المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لله ابنا، وهذا بمنزلة الشرك بالله فإن طرق الشرك مختلفة، - تفسير المراغي - جـ ١٠

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة الأنفال]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 46]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 47 الى 49]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 59]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 60 الى 63]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌موضوعات السور المكية والمدنية

- ‌أهم ما تشتمل عليه سورة الأنفال من الأحكام

- ‌سورة التوبة- سورة براءة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 5 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 8]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 9 الى 10]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 11 الى 12]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 13 الى 15]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 16]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 18]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌وفد هوازن وإسلامهم وغنائهم

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 28]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 40]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 41]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 43]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 44 الى 46]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 47 الى 48]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 49 الى 52]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 55]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 56 الى 57]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 59]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 60]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 61]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 62 الى 63]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 66]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 78]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 79 الى 80]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 83]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 85]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: لله ابنا، وهذا بمنزلة الشرك بالله فإن طرق الشرك مختلفة،

لله ابنا، وهذا بمنزلة الشرك بالله فإن طرق الشرك مختلفة، وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا يحرّمون ويحللون، وأنهم يسعون فى إبطال الإسلام وإخفاء الدلائل الدالة على صدق رسوله وصحة دينه.

‌الإيضاح

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) عزير كاهن يهودى وكاتب شهير سكن بابل حوالى سنة 457 ق م أسس المجمع الكبير وجمع أسفار الكتاب المقدس وأدخل الأحرف الكلدانية عوضا من العبرانية القديمة، وألف أسفار الأيام، وعزرا، ونحميا وعلى الجملة فعصره هو ربيع الدين اليهودي، وهو جدير أن يكون ناشر الشريعة اليهودية، فقد أحياها بعد أن نسيت، ومن أجل هذا فاليهود يقدّسونه حتى إن بعض يهود المدينة أطلق عليه لقب (ابن الله) .

وإسناد هذا القول إليهم جملة وإن كان قد صدر من بعضهم- مبنى على أن الأمة تعدّ متكافلة فى شئونها العامة، فما يفعله بعض الفرق أو الجماعات يكون له تأثير فى جملتها، والمنكر الذي يفعله بعضهم إذا لم ينكره عليه جمهورهم ويزيلوه يؤاخذون به كلهم كما قال تعالى:«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» .

وما مثل ذلك إلا مثل الأوبئة التي تحدث فى الشعب بكثرة الأقذار وإهمال مراعاة القواعد الصحية- لا يعدى بها من تلبس بها فحسب، بل تنتشر العدوى فى الشّعب جميعه.

روى ابن إسحاق وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضى الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس ابن قيس ومالك بن الصيف فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟

والمشهور عند المؤرخين حتى مؤرخى أهل الكتاب أن التوراة التي كتبها

ص: 98

موسى عليه السلام ووضعها فى تابوت العهد أو بجانبه قد فقدت قبل عهد سليمان عليه السلام، فانه لما فتح التابوت فى عهده لم يوجد فيه غير اللوحين الذين كتبت فيهما الوصايا العشر كما جاء فى سفر الملوك الأول، وأن عزرا هو الذي كتب التوراة وغيرها بعد السبي بالحروف الكلدانية ممزوجة ببقايا اللغة العبرانية التي نسى اليهود معظمها، ويقول أهل الكتاب إن عزرا كتبها كما كانت بوحي أو بإلهام من الله.

وخلاصة ما سلف- إن جميع أهل الكتاب يدينون لعزير فى مستند دينهم وأصل كتبهم المقدسة عندهم، وإن كان هذا المستند ضعيفا، فقد جاء فى ترجمة عزرا من دائرة المعارف البريطانية: إنه لم يعد إليهم الشريعة التي أحرقت فحسب، بل أعاد جميع الأسفار العبرية التي كانت أتلفت وأعاد سبعين سفرا غير قانونية (أبو كريف) ثم قال كاتب الترجمة: وإذا كانت هذه الأسطورة الخاصة بعزرا هذا قد كتبها من كتبها من المؤرخين بأقلامهم من تلقاء أنفسهم ولم يستندوا فى شىء منها إلى كتاب آخر، فكتّاب هذا العصر يرون أن أسطورة عزرا قد اختلقها أولئك الرواة اختلاقا اه.

(وقالت النصارى المسيح ابن الله) وهذا قول للقدماء منهم كانوا يريدون به المحبوب أو المكرّم، ثم سرت إليهم وثنية الهنود فاتفقت كلمتهم على أنه ابن الله حقيقة وعلى أن ابن الله بمعنى (الله) وبمعنى (روح القدس) إذ هذه الثلاثة عندهم واحد حقيقة، وهذا تعليم الكنائس الذي قررته المجامع الرسمية بعد المسيح وتلاميذه بثلاثة قرون- وقد خالف فى ذلك خلق كثير منهم يسمّون الموحدين أو العقليين، ولكن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستنتية لا تعتدّ بنصرانيتهم ولا بدينهم.

وكلمة (ثالوث) تطلق عندهم على وجود أقانيم ثلاثة معا فى اللاهوت تعرف بالأب والابن والروح القدس، وهذا هو تعليم الكنيسة الكاثوليكية والشرقية والبروتستانتية وهو المطابق لنصوص الكتاب المقدس.

ص: 99

وعقيدة التثليث وألوهية المسيح مع مخالفتهما للعقل ليس لهما أصل فى كتب الأنبياء لا قطعى ولا ظنى، وكتب العهد الجديد كذلك ليست نصا فيهما على أن هذه لا يوثق بها، فإن النصارى قد أضاعوا أكثر ما كتب من إنجيل المسيح فى عصره، ثم رفضت مجامعهم الرسمية بعد دخول التعاليم الوثنية فيهم من قبل الرومانيين أكثر ما وجد عندهم من الأناجيل التي كانت تعد بالعشرات واعتمدت أربعا منها فحسب، وهذا مصداق قوله تعالى «وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» .

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي هذا الذي قالوه فى عزير والمسيح قول تلوكه الألسنة فى الأفواه، لا يؤيده برهان ولا يتجاوز حركة اللسان، بل البرهان دالّ على عكسه لاستحالة إثبات الولد لمن هو برىء عن الحاجة واتخاذ الصاحبة.

وفى معنى الآية قوله: «وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» .

(يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي يشابهون فيها قول الذين كفروا من قبلهم وهم مشركو العرب الذين قالوا مثل هذا القول، إذ قالوا: الملائكة بنات الله.

وقد علم من تاريخ قدماء الوثنيين فى الشرق والغرب أن عقيدة الابن لله والحلول والتثليث كانت معروفة عند البراهمة والبوذيين فى الهند والصين واليابان وقدماء الفرس والمصريين واليونان والرومانيين، فبيان القرآن الكريم لهذه الحقيقة التي لم يكن أحد من العرب ولا ممن حولهم يعرفها- بل لم تظهر إلا فى هذا الزمان- معجزة من معجزاته الكثيرة التي تظهر على مر الزمان، وتصدّقها المشاهدة والعيان.

(قاتَلَهُمُ اللَّهُ) تعجب من شناعة قولهم، وقد شاع استعمالها فى ذلك، وتستعمل فى المدح أيضا فيقال: قاتله الله ما أفصحه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن المراد لعنهم الله.

(أَنَّى يُؤْفَكُونَ؟) أي كيف يصرفون توحيد الله وتنزيهه، وبه تجزم

ص: 100

العقول، وبلّغه عن الله كل رسول- إلى قول لا يقبله عقل، فما المسيح وعزير إلا مخلوقان من مخلوقات الله الذي خلق هذا الكون العظيم ودبّر أمره، ولا ينبغى لواحد من هذه المخلوقات أن يجعل لخالقه ومدبر شئونه ولدا من جنسه، مع علمه بأنه كان يأكل ويشرب ويتعب ويتألم «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» .

ثم فصل قوله قبل يضاهئون قول الذين كفروا من قبل بقوله:

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي اتخذ كل من اليهود والنصارى رؤساء الدين فيهم أربابا، فاليهود اتخذوا أحبارهم وهم علماء الدين أربابا بما أعطوهم من حق التشريع فيهم وإطاعتهم فيه، والنصارى اتخذوا قساوستهم ورهبانهم: أي عبادّهم الذين يخضع لهم العوام أربابا كذلك.

والرهبان عند النصارى أدنى طبقات رجال الدين، فاتخاذهم أربابا يقتضى بالأولى أن يتخذوا من فوقهم من الأساقفة والمطارنة والبطاركة، إذ الرهبان يخضعون لتشريع هؤلاء الرؤساء مدونا كان أو غير مدون، والعوام يخضعون لتشريع الرهبان ولو غير مدون، سواء قالوه تبعا لمن فوقهم أو من تلقاء أنفسهم لثقتهم بدينهم.

وانفرد النصارى باتخاذهم المسيح ربا وإلها يعبدونه، ومنهم من يعبد أمه عبادة حقيقية ويصرحون بذلك، وجميع الكاثوليك والأرثوذكس يعبدون تلاميذه ورسله وغيرهم من القديسين فى عرفهم، ويتوسلون بهم، ويتخذون لهم الصور والتماثيل فى كنائسهم، ولكنهم لا يسمون هذا عبادة.

واليهود لم يقتصروا فى دينهم على أحكام التوراة، بل أضافوا إليها من الشرائع ما سمعوه من رؤسائهم من قبل أن يدوّنوه فى المشنة والتّلمود، ثم دونوه فكان هو الشرع العام وعليه العمل عندهم.

والنصارى غيّر رؤساؤهم جميع أحكام التوراة الدينية والدنيوية واستبدلوا بها شرائع أخرى فى العبادات والمعاملات جميعا، وزادوا حق مغفرة الذنوب لمن شاءوا

ص: 101

وحرمان من شاءوا من رحمة الله وملكوته، والله يقول:«وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ؟» وزادوا القول بعصمة البابا في تفسير الكتب الإلهية، ووجوب طاعته فى كل ما يأمر به من الطاعات، وينهى عنه من المحرمات.

روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير عن عدىّ بن حاتم رضى الله عنه أنه لما بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فرّ إلى الشام وكان قد تنصر فى الجاهلية، فأسرت أخته وجماعة من قومه ثم منّ رسول الله عليها وأعطاها فرجعت إلى أخيها ورغبته فى الإسلام وفى القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عدى المدينة وكان رئيسا فى قومه طىء (وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم) فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال فقلت: إنهم لم يعبدوهم فقال: (بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلّوا الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عدىّ ما تقول؟ أيضرك أن يقال الله أكبر؟

فهل تعلم شيئا أكبر من الله ما يضرك؟ أيضرك أن يقال لا إله إلا الله، فهل تعلم إلها غير الله؟

ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم وشهد شهادة الحق قال فلقد رأيت وجهه استبشر، ثم قال:

إن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون.

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) أي اتخذوا رؤساءهم أربابا من دون الله، والربوبية تستلزم الألوهية، إذ الرب هو الذي يجب أن يعبد وحده، والحال أنهم ما أمروا على لسان موسى وعيسى ومن اتبعهما فيما جاءا به من عند الله، إلا أن يعبدوا ويطيعوا فى الدين إلها واحدا بما شرعه لهم وهو ربهم ورب كل شىء ومليكه.

ثم علل الأمر بعبادة إله واحد فقال:

(لا إله إلا هو) أي لا إله غيره فى حكم الشرع وفى نظر العقل، وإنما اتخذ المشركون آلهة من دونه بالرأى والهوى جهلا بصفات الألوهية، إذ ظنوا أن لبعض

ص: 102

المخلوقات سلطانا غيبيا وقدرة على الضر والنفع من غير طريق الأسباب للمسخرة للخلق مثل مالله إما بالذات وإما بالوساطة والشفاعة لديه.

(سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزيها له عن شركهم فى ألوهيته بدعاء غيره معه أو من دونه، وفى ربوبيته بطاعة الرؤساء فى التشريع الديني بدون إذنه.

وأمره تعالى بعبادته وحده على لسان موسى عليه السلام جاء فى مواضع من التوراة، منها أول الوصايا العشر التي جاءت فى سفر الخروج (أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامى، لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورا مما فى السماء من فوق ولا مما فى الأرض من تحت، ولا مما فى الماء تحت الأرض، لا تسجد لهن، ولا تعبدهن، لأنى أنا الرب إلهك له غيور) إلخ.

وأمره بعبادته على لسان عيسى كثير أيضا، من ذلك ما رواه يوحنا فى إنجيله (وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) .

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ) أي يريد اليهود والنصارى أن يطفئوا نور الله وهو دين الإسلام الذي أرسل به جميع رسله، وأفاضه على البشر بما أوحاه على موسى وعيسى وغيرهما من رسله، وأتمه وأكمله ببعثه خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم بالطعن فى الإسلام والصد عنه بالباطل بمثل تلك الأقوال فى عزير والمسيح، وبما ابتدعه لهم الرؤساء من التشريع حتى صار التوحيد الذي به هو محض الشرك عندهم، وصار المربوب ربا على تفاوت بين فرقهم فى ذلك.

وهكذا عادى أهل الكتاب الإسلام منذ البعثة المحمدية، وقصدوا إبطاله والقضاء عليه بالحرب والقتال ناحية، وبالطعن وإفساد العقائد من ناحية أخرى، وكل من الأمرين أرادوه لإطفاء نوره.

(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ببعثة محمد خاتم النبيين الذي أرسله إلى الخلق أجمعين

ص: 103

وجعل آيته الكبرى وهى القرآن علمية عقلية وكفل حفظها إلى آخر الزمان، وبين لهم فيه ما يحتاجون إليه من عقائد يؤيدها البرهان، وتبطل بها عبادة الإنسان للإنسان، فضلا عن الأصنام الأوثان، وعبادات تتزكى بها النفس وتطهر من كل رجس، وتجعل كفاية الأغنياء للفقراء حقوقا إلهية ويبطل ثوابها المنّ والأذى، وآداب تطبع فى الأنفس الفضائل، وتشريع يجمع بين الرحمة والعدل والمساواة بين جميع الناس فى الحق.

وخلاصة ما سلف- إنهم يريدون أن يطفئوا نور الله الذي شرعه لهداية عباده وركنه الركين، وأساسه المتين توحيد الربوبية والألوهية، فتحوّلوا عنه إلى الشرك والوثنية، والله لا يريد إلا أن يتم هذا النور الذي هو كنور القمر فيجعله بدرا كاملا يعم نوره الأرض كلها.

(وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ذلك بعد تمامه كما كانوا يكرهونه من قبل حين بدء ظهوره، فهم يكيدون له ويفترون عليه ويطعنون فيه، وفيمن جاء به ويحاولون إخفاءه.

أما اليهود فكانوا فى أول الإسلام أشد الناس عداوة لأهله، فهم فى ذلك كمشركى العرب سواء.

ولما عجزوا عن إطفاء نوره بمساعدة المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم قصدوا إطفاء نوره ببثّ البدع فيه وتفريق كلمة أهله كما فعل عبد الله بن سبأ من ابتداع التشيّع لعلى كرم الله وجهه والغلوّ فى ذلك وإلقاء الشقاق بين المسلمين، ثم فى الفتنة بين علىّ ومعاوية، ولولا ذلك لما قتل أولئك الألوف من صناديد المسلمين، ثم ما كان من منافقيهم من الإسرائيليات الكاذبة التي لا تزال مبثوثة فى تضاعيف كتب التفسير والحديث والتاريخ.

وأما النصارى فقد كان الحبشة منهم أول من أظهر المودة لهم، وأكرم النجاشي من لجأ إليه من مهاجريهم، ومنعهم من تعدى المشركين عليهم، ثم انقلب الأمر بعد انتشار الإسلام وراء جزيرة العرب، فتودد اليهود للمسلمين لأنهم أنقذوهم من ظلم النصارى واستعبادهم، وصار نصارى أوربة المستعمرون للممالك الشرقية هم الذين

ص: 104

يقاتلون المسلمين ويعادونهم دون نصارى هذه البلاد، لأنهم رأوا من عدل المسلمين ما فضّلوهم به على الروم الذين كانوا يظلمونهم ويحتقرونهم- إلى أن جاءت الحروب الصليبية فغلا نصارى أوربا فى عداوة المسلمين ولا يزال الأمر كذلك فى هذا العصر كما هو العصر كما هو مشاهد معروف.

ثم بين إتمام نوره فقال:

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) أي إنه تعالى كفل إتمام هذا النور بإرسال رسوله الأكمل بالهدى والدين الحق الذي لا يغيّره دين آخر ولا يبطله شىء آخر.

ثم ذكر الغاية من إرسال محمد خاتم النبيين بدين الحق فقال:

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليعلى هذا الدين ويرفع شأنه على جميع الأديان بالحجة والبرهان، والهداية والعرفان، والسيادة والسلطان، ولم يكن لدين من الأديان مثل ما للإسلام من التأثير الروحي والعقلي والمادي والاجتماعى والسياسى.

روى أحمد عن عدى بن حاتم رضى الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عدى أسلم تسلم، قلت إنى من أهل دين، قال أنا أعلم بدينك منك، فقلت أنت أعلم بديني منى؟ قال نعم. ألست من الرّكوسية (دين بين الصابئة والنصرانية) وأنت تأكل مرباع قومك (والمرباع ما كان يأخذه رئيس القوم من الغنائم وهو من عادات الجاهلية) قلت بلى (قال فإن هذا لا يحل لك فى دينك) قال فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، قال: أما إنى أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام؟ تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ قلت لم أرها ولكن سمعت بها. قال فوالذى نفسى بيده ليتمّن الله هذا الدين حتى تخرج الظّعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحنّ كنوز كسرى ابن هرمز. قلت كسرى بن هرمز؟ قال نعم كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد» .

ص: 105