غفور لهم يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي، رحيم بهم يتفضل عليهم ويثيبهم بالأجر والجزاء.