الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن شخص يقبل عليه، ومن غضب عليه يعرض عنه، ولا تعد عيناك عنهم: أي لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى أبناء الدنيا والمراد لا تحتقرهم وتصرف النظر عنهم إلى غيرهم لرثاثة منظرهم، تريد زينة الحياة الدنيا: أي تطلب مجالسة من لم يكن مثلهم من الأغنياء وأصحاب الثراء، أغفلنا قلبه: أي جعلناه غافلا، فرطا: أي تقريطا وتضييعا لما يجب عليه أن يتّبعه من أمر الدين، وأعتدنا: أي أعددنا وهيأنا، والسرادق:
لفظ فارسى معرّب يزاد به الفسطاط (الخيمة) شبه به ما يحيط بهم من لهب النار المنتشر منها فى سائر الجهات، المهل: دردىّ الزيت أو ما أذيب من المعادن كالرّصاص والنّحاس، يشوى الوجوه: أي ينضجها إذا قدّم ليشرب، لشدة حره، ومرتفقا: أي متكأ يقال بات فلان مرتفقا أي متكئا على مرق يده، وجنات عدن: أي جنات إقامة واستقرار يقال عدن بالمكان إذا أقام فيه واستقر، ومنه المعدن لاستقرار الجواهر فيه، والأساور: واحدها سوار، والسندس: رقيق الديباج واحده سندسة وهو فارسى معرّب، والإستبرق: ما غلظ منه وهو رومى معرب، والأرائك واحدها أريكة- سرير عليه حجلة (ناموسية) .
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه قصص أهل الكهف ودل اشتمال القرآن عليه على أنه وحي من علام الغيوب- أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه وتلاوته، وألا يكترث بقول القائلين له: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ثم ذكر ما يلحق الكافرين من النكال والوبال يوم القيامة، وما ينال المتقين من النعيم المقيم كفاء ما عملوا من صالح الأعمال.
الإيضاح
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي واتل الكتاب الذي أوحى إليك، والزم العمل به، واتّبع ما فيه من أمر ونهى، وإن أحدا لا يستطيع أن يغيّر ما فيه من وعيد لأهل معاصيه، ومن وعد لأهل
طاعته، فإن أنت لم تتبعه ولم تأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد به المخالفين حدوده- فلن تجد موئلا من دونه، ولا ملجأ تلجأ إليه، إذ قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد على الهرب من أمر أراده به.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي احبس نفسك وثبّتها مع فقراء الصحابة كعمار بن ياسر وصهيب وبلال وابن مسعود وأضرابهم ممن يدعون ربهم بالغداة والعشى بالتسبيح وصالح الأعمال ابتغاء مرضاة الله، لا يريدون عرضا من أعراض الدنيا ولا شيئا من لذاتها ونعيمها.
وعن أبى سعيد وأبى هريرة قالا: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسى معهم» .
ونحو الآية قوله: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» .
ومقال هؤلاء شبيه بمقالة قوم نوح: «أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ» :
ثم أمره سبحانه بمراقبة أحوالهم فقال:
(وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لا تصرف بصرك ونفسك عنهم، رغبة فى مجالسة الأغنياء لعلهم يؤمنون.
وخلاصة ذلك- النهى عن احتقارهم، وصرف النظر عنهم إلى غيرهم، لسوء
حالهم وقبح يزّتهم،
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت الآية: الحمد لله الذي جعل فى أمتى من أمرت أن أصبر نفسى معه.
ثم أكد هذا النهى بقوله:
(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي ولا تطع فى تنحية الفقراء عن مجلسك من جعلنا قلبه غافلا عن ذكر الله، لسوء استعداده، واتباع شهواته، وإسرافه فى ذلك غاية الإسراف، وتدسيته نفسه، حتى ران الكفر والفسوق والعصيان على قلبه، وتمادى فى اجتراح الآثام والأوزار.
وفى ذلك تنبيه إلى أن الباعث لهم على استدعاء الطرد غفلة قلوبهم عن جناب الله، والعمل على ما يقرّب منه، وشغلهم بالأمور الحسية حتى خفى عليهم أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وزخرف الحياة من اللباس والطعام والشرف.
وبعد أن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يلتفت إلى قول أولئك الأغنياء الذين قالوا إن طردت أولئك الفقراء آمنا بك- أمره أن يقول لهم ولغيرهم على طريق التهديد والوعيد: هذا هو الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وقد أشار إلى ذلك بقوله:
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) أي قل أيها الرسول لأولئك الذين أغفلنا قلوبهم عن الذكر، واتبعوا أهواءهم: هذا الذي أوحى إلىّ هو الحق من عند ربكم، وهو الذي يجب عليكم اتباعه والعمل به، فمن شاء أن يؤمن به ويدخل فى غمار المؤمنين، ولا يتعلل بما لا يصلح أن يكون معذرة له فليفعل، ومن شاء أن يكفر به وينبذه وراء ظهره فأمره إلى الله، ولست بطارد لأجل أهوائكم من كان للحق متّبعا، وبالله وبما أنزل علىّ مؤمنا.
وخلاصة ذلك- إننى فى غنى عن متابعتكم، وإننى لا أبالى بكم ولا بإيمانكم، وأمر ذلك إليكم، وبيد الله التوفيق والخذلان، والهوى والضلال، وهو لا ينتفع بإيمان
المؤمنين، ولا يضره كفر الكافرين كما قال:«إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» .
ولما هدد السامعين بأن يختاروا لأنفسهم ما يجدونه غدا عند الله- أتبعه بذكر الوعيد على الكفر والمعاصي، والوعد على الأعمال الصالحة، وبدأ بالأول فقال:
(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) أي إنا قد أعددنا لمن ظلم نفسه وأنف من قبول الحق، ولم يؤمن بما جاء به الرسول- نارا يحيط بهم لهيبها المستعرة من كل جانب كما يحيط السرادق بمن حل فيه، فلا مخلص منه، ولا ملجأ إلى غيره (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) أي وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة وهم فى النار، فيطلبوا الماء لشدة ما هم فيه من العطش لحر جهنم كما قال فى سورة الأعراف حكاية عنهم:«أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله» يؤت لهم بماء غليظ كدردىّ الزيت، وإذا قرب إليهم للشرب سقطت جلود وجوههم ونضجت من شدة حره.
روى أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم عن أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «المهل: كعكر الزيت، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه» ،
وعن ابن عباس قال: أسود كعكر الزيت (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) أي ما أقبح هذا الشراب الذي هو كالمهل، فهو لا يطفىء غلّة، ولا يسكّن حرارة الفؤاد، بل يزيد فيها إلى أقصى غاية، وما أسوا هذه النار منزلا ومرتفقا، وجاء فى الآية الأخرى:«إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً» ثم ثنّى بذكر السعداء فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) أي إن الذين آمنوا بالحق الذي يوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم، فالله لا يضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال، ولا يظلمهم على ذلك نفيرا ولا قطميرا.