الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي وقل لعبادى يقولوا فى مخاطباتهم ومحاوراتهم مع خصومهم من المشركين وغيرهم: الكلام الأحسن للإقناع، مع البعد عن الشتم والسب والأذى.
ونظير الآية قوله «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» وقوله «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» . روى أن الآية نزلت فى عمر ابن الخطاب، ذلك أن رجلا شتمه فسبّه عمر وهمّ بقتله فكادت تثير فتنة فأنزل الله الآية.
ثم علل ذلك بقوله:
(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي إن الشيطان يفسد بين المؤمنين والمشركين ويهيج الشر بينهم، فينتقل الحال من الكلام إلى الفعال، ويقع الشر والمخاصمة، ومن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ فى يده فر بما أصابه بها.
روى أحمد عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدرى لعل الشيطان ينزغ فى يده، فيقع فى حفرة من النار»
وروى أيضا عن رجل من بنى سليط قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو فى رفلة (جماعة) من الناس فسمعته يقول «والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، التقوى هاهنا ووضع يده على صدره» .
ثم بين سبب نزغ الشيطان للإنسان بقوله:
(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) أي إن بين الشيطان والإنسان عداوة قديمة مستحكمة كما قال تعالى حكاية عن الشيطان «ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم» وقال «كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّى برىء منك إنّى أخاف الله ربّ العالمين» .
ثم فسر سبحانه التي هى أحسن بما علّمهم النّصفة بقوله:
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) أي ربكم أيها القوم هو العليم بكم، إن يشأ رحمتكم بتوفيقكم للايمان والعمل الصالح يرحمكم، وإن يشأ يعذبكم بأن يخذلكم عن الإيمان فتموتوا على شرككم.
وفى هذا إيماء إلى أنه لا ينبغى للمؤمنين أن يحتقروا المشركين ولا أن يقطعوا بأنهم من أهل النار ويعيّروهم بذلك، فإن العاقبة مجهولة، ولا يعلم الغيب إلا الله- إلى أن ذلك مما يجرّ إلى توليد الضغينة فى النفوس، بلا فائدة ولا داع يدعو إليها.
ثم وجه خطابه إلى أعظم الخلق ليكون من دونه أسوة له فقال:
(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) أي وما أرسلناك أيها الرسول حفيظا ورقيبا، تقسر الناس على ما يرضى الله، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا، فدارهم ولا تغلظ عليهم، ومر أصحابك بذلك، فإن ذلك هو الذي يؤثّر فى القلوب، ويستهوى الأفئدة، ثم انتقل من عامه تعالى بهم إلى علمه بجميع خلقه فقال:
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبأحوالهم الظاهرة والباطنة، فيختار منهم لنبوته والفقه فى دينه من يراه أهلا لذلك، ويفضل بعضهم على بعض، لإحاطة علمه وواسع قدرته. ونحو الآية قوله «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ» .
وفى هذا رد عليهم حين قالوا: يبعد كل البعد أن يكون يتيم ابن أبى طالب نبيا، وأن يكون أولئك الجوع العراة كصهيب وبلال وخبّاب وغيرهم صحابة دون الأكابر والصناديد من قريش.
وفى ذكر من في السموات ردّ لمقالهم حين قالوا «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ» وفى ذكر من فى الأرض رد لمقالهم حين قالوا «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» .
(وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بما لهم من الفضائل النفسية، والمزايا القدسية، وإنزال الكتب السماوية، فخصصنا كلا منهم بفضيلة ومزية، ففضلنا