الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا التمحيص كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
نشر الله بها أعلام دينه حتى سادت العالم جميعه.
[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه أفعال المنافقين الخبيثة وذكر ما أعده لهم من العذاب فى الدنيا والآخرة- قفّى على ذلك بذكر صفات المؤمنين الذين زكت نفوسهم وطهرت سرائرهم وما أعده لهم من الثواب الدائم والنعيم المقيم.
الإيضاح
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) الولاية ضد العداوة، وتشمل ولاية النصرة وولاية الأخوة والمودة، ونصرة النساء تكون فيما دون القتال من الأعمال المتعلقة بتعبئة الجيوش من الأمور المالية والبدنية، وكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أصحابه يخرجن مع الجيش يسقين الماء ويجهزن الطعام ويحرضن على القتال ويرددن المنهزم من الرجال قال حسان:
تظلّ جيادنا متمطّرات
…
تلطّمهن بالخمر النساء
وقال فى وصف المؤمنين: بعضهم أولياء بعض، وفى وصف المنافقين بعضهم
من بعض- لأن المؤمنين بينهم أخوة ومودة وتعاون وتراحم حتى شبه النبي صلى الله عليه وسلم جماعتهم بالجسد الواحد، وبالبنيان يشد بعضه بعضا، وبينهم ولاية النصرة فى الدفاع عن الحق والعدل وإعلاء كلمة الله.
أما المنافقون فيشبه بعضهم بعضا فى الشكوك والذبذبة وما يتبعها من الجبن والبخل وهما يمنعان من التناصر ببذل النفس والمال، وقصارى أمرهم التعاون بالكلام وما لا يشق من الأعمال، ومن ثم أكذب الله منافقى المدينة فى وعدهم لليهود حلفاتهم بنصرهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا قاتلوهم فى قوله:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» .
(يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وصف الله المؤمنين فى هذه الآية بصفات خمس تضادّ مثلها فى المنافقين.
(ا) إنهم يأمرون بالمعروف والمنافقون يأمرون بالمنكر.
(ب) إنهم ينهون عن المنكر والمنافقون ينهون عن المعروف، وهاتان الخصلتان هما سياج الفضائل ومنع فشوّ الرذائل.
(ح) إنهم يؤدون الصلاة على أقوم وجه وأكمله بخشوع وإخبات لله وحضور القلب فى مناجاته، والمنافقون إذا قاموا إلى الصلاة قاموا وهم كسالى يراءون الناس.
(د) إنهم يعطون الزكاة المفروضة عليهم وما وفّقوا له من التطوع، والمنافقون يقبضون أيديهم، والمنافقون وإن كانوا يصلون، لم يكونوا يقيمون الصلاة، وكانوا يزكون وينفقون ولكن خوفا أو رياء لا طاعة لله تعالى كما قال سبحانه: «وَما مَنَعَهُمْ
أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ» .
(هـ) إنهم يستمرون على الطاعة بترك ما نهوا عنه وفعل ما أمروا به بقدر الطاقة، وبضد ذلك المنافقون فإنهم فاسقون خارجون عن حظيرة الطاعة كما تقدم.
ثم ذكر ما يكون لهم من حسن العاقبة وعظيم الجزاء على جميل أعمالهم فقال:
(أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) أي إنه تعالى يتعدهم برحمته فى الدنيا والآخرة باستمرارهم على طاعته وطاعة رسوله، ويقابل هذا نسيانه تعالى للمنافقين ولعنه إياهم.
(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إنه تعالى عزيز لا يمتنع عليه شىء من وعده ولا وعيده حكيم لا يضع شيئا منهما فى غير موضعه.
وبعد أن بيّن صفاته ورحمته لهم إجمالا- بين ما وعدهم به من الجزاء المفسّر لرحمته تقصيلا فقال:
(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) الجنات: البساتين الملتفة الأشجار التي تجنّ ما تحتها: أي تغطيه وتستره، وجريان الأنهار من تحت أشجارها مما يزيد جمالها، والمساكن الطيبة فى جنات عدن هى الدور والخيام التي يطيب لساكنيها المقام فيها لاحتوائها على ما يطلبون من الأثاث والرياش والزينة التي بها تتم راحة المقيم فيها وسروره، والعدن: الإقامة والاستقرار، يقال عدن فى مكان كذا إذا أقام فيه وثبت، فجنات عدن هى جنات الإقامة والخلود كقوله:«جَنَّةُ الْخُلْدِ- جَنَّةُ الْمَأْوى» وقيل إنه منزل من منازل دار النعيم كالفردوس الذي هو أوسط الجنة أو أعلاها.