الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأحكام- عن علم واسع محيط بكل شىء من مصالحكم الدينية والدنيوية، ونحو الآية قوله:«وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ» .
زادنا الله علما بفقه كتابه، ووفقنا للعمل بأحكامه وآدابه، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه هو السميع المجيب.
موضوعات السور المكية والمدنية
تقدم أن قلنا فى آخر سورة البقرة: إن أمهات المسائل التي ذكرت فى السور المكية هى:
أصول الإيمان من الاعتقاد بوحدانية الله والتصديق بالوحى والرسالة والبعث والجزاء، وقصص الرسل مع أقوامهم، ثم أصول التشريع العامة والآداب والفضائل الثابتة، وجاء فى أثناء ذلك محاجة المشركين ودعوتهم إلى الإيمان بتلك الأصول ودحض شبهاتهم وإبطال ضلالاتهم والنعي على خرافاتهم.
وأمهات ما جاء فى السور المدنية- قواعد التشريع التفصيلية، ومحاجّة أهل الكتاب ببيان ما ضلوا فيه من هداية كتبهم ورسلهم، فكثر فى سورة البقرة محاجة اليهود، وكثر فى سورة آل عمران محاجة النصارى، وكثر فى سورة المائدة محاجة الفريقين، وكثر فى سورة النساء الأحكام المتعلقة بالمنافقين، وكثر فى سورة التوبة فضائح المنافقين.
أهم ما تشتمل عليه سورة الأنفال من الأحكام
(1)
تعليل أفعاله وأحكامه بمصالح الخلق كقوله: «وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ» وقوله: «وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ» .
(2)
كفاية. الله تعالى رسوله مكر مشركى قريش فى مكة حين ائتمارهم على حبسه طيلة حياته أو نفيه من بلده أو قتله كما قال سبحانه: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» (3) امتناع تعذيب المشركين ما دام الرسول فيهم كما قال: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» .
(4)
استغاثة الرسول ربه وإمداده بالملائكة كما قال: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» (5) كراهة مجادلة الرسول فيما يأمر به ويرغّب فيه من أمور الدين ومصالح المسلمين بعد أن تبين لهم أنه الحق كما قال «يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» .
أما المجادلة والمراجعة فى المصالح الحربية والسياسية قبل أن يتبين الحق فيها فمحمودة، إذ بها تتم المشاورة التي عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم فى مواطن كثيرة.
(6)
إن من شأن صادق الإيمان أن يتوكل على الله، أي يكل إليه أموره وحده، فلا يتكل على مخلوق مربوب لخالق مثله، فكل المخلوقات سواء فى الخضوع لسننه، ومن شأن المؤمن المتوكل أن يطلب كل شىء من سببه خضوعا لسننه فى نظام خلقه، فإذا جهل الأسباب أو عجز عنها وكل أمره فيها إلى ربه داعيا أن يعلمه ما جهل منها، وأن يسخر له ما عجز عنه من جماد وحيوان أو إنسان كما قال:«وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وبين فائدة ذلك بقوله: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .
(7)
إن الظلم فى الأمم يقتضى عقابها فى الدنيا بالضعف والانحلال الذي قد يفضى إلى الزوال أو فقد الاستقلال، وإن هذا العقاب يقع على الأمة بأسرها لا على مقترفى الظلم وحدهم كما قال:«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» .
(8)
إن الافتتان بالأموال والأولاد مدعاة لضروب من الفساد، فإن حب المال والولد من الغرائز التي يعرض للناس فيها الإسراف إذا لم تهذب بهدى الدين وحسن التربية والتعليم كما قال:«وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» .
(9)
إن تقوى الله فى الأعمال العامة والخاصة تكسب صاحبها ملكة يفرق بها بين الحق والباطل والخير والشر كما قال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» .
(10)
إن تغير أحوال الأمم وتنقلها فى الأطوار من نعم إلى نقم أو بالعكس أثر طبيعى لتغييرها ما بأنفسها من العقائد والأخلاق والآداب «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» .
(11)
وجوب إعداد الأمة بكل ما تستطيع من قوة لقتال أعدائها، وذلك يشمل السلاح، وهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وقد كثرت أنواعه من برى وبحرى وهوائى، ومرابطة الفرسان فى ثغور البلاد لإرهاب الأعداء وإخافتهم من عاقبة التعدي على الأمة ومصالحها أو على أفرادها «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» .
(12)
تفضيل السلم على الحرب إذا جنح لها العدو لأن الحرب ضرورة من ضرورات الاجتماع تقدر بقدرها «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» .
(13)
المحافظة على الوفاء بالعهد والميثاق فى الحرب والسلم، وتحريم الخيانة سرا وجهرا:«وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ» .
(14)
وجوب معاملة ناقضى العهد بالشدة التي يكونون بها عبرة ونكالا لغيرهم
تمنعهم من الجرأة والإقدام على العودة لمثل ذلك «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .
(15)
جعل الغاية من القتال الديني حرية الدين ومنع الفتنة فيه حتى لا يرجع المشركون أحدا عن دينه «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .
(16)
اتقاء التنازع والتفرق حال القتال لأنه سبب الفشل وذهاب القوة، «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» وقد جرت على ذلك الدول فى العصر الحديث، فإنها تبطل تنازع الأحزاب زمن الحرب وتكتفى بالشورى العسكرية التي شرعها الإسلام وعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، فى غزوة بدر، وفرضت عليه فى غزوة أحد «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» .
(17)
منع اتخاذ الأسرى ومفاداتهم بالمال فى حال الضعف، وجواز ذلك حين الإثخان فى الأرض بالقوة والعزة والسيادة، مع ترغيب الأسرى فى الإيمان وإنذارهم أن يخونوا المسلمين بعد إطلاقهم بمن أو فداء.