الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ: «قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» «وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ» «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ» .
ثم بيّن سبحانه حالهم بعد أن أووا إلى الكهف فقال:
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي إنك أيها المخاطب لو رأيت الكهف لرأيت الشمس حين طلوعها تميل عنه جهة اليمين، ورأيتها حين الغروب تتركهم وتعدل عنهم جهة الشمال، والحال أنهم فى وسطه ومتسعه، فيصيبهم نسيم الهواء وبرده.
وخلاصة ذلك- إنهم طوال نهارهم لا تصيبهم الشمس فى طلوعها ولا فى غروبها، إذ كان باب الكهف فى مقابلة بنات نعش، فهو إلى الجهة الشمالية، والشمس لا تسامت ذلك أبدا، لأنها لا تصل إلى أبعد من خط السرطان، وكل بلاد بعده إلى جهة الشمال تكون الشمس من ورائها لا أمامها فيكون الظل مائلا جهة الشمال طول السنة، كما يعلم ذلك من علم الفلك.
وإيضاح ذلك أنه لو كان باب الكهف فى ناحية الشرق لما دخل إليه شىء منها حين الغروب، ولو كان من ناحية الجنوب لما دخل منها شىء حين الطلوع ولا الغروب وما تزاور الفيء لا يمينا ولا شمالا، ولو كان جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع، بل بعد الزوال ولا تزال فيه إلى الغروب.
مكان الكهف
وللمفسرين فى تعيين مكان الكهف أقوال: فقيل هو قريب من إيلياء (بيت المقدس) ببلاد الشام، وقال ابن إسحاق: عند نينوى ببلاد الموصل، وقيل ببلاد الروم، ولم يقم إلى الآن الدليل على شىء من ذلك، ولو كان لنا فى معرفة ذلك فائدة دينية لأرشدنا الله إليه كما
قال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الجنة، ويباعدكم عن النار، إلا وقد أعلمتكم به» .
(ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ) أي إن هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم وبملكهم مع حداثتهم، وإيواءهم إلى كهف تلك صفته بحيث تزاور الشمس عنهم طالعة، وتقرضهم غاربة، وإخبارك بقصصهم- كل ذلك من آيات الله الكثيرة فى الكون، الدالة على كمال قدرته، وعلى أن التوحيد هو الدين الحق، وعلى أن الله يكرم أهله.
ثم بين أن هدايتهم إلى التوحيد كانت بعناية الله ولطفه فقال:
(مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) أي من يوفّقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق كأصحاب الكهف، فهو المهتدى الذي أصاب سبيل الحق، وفاز بالحظ الأوفر فى الدارين.
وفى هذا إيماء إلى أن أصحاب الكهف أصابوا الصواب، ووفّقوا لتحقيق ما أنيلوا من نشر الرحمة عليهم وتهيئة المرفق.
(وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) أي ومن يضلله الله لسوء استعداده، وصرف اختياره، إلى غير سبل الهدى والرشاد، فلن تجد له أبدا خليلا ولا حليفا يرشده لإصابة سبل الهداية، ويخلّصه من الضلال، لأن التوفيق والخذلان بيد الله، يوفّق من يشاء من عباده، ويخذل من يشاء.
وفى هذا تسلية لرسوله وإرشاد له إلى أنه لا ينبغى له أن يحزن على إدبار قومه عنه، وتكذيبهم إياه، فإن الله لو شاء لهداهم وآمنوا.
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) أي ولو رأيتهم لظنتهم فى حال يقظة لانفتاح أعينهم وهم نيام، كأنهم ينظرون إلى من أمامهم، ولما للنوم من الحال الخاصة به التي يستبينها الناظر بادىء ذى بداء كاسترخاء المفاصل والأعضاء ولا سيما العينان والوجه.
(وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ونقلّب هؤلاء الفتية فى رقدتهم مرة للجنب الأيمن، ومرة للجنب الأيسر، كى ينال روح النسيم جميع أبدانهم، ولا يتأثر ما يلى الأرض منها بطول المكث.